الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ان الشيوعية العراقية هى الشيعية القديمة ؟ القسم الاول (استلاب الشجاعة عند الشيوعيين العراقيين)

سلمان رشيد محمد الهلالي

2019 / 12 / 9
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


ادرج الباحث الامريكي حنا بطاطو هذه العبارة في كتابه القيم (الطبقات القديمة والحركات الثورية في العراق) والذي ترجمه عفيف الرزاز بثلاث مجلدات بعنوان (العراق) . وذكر هذه العبارة في المجلد الثاني (الحزب الشيوعي) ليس في معرض التاكيد على هذه الاطروحة الرائجة , وانما في موقع التناقض لما يدعيه البعض سابقا حولها . فقد بين بطاطو ان نسبة الشيوعيين الشيعة في التنظيمات الرسمية للحزب الشيوعي هى اقل من نسبتهم العددية في العراق , وعلق قائلا (وهذه الحقيقية الى جانب دورهم الثانوي في مستوى القمة كانا يتناقضان جوهر الفكرة القائلة بان الشيوعية العراقية ليست الا الشيعية القديمة بلبوس حديث) ,وهذا يعني ان فكرة الشيوعية العراقية هى الشيعية القديمة سبق ان طرحها باحثين اخرين لم يذكرهم – للاسف – بطاطو في كتابه هذا . فيما ان الواقع هو عكس ذلك بكثير ,فالشيوعيية العراقية هى الشيعية القديمة لاشعوريا , اذ ان الظروف والاحوال الاجتماعية السيئة التي كان يعاني منها الشيعه بخاصة والعراقيون بعامة , من حيث انتشار مظاهر الفقر والتسلط والحرمان، والانقسام القبلي والطائفي والاثني, وغيرها من المساوئ والسلبيات التي ورثها العراق من السيطرة العثمانية، ساهمت في تهيئة الارضية المناسبة لتقبل الافكار الماركسية الى العراق، وانتشارها بشكل لافت للنظر, بعد ان وجد فيها الناس (او اعتقدوا ذلك) حلا ناجعا للاشكالات المستعصية التي يرزح تحت ظلها المجتمع العراقي . وقد تبلور هذا العامل بصورة جلية في انتماء المكونات والاقليات الدينية والمذهبية والاثنية الى الحزب الشيوعي العراقي، او تلك التي كانت غير مقربة او مدللة من الدولة العثمانية وبنيتها الاجتماعية والدينية والطائفية كالشيعة والمسيحيين واليهود والكورد والصابئة وغيرهم ، لاسيما بعد تهميشهم الصريح واقصائهم عن الادارة والحكم . فقد دعمت الحركة الشيوعية النزعة المساواتية بين مختلف قطاعات المجتمع، وتسامت عن مفاهيم التعصب الاخرى، واعتمدت معيار الانتساب العصري والعلماني والاممي للحركة الماركسية, والانتماء الفوقي للطبقة العاملة كمرتكز دلالي على حساب الانتماءات القبيلة او الاستقطابات المذهبية والاثنية التي وصفتها بالرجعية والبالية ، ومن اجل ذلك قيل (ان الشيوعية في المشرق العربي افيون الاقليات), للدلالة على انصهارها في الحركة الشيوعية كوسيلة عاطفية او غير عقلانية للتخلص من التهميش والنظرة الدونية التي الصقت بهم اجتماعيا من قبل السلطات الحاكمة على مدى التاريخ . فيما وصف المفكر الفرنسي ريمون ارون (1905-1983) الماركسية بانها (ديانة علمانية) كبديل ديني عند اصحاب الديانات الاخرى المهمشه في المنطقه ، او ستكون (اسلام القرن العشرين) كبديل الاسلامي عند الاقليات الاخرى عن الاسلام السني السلطوي او الطائفي السائد . وقد تبلور هذا الاتجاه بصورة واضحة عند الشيعة في وسط وجنوب العراق , من حيث الانتماء المتطرف عند اغلب فئات الانتلجنسيا العصرية للافكار الماركسية والحركة الشيوعية . اذ ساهم تعرضهم للتهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي بعد تاسيس الدولة في العراق الى عملية تماهي كبرى مع تلك القوى المتضادة مع تلك الدولة، واهمها الحركة الشيوعية العلمانية، فاذا كان تهميش الشيعة قد حصل باسم العلمانية ، واعتبارهم رافضين للدولة المدنية او العصرية اثناء اعتراض المجتهدين على انتخابات المجلس التاسيسي عام1922، فان محاربة هذه المقولة ورفضها من قبل الشيعة، كان في المزيد من التبني المفرط للقيم العلمانية والمدنية والعصرية، التي تجلت انذاك بالنزعة المساواتية التي دعت الى تطبيقها الافكار الماركسية، والتي من جانب اخر، عرت النخبة الحاكمة ذات الاصول العثمانية، واعتبرتهم مجرد اناس هدفهم الاساس هو الهيمنة على السلطة ومقدرات الدولة من خلال حكم الاقلية السنية المدللة، وليس الافكار والقيم العصرية كما يدعون، حتى اضحت الشيوعية هي الفكرة اللاشعورية للشيعة من اجل تحقيق المساواة والعدالة وانهاء المعادلة الطائفية في الادارة والحكم و (الاداة الرئيسية التي سعى شيعة العراق فيها الى احداث تغيير سياسي جذري) كما يقول اسحق النقاش.
الا ان المركزية السنية الحاكمة في العراق والعالم العربي وبخبرتها وذكائها وسطوتها عرفت ان هذا التجلي للاخير للشيعة في صورة الحزب الشوعي هو رغبة مبيته او مؤامرة غير مبشرة للتغيير الاجتماعي والسياسي , والنيل من سلطتها وهيمنها , فوجهت لها ليس سهام حادة من العنف الرمزي والمكافحة الثقافية والتخوين والاتهام بالاباحية والشعوبية - كما في كتاب الدكتور عبد العزيز الدوري (الجذور التاريخية للشعوبية) ومؤلفات الحاج خير الله طلفاح والدكتور عبد الرحمن البزاز وعبد الرزاق الحصان وغيرهم - وانما بالعنف المادي والتصفية الجسدية والابادة المنظمة ,كما حصل في اعقاب انقلاب شباط 1963 , او بعد انهيار مايعرف بالجبهة الوطنية والقومية التقدمية عام 1979 . وكما قال حنا بطاطو (اذا كان الاصل المسيحي لفهد امرا تافها من الناحية الايديولوجية فانه كان خنجرا اضافيا في غمد العدو) .وكذا الامر مع الشيوعيين الشيعة فان اصولهم الاجتماعية والمذهبية تعد امرا ساذجا وتراجعا ايديولوجيا في المنظور العلماني , الا انه شكل السلاح الامضى عند المركزية السنية الحاكمة للنيل منهم وابادتهم وتصفيتهم .
وسبق ان ذكرنا في دراسات منشورة سابقا في موقع الحوار المتمدن ,ان هذه الابادة المنظمة والمكافحة الثقافية والحرب الاعلامية والعنف الرمزي والمادي من قبل السلطات الطائفية والقومية الحاكمة ضد الشيوعيين الشيعة بعد انقلاب شباط 1963 قد ادى الى بلورة نمط (الخصاء) عندهم , وشعور لامتناهي بالدونية والنقص والاستلاب في شخصياتهم الشيوعية ونفوسهم الشيعية على حد سواء ,حتى اضاعوا المشيتين – كما يقال – فلاهم شيوعيين ثوريين اباة وحقيقين , ولاهم شيعة محافظين على هويتهم الثورية التقليدية , او يمكن القول انهم (شيوعيين ضمن الوعي وشيعة ضمن اللاوعي) نتج عنه الرغبة بالدفاع عن انفسهم باي وسيلة والتبرء من هويتهم الشيعية باي مناسبة واستجداء الاعتراف والمقبولية من الاخر القومي والطائفي باي طريقة , ونفي التهم الرائجة عنهم لاشعوريا ,وغيرها من السلوكيات غير العقلانية والمازومة . وهذا الخصاء والتدجين تمظهر في صور متعددة لايمكن ادراجها كلها ولكن يمكن ذكر اهمها :
1 . استلاب الشجاعة
2 . العقدة الشيعية من ايران
1 . استلاب الشجاعة : وتعني الشعور النفسي بالنقص والالم والعار الذي يمر به الانسان بسبب الجبن والتخاذل في المواقف التي تحتاج الى المواجهة والشجاعة في حياته من قبيل التهديدات الشخصية والاستبداد السياسي او التردد والضعف في مواطن المواجهة ومحاولة تعويض ذلك من خلال اتخاذ مواقف وهمية من الشجاعة واسطرتها وتضخيمها في سبيل التعمية والتغطية عن تلك المواقف السابقة . وفي الواقع ان ظاهرة استلاب الشجاعة ليست مقتصرة على الشيوعيين فقط , وانما هى ظاهرة منشرة في المجتمع العراقي .ويمكن تفسيرها من خلال الاستعانة باراء الدكتور علي الوردي بهذا الصدد ,وخاصة فرضيته حول صراع قيم البداوة والحضارة في العراق . فقد بين الوردي ان العراقي يحمل في شخصيته وقرارة نفسه نوعين من القيم (البدوية والحضرية) فالقيم البدوية تقدس النخوة الشجاعة والبطولة ,الا ان واقعه الريفي والمدني والاستبداد السياسي لايستطيع ان يظهر هذه القيم وتطبيقها على ارض الواقع , بسبب واقعه المدني وهيمنة القيم الحضرية ,مما يجعله يعيش حالة من الاستلاب والعقدة النفسية اللاشعورية التي يريد اظهارها والتنفيس عنها , ومن ثم التغطية عليها باي وقت او وسيلة ممكنة . وعندنا في العراق بعد 2003 اكبر دليل على ذلك , فالمجتمع الشيعي كان يعاني من ضغط الديكتاتورية وماتبعها من اذلال واحتقار وعبودية وطائفية وتخوين , الامر الذي جعله يكبت تلك الاهانات والتجاوزات الفضيعة في خانة اللاشعور, وبما ان (المشاعر المكبوتة لاتموت ابدا ,انها مدفونة وعلى قيد الحياة ,وستظهر في وقت لاحق) – كما قال فرويد – فان تلك المشاعر ظهرت بصورة هائلة كالبركان بعد ان وجدت متنفسا لها من الحرية والديمقراطية بعد سقوط النظام الديكتاتوري البعثي , فخرجت بصور شتى من المقاومة والتظاهرات والاحتجاجات والانتقادات ووو وغيرها . الا ان استلاب الشجاعة عنده اعطى لافعاله وممارساته بعدا وهميا وكاذبا وغير واقعيا او حقيقيا من البطولة والمقاومة . فكلنا يعرف ان الشجاعة هى مواجهة الخطر , وهذا تعريفها البسيط والموضوعي , واذا لم نعتمد ذلك التعريف فانها تصبح مفهوما سائبا وغير عقلانيا , لان كل انسان في هذه الحالة يعتبر عمله نموذجا للشجاعة حتى لو كانت ضد الانسان الاخر الضعيف المستضعف ,وهذا مارايناه بعد 2003 فالكثير من العراقيين اعطوا لافعالهم من التظاهرات والنقد للحكومة بعدا من الشجاعة ليس له وجود حقيقي , وكل ذلك بسبب ذلك الاستلاب المتراكم والمكبوت ضمن اللاشعور . لذا نجد ان مفردات مثل (احرار وشجعان وابطال) توزع مجانا ونفاقا - يمينا ويسارا - لكل تصرف ضد النظام المتراخي والضعيف والمترهل والتعددي الديمقراطي . واذا تجرأ احدهم وانتقدهم على اضفاء هذه المفاهيم الكاذبة على افعالهم , كان الحل عندهم هو الغضب والتوتر وازالة هذا الاشكال من خلال اضفاء مفاهيم من الديكتاتورية والاساطير والتهويل والخوف على هذا النظام السائب والمتراخي حتى يعطون لانفسهم بعدا حقيقيا من الشجاعة ولكنها لاتصمد امام الواقع والتاريخ والعقل .
وكان من اهم الفئات العراقية التي تعرضت لاستلاب الشجاعة هم الشيوعيين العراقيين , وهذا الاستلاب تبلور نتيجة عقود طويلة من الاهانات والاذلال والاضطهاد والجبن والتنازلات المخجلة امام الحكومات القومية في العهد الملكي شبه الديمقراطي والاستبدادية في العهد الجمهوري . ويعد الشاعر بدر شاكر السياب اول من اشار الى ظاهرة الجبن والتخاذل عند الشيوعيين في مقالات نشرها في جريدة (الحرية) عام 1959 بعنوان (كنت شيوعيا) (الحلقة الثامنة) (وجمعت بكتاب طبع بنفس العنوان) وعزى ذلك (الى الحادهم وعدم ايمانهم بالبعث لذا تكون الحياة عندهم عزيزة لانها حياتهم الوحيدة) وتسائل السياب قائلا (هل تجرأ شيوعي بمفرده او عشرة من الشيوعيين نحو قومي متامر وقتلوه ؟) والتطبيق العملي لهذا الراي هو ان البعثيين ورغم انهم قتلوا مايقارب الخمسين الف شيوعي , الا ان الشوعيين لم يستطيعوا قتل بعثيا قياديا واحدا , وربما حتى بعثيا عاديا واحدا . والمفارقة ان السياب ادرج هذا الراي – كما قلنا – عام 1959 في زمن لم تكن مظاهر الجبن والتخاذل والابادة قد ظهرت بصورة واضحة بعد انقلاب شباط 1963 وعودة البعثيين للسلطة عام 1968 وانهيار الجبهة عام 1979 , وربما لو كان السياب قد عاصر هذه الاحداث لكانت اراءه قد اصبحت اكثر جرأة ورسوخا , واخذت مديات خطيرة من التحليل والنقد , لما تحمله من مصداقية ويقين . في الواقع ان راي السياب هذا يبعث على الاسى والالم والخجل , فرغم ان الشيوعيين العراقيين يستلهمون افكار وسلوكيات اكثر الماركسيين ثورية وتشددا في التاريخ المعاصر من قبيل لينين وتروتسكي وجيفارا وكاسترو وهوشي منه وماتوسي تونغ وغيرهم , الا انهم اعجز عن المواجه والمقاومة للواقع الاستبدادي في العراق , واكتفوا فقط بالتنظير الثوري في في مواطن اللجوء في اوربا الغربية .
واعتقد ان الشاعر السياب قد اخطا بهذا التفسير حول سبب الجبن عند الشيوعيين العراقيين , وربما يرجع تفسيره هذا الى خلفيته الاسلامية السنية , فالشيوعي السني في العراق لايترك ثقافته الدينية الاصلية ابدا , لانها تشكل ركيزة لهويته وسلطته وهيمنته على الاخرين , وخميرة من التضامن العضوي بين الجماعة السنية وخشيتها من الذوبان مع الطوفان الشيعي الذي اخذ بالتمدد في القرون الاخيرة بعد تشيع الكثير من القبائل الكبيرة في جنوب العراق . وهذا الامر يكون بالعكس من اخيه الشيوعي الشيعي المعروف عنه ليس العبور عن الهوية والتسامي عنها فحسب , بل والهجوم عليها ونقدها وتخوينها بسبب حالة الخصاء والتدجين والترويض القومي والحكومي التي ذكرناها سابقا , وارتباطها بمظاهر الخنوع والعبودية والاستلاب . واما تفسيرنا الشخصي لسبب انتشار مظاهر الجبن والتخاذل عند الاخوة الشيوعيين , فان الامر يرجع الى اصولهم الاجتماعية الشيعية . فمن المعروف ان التشيع ارتبط تاريخيا بالثورة والرفض ضد الانظمة الاستبدادية والديكتاتورية او المحتلين الغزاة والاجانب , فهو مذهب وصفه الكثيرون من الباحثين والكتاب بالثورية والمقاومة والرفض , وهذا مايشهد عليه التاريخ الحديث والمعاصر , الا انه في العقود الاخيرة وبعد تاسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 ظهرت اليات ومظاهر من التدجين والترويض لهذه الجماعة بسبب مظاهر الثورية والرفض السابقة , ومن خلال سلوكيات حكومية من القمع والضبط السياسي والاجتماعي والاستهداف الاعلامي وقرارات متعددة اهمها التجنيد الاجباري وتاسيس الاقطاع وتسجيل الاراضي الزراعية باسماء الشيوخ الكبار , وهو مايعد بداية تاسيس النظام الاقطاعي او شبه الاقطاعي وغيرها , الا ان الانقلاب البعثي في شباط 1963 عمل على بلورة مفهوم الخصاء والتدجين والترويض للشخصية الشيعية من خلال مؤسسات التربية والتعليم والاعلام والجيش وغيرها , وتعرضت الانتلجنسيا الشيعية لاكبر عملية تدجين واخصاء في التاريخ الحديث والمعاصر مازالت اثارها ظاهرة حتى الان بقوة عند الكثير من الفئات , واهمها بالطبع الاخوة الشيوعيين الشيعة , لانهم اكثر من غيرهم تعرضوا لتلك العمليات والممارسات السلوكيات بعد انقلاب 1963 , واصبحت الشخصية الشيوعية لاتستطيع التجاوز على المركزية السنية والسلطة القومية , ناهيك عن مقاومتها او قتلها , وكلنا نعرف (ان الانسان لن ينال حريته الا عندما يقتل اباه) - كما ذكر ذلك فرويد – اي ان سبب جبن الشيوعيين وتخاذلهم امام السلطات البعثية الحاكمة يرجع الى اصلهم الشيعي الانثروبولوجي وليس الى الشيعي المذهبي (اي تصرفوا كشيعية مستلبين امام السنة الحاكمين , وليس كشيوعية ثوريين امام البرجوازيين الحاكمين) , فلو كانت الحكومات في العراق ليست سنية عروبية , فربما كان للشيوعيين الجرأة والقدرة على مواجهتها وقتالها وحتى ابادتها وتصفيتها , ابتدا من العهد الملكي (1921 – 1958) والجمهوري (1958 – 2003) . والمفارقة ان الشيوعيين لم يعيشوا اجواء الحرية وعدم الملاحقة والخصاء والتدجين الا في النظام السياسي بعد 2003 فكان منهم الوزراء والنواب والمستشارين ووكلاء الوزرات والمدراء العامون واعضاء مجالس المحافظات والاقضية والنواحي , وحصلوا على الرتب العسكرية الفخرية من اجل التقاعد في قانون دمج الميليشيات , ورواتب الخدمة الجهادية او النضالية من الحكومة الاتحادية ومن كردستان - او من كلاهما - وفتح الحزب مكاتبه في جميع مراكز المحافظات والاقضية والنواحي في البلاد , واخذوا حريتهم بالنشر والكتابة والتاليف وطبع الصحف والمجلات الخاصة بهم , الا ان المفارقة هو ان اتباعهم بالخارج – وحتى انصارهم واعضائهم بالداخل - يشنون الهجوم على هذا النظام ليل نهار وكانه يتحمل ضريبة عدم اخصائهم وتدجينهم , وينعتونه باقسى صفات الديكتاتورية والاستبداد من اجل اضفاء سمة الشجاعة والبطولة على اعمالهم وكتاباتهم وارائهم والتعمية على صفة الاستلاب والجبن التي ذكرناها سابقا .
واذا رجعنا للتاريخ قليلا من اجل تعزيز رؤيتنا وصحة قولنا هذا حول تمظهرات سلوكيات الجبن والتخاذل عند الشيوعيين العراقيين امام السلطات الطائفية السنية والقومية العربية لوجدنا للاسف حالات يخجل الانسان من ذكرها ويعجز عن تفسيرها , واعتقد ان التفسير الذي ادرجته في هذه الدراسة هو الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه , رغم الاختلالات والنواقص في بعض مضامينه ومطارحاته , ولكنه المتاح حتى الان , وافضل من تفسير الشاعر بدر شاكر السياب . ويمكن القول ان خطورة ظاهرة الجبن والتخاذل عند الشيوعيين العراقيين انه اصبح (نسقا) system لايمكن تجاوزه والقفز عليه , بل ان هذا النسق فرض نفسه حتى على المنضمين للحركة الشيوعية لاحقا من الاجيال الجديدة بعد 2003 , واعتقد ان الشيعي العراقي الذي ينضم للاحزاب الشيوعية العراقية بعد خمسين عاما سيقع تحت تاثير هذا النسق لاشعوريا , رغم انه لم يتعرض عمليا لمظاهر الخصاء والتدجين والترويض القومي والبعثي , والسبب هو ماذكره الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو بان النسق لايتلاشى او يضمر الا بوجود نسق اخر مغاير له كليا , بمعنى بان هذا النسق لايتلاشى بمجرد القول او الاتفاق او القرار بالغائه وضرورة انهائه , بل يجب ان يحل محله نسقا اخرا مغايرا له بالقوة وموازيا له بالفعل حتى تنجح عملية الالغاء والتلاشي , والا فانه سيبقى صامدا حتى الابد . واذا عرفنا ان النسق المغاير للجبن هو الشجاعة والبطولة فان الامر سيشكل موقفا محرجا للاخوة الشيوعيين بسبب صعوبة توفر هذا البديل .
واذا بدانا بالعهد الملكي (1921 – 1958) فاننا نجد البواكير الاولى لتاسيس هذا النسق , فرغم ان هذا العهد يتميز بالضعف والتراخي – كعادة الانظمة الديمقراطية الليبرالية وشبة الديمقراطية – ويسمح بنوعا من الحريات النسبية , الا ان الشيوعيين لم يقوموا باي عملية عسكرية او بطولية ضد النظام الحاكم وقادته او رموزه , وخاصة بعد حظر الشيوعية وملاحقتها بعد الحرب العالمية الثانية , وتعرضهم الى المواقف لاتحصى من الاذلال والضرب والاهانة والفصل , حتى ادى الى انهيار الحزب واعتراف قادته الكبار على التنظيم مثل مالك سيف (من العمارة) وعبد الحميد الخطيب(من البصرة) وتاليف كراسات خاصة تهاجم الحزب وقادته .
واما مرحلة حكم الزعيم عبد الكريم قاسم (1958 – 1963) التي وصفت بالذهبية للحزب الشيوعي العراقي بسبب نفوذه الكبير في الدولة العراقية وسيطرته على جميع المنظمات الشعبية والمهنية والنقابية وعلاقته المتميزة والشخصية مع اغلب قيادات السلطىة الحاكمة وتنظيمه للمظاهرات الهائلة في جميع الوية العراق وتشكيله للميليشيات العسكرية والتنظيمات المسلحة بدعوى حماية الثورة , الا انهم تعرضوا الى عمليات لاحصر لها من الملاحقة والضرب والاعتقال والفصل من الوظيفة والحظر من العمل الحزبي الرسمي , ولم يستطيعوا الرد عليها بدعوى ان من يقوم بهذه الملاحقات هم قادة الفرق دون علم عبد الكريم قاسم !! بل وتعرضوا ايضا الى حملات منظمة من الاغتيال على ايدي الفتيان البعثيين وصل عددهم في الموصل الى (400) شيوعي , قيل ان المشرف عليها شخصا كرديا استعرب لاحقا يدعى طه ياسين رمضان - كما ذكر ذلك الدكتور علي البوتاني في كتابه (العراق دراسة في التطورات السياسية الداخلية 1958 – 1963) - والمفارقة ان الشيوعيين وعلى الرغم من اختراعهم انذاك لظاهرة السحل في الشوارع , واطلاق شعارهم الشهير (ماكو مؤامرة تصير والحبال موجودة) الا انهم – وللاسف – لم يسحلوا بعثيا واحدا , وانما سحلوا المتهمين الابرياء والضعفاء من عامة الناس - وخاصة من الشيعة - وقد ذكر الدكتور علي الوردي – وبصفته شاهد عيان ومعاصر للاحداث التي ذكرها في بعض مؤلفاته – ان الشيوعيين سحلوا رجلا من الكاظمية كان ذنبه انه اجار رجلا دخل في محله هاربا من الشيوعيين , فما كان منهم الا ان القوا عليه الحبال وسحله في الشوارع وهو يصرخ ويستجير في طلب الحماية من الاهالي المتفرجين حتى مات , واستمروا بسحله على جسر الائمة الرابط بين الكاظمية والاعظمية من اجل استعراض قوتهم , وبما ان الاخيرة كانت معقل البعثيين , فانها اطلقت عليهم النيران , فولوا هاربين تاركين جثة الرجل وحدها .
واما الحوادث والملاحقات التي تعرض لها الشيوعيين بعد الانقلاب البعثي في شباط 1963 من قبل ميليشيات الحرس القومي فهى ترتقي الى مستوى الفضيحة من التخاذل والتردد والجبن , فرغم التاييد الشعبي للمقاومة ضد الانقلاب في الاحياء الشعبية من بغداد وبعض المدن الاخرى , الا ان الشيوعيين لم يرتقوا الى مستوى الشجاعة والبطولة والحزم لمواجهة البعثيين وتصفيتهم , بل سرعان ماهرب قادتهم الى شمال العراق وانزوى الاخرين في المخابىء او خارج العراق , فيما سلم الالاف انفسهم للسلطة والحرس القومي حتى امتلئت بهم السجون والمعتقلات , فحشروا في دور السينما والملاعب الرياضية والمدارس ورياض الاطفال والمساجد والقصر الملكي (الذي سمى لاحقا بقصر النهاية) حتى قيل ان عدد الشيوعيين او المتعاطفين معهم الذين سلموا انفسهم بين شهري شباط وتشرين الثاني من عام 1963 بلغ (120) الف - كما ذكر ذلك البوتاني في كتابه السابق - منهم الموظفين والطلبة والرجال والنساء والمدنيين والعسكريين والادباء والمثقفين , استخدمت ضدهم اشد اساليب التعذيب وحشية وهمجية من قبيل قطع الاطراف وكي الجلود بالنار والجلوس على المدفا وكسر العظام بالحديد وفقا العيون بالاصابع وقلع الاظافر والصعق بالكهرباء في المناطق الحساسة بالجسم الجلوس على الخوازيق المدببة (ويبدو ان الحرس القومي ورثها من الدولة العثمانية) وقطع الاصابع وتعليق الرجال والنساء بالمراوح السقفية من الارجل وغيرها , الا ان اغتصاب النساء الشيوعيات تبقى اهم الصفحات السوداء في تاريخ الحرس القومي البعثي , فقد اكد كتاب (المنحرفون) الذي اصدرته حكومة عبد السلام عارف بعد انقلابها على البعثيين في تشرين الثاني 1963 ان حالات من الاغتصاب حدثت في بغداد ومحافظات اخرى - كان من اهمها مدينة الناصرية - والملاحظ ان اقسى حالات التعذيب التي مارسها الحرس القومي البعثي بعد العاصمة بغداد كانت في الناصرية , والسبب باعتقادي هو قوة التنظيم الشيوعي هناك والنزعة الاجرامية التي كان يحملها قائد الحرس القومي في عموم المحافظة المهندس المسيحي فهمي روفا هرمز (ابن خالة طارق عزيز ومتزوج من اخته وشقيق الطيار منير روفا الذي هرب الى اسرائيل بطائرة الميغ السوفيتية عام 1967) وتعاون البعثيين من اهالي المحافظة معه من قبيل نعيم حميد حداد واخيه علي حميد حداد وعباس حمادي وغازي سيف السعدون وقائد الحرس القومي في مدينة الناصرية بدر جابر العيد وقائد الحرس القومي في سوق الشيوخ عكاب سالم الطاهر الذي مدح المدعو فهمي كثيرا في كتابه (كانت لنا ايام في الريف) . وكالعادة ذهبت صرخات الشيوعيين والشيوعيات هباء منثورا في اصقاع التاريخ , فلم تحصل اي حالات من القصاص او الثار من البعثيين ومات جميع قادة الحرس القومي موتا طبيعيا , او قتلا من قبل البعثيين انفسهم بسبب الصراعات والمؤامرات !! وقد لاحت حركة جريئة قام بها مجموعة من الجنود والضباط بقيادة نائب العريف حسن سريع في تموز 1963 في معسكر الرشيد من اجل اطلاق سراح الشيوعيين داخل السجن المركزي يحوي (450) شيوعي معظمهم من الضباط والطيارين ,ورغم استطاعتها اعتقال حازم جواد وزير الداخلية وطالب شبيب وزير الخارجية ومنذر الونداوي قائد الحرس القومي , الا انها افتقدت للحزم والبطولة والمبادرة , فقد كانت نموذج للتردد الشيوعي الشيعي , فلم تقم بقتلهم وتصفيتهم بسرعة , وفشلت بعد ساعات قليلة بسبب مقاومة حرس السجن وقدوم تعزيزات عسكرية بقيادة عبد السلام عارف واحمد حسن البكر .
لم تمضي على ماساة الشيوعيين امام الحرس القومي البعثي خمس سنوات حتى عادت ماسي اخرى مشابهة من القمع والاذلال والجبن على ايدي البعثيين ايضا بعد تسلمهم السلطة عقب انقلاب تموز 1968 , وهذه المرة كان القمع مزدوجا , اذ شمل اعضاء الحزب الشيوعي العراقي وتنظيم القيادة المركزية الذي انشق عنه بقيادة عزيز الحاج , وكان عراب الاعتقال والتعذيب في تلك الملاحقات نائب رئيس مجلس قيادة الثورة صدام حسين ومدير الامن العام ناظم كزار , وكان للاخير الحصة الاكبر من ممارسة الاذلال والتصفية للشيوعيين في قصر النهاية .
واما اتباع تنظيم القيادة المركزية فقد القى القبض على زعيمهم عزيز الحاج الذي سرعان ماخان اتباعه واعترف عليهم جميعا , واعتقل اغلبهم وعذبوا واعدموا مقابل الافراج عنه وتعينه ممثل العراق لمنظمة اليونسكو في باريس !! فيما تعرض الحزب الشيوعي العراقي ممارسات اقل من التصفية والاعتقال والتعذيب , ليس بسبب خشية البعثيين منهم , وانما بسبب رغبته بالعلاقة المتميزة مع الاتحاد السوفيتي . ورغم قيام الجبهة الوطنية والقومية التقدمية بين حزب البعث الحاكم والحزب الشيوعي العراقي (1973 – 1979) الا ان هيمنة حزب البعث وسلطته كانت هى القوة الرئيسة في الحكم , ولم يكن وجود الشيوعيين سوى ديكور القصد منه تحييدهم وكسب ود الاتحاد السوفيتي ودعمه بعد قرار تاميم حصص الشركات النفطية الغربية عام 1972 ومابعدها , حتى ذكر ان احد الظرفاء وجد قطعة معلقة للحزب الشيوعي العراقي في احدى المدن العراقية , فكتب تحتها لصاحبه حزب البعث العربي الاشتراكي !!! للدلالة على تبعيته للسلطة الحاكمة والذيلية لها . كما وصل الحال بهم الى التزلف والتفرب من صدام حسين , واغداق الالقاب الثورية والمجانية عليه من قبيل (كاسترو العراق) او (تروتسكي العراق) رغم انه كان الاكثر قسوة ضدهم في الاعدامات والتعذيب والمتشدد في اعدام الشوعيين المنضمين للقوات المسلحة . وفي مدينتنا كان البعثيين والشيوعيين يخرجون بمظاهرات مشتركة تاييدا للجبهة المنعقدة انذاك عام 1973 , وكان الشيوعيين عندما يهزجون بشعاراتهم يذكرون ان (القيادة مشتركة) فيما كان البعثيين يصرون على ان (القيادة بعثية) وفي احدى التظاهرات اخذ احد البعثيين الاوباش المتريفيين يضربهم على مؤخرتهم برجله رافضا ذلك بقوله (القيادة بعثية) , فما كان من الشيوعيين المساكين سوى تلقي الضربات على مؤخراتهم بالارجل , وهم يهزجون خائفين (القيادة بعثية القيادة بعثية) !!! وهذه القصة لاتعني باي حال من الاحوال ان البعثيين شجعان في هذه المواقف , وانما هم اجبن من الشيوعيين واكثر خصاء , ولكنهم يمارسون دور الشجاعة والبطولة كذبا بالاستناد على السلطة البعثية التي ينتسبون اليها , لذا فهم يعانون من استلاب الشجاعة ومحاولة تعويض ذلك ولكن من خلال دور اخر , وكما قيل بالامثال الشعبية (زود العبد من زود عمو) اي انهم عبيد السلطة البعثية التكريتية السنية وكلابها , ويتصرفون بقسوة مستندين على قدرة سيدهم وسلطته وهيمنته .
وبانهيار الجبهة بين البعثيين والشيوعيين عام 1979 تعرض الاخيرين الى حملات قاسية من الملاحقة والاعتقال والتعذيب والاعدام والتغييب القسري , وهرب اغلب اعضاء الحزب للخارج , وانضم بعضهم لفصائل الانصار المسلحة ابان الحرب العراقية الايرانية (1980 – 1988) وقاموا بعمليات عسكرية ضد الجيش العراقي بالتعاون مع الاحزاب الكردية والبيشمركة والاستخبارات الايرانية والسورية . وبعد توقف الحرب عام 1988 وانهيار المعسكر الاشتراكي وسقوط الشيوعية كمنظومة ايديولوجية وسياسية وتفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 ترك الشيوعيين الخنادق والعقيدة وعاشوا في الدول الغربية والراسمالية كبرجوازيين اصلاء , بعد ان قدموا طلبات اللجوء السياسي , وحصل جميعهم على الجنسية الاجنبية , واقسموا يمين الولاء للدول الراسمالية والامبريالية مثل السويد وبريطانيا والدنمارك والمانيا وفرنسا والنمسا وامريكا وكندا , ولم يعرف ان احدهم قدم طلب اللجوء في الدول الشيوعية مثل كوريا الشمالية وكوبا والصين الشعبية (وحتى الشيوعي الاخير سعدي يوسف !!) وعاد بعضهم للعراق بعد سقوط النظام البعثي الديكتاتوري على ايدي الامريكان عام 2003 ولم يشكل لهم الاحتلال اي حرج واشكال , وتعاونوا معه وانضموا للعملية السياسية في البلاد , ولم يعارضوا هذا النظام السياسي الا بعد سيطرة الاسلاميين الشيعة على مقاليد السلطة .
ويتمظهر مفهوم استلاب الشجاعة عند الشيوعيين بنقاط عدة اهمها :
1 .اسطرة التاريخ الشيوعي في العهد الملكي . وتجد ذلك واضحا في دورهم بالتظاهرات والاحتجاجات والاضرابات التي كانوا يقومون بها خلال العهد الملكي الديمقراطي او شبة الديمقراطي من قبيل التظاهرات ضد معاهدة برتسموث عام 1948 والاحتجاجات الطلابية عام 1952 وازمة السويس عام 1956 . وكذا الامر على المستوى الفردي نجد الشيوعيين عندهم اسطرة للمارسات الفردية التي يقوموا بها انذاك من قبيل توزيع المنشورات والاجتماعات السرية والتحريض وغيرها , وقد التقيت باحد الشيوعيين في المدينة للسؤال عن حياة المنظر الماركسي عزيز السيد جاسم ومواقفه السياسية والنضالية , فذكر بفخر واعتزاز قصة ذهابه للبصرة لنقل المنشورات في العهد الملكي ,وكيف انه بات بالعراء في ساحة سعد وتغطى بالكونية في البرد القارص!!! وطبعا الكثير من هذه القصص المتداولة عند الاخوة الشيوعيين لانستطيع ذكرها كلها .
2 . تضخيم حركة الاهوار والكفاح المسلح . بعد انشقاق عزيز الحاج عن الحزب الشيوعي العراقي وتاسيسه تظيم القيادة المركزية عام 1967 ظهرت العديد من الحركات التي رفعت شعار الكفاح المسلح ضد السلطة العارفية الحاكمة اهمها (فريق من كوادر الحزب) بقيادة خالد احمد زكي و(منظمة الكفاح المسلح) بزعامة امين حسين علي الخيون الاسدي و(جبهة الكفاح الشعبي) . وقامت هذه الحركات في ايار من عام 1968 بسرقة رواتب احد المصارف والاستيلاء على عدد من الاسلحة بعد السيطرة على احد مخافر الشرطة في منطقة هور الغموكة قرب الشطرة بالناصرية , ونتيجة لخلل في خطة الانسحاب وهبوب العواصف وعدم معرفتهم بطبيعة المنطقة جغرافيا , حوصروا من قبل الشرطة والجيش ,واستطاعوا المقاومة واسقاط طائرة عمودية , الا ان المعركة غير المتكافئة ادت الى مقتل قائد المجموعة خالد احمد زكي وخمسة اخرين , فيما استسلم الباقون وحكم عليهم بالاعدام , وحصلوا على العفو بعد الانقلاب البعثي في تموز 1968 ومجىء نظام سياسي جديد اراد تحسين صورته امام الناس . وقد انتقد عزيز محمد مسؤول الحزب الشيوعي العراقي هذه الحركة المسلحة ومحاولة تقليد القائد الثوري (جيفارا) بقوله (حتى جيفارا عندما قلد جيفارا فشل ,اذ حاول ان يكرر ماحصل في كوبا بمكان اخر) , ولكن المفارقة ان الحزب الشيوعي العراقي اعتبر هذه الحركة من تاريخه النضالي والثوري , رغم ان العملية قامت بها مجموعة منشقة عنه اولا واصداره بيانا انتقد الحركة المسلحة ثانيا . وقد حضرت احتفالية قام بها الحزب الشيوعي في ناحية الدواية عام 2014 بمناسبة انطلاق الكفاح المسلح , وقد استغربت في حينها من تحول التاريخ وتزييفه , الا ان المتتبع لتاريخ الحركات الثورية والايديولوجية في العراق مثل الماركسية والقومية البعثية والاسلامية , يجد ان التزييف والتهويل والكذب والاساطير من مستلزمات عملها اليومي وخطابها الشعبي من اجل التضليل وخداع الاتباع وربطهم بالحركة . وقد تجلى استلاب الشجاعة عند الشيوعيين باسطرة هذه العملية واعطاها بعدا بطوليا ورومانسيا ليس منها في شيى , حتى كتب عنها العشرات من الشيوعيين بمقالات ودراسات واستلهموها بروايات عديدة لادباء عراقيون اهمهم نعيم عبد مهلهل والاديب محمد الباقري والكاتب عقيل حبش والمنظر الماركسي عزيز السيد جاسم في روايته (الزهر الشقي) والكاتب عبد الامير الركابي وغيرهم .كما استلهمها الروائي السوري حيدر حيدر في روايته (وليمة لاعشاب البحر) والتي اثارت جدلا في العالم العربي بسبب المضانين الالحادية فيها .
3 .التعويض النفسي في مهاجمة النظام السياسي بعد 2003 . وهو من اهم تجليات استلاب الشجاعة عند الاخوة الشيوعيين . فعقدة العجز والتخاذل والجبن امام الواقع والتاريخ ادت بهم الى تعويض ذلك من خلال مهاجمة النظام السياسي الديمقراطي بعد 2003 بشراسة لامثيل لها . فكلنا يعلم ان هذه النظام الذي اسسته امريكا بعد احتلالها العراق , قد احتوى سلبيات خطيرة واختلالات معقدة من الفساد والمحاصصة والتراخي , ولكنه من جانب اخر احتوى نمطا من الحريات لم يعشه الشيوعيين في تاريخهم , ابتدا من العهد الملكي (1921 – 1958) فالجمهوري الاول (1958 – 1968) فالجمهوري الثاني (1968 – 2003) بل لم يحصلوا على حريتهم حتى في زمن حكم عبد الكريم قاسم (1958 – 1963) الذي طاردهم شر طرده , من الملاحقة والسجن والفصل والضرب والاذلال حتى وصل الامر الى عدم اجازة حزبهم , الا ان الاخوة الشوعيين وبسبب ضغط الاستلاب السابق ومحاولة تعويض الشجاعة والبطولة , اظهروا انفسهم ثوريين واحرار امام هذا النظام المتراخي والضعيف والتعددي , ومتنفسا لعقدة الجبن والتخاذل السابقة , فتجد في كتاباتهم مفردات لم يحصلوا عليها سابقا , لانهم اعرف بواقعهم وهروبهم امام الاستبداد مثل (الحرية والشجاعة والثورية) . وكان التجلي الاخير لهذا ماحصل في التظاهرات الاحتجاجية في تشرين الثاني من عام 2019 ضد الفساد والبطالة والمحاصصة في العراق , حيث انساقوا بشكل غريب من التحريض والتاجيج العاطفي والسوقي على الاجهزة الامنية , والنظرة الاحادية للامور والثنائية التقليدية بين الحق والباطل , والشعبوية في اطلاق الشعارات والرؤية العصابية والموتورة والمازومة للحلول والمعالجات , وبالطبع لانتوقع منهم ان ياتي احدا للمشاركة بالتظاهرات , فهم جالسين في المانيا والسويد وبريطانيا وفرنسا وامريكا وكندا ويحرضون علي التظاهر من وراء الحاسوب والموبايل , ولانعرف سبب خوفهم من القدوم الى بغداد وقيادة التظاهرات وتوجيهها ؟ ويبدو ان عقدة الخوف والتخاذل مازالت مستحكمة عليهم .
(القسم الثاني سيكون عن العقدة الشيعية من ايران )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحزب الشيوعي العراقي
منير كريم ( 2019 / 12 / 9 - 20:45 )
تحية للكاتب المحترم
انا لست ماركسيا, لكن يجب الاعتراف بان الحزب الشيوعي العراقي تعرض لاقصى درجة من
الاضطهاد والتنكيل لفترات طويلة ماكان لحزب اخر ان يتحملها
هم ضحية المكر السوفيتي والعصبيات الدينية والعرقية والتخلف المستشري في المجتمع
الان الاكثرية تروم الحرية والعلمانية ومنهم الشيوعيون
شكرا
شكرا للحوار المتمدن


2 - اسأت الى فرويد والحقيقة
طلال الربيعي ( 2019 / 12 / 9 - 22:25 )
للاسف اسأت الى فرويد والحقيقة في دفاعك عن نظامك الامريكي-ايراني -الديموقراطي فوق العادة- والذي هو بيت القصيد.


3 - تحية اخ طلال
جاسم محمد كاظم ( 2019 / 12 / 10 - 05:18 )
الكاتب ينتمي لتنظيمات المجلس الاعلى الاسلامي ومقلد للسستاني


4 - عقدة اسمها الشيوعية
جاسم محمد كاظم ( 2019 / 12 / 10 - 05:31 )
لا اعرف لماذا يكرة سلمان رشيدمحمد الشيوعيين العراقيين رغم انهملم يستلموا اية سلطة ويذهب هذا الرجل بعيدا وهومنتنظيمات المجلس الاعلى الاسلامي ومن مايسمى السادة الهلاليين وهومقلد للسستاني ويدعي الليبرالية بسب هؤلاء رغمعدمايذائهملة لا من قريب ولا من بعيد وليس الشيوعيين العراقيين اقل شجاعة من شيوعي شيلي حينما انقلب عليهم الجيش في عام 1973 وابادهم ابادةتامةاو اقل شجاعةمن شيوعيي المانيا ورفاق روزا لكسمبورغ حينما اعلنوا الثورة في عام 1918 وابادتهم البرجوازية الالمانية لانة لايعرف بانة لاتوجدقوة تساطيع الوقوف بوجة جيش مسلح كامل في 1963اصبح الجيش مع السلطةومن انقلب على الزعيمغير الجيش . وكان الشيوعيين لايحملون سوى العصي لو ان الوعيمقاسم لميجرد الشيوعيينمن اسلحتهمولم يامر بحل االمقاومة الشعبية لابادوانقلابيي شباطحتى النخاع ة


5 - الهروب من استحقاقات
محمد البدري ( 2019 / 12 / 10 - 06:43 )
اعتقد ان كلما ازدادت ازمة العراق كلما حاول كثيرين الهروب الي مناطق لا تشفي غليل البحاث ون الازمة باتت تطرق ابواب ما تخشاه النظم العربية بثقافتها الاستبدادية
فلا علاقة بين شيعية الماضي وشيوعية الحاضر الا إذا كان التشابه اللفظي والصوتي علي طريقة العرب كاف لتفسير ما غمض فهمه.
اما اقحام علم النفس فربما يكون صالحا في حالات اما في تلك الحالة فهو بلا شك امر خاطئ

تحياتي


6 - عقدة اسمها الشيوعية
جاسم محمد كاظم ( 2019 / 12 / 10 - 09:36 )
لا اعرف لماذا يكرة سلمان رشيدمحمد الشيوعيين العراقيين رغم انهملم يستلموا اية سلطة ويذهب هذا الرجل بعيدا وهومنتنظيمات المجلس الاعلى الاسلامي ومن مايسمى السادة الهلاليين وهومقلد للسستاني ويدعي الليبرالية بسب هؤلاء رغمعدمايذائهملة لا من قريب ولا من بعيد وليس الشيوعيين العراقيين اقل شجاعة من شيوعي شيلي حينما انقلب عليهم الجيش في عام 1973 وابادهم ابادةتامةاو اقل شجاعةمن شيوعيي المانيا ورفاق روزا لكسمبورغ حينما اعلنوا الثورة في عام 1918 وابادتهم البرجوازية الالمانية لانة لايعرف بانة لاتوجدقوة تساطيع الوقوف بوجة جيش مسلح كامل في 1963اصبح الجيش مع السلطةومن انقلب على الزعيمغير الجيش . وكان الشيوعيين لايحملون سوى العصي لو ان الوعيمقاسم لميجرد الشيوعيينمن اسلحتهمولم يامر بحل االمقاومة الشعبية لابادوانقلابيي شباطحتى النخاع ة


7 - العقدة البعثية
جاسم محمد كاظم ( 2019 / 12 / 10 - 10:00 )
لا ادري كيف يصف سلمان رشيد محمد الشيوعيين بعقدة الاخصاء والكل يعرف أن سلمان هو المصاب بعقدة الاخصاء من البعثيين ؟.فمجرد ذكر اسم البعث امامة يصيبه بالخوف الشديد . والكارثة بان البعث لم يؤذي هذا السلمان أبدا كما هم الشيوعيين أيضا . فسلمان بحكم تربيته ونسبة الذي يسمى علوي من ما يسمى السادة ال بوهلالة يتناسى أن المذهب الشيعي هو مذهب أيراني او فارسي النشأة وان التنظيمات الشيوعية في العراق لم تأخذ منهذا المذهب شيئا أيام فهد حتى سلام عادل بل ان النقيض هو الاصح ان المذهب الشيعي بملالية استنسخ افكار الشيوعيين وبدا بنشرها مثل اشتراكية علي وابو ذر بدون ان يعرف ان يضحك على نفسة قبل ان يضحك علية الاخرين لانة لايعرف من الاشتراكية شيئا


8 - العقدة البعثية 2
جاسم محمد كاظم ( 2019 / 12 / 10 - 10:06 )
فسلمان بحكم انتمائة للمجلس الاعلى وتقليدة للمجتهد يريد ان يصب نار غضبة هذة الايام على الحراك الشعبي ويظن بان الشيوعيين اليوم قد تحالفوا مع البعث لا رجاع الزمن القديم اليوم ولو كان يمتلك الشجاعة الحقيقة لكتب على البعثيين قبل ان يصب نار غضبة على الشيوعيين ..
بقي ان نعرف ان اوربا بعد1940 هي غير اوربا في عهد فرويد.. ففرويد اصبح من الماضي كما هو عصر الاقطاع في اوربا المعاصرة التي تغيرت فيها القيم الاسرية كثيرا واصبح الفرد هو المحور الرئيسي مثلما يقول سارتر .. فاوربا سارتر هي غير اوربا فرويد جملة وتفصيلا . بقي ان نقول باننا اذا اردنا ان نقراء لشخص يجب اننعرف معنى التاريخانية والتطور فعلي الوردي وفرويد اصبحوا اليوم مثل مايقول الغزالي عن فلاسفة الامس


9 - اساءة لفرويد والعلم والحقيقة في آن واحد
طلال الربيعي ( 2019 / 12 / 10 - 14:09 )
الصديق العزيز جاسم محمد كاظم
كما نعلم ان الفكر والنظريات العلمية والدساتير لا يمكن تجاوزها بحجة تقادم الزمن فمنطق ارسطو الشكلي هو هو ولا يمكن تغييره في قواعده الاساسية بحجة تقادم الزمن. وكذلك قوانين نيوتن او قانون أرخميدس للطفو من قبل او الاحتكام الى الدستور في الولايات المتحدة في عام 1787 والذي لا زال بالطبع ساري المفعول او الى النظرية الماركسية التي سبقت عصر فرويد. ولكن تعليقي كان يتعلق بتشويه الكاتب الفج لفرويد وتقويله ما لم يقله وهذا هو اساءة في نفس الوقت لفرويد والعلم والحقيقة في آن واحد.
مع وافر تحياتي


10 - مقال واسع المعرفي
خالد علوكة ( 2019 / 12 / 10 - 21:37 )
بصراحة بعيدا عن الصح والخطا والبناء والهدام فان المقال واسع التطرق لامور عدة واسماء عديدة نقرأ عنها لاول مرة ويجب ان لاننسى ان شيوعيةالاتحاد السوفيتي غابت فكيف بغيرها من البلدان ومعاها مهما كان الغياب الشيوعي عراقيا وعالميا خسارة كبرى جعل العالم يعيش بؤس القطب الواحد الارهابي .


11 - الموضوعية اولا واخيرا
سلمان رشيد محمد الهلالي ( 2019 / 12 / 12 - 19:22 )
كان ماركس يقول (من يفكر بوضوح يكتب بوضوح) ولاادري لماذا الاخوة المعلقين تركوا المقالة جانبا وذهبوا الى اتهامات وموضوعات اخرى وتركوا اصل الاشكال والسؤال الذي طرحته المقالة كان الواجب عليهم ان يجيبوا على اسئلة المقالة والاجابة عليها هل ان الشيوعية العراقية هى الشيعية القديمة؟هل ان الشيوعيين العراقيين يعانون من الجبن والتخاذل ؟وهل كلام الشاعر السياب صحيح ؟ وهل هم يعانون من استلاب الشجاعة ؟ وهل الادلة التاريخية التي ذكرها الكاتب صحيحة ام كذب؟ واذا كانت كذب فلماذا لايذكرون الاعمال البطولية التي قاموا بها ضد البعثيين ؟ وغيرها من الاشكالات الا ان المؤسف له ان الاخوة ذهبوا يمينا وشمالا الا الرد على تلك الاشكالات والسبب لانهم لايستطيعون الرد والمقالة حقيقية كما انها مست عصبا حساسا عندهم والدليل الهيستريا والشخصنة والكذب في الرد واما كلام الاخ جاسم محمد كاظم فانا استغرب رده لاني لم اعتبره في يوم من الايام شيوعيا لاني بصراحة لم اجد اي نطبيق للشيوعية في سلوكه بل وحتى سوك واحد فالشيوعيين كما نعرفهم كانت لهم مواقف ايجابية ومساعدات انسانية فمثلا كان عزيز السيد جاسم يوزع ملابس على الاطفال في المدرسة


12 - حمامات سلام بيكاسو
طلال الربيعي ( 2019 / 12 / 12 - 21:44 )
الاستاذ سلمان رشيد محمد الهلالي المحترم
اتفق معك في الموضوعة الرئيسية بمازوخية الشيوعيين العراقيين ومساواتهم للبطولة بالاستشهاد وبدون دفاع حتى عن النفس. فمثلا, سلام عادل نفسه سلم نفسه طواعية للجلادين ليذيقوه اصناف العذاب والاهانة. وهو لم يحمل معه مسدسا او سكينا للدفاع عن نفسه باعتباره سكرتير الحزب ورغم ان الحزب نفسه اصدر بيانا وقتها بمقاومة انقلاب شباط 63 ولكن يبدو ان الحزب في واد وسكرتيره في واد آخر او ان بياناته كانت استعراضية فقط. وقتها قال احد الانقلابيين عبد الغني الراوي -لو كان الشيوعيين قد بصقواعلينا فقط لاغرقونا!-
واني اعتقد ان سبب اخصاء الشيوعيين العراقيين هو سياسات الكرملين وقتها-التعايش السلمي وتوزيع مناطق النفوذ, حمامات سلام بيكاسو. وعندما انهار الاتحاد السوفيتي استبدل الحزب الشيوعي العراقي الكرملين الاضعف الآن بالبيت الابيض, وكأن الامر مجرد اعادة ترتيب قطع الدومينو.
علما اني كتبت بضعة مقالات حول الموضوع من وجهة نظر التحليل النفسي ارجو منك الاطلاعى عليها.
مع تحياتي واحترامي

اخر الافلام

.. هل تخضع أوروبا للإملاءات الألمانية في ملف اللجوء؟| الأخبار


.. جرجس لشبكتنا عن إرسال -ثاد- لإسرائيل: إدارة بايدن تتوقع الأس




.. شاهد.. كوريا الشمالية تنسف طريقين رئيسيين يربطانها بجارتها ا


.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يحاصر عشرات العائلات في شمال قطاع غز




.. لماذا فشلت إسرائيل برصد مسيرة حزب الله؟