الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احتضان النار

رفعت عوض الله

2019 / 12 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من يحتضن النار لابد ان يُصاب بحروق قد تكون مميتة . حديثي هذا تعليقا علي الحادث الإرهابي الذى حدث علي جسر لندن فى اواخر نوفمبر 2019 ، والذي فيه طعن شاب داعشي العقيدة اثنين من المارة الأبرياء واودي بحياتهما قبل ان تطلق عليه الشرطة النار وترديه قتيلا .
بعد حدوث الثورة الصناعية في أوروبا وتعاظم المنتج الصناعي وبالتالي ظهور الحاجة لاسواق خارجية لتصريف فائض المنتج ، والحاجة لمصادر لمواد الخام لتشغيل المصانع ، بدأ ما يسمي بالاستعمار الأوروبي لبلدان الجنوب الضعيف المتخلف لتكون اسواقا جديدة ، ومصدراً لامداد المصانع بالخامات .
مع قدوم القرن العشرين فتحت أوروبا العلمانية أبوابها لمهاجرين من مستعمراتها في الجنوب .
أوروبا ذات الوجه الاستعماري المرفوض هي أيضا أوروبا العلمانية والديمقراطية والليبرالية والمؤمنة بحقوق الإنسان .
في ظل العلمانية التي سادت وذاعت وباتت ايمانا لحياة الاوروبيين ، ميز الناس والدولة بين المطلق والنسبي ، وبين الدين والسياسة وامنوا بالنسبية والتغير المستمر قانونا للحياة علي الأرض ، وان الدين والايمان علاقة فردية وشخصية بين الانسان وربه ، ولا شأن للدولة بها إلا من حيث مسؤولية الدولة عن حرية العقيدة ، والحق في العبادة ، والحق في بناء دور العبادة .
في ظل هذا الُمناخ العلماني تدفق الهندوس من الهند والبوذيون من اسيا والمسلمون من الشرق الأوسط علي أوروبا مفتوحة الأبواب .
سمحت لهم الدول اتساقا مع العلمانية بأن يتعبدوا وان يبنوا معابدهم ومساجدهم وفقا للقانون الذي يسمح بهذا .
المهاجرون الأوائل او الجيل الأول توافق مع المجتمع الجديد ، ولم يُثر مشكلات ، وإن حافظوا علي خصوصيتهم وهويتهم الدينية والثقافية ، وغلب عليهم الشعور بالامتنان للمجتمعات الأوروبية التي وفرت لهم مستوى ارقي للمعيشة و جو من الحرية النسبية ومراعاة حقوقهم .
بعد تنامي الثروة البترولية المكتشفة في الدول العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ،
المملكة السعودية القائمة علي تحالف اصولي بين الحكام ومن ثم الشعب بينهم وبين الدعوة الوهابية السلفية الأصولية ، والتي تنظر للغرب وحضارته علي انه نقيض الإسلام ، وان غير المسلمين كفارا ومشركون ، وقتالهم وتدمير بلادهم فرض عين علي المسلمين .
خصصت العربية السعودية جزءا كبيرا من فوائض بيع البترول لنشر الوهابية في العالم ، مع تركيز خاص علي أوروبا والولايات المتحدة الامريكية .
استغلت علمانية أوروبا فأنشات الاف المدارس الإسلامية الوهابية والتي فيها انتظم أبناء المهاجرين فتربوا علي قيم ومبادئ الوهابية ، وأيضا المساجد والمراكز الإسلامية ، وقدمت منحا وحوافز مالية .
وبمرور الوقت نشأ جيل جديد من أبناء المهاجرين المولودين علي ارض البلدان الأوروبية . ورغم انهم ينعمون بالمواطنة والحق في التعليم والعمل إلا انهم يكنون العداء للدول التي تربوا علي ارضها ونعموا بحقوق المواطنين فيها .
ومع ما يسمي بالصحوة الإسلامية التي تفجرت مع وصول الخوميني والثورة الإسلامية للحكم في ايران استشرت نار الأصولية الإسلامية ، والتي تري انها وحدها مالكة الحقيقة المطلقة ، وان العالم ينقسم لمعسكرين او دارين دار الإسلام ودار الكفر ، وان المسلمين في حرب ضد الطرف الاخر حتي يزول وينتهي وتصير الأرض كلها لله ورسوله .
ارتكبت الولايات المتحدة الامريكية خطأً قاتلا فقد استعانت بالاصولية الإسلامية في حربها ضد الوجود السوفيتي في أفغانستان ، فدربت المجاهدين المسلمين الاصوليين لمحاربة السوفيت علي ارض أفغانستان ، فلما انزاح الروس من أفغانستان ظهر ما يسمي بالمجاهدين الذين وجهوا ضرباتهم لاوروبا وامريكا والدول العربية ، ومنهم انبثق تنظيم القاعدة المسؤول عن احداث 11 سبتمبر 2001 بأمريكا والذي تولد عنه تنظيم داعش المتوحش ، والذي رغم هزيمته واندحاره ومقتل خليفته المزعوم إلا انه مازال يقتل ويفجر هنا وهناك وفي أوروبا .
نعم كانت أوروبا متسقة مع علمانيتها حين استضافت المهاجرين المسلمين وغيرهم علي ارضها، ولكن الخطأ او الخطيئة القاتلة التي ارتكبتها عن غير قصد هو استضافتها للاصوليين غير المؤمنين بحضارتها والذين عملوا ويعملون علي تدميرها وارتكاب المذابح علي ارضها بل والتبجح بمحاولة الصلاة الجماعية في ميادينها وشوارعها وفرض الحجاب والنقاب والجلباب القصير واللحية علي المسلمين هناك ، والحديث عن تطبيق الشريعة الإسلامية عليهم في مسقط رأس العلمانية ، إضافة الى السماح غير المدرك للعواقب للمدارس والمساجد والمراكز الإسلامية التي تربي وتعلم وتبث في الوعي كراهية الغرب وتكفيره ومن ثم محاربته .
لو توفر للاوروبيين الوعي بماهية الأصولية الإسلامية ومدي عدوانيتها وفرضها ما تعتقده جبرا وقسرا لمنعت دخول أولئك الاصوليين بلادهم ، وطبقت مقولة " من يريد ان يعيش بيننا عليه ان يحترم هويتنا وعلمانيتنا ويتوافق معها " ، ولكنهم فتحوا ابوابهم لكل من يريد ان يأتي .
فكأنهم احتضنوا النار فاحرقتهم ومازالت تحرق أجسادهم وبلدانهم وبنيتهم الحضارية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب