الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة مفتوحة الى السيد مسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان

كريم بياني

2006 / 5 / 27
القضية الكردية


لم اتعود التعاطي مع مثل هذا الاسلوب الذي يلجأ اليه الكثير من الكتاب هذه الايام في مخاطبة المسؤولين وأصحاب القرار، لكن لأستحالة وصول الرسائل المغلفة والموجهة والتي تتبخر وتضيع في القنوات البيروقراطية أو تجد طريقها على شكل مزق صغيرة الى سلات المهملات لمن يسيطرون على الدوائر الضيقة المحيطة بهم، ولانني لا اجيد فن (الوصول) مخترقا كل هذه الحلقات والدوائر، اَثرت ان اسلك ما سبقني اليه الكثير من الزملاء من اسلوب في توجيه الخطابات، موفرا على نفسي عناء ألاستهلالات والديباجات المنمقة، مرخيا العنان لقلمي كي يسترسل بحرية.
سيادة الرئيس
المعروف انه في الديمقراطيات الحقيقية يقوم رئيس الدولة أو من له صلاحيات السلطة التنفيذية؛ بأدارة الدولة وتوجيه سياساتها العامة بموجب ما هو مرسوم له من صلاحيات في نص الدستور الذي يعتبر القانون الاساسي الملزم، في هذه الدول اضافة الى الاسس القانونية السليمة التي ينبني عليها اَلية الفصل والعلاقة بين السلطات، هنالك الحياة البرلمانية الحقيقية والحية بنشاط وفاعلية القوى السياسية المعارضة المؤسسة على روح المكاشفة والصراحة والشفافية والصراع الحزبى والسياسي البناء في اطار المصلحة العليا للبلد، وكان من طبيعة الامور أن يولّد هذا الحراك السياسي والحزبي السليم مؤسسات مجتمع مدني بمعناها الحقيقي وليس الشعاراتي، هذه المؤسسات تخترق جميع مفاصل الحياة من سياسية وثقافية وتربوية واجتماعية واقتصادية وعلمية ودينية، تساهم في نشر الوعي على جميع الاصعدة وتحرّض جميع فئات المجتمع افرادا ومجموعات وتكتلات سياسية للتحلي بمسؤولية المواطنة وممارسة الرقابة على مجمل حركة المجتمع صعودا ونزولا. في هذه المجتمعات لايكون ولاء رئيس الدولة الحزبي او الفكري او انتمائه العائلي او القبلى او المناطقي موضع تساؤل او مثيراً للشك، لان الشعب على يقين بأن القانون والدستور لايسمحان لرئيس الدولة التنفيذي ان يستغل او يميل الى أيّ ولاء من هذه الولاءات.
الحال في بلداننا على عكس الوصف أعلاه، مرت سنوات طويلة وكل المحاولات الرامية الى ممارسة عملية لحياة ديمقراطية سليمة وبناء دولة القانون والمؤسسات على اسس دستورية راسخة واشاعة وعي وثقافة مجتمع مدني متحضر؛ لازالت تتعثر إن لم اقل تذهب ادراج الريح، بالرغم من وجود جهود مخلصة ونوايا حقيقية وصادقة لبلوغ هذا الهدف، لكن يبدو ان شوكة المعسكر الاخر الذي يمثل الفاسدين والمنتفعين والوصوليين واعداء القانون والديمقراطية لازالت اقوى، وهو خلل يجب ان نعترف وبجرأة بأننا جميعا؛ نخب سياسية ونخب فكرية وثقافية نتحمل مسؤولية عدم وضع حد لتفاقمه حتى بات يهدد بنية حياتنا الاجتماعية والتربوية قبل ان يكون تهديدا لمستقبل كياننا السياسي.
إزاء هذا الوضع يا سيادة الرئيس لابد من محاولات لتدارك الامور وتصحيح بعض المسارات واتخاذ بعض المبادرات التي تؤسس لحياة سياسية ناضجة وتمهد لعملية تغيير لما اعتدنا عليه من ممارسات حزبية ضمن قوالب جامدة. ولان الانسان البسيط في مجتمعنا لازال يرنو الى الفرد متخذا منه القدوة والمثل الاعلى وعلى هذا الاساس يتحدد سلوكه العام وتوجهاته ومنطلقاته اكثر من الاسس التقليدية العلمية والفكرية التي تساهم في تشكيل الوعي ومن ثم السلوك، فلا ضير أن يقوم الفرد القدوة او المثل من موقع السلطة والمسؤولية بهكذا مبادرة وهي في الاساس مبدأ تربوي وسلوك اجتماعي متّبع.
من هذا المنطلق فأننا نرنو الى مبادرة من شخصكم تلغون بها الجمع بين مسؤوليتكم الرئاسية والقيادية في الحزب ورئاسة الاقليم، وتفسحون المجال كي يتولى شخص اَخر مسؤولية قيادة الحزب يقوم المكتب السياسي بأنتخابه من بين اعضاءه او تبادرون الى تعليق رئاستكم للحزب طيلة هذه الفترة وأناطة هذا الموقع بصفته وصلاحياته ومسؤولياته الى شخص اَخر في القيادة. ــ حبذا لو انسحبت ممارسة كهذه على بقية المواقع والمسؤوليات وذلك بأن يتم الغاء الجمع بين المسؤولية الحزبية والادارية وأن يكون المسؤول الحزبي في حالة توليه منصبا اداريا متفرغا لهذا المنصب فقط ــ لانني أرى أن خطوة من هذا القبيل سوف يترتب عليها الاَتي:
1. ينهي الازدواجية بين دوري الرئاسة اللذين تتمتعون بهما في الموقعين وما يترتب على ذلك من تداخل المسؤوليات في أحايين كثيرة. وبذلك تتفرغون لهموم ومشاكل الحالة الكردستانية الاعم والاشمل.
2. يؤسس لتقليد جديد داخل الاحزاب الكردستانية العريقة والتي جرت العادة والتقليد ان لا يتخلى عنها رؤسائها أو لا تتخلى هي عنهم إلا بالموت، أطال الله في عمركم. إن عملية التداول هذا سيعطي دماء جديدة للحياة الحزبية الداخلية، ربما تتفرخ منها مبادرات مماثلة على صعيد الاحزاب الاخرى.
3. إن هذه الخطوة ستشيع الطمأنينة في نفوس الكرد جميعا من خلال
قناعة مفادها أنه تم تغليب المصلحة الكردستانية على المصلحة الحزبية، وسيساهم ذلك في اعادة الاعتبار الى المسؤولية الوطنية ومبدأ المواطنة. هذا المبدأ الذي بدأ يتراجع أمام هيمنة المصلحة الحزبية الضيقة.
4. سوف يكون ذلك برهانا على الارض على انكم مُلك لكل الكرد وليس لحزب واحد فقط، وأنكم تقفون على مسافة واحدة من الجميع، وهذا سلوك ديمقراطي ووطني، سيكون له تأثيره النفسي الايجابي لدى شرائح واسعة، وسوف يشيع جواً من الثقة والمشاركة المسؤولة من لدن الاطراف الاخرى المشاركة في العملية السياسية.
5. مع تفشي وإستشراء حالة الفساد على المستويين الاداري والمالي، فضلا عن المستويات الاخرى، فأن مبادرة كهذه سوف تطلق يدكم بحرية اكثر في ردع ومحاسبة المسيئين والفاسدين؛ منتمين الى اي حزب كانوا، هذه المحاسبة التي بات كل مواطن يتسائل بشك؛ متى تتم وتتخذ الاجراءات القانونية بحق المتجاوزين على المال العام مستغلين مواقعهم الادارية والحزبية؟.
انني عندما أسوق هذا الكلام فأن حالة المحاصصة الحزبية ومبدأ التوافق اللذان على اساسهما تم تحديد وتوزيع المسؤوليات لم تكن غائبة عني؛ الامر الذي كنا نعتقد أن زمن تجاوزه قد حان، وكان حريّاً بنا تجاوزه بعد التجربة المريرة لنظام المناصفة السابق. إن كانت هذه الحالة أمراً واقعا في المرحلة الراهنة او ربما اقتضت بعض الضرورات للتعاطي معها فهذا لايعني انها الحالة الاجدى والاصلح وبالتالي ينبغي على كل من يشعر بقدر ولو ضئيل من المسؤولية ليس فقط بيان الرأي وطرح البدائل والمقترحات، إنما السعي والبحث الجديين لتهيئة السبل والارضية كي تسود الحالة العملية المناسبة والمنسجمة والاكثر صلاحية، نعم اننا معنيون مادمنا ندعي اننا منتمون لهذا الوطن والشعب.
أعود وأذكّر بأنني عندما أطرح هذا الاقتراح وأسوق مبرّراته فأنما أنطلق من واقع المجتمع ومستوى وعيه الديمقراطي وانعدام السياقات التقليدية التي تنظم الحياة العامة على اسس ديمقراطية ضمن أطر قانونية ودستورية، وأعوّل كثيرا على السلوك الشخصي والمبادرات الفردية، وكل مبتغاي هو وطن قوي وآمن، ولا يكون ذلك إلاّ اذا بنينا إنسانا حرّاً ومجتمعا يسوده العدالة والقانون، المحبة والمساواة وتكافؤ الفرص؛ هذه المفاهيم والقيم باتت مهددة إزاء موجة الشعارات الفارغة وعدم الشعور بالمسؤولية والجشع، ويحتاج تجسيدها وترجمتها العملية الى إرادة وعزيمة صلبتين، هذه الارادة هي التي عنيتها في الاسطر اعلاه، نرنو بشغف الى من يجسدها ونحن نعيش مرحلة تاريخية عصيبة وربما على اعتاب تحولات مصيرية. كلنا معنيون برد الاعتبار الى القيم والمفاهيم المهددة لنعيد الارادة كي تسكن نفوسنا وتسمو بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة


.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم 




.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال


.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني




.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط