الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استطرادات حول تعريف هوسرل للظاهرة بوصفها حضورا

عبد الناصر حنفي

2019 / 12 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


1- في الفقرة السابعة من المحاضرة التي القاها هوسرل عام 1917 بمناسبة توليه كرسي الفلسفة في جامعة فرايبورج (انظر نهاية البوست)؛ يتم تقديم واحد من أبسط تعريفات "الظاهرة" وربما أكثرها دقة (على الأقل مقارنة بالتصنيف الفيلولوجي -الاقصائي والمضطرب- الذي قدمه هيدجر فيما بعد).
2- والظاهرة هنا "تبدأ" مما يمثل أمام الوعي، أي من "حضور "ما يظهر"، بحيث سيعمل هذا الحضور وكأنه نقطة الأصل، أو النقطة الجيوديسية (المرجعية) لكل ما يمكن معرفته أو تناوله، وهنا تتقاطع بوضوح الفينومينولوجيا الديكارتية مع الفينومينولوجيا الهوسرلية.
3- ولكن مقابل اكتفاء ديكارت بوصف أو إبراز نقطة أصل أو مركز دائرة المعرفة، وترك تحديد استقرار ما تمتلئ به مساحتها -وصولا إلى محيطها الخارجي- إلى عناية بعض التحليلات الثيولوجية التي أنتجها علم الكلام الاسلامي، فإن مشروع هوسرل يقوم على رهان يقضي بإمكانية وصف كل ما تتضمنه تلك الدائرة عبر إعادته إلى نقطة مركز الحضور/الوعي.
4- وبالتالي فإذا كان ديكارت يبدأ من نقطة المركز هذه "مرة وإلى الأبد" ثم يواصل الابحار تجاه عالم لا يتماسك إلا بفضل قوة إلهية خارجية، فإن هوسرل يبدأ أيضا من نفس النقطة ولكن ليعود إليها دائما في كل مرة. وهو ما يعني بالضرورة أن ما يميز فينومينولوجيا هوسرل هو "الرد" (reduction) وليس الوصف.
5- وإذا كانت بداية اي تحليل للعالم لا بد أن تنطلق من المعرفة، اي ليس فقط من مجرد ظهور "ما يظهر"، ولكن ايضا مما يمكن الامساك به من هذا الظهور، او ما نستطيع استبقاءه منه، اي "الحضور"، فإن السؤال الاساسي بمواجهة فينومينولوجيا هوسرل هو: لماذا يتعين على هذا التحليل أن ينتهي أيضا إلى نفس النقطة التي يبدأ منها؟ اي لماذا يتعين علينا أن نرد "العالم" إلى محض حضور "معطى" أمام الذات ثم نكتفي بذلك ولا نرد هذا الحضور إلى اي شيء آخر، لأنه إذا كان الحضور هو أساس المعرفة بالفعل، فبأي حق يطالب بأن يكون أساس العالم برمته؟
6- هذا السؤال لم يقلق هوسرل بالتأكيد لأنه لم يتحرك أبدا إلا داخل العالم الديكارتي الآمن والمعطى مسبقا، حتى وإن اكتفى بتجاهل حدوده الخارجية التي تم بناؤها وفقا للتأطير الثيولوجي، بحيث بدا له دائما أن السعي إلى الابحار تجاه ما يعده مركز هذا العالم يغنيه عن أي تساؤل آخر.
ولكن إذا كان هذا يشرح موقف هوسرل فإنه بالتأكيد لا يجيب عن سؤالنا!
7- لقد كان التأطير الديكارتي للعالم في جوهره استخدام للحلول التي تقدمها الثيولوجيا مع وضع "الثيولوجيا" نفسها حيث لا نحتاج إلى معاودة التفكير بها أو مراجعتها، لأن تلك المراجعة قد تفضي إلى تفكك أو تدمير العالم المعطى الذي قدمته لنا. إلا أن هذه الحلول الثيولوجية لم تكن في حثيثة الأمر ايضا سوى نتاج لعملية تأطير مماثلة للعالم الذي أتاحته التحليلات الأرسطية والتي أخرجت الثيولوجيا من الاسطورة إلى الفلسفة، فالتوسع الثيولوجي-الكلامي في تصور الارادة الالهية الغير معلقة على ما يكون في العالم؛ والتي لا ترتبط بأي شيء فيما يرتبط بها كل شيء، وصولا إلى نظرية "الخلق المستمر"، كل ذلك كان مجرد مناورة فلسفية لحفظ العالم الأرسطي/السكندري، مع نفي أو رفع الحاجة إلى مساءلته أو ترميم براهينه.
وفي كل مناورة من هذه المناورات كان الرهان على تحاشي التوجه نحو الحافة الخارجية للعالم حيث لا ينتظرنا سوى تيه لا يمكن مواجهته، والعودة إلى الداخل، اي حيث يبدو لنا العالم وكأنه قد اعطى نفسه.
8- كان المشروع الهوسرلي إذا مجرد انصياع أو حلقة أخرى في تاريخ المناورة الفلسفية ضد التيه الذي يهدد بابتلاع العالم منذ "زينون الايلي".
وهذه المناورات يمكن جمعها تحت عنوان واحد هو "الانطولوجيا".
9- قديما لم يكن الابحار يعني شيئا سوى السير بمحاذاة الشاطئ، بحيث أن اللحظة التي تختفي فيها الارض عن أعين البحارة هي لحظة مصيرية للغاية، فإما العودة إلى النقطة التي تسمح بظهور الشاطئ مرة أخرى، أو المخاطرة بالضياع في التيه بلا رجعة.
ولا يمكن التهوين من مناورات المشاطأة هذه، فهي التي أكسبتنا بداية القدرة على التنقل في المياه أو بواسطتها، ورغم ذلك فإن بضعة تجارب من الخوض في التيه هي التي منحتنا امكانية اكتشاف حدود وكامل مساحة الكوكب الذي نعيش فيه!
10- وهذا يعني -ربما- أن تجاوز استراتيجية المشاطأة الفلسفية مرهون بمواجهة التيه وترويضه.
ولكن كيف يمكن ترويض هذا التيه الفلسفي الذي أطلقه "زينون الايلي"، بعد أن تباهى أغلب الفلاسفة والفلسفات على مدار القرون بانهم قد قاموا -المرة تلو الأخرى- بدحض نقائضه؟
أو كيف يمكن معاودة التأمل في ذلك الشرخ الذي أحدثه زينون في تماسك "حكاية العالم" وقد نشأت الفلسفة ذاتها بوصفها محاولة لتجاهل هذا الشرخ عبر ما تراهن عليه بوصفه تجاوزا للحكاية؟
----------
----------
الترجمة العربية لفقرة هوسرل:
"يمكننا القول بأن «الموضوعات» أو «الأشياء» قمينة بأن تكون لا شيء على الإطلاق بالنسبة للذات العارفة ما لم «تظهر» لهذه الذات، أي ما لم تحز هذه الذات على «ظاهرة» لهذه الأشياء، ومن هنا فإن كلمة ظاهرة (Phenomenon) في هذه الحالة تشير إلى محتوًى معين يقطن داخل الوعي الذي يعاينه ويكون أساسًا للحكم بواقعيته"
ترجمة عادل مصطفى (من كتاب فهم الفهم)
...
النسخة الإنجليزية:
"The same thing can be expressed by saying that objects would be nothing at all for the cognizing subject if they did not "appear" to him, if he had of them no "phenomenon." Here, therefore, "phenomenon" signifies a certain content that intrinsically inhabits the intuitive consciousness in question and is the substrate for its actuality valuation."

Translated by Robert Welsh Jordan








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تناور.. «فرصة أخيرة» للهدنة أو غزو رفح


.. فيديو يوثق اعتداء جنود الاحتلال بالضرب على صحفي عند باب الأس




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات القصف الإسرائيلي في جميع مدن ق


.. حماس: تسلمنا المقترح الإسرائيلي وندرسه




.. طالب يؤدي صلاته وهو مكبل اليدين بعدما اعتقلته الشرطة الأميرك