الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات أولية في فلسفة الفن والجمال

قاسم المحبشي
كاتب

(Qasem Abed)

2019 / 12 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أيها الفنون الجميلة كيف يمكن للحياة أن تكون بدونك ؟!

الوعي الجمال هو احد أشكال الوعي الاجتماعي الثقافي التي اكتسبها الكائن البشري منذ الفجر الأول للتاريخ مثله مثل الوعي العلمي والوعي الأخلاقي والوعي الديني الوعي السياسي ..الخ ولما كان الانسان محاطاً بجملة هائلة من الأشياء والظواهر الثابتة والمتحركة التي يتحسسها وينفعل بها بحواسه الخمس ويدركها بعقله الفعّال ويميز بينها من حيث ما تبعثه في ذاته من مشاعر سارة أو موحشة، جميلة أو قبيحة، جليلة أو رهيبة، مفرحة أو محزنه، لذيذة أو مؤلمة. بل قل أن ثنائية الشعور باللذة والآلم هي ملكة فطرية عند جميع الكائنات الحية، وفقاً لقانون: مقاومة الفناء والحفاظ على البقاء. فكل ما يؤلم ويوجع ويحزن ويفجع ويخيف ويهدم ويحطم هو من يبعث الكائن على الهروب والنفور والابتعاد والتحوط والاحتياط بينما كل ما يلذ ويسر ويفرح ويبهج ويسعد وينعش ويريح ويثري ويغني ويبني وينمي هو ما يعبث على القرب والاقتراب والحميمية والأنس والاستئناس والطمأنينة والثقة والأمان والسلام ...الخ. من هذا الجذر العميق ( اللذة والألم ) تتولد جميع القيم الأخلاقية والجمالية والسياسية ومنها لا من غيرها نشأت موضوعات عدد من العلوم الانسانية ومنها علم الجمال وعلم الأخلاق وعلم السياسة وعلوم الدين والاقتصاد والعلوم الاجتماعية والنفسية وغيرها. في محاولة البحث عن جواب للسؤال البسيط الذي هو: لماذا يفعل الناس ما يفعلونه؟ ويقول ما يقولونه؟ ويحبون ما يحبونه؟ ويفضلون ما يفضلونه؟ ويعتقدون فيما يعتقدونه؟.الخ ذلك هو سؤال العلم الباحث عن حقيقة الظاهرة الاجتماعية، إذ لا قيمة ولا فائدة من محاولة الإجابة على سؤال: كيف يفعل الناس وكيف يسلكون وكيف يعتقدون وكيف يفضلون قيمهم الأخلاقية والجمالية وينفرون من غيرها. وفِي هذا السياق يمكن النظر الى الثقافة بوصفها بنية اجتماعية كلية تتكون من ثلاثة عناصر أساسية هي: أنماط الحياة والعلاقات الاجتماعية والتفضيلات القيمية؛ الجمالية والأخلاقية. والقيم الإنسانية نسبية، إذ تختلف التفضيلات الجمالية والأخلاقية من مجتمع الى آخر بحسب أنماط الحياة السائدة والعلاقات الاجتماعية المهيمنة، بل أن نمط حياة وعلاقات مجتمع من المجتمعات تحدد نظرتهم الكلية الى العالم والحياة والتاريخ والإنسان والى ذواتهم والآخرين. بحسب دوركايم. ورغم أن الشعور الجمالي هو فطري عن الكائن الإنساني وهذا ما يفسر نفور الأطفال من كل قبيح وسرورهم بكل ما هو جميل ، الإ أن التربية والثقافة يمكنها العبث بالحس الإنساني السليم وجعل الجميل قبيحاً والعكس! من هذا المنظور الواسع يمكن لنا النظر الى فلسفة الجمال وفرعها المعرفي علم الجمال بوصفه علم يدرس العلاقة بين الأشياء الجميلة أو القبيحة والحواس والمشاعر الإنسانية. وقد ارتبطت فلسفة الجمال قديماً بنظريات الكون والإلهيات، إلا أنها على مدى التاريخ اقتربت من نظريات المعرفة والأخلاق.وتمثل مفاهيم الجمال و فلسفة الجمال فرعا من أهم فروع التخصص الفلسفى فإنها تتصل اتصالا وثيقا بنقد الفن وتاريخة، وعلم الجمال أو علم الاستاطيقا علم حديث النشأة، انبثق بعد تاريخ طويل عتيق من الفكر الفلسفى التأملى حول الفن والجمال، وبهذا المعنى يعد علم الجمال علماً قديماً وحديثاً فى وقت واحد. إذ لم تكن لدى اليونانيين معرفة جمالية بالجمال ذاته وفي ذاته ولذاتة ولكن اهتموا بالفن من حيث علاقتة بالخير أو دلالتة على الحقيقة، لذا يقال أن مجال الاستاطيقى هو كلمة مرادفة لمفهوم (الفن والجمال). والجمال مفهوم كلي مجرد لا يمكن ادراكه بالحواس المجردة. مفهوم يعبر عّن كل الأشياء المادية والمعنوية الواقعية والرمزية التي تبعث الشعور الجميل بالدهشة والمتعة والابتهاج والسعادة والسرور والفرح عند الانسان. ويمكن أن يتجلى الجمال في عدد واسع من الظواهر والاشياء الطبيعية والتاريخية الثقافية، في تلك المناظر الخلابة في السماء والأرض في البحار والغابات والجبال والأنهار والشلالات في الزهور والثمار والحيونات والطيور والألوان والأشكال في التنظيم والتناسق والتصميم التي تدل على الجمال الرباني العظيم، ولابد من التمييز بين الجميل والجليل وبين الجمال والفن، الجميل هو كل ما يبعث على البهجة والمتعة والسعادة في النفس المتأملة مثل منظر البحر والأمواج أو منظر الوجوه الجميلة أو منظر الورد ..الخ بينما الجليل هو ذلك الذي يبعث الشعور باللذة الممزوجة بالذهول والرهبة كروية الباركين والعواصف والفيضانات الجائحة. ويطلق مفهوم الجمال على كل الأشياء الجميلة في الطبيعة بينما يقتصر مفهوم الفن على كل ما أنتجه وأبدعه الانسان من فنون ، العمارة والصناعة والنحت والرقص والموسيقى والأدب والنقد..الخ والجمال والفن عدد من الوظائف الحيوية الإيجابية في حياة الانسان والمجتمع. ويبدأ الفن لا من اللحم  والدم ولا من العقل والوجدان، بل من المكان، والزمان من الفضاءات الحميمة التي تحتضن الكائن؛ المنزل، الشارع، الحي، البلدة، المدينة، الأرض، السماء، المناخ الليالي الأيام، النجوم الغيوم، المطر، الشمس، القمر، الشجر، البحر، الموج ، النهر، الجداول الرمال، الجبال، الوديان، الحيوان، الأنوار، الظلال، الأشكال والألوان، الغناء، الرقص، النحت، الرسم، الأزياء، الألعاب، العصافير، الأعشاش، الافراح، الاتراح، الألآم والآمال والأحلام. الخ وكل تلك الأشياء الصغيرة الحميمة المؤطرة في السياق الحي الفوري المباشر لكينونة الكائن التي يعيشها متدفقة لحظة بلحظة من حياته. تلك الاشياء الصغيرة بتفاصيلها الحميمة التي تظل عصية عن النسيان هي التي يستلهمها الإنسان، المفكر، الفنان، ويعيد صيغتها إبداعياً ( فكرة، أغنية أو قصيدة أو قصة أو رواية أو لوحة تشكيلة فنية جميلة أو سيرة ذاتية أو رؤية فلسفية عمارة هرم برج نفق جسر مدينة .الخ) أنها أغنية الأرض المنتزعة من أرضها رمزياً بما تحمله من رسالة جمالية ذات دلالات ومعاني سيكولوجية وميتافيزيقية واجتماعية ثقافية وجمالية إنسانية سامية تهذب الأذواق والنفوس، والفنان لا يأتي المعجزات؛ بل هو ابن بيئته وربيب زمانه. وتمنحه موهبته المرهفة القدرة على إعادة صياغة الحياة في قالب فني يسر النظر، ويطرب السمع، ويبعث الشعور بالمتعة والفرح والجمال. والفن والجمال يسري في روح الكون كله سريان الروح بالجسد وذلك بالتصميم والتشكيل والضوء والظلال والألوان والتنوع والتعدد بالكائنات والأنواع والأجناس والهيئات والأشكال والأشخاص الأصوات والحركات والأقدار والأماكن والأزمان في البحار والجبال والبرار والسماء والأرض التي صممها الخالق الباري المبدع المصمم المصور الأول الله سبحانه وتعالى في غاية الروعة والجمال والجلال الساحر المهيب وخلق الانسان في أحسن تقويم ومنحه المعرفة والعقل والكلام واستخلفه على الأرض ليحميها ويصونها وينميها بالعدل والإنصاف والخير وبالكمال الأكمل والجمال الأجمل والتام الأتم على أفضل تصميم وأعلى ما تكون عليه الهمم من تشكيل أكاديمي اداري وفني وثقافي وعلمي وديني وأخلاقي وجمالي وثقافي يزيد وينمي جمال الخلق والخالق ويحقق سعادة ورفاه الإنسان حيثما حل وسكن وكان في هذا الكوكب المعمور بالحياة الإنسانية الرشيدة أو التي يفترض أن تكون رشيدة وسعيدة ومصونة وجديرة بالعيش الكريم والحياة الطيبة. وقد بدأت حياة الانسان أولى ما بدأت على هذه الأرض بلغة الجسد الرقص أو الغناء للتعبير عن الفرح والمآتم والبكاء والصراخ للتعبير عن الاحزان والفواجع. وكان النحت والرسم على الأحجار وصناعة الأواني وأدوات الزرع والحرب من مقتنيات الحياة الأثرية الباكرة لسيرورة البشرية في كل مكان عاش فيه الإنسان. وهكذا كان ثور آشور المجنح وأسد بابل وحقائقها المعلقة وكانت أهرامات مصر العظيمة وكان عرش بلقيس وسد مأرب وصهاريج عدن وناطحات السحاب الطينية في شبام الحضرمية وناطحات السحاب الحجرية في يافع الحميرية وكل مأثورات الشعوب الخالدة التي تروي قصة انهمام الإنسان بتجاوز واقعه بالحلم والتخييل والإبداع والخيال وبهذا يتكون التاريخ الإنساني من ثلاث قوى أساسية هي: لثقافة فناً وعلماً وادباً. وتمثل القوة الإبداعية في التاريخ.والحضارة: قانوناً واخلاقاً وتشريعاً. وتمثل القوةالتنظيمية في التاريخ. والمدينة: عمارة وزراعة وتدجين وتعدين وتصنيع. وتمثل القوة المادية في التاريخ. تلك هي قوى التاريخ وأدواته الفاعلة التي لا يكون التاريخ الإ بها ومنها وسببها ونتيجة تفاعلها. ويقع الفن في قلب التاريخ ويمنحه الروح والحلم والأمل والرجاء والمثال فماذا يكون التاريخ بدون ملحمة جلجامش أول قصيدية ملحمية مدونة في تاريخ الحضارة البشرية؟ أو حدائق بابل المعلقة أو أسد آشور المجنح أو أهرامات مصر العظيمة أو سُوَر الصين العظيم أو سد مارب وعرش بلقيس أو الاوديسة والإلياذة اليونانية أو العمارة والمنمنمات الإسلامية ؟ وغير ذلك من الفنون البصرية والسمعية والروحية التي إبدعها الإنسان في كل العصور. وتعد الفنون الجميلة من أقدم المجالات التي التي عرفها تاريخ الفكر الإنساني في مصر والصين والهند واليونان وبلاد الرافدين وجنوب الجزيرة العربية وغيرها من البلدان التي شهدت حضارات حقيقية. والفن من أهمّ ما تركه الإنسان على وجه الأرض وساعد على تطوير البشرية للأفضل، من أفكار الفنانين ظهرت الابتكارات والاختراعات التكنولوجيّة التي سهلت الحياة على الإنسان، كما ساهم بعض الفنانين بالفعل في ذلك التطوير من خلال ابتكارات مباشرة. ومن خلال الفنون تقاس حضارات الشعوب ومدى تقدّمها، فالثابت أنّ الحضارات القديمة كان من أبرز ما تركته للبشرية هو الفنون التي تمثلت في النحت والتصوير وغيرها. والفنون كلّها عبارة عن إنتاج إبداعيّ للإنسان يعبّر بواسطتها عن أفكاره ومشاعره وأحاسيسه، وقد يقوم بعمليّة محاكاة لما هو موجود في الطبيعة أو الواقع، أو يحلّق بخياله ليبتكر عملًا فنيًّا – في مجاله - يُحدث الدهشة والانبهار وربّما "الصدمة" لدى المتلقّي! هناك قواسم مشتركة في الفنون على اختلاف أنواعها، من أهمّها: أنّ جميعها تُخاطب الشعور والإحساس الإنسانيّ، وتُسهم في بناء الشخصيّة. "يَقولُ العالم الفيزيائي آينشتاين (لو لَم أكن فيزيائيّاً، مِنَ المُحتَمَل أن أصبِحَ مُوسيقيّاً، غالباً ما أفكّر بالمُوسيقى، أحلامُ اليَقَظةِ لَدِي مُوسيقى وأنظرُ إلى حَياتي بدلالَةِ المُوسيقى، أجمَلُ أوقاتي هِيَ تلكَ التي أقضيها بالعزفِ على الكَمَان). لأنّ الفُنونِ الجَميلة دائِماً تِلعَبُ دَوراً مُهِماً فِي المُجتمع الإنساني، وتجعَلُ الإنسان أكثر رقياً، لأنّ الحيوانات لا تَعرِفُ الفنون ولا تُتقِنها سِوى البشر، فَهِيَ حالة من حالات الرّقِي الإنساني" وتنقسم الفنوان الجميلة الى قسمين: اولاً: ما يسمّى بالفنون المادية، كالرسم والنحت والزخرفة وصنع الفخار والنسيج والطبخ . والفنون. ثانيًا: غير الماديّة نجدها في الموسيقى والرقص والدراما والكتابة للقصص وروايتها. كما أنّ هناك فنون بصرية؛ كالرسم، والنحت، والعمارة، والتصميم الداخلي، والتصوير، وفنون زخرفية،وأعمال يدوية، وغيرها من الأعمال المرئية. ومع كل ذلك يظل الإنسان عاجزًا عن ادراك الجمال ذاته وبذاته، وكل ما يستطيعه هو ادراك الأشياء الجميلة فقط وذاك كان قلق سقراط في محاورة جورجياس إذا لم تخني الذاكرة. وكما أن الحكمة بذاتها ولذاتها تظل بعيدة المنال بالنسبة للإنسان المحب للحكمة فكذلك هو الجمال المطلق بالنسبة له. ولهذا قيل أن الإنسان هو صديق الحكمة والعدالة والخير والجمال في كل زمان ومكان. وخير تكريم للأسلاف لا يكون في تقديس رماد قبورهم
بل بجعل الشعلة التي اوقدوها ذات يوم متأججة على الدوام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن ينهي زيارته إلى الصين، هل من صفقة صينية أمريكية حول ا


.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا




.. انقلاب سيارة وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ونقله إلى المستشف


.. موسكو تؤكد استعدادها لتوسيع تعاونها العسكري مع إيران




.. عملية معقدة داخل المستشفى الميداني الإماراتي في رفح وثقها مو