الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الستار الراوي ورحلته الفلسفية من بغداد الى الاسكندرية.

قاسم المحبشي
كاتب

(Qasem Abed)

2019 / 12 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


        للإسكندرية سحرها الفلسفي الخاص فهي درة البحر الأبيض المتوسط، وتحمل اسم اعظم فاتح يوناني هو الاسكندر الأكبر الذي انشاءها  عام 332 ق.م. والاسكندر هو تلميذ الفيلسوف اليوناني الشهير ارسطو طاليس(384 -322ق.م) وهي مدينة العلم والفلسفة منذ أقدم العصور إذ اكتسبت هذه الشهرة من جامعتها العريقة ومجمعها العلمي "الموسيون" ومكتبتها التي تعد أول معهد أبحاث حقيقى في التاريخ ومنارتها التي أصبحت أحد عجائب الدنيا السبع في العالم القديم. فقد أخذ علماء الإسكندرية يفكرون في طبيعة الكون وتوصلوا إلى فهم الكثير من القوى الطبيعية. ودرسوا الفيزياء والفلك والجغرافيا والهندسة والرياضيات والتاريخ الطبيعى والطب والفلسفة والأدب. ومن بين هؤلاء الأساطين إقليدس عالم الهندسة الذي تتلمذ على يديه أعظم الرياضيين مثل أرشميدس وأبولونيوس وهيروفيلوس في علم الطب والتشريح وإراسيستراتوس في علم الجراحة وجالينوس في الصيدلة وإريستاكوس في علم الفلك وإراتوستينس في علم الجغرافيا وثيوفراستوس في علم النبات وكليماكوس وثيوكريتوس في الشعر والأدب فيلون وأفلاطون في الفلسفة وعشرات غيرهم أثروا الفكر الإنساني بالعالم القديم. وفي الإسكندرية ولدت وعاشت واستشهدت أعظم فيلسوفة وعالم رياضيات في التاريخ هيباتيا 370-415م تعد أول امرأة في التاريخ يلمع اسمها كعالمة رياضيات،[1] كما لمعت في تدريس الفلسفة وعلم الفلك. والإسكندرية عبر تاريخها الطويل عرفت بمدينة المكتبات وأولها مكتبة الإسكندرية الملَكية أو المكتبة العظمى هي كبرى مكتبات عصرها، شيدها بطليموس الأول قبل ثلاثة وعشرين قرناً. تحتوى المكتبة على اكثر من نصف مليون من اللفائف. وفي الاسكندرية توجد اليوم أكبر واحدث مكتبة ورقية ورقمية في الشرق الأوسط تحوي أكثر من ثمانية مليون كتاب. فضلا عما تنطوي عليه الإسكندرية من كنوز أثرية خالدة وأثار تاريخية شاهدة ففي قاع بحرها متحف تاريخي يروي مغامرات شعوب البحر الأبيض المتوسط منذ أقدم العصور. كتب الشاعر الكاريبي ديريك والكوت في قصيدته (البحر تاريخ) " أين شواهدكم، معارككم، شهداؤكم؟ أين ذاكرتكم القبلية؟ أيها السادة في القبة الرمادية. البحر.. البحر قد أقفل عليها. البحر هو التاريخ" ( ينظر، مايكل نورث، اكتشاف بحار العالم من العصر الفينيقي إلى الزمن الحاضر، ترجمة، عدنان عباس علي، عالم المعرفة 475، أغسطس 2019). وقبل اسابيع اعلنت وزارة الآثار المصرية عن اكتشاف كنوز أثرية في قاع بحر الإسكندرية " وبحسب البيان، جرى الكشف عن بقايا مجموعة من الأبنية تمنح مدينة كانوب امتدادا آخر نحو الجنوب لمسافة كيلومتر، عثر به علي بقايا ميناء ومجموعة من الأواني الفخارية من العصر الصاوي وعملات ذهبية ومعدنية، وحلي ذهبية من خواتم وأقراط، بالإضافة إلى عملات برونزية من العصر البطلمي، وعملات ذهبية من للعصر البيزنطي، مما يرجح أن المدينة كانت مأهولة بالسكان في الفترة ما بين القرن الرابع قبل الميلاد و العصر الإسلام" ( ينظر، موقع سكاي نيوز، مصر.. اكتشاف كنوز أثرية في قاع البحر بالإسكندرية، 22 يوليو2019). ومن الشواهد الأثرية الباقية اليوم بالإسكندرية عمود السواري من أشهر المعالم الأثرية في الإسكندرية، و قلعة قايتباي، والمسرح الروماني، ومتحف المجوهرات الملكية،  والمتحف اليوناني الروماني، ومتحف الإسكندرية القومي، ومكتبة الإسكندرية الجديدة، والمينا الشرقي، ومقابر مصطفى كامل الأثرية ومقابر الانفوشي، وغيرها كثير. هذا فضلا تميز الإسكندرية بمناخها المعتدل، إذ يسود بها مناخ البحر المتوسط والذي يتميز بصيفه الحار والجاف وشتائه الرطب والمعتدل والممطر، فهي مدينة شم النسيم الأثيرة عند المصريين. كل تلك الاشياء الجميلة الطبيعية والثقافية في بنيتها الكلية لاريب وانها تعد من الحوافز الاساسية التي حفزت طالب الدارسات العليا القادم من بغداد العريقة لطلب المعرفة الفلسفية في الإسكندرية الساحرة عبدالستار الراوي الذي هبط بها ولم يخرج منها الا بشهادتي الماجستير والدكتورة بالفلسفة. اكمل الراوي دراسته الجامعية في جامعة بغداد عام 1967 في أوج سن الشباب 26 عاما ثم يمم وجه صوب أم الدنيا مصر العظيمة ونال دبلوم التخصص العالي في الدراسات الاسيوية من معهد الدراسات الاسلامية العليا في القاهرة عام 1968 ، ودبلوم آخر في الدراسات الافريقية من المعهد ذاته سنة 1970، كما حصل على ماجستير فلسفة بامتياز من جامعة الاسكندرية سنة 1974، ومن الجامعة نفسها حاز على دكتوراه في الفلسفة الاسلامية بدرجة ممتاز مع مرتبة الشرف الاولى. هناك في حورية الاطلسي وموطن هيباتيا فيلسوفة الاسكندرية الشهيدة، طاب له المقام وجاء في جوابه عن سؤال تجربته الدراسية في مصر والاسكندرية متذكرا تلك الأيام وما بعدها " أحببت مصر منذ صغري وامضيت في ربوعها أجمل سنوات حياتي، واقمت فيها عشرة أعوام (1967 ـــ 1977)، كنت ادرس في معهد الدراسات الاسلامية العليا بالقاهرة، وفي الوقت عينه، أواصل تعليمي في جامعة الاسكندرية، وكنت أقيم ما بين القاهرة والاسكندرية، لي صحبة طيبة مع مجموعة من الاصدقاء واولهم إدموند إيليا، الدكتور أحمد عبد الحليم، الدكتور ماهر عبد القادر، هاني المرعشي، الدكتور محمد محمد قاسم، الدكتورة راوية عبدالمنعم، وماتزال هذه الرفقة قائمة حتى اليوم بعد مضي نصف قرن من الزمان، وكان أستاذي الدكتور ياسين خليل قد عزز رغبتي على مواصلة دراستي العليا وكتب توصية علمية بذلك وكذلك استاذي وصديقي الدكتور كامل مصطفى الشيبي خير عون لي طوال دراستي العليا، وقد لقيت أثناء دراستي مؤازرة علمية من عميد الآداب الاستاذ الدكتور عبد المعز نصر ومن الاستاذ الدكتور على سامي النشار رئيس قسم الفلسفة في آداب الاسكندرية وقد درست عليه فصلا دراسيا كاملا، لأواصل دراستي تحت اشراف فيلسوف الاسكندرية الدكتور محمد على ابو ريان، حيث انجزت رسالة الماجستير 1974 بدرجة ممتاز، وحزت في الدكتوراه 1977 على الامتياز مع مرتبة الشرف الاولى ـ واتمتع بعضوية الجمعية الفلسفية المصرية ـ وعضوية مجلة ( أوراق فلسفية) برئاسة الصديق الدكتور أحمد عبدالحليم" (ينظر، إيمان البستاني، ضيف إيلاف، البروفيسور، عبدالستار الراوي،2 نوفمبر2017). من الواضح أن أثر مصر عامة والاسكندرية وجامعتها في حياة الراوي كان حاسما، إذ وجد فيها ما يشبع نهمه للمعرفة الفلسفية وبها اشتد عوده الفكري ونضج عقله النقدي ورهف حسه الجمالي ووضع قدميه على طريق الاف ميل في درب الإبداع الفلسفي والآداب حتى بات اليوم من أبرز أعلام الفكري الفلسفي العرقي والعربي عامة بشهادة كبار الفلاسفة والمثقفين العرب. كل هذا المؤثرات الثقافية والروافد الفكرية التي تأثر بها  الفيلسوف عبدالستار الراوي بطريقة مباشر أو غير مباشرة وبدرجات مختلفة من القوة والضعف ،كانت بالإضافة إلى الوسط الثقافي المحلي الذي نشأ وترعرع وفكر وعاش فيه، في مدينة بغداد فضلا عن الرحلة العلمية الأكاديمية الطويلة التي امضاها في مصر والاسكندرية بالذات وما اتاحته له تلك الرحلة  من فرص وممكنات باذخة الالهام والتحفير والخلق فضلا عن مواهبه الذاتية  صيرته مثقفا موسوعيا عربيا وعالميا إذ إنه كان يجيد عددًا من اللغات:" الإنجليزية والفارسية والعبرية" هذه المؤثرات التي يصعب الفصل بين مكوناتها ،كانت تتفاعل وتتداخل وتتمازج في وعي وضمير الراوي وتشكل شخصيته المتميزة في سياق الحياة الواقعية المشخصة، ومن ثم صعب فهم الفكر" الراوي " من دون الأخذ بكامل السياق التاريخي الذي ظهر فيه، إذ إن السياق كما يرى "جاك دريدا" هو كامل الوسط الذي يظهر فيه نص ما والذي لا يتشكل من وضعية ثقافية أو اجتماعية وسياسية فحسب، وإنما من مجموع النصوص والعلامات المتحركة حوله ووراءه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع