الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية النهضة للفكر العربي.

محمد ابراهيم الضابوس

2019 / 12 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


منذ غزو نابليون لمصر عام 1798م إلى الآن، لا تزال الأسئلة التي طرحتها هذه الإشكالية التاريخية على العرب تستعاد وتتكرر لتتابع دورانها في الدوامة ذاتها. فهل الحداثة غزو ثقافي يستهدف تراثنا وقيمنا وثقافتنا أم إنها نموذج للنهوض الاقتصادي والاجتماعي والسياسي يجب اقتداؤه لتجاوز محنة فواتنا التاريخي؟ هل نرفضها باعتبارها تحدياً لهويتنا أم نقف منها موقفاً انتقائياً، نأخذ منها ما يلائمنا ونطرح ما لا يتفق مع حضارتنا وإرثنا الأيديولوجي؟ هل الحداثة وافد غريب على التراث العربي أم أن جذورها ضاربة في هذا التراث بما ينطوي عليه من قيم ومبادئ وتصورات؟
إن هذه الأسئلة تطرح اشكالية فشل النهضة العربية عبر أكثر من قرن من الزمان وهذا ربما يعود إلي عوامل داخلية تتضمنها شخصية العربي المليئة بالقصور العلمي والمعرفي، والعامرة بالغيبيات والخرافات والاتكالية، ووجود مفكرين عرب يدعون إلي تقليد الغرب واتباعه، وأيضاً تقصير متعمد من الأنظمة العربية الفاسدة والتي تعمل كأداة تعطيل لنمو وتقدم الفكر النهضوي.. وعوامل خارجية تتعلق بالغزو الإعلامي الثقافي والغزو العسكري المباشر، في محصلة ذلك الجدل يمتد الخلاف بين المثقفين العرب حول مأزق الحداثة ونهضة الفكر العربي إلى جدلية غير متناهية، فثمة من يرد الأزمة إلى ما يسمى بالغزو الثقافي، وهذا المصطلح لا يروق للبعض باعتبار أنه عماد الخطاب السلفي في الوطن العربي، ويفضل عليه مصطلح (الاختراق الثقافي) الذي يمارسه الغرب بقصد خلق عملية استتباع حضاري، أي فرض نمط حياة معين وخاصة في مجال الاستهلاك والإنتاج من أجل السيطرة على أسواق الآخرين ونهب ثرواتهم وقمع قدراتهم الإنتاجية، وأيضاً السيطرة على الفكر بنمط استعماري حديث.
إن الوسائل التي يتعين إتباعها للخروج من واقع التخلف العربي، هو اللحاق بركب الحضارة العالمية، والخلاص من محدودية العقل العربي وعقم تفكيره. بل فيما يتلقاه هذا العقل من الأفكار العفنة المتصفة بالعقم من أجل إحداث التجديد المطلوب الذي يطلبه العصر، لذا فإن العجز يعود إلى جمود العقل العربي، ومحدودية الأفكار التي ينتجها في مجال الإبداع، والتي لا تتعدى مجال النقل والترديد، أي أن أزمة الفكر العربي تتجلى بالموروث الثقافي الذي يعود بالدرجة الأولى إلى النص الديني الإسلامي الماضوي، لذلك أياً كانت حجج أتباع الإسلام الماضوي والتي ترى الخلاص في التقوقع والانكماش، باسم الحفاظ على الذات والأصول والسلف الصالح، فإن أصل الصراع يبقى صراعاً حضارياً بامتياز، إنه صراع حضارة وهوية وتاريخ وثقافة.
فعلى ضوء هذا الوضع الشاذ يجب الاهتمام بإشكالية مستقبل المجتمعات العربية التي من أهمها تحديد أسباب تعثر التنمية وانتشار التخلف، الفقر، المرض، إضافة إلى الاستبداد السياسي، وكأن العقل العربي لا يبدع إلا في إنتاج الاستبداد والقمع.
من المؤسف أن ما طُرح في بداية القرن الماضي عن التقدم والحضارة، لا يزال نفسه يُطرح في بداية الألفية الثالثة. في الوقت الذي سبقتنا إليه شعوب كثيرة أشواطاً ومراحل، فعلينا في ظل المعتقدات والممارسات السائدة أن نلحق بمسيرة الحضارة العالمية أو الاقتراب منها، ويكمن ذلك بالتركيز على الخصوصية الوطنية والمقدسات المميزة لكل شعب أو أمة، إضافة إلى التفتح على ما أضافته الإنسانية من مختلف العلوم والإبداعات، والابتكارات الإيجابية التي تحققت في الغرب، وإلى الابتكارات الإيجابية التي راكمتها شعوب الشرق. إضافة إلى إيجاد الحلول للأزمة المعرفية الحادة للفكر العربي المعاصر، التي لا تستقيم إلا بالتفتيش عن الأخطاء المتراكمة في مجتمعاتنا العربية منذ العصور الوسطى، وذلك بتنقيح التراث الإسلامي وكافة الأفكار والمفاهيم والعادات والتقاليد من خلال عمليات النقد الموضوعية، واستئناف النظر في معطيات الثقافة الإسلامية بمختلف فروعها التي تتطلب التحرر من القراءات ومن المعطيات الثقافية الإسلامية السائدة، وكل ذلك ضمن الإسلام المنفتح المتطور بعيداً عن الغلو والتطرف، المتبع لمنهج الوعي النقدي ويعتمد التحليل العلمي والعقلي الذي يُعتبر انجع طريقة لكشف أسباب وجذور الأزمة التي يعاني منها العقل العربي الجامد وتفكيره العقيم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح