الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلهي ليس بالضرورة إلهك

مهدي سعد

2006 / 6 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يدور ما يسمى بالفكر الديني المعتدل على قاعدة أساسية في نظرة مختلف الأديان إلى بعضها، وهي أن جميع الأديان تؤمن بوجود الله، ومع أن هذه القاعدة صحيحة وتساهم في التخفيف من حدة الحقد الديني المدمر وتجمع الناس على أفكار مشتركة، إلا أن القائلين بهذه الفكرة يؤكدون كذلك على أن أتباع جميع الديانات يؤمنون بإله واحد، وهذه قاعدة خاطئة لحقيقة بسيطة وهي أن مفهوم الله يختلف من دين إلى آخر، وقد يقول بعضهم بأنه بالرغم من أن مفهوم الله مختلف عليه إلا أن الجميع يعبدون إلهًا واحدًا، وهذه نظرية خاطئة فكيف بإمكاننا القول بأن إله المسلمين هو ذاته إله النصارى؟!، خصوصًا إذا علمنا أن النصارى يعتقدون بإله واحد في ثلاثة أقانيم هي الآب والابن والروح القدس ويؤمنون بأن المسيح هو الله المتجسد بشرًا، وعلمنا أيضًا أن المسلمين يعتقدون بإله واحد منزه عن الصفات البشرية.
إذًا البشر لا يعبدون إلهًا واحدًا وهناك تعدد للآلهة، فكل دين يعبد أتباعه إلهًا خاصًا بهم.

نظرة مختلف الأديان إلى الله:

لا أبغي هنا دراسة مفهوم الله لدى مختلف الأديان، لأن هذا موضوع طويل ويحتاج إلى بحث شاق. لكني سأقوم باستعراض سريع لموقف الأديان من الله لكي أبين اختلاف النظرة إليه بين دين وآخر.
لنبدأ بالديانة الهندوكية التي تؤمن بثلاثة أقانيم إلهية تجمعها حقيقة أزلية واحدة وهذه الأقانيم هي البرهمان وشيفا وفيشنو (الخالق والحافظ والهادم). ونعرج على الديانة اليهودية التي تؤمن بإله خلق الكون في ستة أيام وفي اليوم السابع استراح، وهذا الإله يبكي ويضحك ويتكلم لنبيه موسى من الشجرة. وفي المسيحية نجد إلهًا واحدًا في ثلاثة أقانيم، وهذا الإله يتجسد بشرًا في شخص المسيح.
وفي الإنتقال إلى الإسلام نجد الكثير من الفروقات في النظرة إلى الله بين مختلف الفرق والمذاهب والأحزاب ومدارس علم الكلام والفلسفة.
فمثلًا نجد السنة يعطون الله 99 صفة في مقابل المعتزلة الذين ينفون الصفات نفيًا مطلقًا عن الله. وللصوفية مفاهيمها الخاصة المتصلة بالتجربة الروحية التي يخوضها العارف ليتحقق وجود الله من خلال المجاهدات وقهر النفس والصعود في معارج الروح من خلال المقامات التي يمر بها والأحوال التي تتنزل عليه والنور الذي يقذفه الله في قلبه.
وإذا توسعنا في سرد فرق الإسلام، نجد الموحدين الدروز يؤمنون بتجريد الله وتنزيهه ويطلقون الصفات عليه على سبيل المجاز لا الحقيقة وينفون التعطيل والتشبيه عنه، ويعتقدون بتجلي الله لخلقه بالصورة الناسوتية كالناظر إلى وجهه في المرآة. والنصيرية (العلويون) يعتقدون بأن علي بن أبي طالب هو ناسوت الله.
بعد هذا الإستعراض السريع نجد فروقًا هائلة في النظر إلى الله بين الأديان، وحتى بين أتباع الدين ذاته هناك خلافات باختلاف الفرق والمذاهب، فكيف يصح إذا القول بأن جميع أتباع الديانات والمذاهب يؤمنون بإله واحد؟!.
فالإختلاف إذًا على الأساس والجوهر والأصول، على الله، وليس على الفروع كما يدعي جهابذة الفكر الديني المعاصر، فكم من حرب دينية عبر التاريخ قامت بسبب الله، فلو كان للبشر إلهًا واحدًا لما تنازعوا فيما بينهم بسبب آلهتهم، فكل دين ومذهب له إلهه الخاص ينظر إليه على طريقته ويصل إلى كنهه وحقيقته وفق مفاهيمه الخاصة، وهذه حقيقة بائنة وواضحة مثل عين الشمس ويراها جميع الناس إلا من إختاروا مسبقًا أن يكونوا عميان في هذه الحياة وهم كثر للأسف في أيامنا.
والمطلوب هو قبول الآخر كما هو وليس البحث عن المشترك بيني وبينه، وأن يقول الإنسان لأخيه الإنسان: إلهي ليس بالضرورة إلهك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي