الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل نحن أصدقاء حقا؟ واقع الصداقة في العالم الافتراضي

معاذ جمايعي

2019 / 12 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عادة ما نجد العلاقات الاجتماعية التي تنشأ يوميا نتيجة تفاعل الأفراد فيما بينهم قد صارت من الضروريات الحياتية. هذه العلاقات محددة بزمن معين ومكان معين. حيث نجدها مرتبطة أساسا بمستوى حاجة كل فرد للآخر. وفي عصرنا هذا نجد أشكال جديدة للعلاقات الاجتماعية عبر الأنترنت أو ما يعرف بمواقع التواصل الاجتماعي، حيث بالإمكان تصنيف هذه العلاقات بالأساسية والثانوية. فالعلاقات الأساسية تكمن في التفاعل بين شخصين ذوي قرابة وطيدة، يتشاركون في بعض خصوصيات الحياة، مثل الزوجين، الإخوة، زملاء العمل، الأقارب... وتتميز بحرية التعبير والتواصل ومتانة الروابط الاجتماعية. في حين أن العلاقات الثانوية، تكون شكلية بين شخصين أو أكثر، لا تربطهم سوى علاقة عالم افتراضي وأحيانا تكون مشوبة بمصالح وخالية من مشاعر الإخاء ولا تتعدى حدود الافتراضي فقط.
هذا العالم الجديد، ساهم في هندسة علاقات اجتماعية جديدة عبر ما يعرف بالحبّ السائل على حد تعبير عالم الاجتماع "زيغمونت باومن" حيث أعلن بأن" الرغبة والحب شقيقان وأحيانا يولدان توأما، لكن لا يمكن أن يكونا توأما متماثلا. فالرغبة اشتهاء للاستهلاك، اشتهاء للإشباع والاهتمام والابتلاع والهضم، إنها اشتهاء للتدمير، فلا تحتاج الرغبة إلى أي حافز آخر سوى حضور ذات أخرى. وأما الحب فهو الحرص على الرعاية والحفاظ على موضوع الرعاية. إنه باعث يدفع بعيدا عن المركز، إنه قوة تتمدد وتتجاوز وتبسط يدها لما هو خارجها." هكذا يفسر "باومن" العلاقة بين ثنائيتي الرغبة والحب. وإذا ما بحثنا عنها صلب مواقع التواصل الاجتماعي فإننا نجد هذه العلاقات تتميز بالهشاشة وبخلقها لنوع من الروابط الاجتماعية الضعيفة في مجتمع ما بعد الحداثة. حيث تراجعت تدريجيا، لتطمس كل ما هو إنساني وعفوي، إلى جانب إضعاف الروابط الأسرية وغيرها، وتوسيع الهوة بين الأفراد بدل تقليصها. بل أصبح المستعمل للعالم الافتراضي يبحث عن صداقات لإشباع رغباته العاطفية التي لا يستطيع الحصول عليها في محيطه الاجتماعي، متحليا بكل أشكال الفضول، وراصدا لكل أنشطة أصدقائه الافتراضيين، أو التصفح في صور الفتيات والنساء لإثبات نوع من الرجولة أو السعي لكسب أكبر عدد ممكن من الصديقات أمام أقرانه.
لقد اندثرت كل معاني الشهامة والغيرة على الأصدقاء. وصار الرجل يكتب تعليقا لكسب ودّ امرأة لا يستطيع في العالم الواقعي التجرء ولو بإلقاء تحية الصباح عليها. بل يتعدى الأمر لمحاولة إشباع نزواته ومحاولة خلق حديث جانبي معها تحت غطاء الصداقة وهذا ما يفسر بنوع من الرغبة غايتها الإشباع والابتلاع والهضم، وليس بالمحبة التي تسمو بالحرص والرعاية، في محاولة لإثبات وجوده أمام محيطه الافتراضي وأمام فراغ يعيشه مجتمعنا.
كما تصلك كل يوم دعوة صداقة جديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا تعرف مئاربها وغاياتها أغلبها لا تخلو من الحيثيات التي ذكرناها سابقا. فهل نحن في حاجة فعلية لتلك الصداقات حقا؟
ما يمكن أن نشير إليه، أن علاقة الأفراد فيما بينهم قد تحولت من متانة العلاقة إلى غموضها وانحلالها وانسياقها وراء النزوات والاستعمال العكسي لما أسست عليه تلك المواقع. فبدل تسهيل عملية الاتصال والتواصل بين الأفراد، أو تبادل المعلومات والخبرات والمعارف، أو متابعة الأخبار سواء أكانت محلية أو وطنية أو عالمية. صار الاستعمال هامشي، لا يقتصر إلا على تعبيرات سطحية يكتنفها الفضول، أو صداقات عابرة لا تحمل دفء المشاعر ولا مودة الإنسانية. فالحاجة تدعونا إلى ضرورة مراجعة قائمة الأصدقاء، إذ ليست كل دعوة للصداقة آتية من صديق خالص الوعد منصفا. وقد تطورت العلاقات من العناية والمحبة الخالصة والوفاء، إلى علاقات النزوة والإبحار في صفحات الأصدقاء بدافع التطفل والفضول، يعكس سلبية وسطحية أصحابها. لتسير بنا التكنلوجيا الحديثة نحو المجهول، بدل التقدم والتحصيل ومواكبة التطور والحداثة. فيكفي صديق نجده بالقرب منا وقت الحاجة بدل خمسمائة صديق قابعين خلف شاشات هواتفهم الجوالة كل لحظة وكل حين، وبينهم من يقول: " ترى.. مالذي ترتديه هذه المرأة اليوم من ثياب "؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكا تزود أوكرانيا بسلاح قوي سرًا لمواجهة روسيا.. هل يغير


.. مصادر طبية: مقتل 66 وإصابة 138 آخرين في غزة خلال الساعات الـ




.. السلطات الروسية تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة | #


.. مراسلنا: غارات جوية إسرائيلية على بلدتي مارون الراس وطيرحرفا




.. جهود دولية وإقليمية حثيثة لوقف إطلاق النار في غزة | #رادار