الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في رثاء محمد شحرور

أحمد عصيد

2019 / 12 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كان همّه أن يجد للإسلام مكانا في عصرنا، وأن يحقق الملاءمة المفقودة بين عقائد وممارسات ظهرت في مجتمع بعيد بقرون طويلة، ومؤسسات الدولة الحديثة التي جذورها في الأرض لا في السماء، فكان طبيعيا أن يتصادم مع فقه العصور الوسطى الذي أنتج في ظل الخلافة، وترك لنا ركاما هائلا من مصنفات تحولت بالتدريج إلى عوائق تشلّ الفكر والعقل.
كان خطابه خطاب تأويل، وصراعه صرخة ضدّ من يحتكر الفهم التفسير، وضدّ من يعمل المستحيل من أجل جعل الناس قطيعا تحت الوصاية والمراقبة، ولذا وجد نفسه في جبهة محاربة الجهل والعنف والكراهية، والتنظير للمحبة والإخاء والمساواة بين البشر، وتمجيد الكرامة والحرية في مقابل غوغائية الدعاة الذين تحيزوا دائما لفقه القسوة وللتقليد الأعمى وتقليد التقليد وحفظ المتون والحواشي والعنعنات.
ولأن مشكلة المسلمين هي مشكلة قراءة وتأويل حسب السياق وضرورات الوقت، فقد قرأ القرآن في شموليته من منطلق اعتبار الدين خطاب خير وكرامة، لا خطاب تدمير وتخريب وقتل وانتقام، وحاول إضفاء قدر من الانسجام على قراءته القرآن بالقرآن، وفق المنطق الإنسي المشار إليه، فاتخذ موقفا حازما من الأحاديث المروية والمتراكمة عبر قرون من الرواية الشفوية التي تخللتها خلافات وأحقاد وحروب وصراعات ومصالح لا حصر لها، انعكست كلها على صورة الدين وموقعه في الدولة، وعلى وضعية الإنسان المسلم التي سرعان ما تحولت إلى انحباس حضاري دام لأزيد من ألف عام.
لذا عمل على إعطاء الدين مضمونا سمحا، فأخرجه من ثقافة البداوة والغزو والاسترقاق، وفتح نوافذه على نسمات الأزمنة الحديثة، حتى يجد فيه الناس أجوبة حقيقية لمشاكلهم، ويتخلصوا من فتاوى العار التي تعكس أزمة عقول علاها الصدأ والغبار.
إن منطق شحرور هو التالي: إذا كان فقه الخلافة الرجعي يدفع المسلم في عصرنا إما إلى التطرف والغلو أو إلى الخروج من الدين والتحرر منه كلية، فإن ثمة قراءة تسمح باحترام الدين واحترام قيم العصر معا، لكن لا بد من تغيير جذري في قواعد التفكير والقراءة.
لقد عمل محمد شحرور من خلال مُجمل إنتاجاته الفكرية على إخراج الإسلام من مأزق حضاري أوقعته فيه حركات الإسلام السياسي باسم "الصحوة"، ما عرّض الدين الإسلامي لنقد شديد بسبب انغلاق "أهل الاختصاص" ، ومحدودية نظرهم، وعقم منهجهم في التفكير، حيث لم يستطيعوا تقديم قراءات تجديدية تجيب على الأسئلة الكبرى لعصرنا، وخاصة منها ما يتعلق بنتائج العلوم، وبالتحولات المجتمعية الكبرى، وبمفهوم المواطنة وعلاقة الدولة بالدين وموقع الفرد بينهما، كما أن الاجتهادات الهامة التي أبدعتها نخبة محدودة من المفكرين التنويريين سرعان ما تمّ الالتفاف عليها من طرف جمهور الفقهاء المقلدين من حُراس قلعة الفقه القديم، ما طرح بإلحاح ضرورة اجتهاد جريئ من داخل المنظومة الدينية نفسها.
إن الراحلين عن هذا العالم ثلاثة:
1) الذين يتركون فيه أثرا لا يبلى حتى كأنهم باقون أبد الدهر.
2) الذين يعتبرونه مجرد معبر فيمكثون في انتظار المغادرة، حتى وهم لا دليل لديهم على وجود حياة أخرى غير هذه التي لم يحسنوا استغلالها.
3) المحتالون النصّابون الذين يتحدثون عن "الآخرة" جاعلين منها سجلا تجاريا لاستغفال البسطاء، واستدرار الأموال للنفخ في أرصدتهم البنكية.
ينتمي محمد شحرور إلى الفرقة الأولى، وينتمي الذين لم يعرفوه ولم يفهموه إلى العينة الثانية، بينما ينتمي شاتموه ولاعنوه إلى العينة الثالثة، والنتيجة تعرفونها، سيخلد ذكر شحرور وسينسى التاريخ أسماه شاتميه، لأن الكراهية لا تصنع التاريخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - علماني حقيقي
احمد علي الجندي ( 2019 / 12 / 25 - 17:25 )
كلمات رائعة من مفكر اكثر من رائع
نعم هذه هي الحقيقة 
فالسيد محمد شحرور قدم
كل ما لديه لأشخاص للأسف لا يمتلكون عقولا


2 - عينة رابعة
علاء احمد زكي ( 2019 / 12 / 25 - 22:49 )
احترم غاية المقالة في رثاء الراحل محمد شحرور، ولا شك بان الراحل افنى عمره في التعاطي مع فقه اسلام التطرف والغلو والقسوة واعطاء الدين مضمونا سمحا واخراجه من ثقافة البداوة، ولكن مدخل الراحل شحرور واسلوب تعاطيه مع هذا الامر لم يخلو من الاحتيال -الخيّر- والتأويل بما يلائمه للوصول الى -غاية سامية-، فمسلكه -الخيّر- ينطبق عليه ايضا بان غايته الخيرة بررت له الوسيلة التي استخدمها بتاؤيلات زائفة. الذين تلقفوا تأويلاته هم ايضا في مأزق فبدلا من التفكير العلمي الموضوعي، انقذتهم تاويلات محمد شحرور واخرون يعملون مثله مثل اسلام البحيري وتوفيق حميد
تؤيلات السلفيين اقوى رغم ان مشكلتها انها لاتتلائم مع العقول المسالمة فتتركهم يغرقون في مشاعر ذنب وتقصير وبؤس وفي محنة

هناك عينة رابعة تحتال في محاولة للوصول الى غاية نبيلة، لكن لا يمكن بناء شئ مستدام على اساس زائف

اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا