الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الكون مادي أم مثالي؟

حسن عجمي

2019 / 12 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تتنوّع النظريات العلمية والفلسفية وتتصارع فمنها المادية و منها المثالية. تاريخ الإنسان تاريخ الصراع بين المادية والمثالية. لكن هل من الممكن حلّ هذا الصراع و تخطيه؟

يُصوِّر العديد من العلماء والفيزيائيين الكون على أنه مادي يتكوّن من ذرات مادية و صفاتها. من منظور النموذج العلمي والفلسفي المادي , الكون آلة و محكوم بمبادىء آلية كما أوضح العالِم غاليليو والفيزيائي نيوتن. لكن من منظور النموذج العلمي والفلسفي المثالي , الكون مثالي كأن يكون معلومات مجرّدة وتبادلها فالأحداث والحقائق مجموعات من معلومات مجرّدة غير مادية بينما العلاقات فيما بينها كالعلاقات السببية ليست سوى تبادل للمعلومات كما يقول الفيزيائي جون ويلر. أما الفيزيائي ماكس تغمارك فيُصوِّر العالَم على أنه مثالي بطريقة أخرى من خلال تأكيده على أنَّ عالَمنا يتشكّل من بناءات و معادلات رياضية بما أنه من الممكن بحق وصف وتفسير أية ظاهرة أو حقيقة واقعية أو ممكنة على أنها مجموعة معادلات رياضية مجرّدة عن المادة. و لا ينتهي الصراع بين أتباع النموذج المادي و أتباع النموذج المثالي. لكن في المقابل من الممكن بحق صياغة فلسفة علمية تُوحِّد بين المادية والمثالية وتتخطاهما في آن ألا و هي السوبر حداثة.

تعتبر السوبر حداثة أنَّ الكون غير مُحدَّد رغم إمكانية معرفته ولذا تصدق النظريات المختلفة رغم تعارضها و تتساوى في قيمتها ومقبوليتها. من هذا المنطلق , بالنسبة إلى السوبر حداثة , من غير المُحدَّد إن كان الكون مادياً أم مثالياً وبذلك الكون مادي ومثالي في آن تماماً كما أنه من غير المُحدَّد إن كان الجُسيم كالإلكترون جُسيماً أم موجة نقيض الجُسيم وبذلك الجُسيم جُسيم وموجة معاً كما تؤكِّد نظرية ميكانيكا الكمّ العلمية. فبما أنه من غير المُحدَّد ما هو الكون و مما يتكوّن كما تقول السوبر حداثة , إذن من غير المُحدَّد إن كان الكون مادياً أم مثالياً ولذلك يتصرّف الكون على أنه مادي و مثالي في آن ما يدلّ على أنه مادي و مثالي في الوقت عينه. وبذلك الكون مادي كأن يكون متكوِّناً من ذرات مادية (كما يقول العديد من علماء الفيزياء) كما أنَّ الكون مثالي كأن يكون متكوِّناً من معلومات (كما يقول الفيزيائي جون ويلر) أو من بناءات ومعادلات رياضية مجرّدة (كما يقول الفيزيائي ماكس تغمارك). و لذا تنجح النظريات العلمية المادية والمثالية المتنوّعة في وصف الكون وتفسيره على أنه مادي ومثالي رغم اختلافها وتعارضها. وبذلك تنجح السوبر حداثة القائلة بلا مُحدَّدية الكون في تفسير نجاح النظريات العلمية المادية والمثالية في وصف الكون وتفسيره ما يجعلها تكتسب هذه الفضيلة الكبرى وما يُعزِّز بدوره صدق الفلسفة السوبر حداثوية.

هكذا الله سوبر حداثوي فلا يفضِّل مذهباً علمياً أو فلسفياً على آخر فتتساوى المذاهب العلمية والفلسفية في قيمتها وصدقها ومقبوليتها رغم اختلافها تماماً كما تقول السوبر حداثة ولذا تنجح النظريات العلمية الفلسفية المادية والمثالية في آن وتصدق. هذه صفة جوهرية لله و إلا كان منحازاً إلى فريق فكري ضدّ آخر فخسر صفة العادل. من هنا لا تستقيم ماهية الله وتنسجم سوى بحقيقة أنه سوبر حداثوي. فلا عدالة بلا سوبر حداثوية قائمة على المبدأ القائل بأنه من غير المُحدَّد ما هو الكون و مما يتكوّن الذي يتضمن مقبولية كل النظريات العلمية والفلسفية المتنافسة و يضمن المساواة فيما بينها فالمساواة بين أتباعها. لا عدالة بلا عِلم. و لا عِلم بلا إلهٍ سوبر حداثوي.

من جهة أخرى , إذا نظرنا إلى القوانين الطبيعية فسوف نجدها مادية و مثالية في آن. لكنها تحكم الكون و ظواهره. وبذلك الكون مادي و مثالي في الوقت عينه تماماً كما تؤكِّد السوبر حداثة. فالقوانين الطبيعية مُعبَّر عنها بمعادلات رياضية. والمعادلات الرياضية مجرّدة. ولذلك القوانين الطبيعية مجرّدة ما يتضمن أنها مثالية. من جهة أخرى , تشير القوانين الطبيعية إلى ظواهر وحقائق مادية في عالَمنا المادي. وبذلك القوانين الطبيعية مادية أيضاً بالإضافة إلى كونها مثالية. فالمفاهيم المرتبطة بمعادلات رياضية في القوانين الطبيعية تدلّ على كينونات مادية كدلالات القوة والكتلة والتسارع في قانون نيوتن العلمي (ألا و هو أنَّ القوة تساوي الكتلة مضروبة رياضياً بالتسارع) على أية قوة معيّنة وكتلة معيّنة وتسارع معيّن في الواقع المادي المحسوس غير المجرّد. هكذا القوانين الطبيعية مادية و مثالية معاً ما يُفسِّر مادية الكون و مثاليته في آن.

على ضوء هذه الاعتبارات, الله ليس مادياً و إلا خَلَقَ كوناً مادياً تماماً كما أنه ليس مثالياً و إلا خَلَقَ كوناً مثالياً. وبذلك الله مُتحرِّر من المادية والمثالية معاً فمتعالٍ عليهما ما يضمن حرية الله وتعاليه. فإن كان مادياً لسجن نفسه بماديته و إن كان مثالياً لسجن نفسه بمثاليته. هكذا الله حُرّ ومالك الحرية المطلقة بخلقه لكون ٍ تصدق فيه المادية والمثالية معاً فتصدق كلّ فلسفة منسجمة وكلّ عِلم منسجم وإن تنوّعت الفلسفات والعلوم وانقسمت إلى مادية ومثالية. وبِصدق كل الفلسفات والعلوم المادية والمثالية يصدق كلّ إنسان. فصدق الإنسان و حريته من صدق الله و حريته. بذلك الإله السوبر حداثوي ضمانة حرية الإنسان وصدقه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا