الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ما زال المسيح حالة ملحة في ال 2020؟

طوني سماحة

2020 / 1 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"كل عام وانتم بخير". أمنيات يتبادلها الناس والاحباء والاصدقاء وأفراد العائلات في بداية كل سنة. الكثير منا يبدأ سنته الجديدة بوعد يقطعه على نفسه مثل خسارة بعض الوزن أو العمل الدؤوب لتصليح وضعه المادي أو الزواج أو الأمل بالحصول على عمل أفضلأو الاستقرار الاجتماعي والسياس . البعض الآخر يتمنى لغيره الشفاء من المرض أو يريد ان تكون بلاده أكثر أمانا واستقرارا. لكننا ومع كل سنة، يفشل بعضنا في تحقيق ما تمنيناه في ما نرى بلادنا تنزلق أكثر وأكثر في لهيب السياسة والأمن والإرهاب والظلم والفساد.

هل تكون 2020 أفضل من سابقتها. لربما، لكن استطلاعات الرأي في هذا المجال غيرم مشجعة. فسوريا ما زالت تشتعل والعراق ولبنان يعيشان ثورة لا نعرف الى اين تقودنا. إيران والمحور الخليجي جبهتان. مصر وتركيا في حالة استعداد لحرب فيما ليبيا قد تكون ساحة المعركة. العنصرية تعم العالم وزلزال الإرهاب قد يضرب أينما كان في أي وقت ما. على الصعيد الفردي، الكثير من العائلات تتفتت. كثير من الشباب يبحث عن فرصة أفضل للحياة في مكان بعيد عن بيته وعائلته. الكثيرون بدأوا العام الماضي بوعد ونكثوه.

على الصعيد العالمي الأنظمة تتخبط في مواجهة نفسها وفي مواجهة الآخر. أميركا وروسيا تتصارعان على الهيمنة على العالم. الصين في مواجهة اقتصادية مع أميركا. الدول الاقل شأنا تحاول تركيز وضعها العالمي بالتحالف مع هذه القوة أو تلك. ما يزال النفط محط أعين الدول والكل قد يعمل أي شيئ للحصول عليه. الفقر ما يزال يسيطر على مساحات من العالم فيما القليل من الدول تنام على ثروات هائلة. العدالة الاجتماعية في القارتين الامريكية والاوروبية ما زالت تحاول تحقيق ذاتها فيما هي غائبة عن معظم الدول الاخرى. تجوع شعوب العالم الثالث فيما حكوماتها تنام على ثروات هائلة بشرية ومعدنية ونفطية وغيرها. الفساد سمة رجال الدين والساسة بنسب متفاوتة. العنصرية والكراهية وعدم قبول الآخر تعم المجتمعات. ترى أين الخلاص؟

حاولت السياسة والدين والفلسفة والعلم حل المعضلة. ابتعد الغرب عن الدين فيما تشدد العالم الثالث دينيا. الرأسمالية أصبحت وحشا يضع النفوذ في يد من يمتلك المال، فيما عجزت الشيوعية والرأسمالية عن تحقيق أهدافها بمجتمعات أفضل، وفي الكثير من الاحيان أصبحتا مشروع فساد بيد من يمتلك السلطة. الدولة الدينية أنعمت بالبركات لمن يؤمن بديانتها وسحقت كل من يرفض السير في مشروعها.

أيدولوجيا وفكريا يتخبط العالم. لم يعد هناك محرمات. سقطت كل القيم التقليدية على حساب قيم جديدة. أصبح الجنس محور هذه الثورة. سقطت ثنائية الجنس المكونة تقليديا من الرجل والمرأة والتي كانت محور العائلة والمجتمع على مدى الدهور لتقوم مكانها تعددية الجندريات. العائلة لم تعد ما كانت عليه. العائلات الحديثة متحركة وغير مرتكزة على أب واحد وأم واحدة وأشقاء وشقيقات من نفس الوالد والوالدة. الاطفال مشوشون فكريا وعاطفيا وأخلاقيا ونفسيا. مع سقوط المحرمات صرنا نسمع أكثر وأكثر عن حالات اغتصاب واعتداء واتجار بالجنس والبشر.

ما زالت الانظمة، وعلى الرغم من حالات التنوير وتقدم العلم ترتكز على ثلاثية لم تتبدل على مر العصور: المال والسلطة والجنس. فكل عامود من الاعمدة الثلاثة يستمد قوته من العامودين الآخرين. الفسلفة قدمت لنا الكثير من الافكار لكنها لم تصلح حالنا. كثرت الجامعات حول العالم وكثر معها شقاء الانسان. الديانات في حال إفلاس روحي وفكري وأخلاقي فيما الإلحاد واللاأدرية والربوبية قدموا للإنسان فكرا لا يحمل أي رسالة والمعروف أنه "ليس بالخبز وحده يحيا الانسان". وضع الالحاد الانسان في سجن كبير يختصر الحياة بالولادة والموت فيما الغالبية العظمى من الناس تريد ان ترى ماذا يوجد خلف اسوار السجن. فلسفة الالحاد متحركة ولا تعطي جوابا واضحا عن الهدف والغاية من الوجود، بل يؤمن الكثيرون من المدافعين عن الالحاد ان لا غاية من وجودنا وعلينا ان نخلق نحن أهدافا وغايات لذواتنا. وبالتالي يصبح كل شيء نسبيا في الحياة وعليه لا حقيقة ولا قيم اخلاقية ثابتة. بل ما نؤمن به أنه نور قد يكون ظلاما غدا وما أؤمن به حقا قد يكون باطلا لأخي.

مع ان الكثيرين في عالمنا المعاصر يرفضون فكرة الخطيئة، إلا ان معظمنا يعيش حالة من الشعور بالذنب في مكان ما. نحن ضحايا انفسنا وتصرفاتنا. نحن عبيد إدماننا أكان هذا الادمان خمرا ام جنسا ام مخدرات ام كذبا ام ظلما ام خداعا ام غشا ام احتيالا ام قتلا ام سرقة. كل هذه المفردات نشأنا على تحديدها بكلمة خطيئة لكن الفلسفة والفكر اليوم قالوا لنا ان لا وجود لمثل هذه الكلمة ومع ذلك ما زلنا نعاني من نتائجها. في ظل هذا الضياع هل من حقيقة؟

أتانا رجل منذ ألفي عاما حمل الينا رسالة. لم يأخذ رسالته من حكماء مجتمعه ولم يدرسها في جامعة ولم يناقشها مع فلاسفة ولم يطورها في مختبر او مدرسة. مشى هذا الرجل عكس التيار. واجه فلسفة القوة المتمثلة آنذاك بجبروت روما بالوداعة. كان شوكة في خاصرة أحبار أمته بفكره المتمحور حول الانسان بدل التراث والتقاليد. كان يحمل قضية الانسان لكنه لم يُخضع قضيته للمساومة والبيع والايجار، بل دفع ثمنها موتا على الصليب. نعم هذا الرجل هو يسوع المسيح الذي ليس سليل عائلة ولا ابن قائد ولا تدرج على مقاعد جامعة. عاش يسوع المسيح دون ان يؤسس لنظام اجتماعي لكن فكره غيّر المجتعات. لم يبن قوة عسكرية لكن فكره هدّ وقوض أركان دول بأكملها. لم يحمل دينارا لكن فكره حول الدولارات في أماكن كثيرة من العالم لبناء مستشفيات ومدارس وجامعات. لم يقدم مشروعا فلسفيا متكاملا لكن الايمان به اخرج الكثيرين من الظلمة الى النور. لم يبن سجونا لكنه حرر الكثير من المجرمين من سجونهم الاسمنتية والروحية على حد سواء. لم يرجم الزناة، لكن رحمته ردت الكثير من الزناة الى عالم البر والقداسة بعدما احرقهم زناهم بنار الشهوة والفساد والعبودية والشعور بالذنب. لم يبن مستشفيات لكنه حرر الكثيرين من امراض جسدية ونفسية وما زالت الكثير من المستشفيات التي بناها اتباعه حول العالم تعالج المرضى. لم يكتب كتابا لكن الكتب الكثيرة تناولته سلبا وايجابا. لم يدع الى نظام عسكري او سياسي لكن دولا كثيرة بنت انظمتها على افكاره واحرزت نجاحات اقتصادية وفكرية وعلمية وثقافية وفلسفية واجتماعية.

هل ما زال المسيح حاجة الينا اليوم؟ دون ادنى شك. نعم أفلست المسيحية حول العالم ووقعت في فخاخ المال والسلطة والجنس لكن المسيح ما زال قائما يدعو كلا منا الى الحرية والنور والحق. ما زال يشفي كما كان يشفي منذ ألفي سنة. ما زال يحرر ويعزي ويقيم الموتى روحيا. ما زال الكثيرون يجدون الشفاء على يديه، شفاء جسديا لكن ايضا شفاء من العبودية والادمان والكذب والسرقة والجنس والقتل. ما زال يغفر ويدعو الخاطئ للتوبة. ما زال يمسك يدنا في رحلتنا نحو الابدية. رسالة المسيح اليوم هي هي كما كانت منذ ألفي سنة. هي رسالة للفرد وليس للجماعة. رسالة المسيح هي فقط لمن غلبته الخطيئة ويريد الحرية والنهوض. رسالة المسيح هي فرح ومحبة وسلام. رسالة المسيح هي غلبة على الشر. رسالة المسيح هي حياة ابدية لمن يريد الحياة.

شفى يسوع متى وزكا من عبودية المال. أطلق المرأة الزانية حرة من زناها. أشبع الجياع للخبز والجياع للحق مثل نيقوديموس. غفر لبطرس وعلمنا كيف نغفر نحن لمن أساء إلينا. شفانا من الخوف من الموت، فهو أقام لعازر من الموت وأعطانا الوعد بقيامتنا نحن ايضا. علمنا ان المال والخبز لا يشبعانا نحن الذين ما زلنا حتى اليوم نلهث بحثا عنهما.

ما زالت يدا يسوع ممدودتين الينا كما كانتا ممدودتين الى معاصريه. هو يعطي الماء الحي مجانا، فهل من عطاش؟ هو يعطي خبز الحياة مجانا، فهل من جياع؟ هو النور في الظلمة، فهل من مكفوفين؟ هو الطريق والحق والحياة، فهل من تائهين؟

"تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ" (متى 11: 28). إن كنت ممن أتعبتهم الخطيئة وأجاعتهم وقتلتهم وسبتهم ودمرتهم، أصرخ اليه. فوعده هو هو لم يتغير، إذ أن يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ (عبرانيين 8:13).

كل عام وانت بخير عزيزي القارئ، أكنت تؤمن برسالة المسيح أم لا. لكن المسيح يحبك ويريد لك الخلاص. فهل تقبل؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيدة انتصار السيسى تهنئ الشعب المصري والأمة الإسلامية بحلو


.. تكبيرات العيد في الجامع الازهر في اكبر مائدة إفطار




.. شاهد: في مشهد مهيب.. الحجاج المسلمون يجتمعون على عرفة لأداء


.. 41-An-Nisa




.. 42-An-Nisa