الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسرائيل والسعودية وقاسم سليماني و اليمن!

منذر علي

2020 / 1 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


في 29 أكتوبر 2019، زعم رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، أنَّ إيران شرعت في تنصيب صواريخ دقيقة التوجيه في اليمن بهدف مهاجمة إسرائيل.

كان السؤال الذي تبادر إلى ذهني ، بمجرد أن قرأت هذا التصريح آنذاك، هو هل اليمن ، الذي يؤكل لحمه ويُشرب دمه، وتُلوث أرضه، وتغلق سماؤه ، وتحاصر بحاره ، يشكل فعلًا تهديدًا على إسرائيل؟ الجواب المنطقي هو أنه من غير الممكن أن يشكل اليمن، الممزق والمنهك و المُهدد في وجوده ، تهديدًا على إسرائيل؟ ثم أضفتُ متسائلًا: لابد إذنْ أنْ يكون هناك سببًا آخر، أكثر وجاهة من هذا التصريح الماكر لقائد الكيان الصهيوني.

لو أنَّ قائد الكيان الصهيوني قال إنَّ الصواريخ المنطلقة من لبنان أومن سوريا، أو من العراق، أو من إيران من شأنها أن تشكل خطرًا على إسرائيل ، فأننا ، من الناحية المنطقية ، سنقبل ذلك ، على الرغم من أننا لا نرى سوى الصواريخ والطائرات الإسرائيلية التي تهدد هذه البلدان ، وتدك غزة وسوريا . أقول سنقبل ذلك منطقيًا لأنَّ المسافة بين لبنان وتل أبيب 213 كم، وبين سوريا وتل أبيب 219 كم، وبين العراق وتل أبيب 913 كم ، وبين إيران وتل أبيب 1586كم ، أما المسافة بين اليمن وتل أبيب فتبلغ حوالي 2300 كم، فكيف إذن، تشكل اليمن خطرًاعلى إسرائيل وهي الأبعد مسافة منها؟

لا ريب أنَّ المسافة بين الحكمة والجنون لا تقاس بالكيلومترات، وأنَّ المصالح وعناصر القوة هي تحكم القرارات السياسية والعسكرية، وليس البعد أو القرب الجغرافي وحدهما.
إذن ، لابد وأنَّ في الأمر شيئاً غامضاً . لنقارب المسألة من زاويتي قوى الحرب في اليمن والمنطقة.

الزاوية الأولى، إنَّ أنصار إيران في صنعاء، المعطوبين بالخرافة ، اعتبروا تصريح بنيامين نتنياهو اعترافًا بقوتهم ، فرقصوا ( ابترعوا) ابتهاجًا لتصريح قائد العدو الصهيوني ، وأوهموا أنفسهم بأنهم قد أصبحوا قوة عُظمى، وأنهم أرعبوا الكيان الصهيوني ، وأنَّ المهدي المنتظر على وشك أن يصعد من صعدة ، وهم قاب قوسين أو أدنى من إحكام قبضتهم على المسيح الدجال.

الزاوية الثانية ، إنَّ أنصار السعودية والإمارات وقطر وتركيا في اليمن، المعطوبين بالغباء ، فرحوا بتصريح بنيامين نتنياهو ، واعتبروه مؤشراً على بدء العد التنازلي لذراع إيران في اليمن ، وبالتالي لإيران ذاتها ، ومن ثم ضاعفوا من تحذريهم للشعب اليمني ، بالقول إنَّ أنصار إيران الطائفيين في صنعاء، يشكلون خطرًا ماحقًا على اليمن و على العرب ، وأنَّ "إيران أخطر من إسرائيل" ، ولا مفر لنا من القضاء عليهم، وبالتالي فأنَّ علينا تعزيز التعاون مع التحالف العربي( المتعاون مع الشقيقة إسرائيل! ) وتقوية لُحمة هذا التحالف لتحقيق هذه الغاية الوطنية والقومية.

ولكن حينما ينبري مواطن يمني ، لا شأن له بالطرفين المتصارعين ، ويوجه جملة من الأسئلة للطرف الثاني، ويقول: حسنًا ، الحوثيون يشكلون خطرًا ، وماذا بشأن القوى المتطرفة القبلية والدينية الأخرى؟ إذا قبلنا بمنطق أنَّ التحالف العربي ضروري لمواجهات التهديدات الإيرانية ، كيف يمكن لنا أنْ نقبل التعاون بين دول الخليج وأمريكا، وكيف يمكن أنْ نقبل العلاقات المشبوهة بين الدول الخليجية والكيان الصهيوني؟، والأهم من كل ذلك كيف يمكن لنا أنْ نقبل احتلال السعودية والإمارات للمناطق اليمنية في الجنوب والجنوب الشرقي والجزر اليمنية ؟

غير أنهم لا يجيبون. يصمتون ويتوارون خجلا . إذن لنكف عن هذا الهراء ونعود لمناقشة موضوعنا بمزيد من الجدية.

هل أرادت إسرائيل بذاك التصريح تأليب العالم ضد إيران وحلفائها في المنطقة ، بغرض التمهيد لعدوان واسع ضدها وضد حلفائها في اليمن والعراق ولبنان وسوريا وفلسطين؟
والجواب هو أنَّ ذلك ممكنًا ، بل هو الاحتمال الأقرب إلى الحقيقة ، حيث تجلت مؤشراته في اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس صباح الجمعة 3 يناير 2020 ، وتدشين مرحلة جديدة في الصراع في المنطقة لن ينجو اليمن من تداعياته الكارثية .

كما أنه من الجائز الافتراض أنْ يكون ذلك التصريح يهدف أيضًا إلى استعطاف العالم تجاه دولة "إسرائيل الديمقراطية المتحضرة"، التي تتجلى تحضرها وإنسانيتها الفائضة في قتل أطفال فلسطين وتكسير عظامهم. و ربما أنَّ ذلك التصريح يشكل أحد وسائل إسرائيل الدفاعية الملتوية عن نفسها. ولكن أليس لإسرائيل غايات أخرى لمواجهة الإخطار، التي تزعم أنها تهددها ، وبالتالي تقوم بالترويج لهذه الأخطار و الأوهام والذرائع لأهداف هجومية وشيكة ، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية والأنظمة العربية الرجعية في المنطقة ؟

إنَّ التجربة التاريخية تثبت أنَّ إسرائيل تعلن في كل مرة ، قبل قيامها بالعدوان، بأنَّ عدوانًا وشيكًا سيقع عليها ، لكي تُسوِّغ عدوانها على جيرانها. لقد حدث هذا قبيل حربها عام 1967 ، ضد مصر وسوريا والأردن ، وقبيل حربها عام 1982 ضد لبنان ، وحدث في الشهر الفائت من العام المنصرم 2019 ضد قطاع غزة ، و حدث قبل ذلك مرارا ضد سوريا والعراق.
إذن ، ما هي ، يا ترى ، الأهداف المُستترة لإسرائيل؟

ألا يمكن أن يكون اليمن بموقعه الإستراتيجي وأشرافه على البحر العربي و البحر الأحمر و باب المندب هي الأهداف المُستترة لإسرائيل؟ بتعبير آخر ، ألا يبدو أنَّ تصريح نتنياهو، هو نوع من التبرير الصهيوني الماكر من أجل تدخل إسرائيل في الحرب الجارية ضد اليمن ؟

ألا يجوز الافتراض أنَّ هذه الخطوة ، غير المفاجئة ، قد جرى الترتيب لها ، بشكل مُحكم ، في وقتِ سابق ، بين إسرائيل و السعودية والإمارات ، بسبب تعثر كل من الدولتين الأخيرتين في حربهما في اليمن ، وبشكل خاص في أعقاب الاعتداء الصاروخي للحوثيين المدعومين من الدولة الإيرانية ، على شركة ارامكو السعودية، Saudi Aramco ، في منتصف شهر سبتمبر الماضي؟ الأدهى من ذلك ، ألا يجوز الافتراض أنَّ الحوار بين الحوثيين والسعودية، الذي جرى خلال الأسابيع الماضية، كان يهدف في الأساس إلى خداع الحوثيين، وتأمين الحدود الجنوبية للسعودية ، ريثما يجري تعزيز القدرات السعودية الدفاعية ضد الطائرات المُسيرة والصواريخ الباليستية، ثم نقل المعركة كاملة إلى اليمن لتصبح بين اليمنيين أنفسهم: بين المحافظات الغربية والشرقية ، وبين المحافظات الجنوبية والشمالية ، حتى العدم ، وبالتالي ترك الأوباش يتلذون بالانتقام من أنفسهم ، وتتفرغ السعودية والإمارات وإسرائيل وأمريكا لمهمات سياسية وعسكرية أخرى؟

في الأخير أليس اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقه من الإيرانيين والعراقيين يوم أمس الجمعة 3 يناير 2020، يدخل ضمن الترتيب للمواجهة الشاملة ضد إيران والحوثيين والحشد الشعبي وحزب الله وحماس ، وتعزيز مكانة ما يسمى بالحلف المناهض لمحور المقامة ، واحتلال العالم العربي ، بوسائل مبتكرة ، ودخول العرب عصر الهيمنة الأمريكية الصهيونية الكاملة ؟

واضح أنَّ التحالف العربي العدواني التوسعي الذي يشن حربه الإجرامية على اليمن منذ قرابة خمس سنوات ، تحت ذريعة تثبيت الحكومة الشرعية ، و مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد ، والدفاع عن العروبة اليتيمة ، التي طُعنت من قبل الدول النفطية بالأساس ، يستغفل المجتمع الدولي، ويكذب على اليمنيين وعلى العالم العربي ، ويخدعهم ، و يسعى للاستعانة بأمريكا و بإسرائيل، بغية السيطرة على اليمن، ونهب ثرواته النفطية والغازية والسمكية، والاستفادة من موقعة الاستراتيجي الفريد ، والتحكم بمضايقه المائية الهامة من أجل حماية المصالح الحيوية للقوى الصهيونية والإمبريالية في المنطقة. إذن نحن مقبلون على حرب شاملة من شأنها أنْ تعصف بالمنطقة واليمن.

الآن ، وبعد كل هذا ، ألا تكفي هذه المؤشرات لتكون سببًا قويًا لدفع اليمنيين الأحرار لفك الارتباط بالدول الإقليمية وعلى وجه التحديد، السعودية والإمارات وإيران وقطر وتركيا ، والسعي للحوار والتصالح فيما بينهم، من أجل وقف الحرب، و درء الخطر المحدق بوطنهم، والبحث عن القواسم المُشتركة، من أجل إقامة نظام حديث، يصون السيادة الوطنية ، ويحقق العدل والحرية والتقدم لجميع اليمنيين ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و