الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليبيا : الجغرافيا والمسألة الصعبة والتدخل الأجنبي .. فهل من إنفراجة ؟!

محمود الزهيري

2020 / 1 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


1
المشهد الليبي الدموي مازال ملتبس وحائر , وصناعه في حالة إرتباك بإرادة خارجية تتغيا هذا الإرتباك وتجعل الأطراف الليبية تستمر في الإلتباس والحيرة والإرتباك , حتي تخور القوي الليبية وتصير أداة أكثر طوعاً لتحقيق المصالح الخارجية في الداخل الليبي , لدرجة أن صار القاتل والقتيل متساويان علي درجة واحدة من اللعنة , وصار الناطق بأي حديث متساوي مع الأبكم الصامت عن الكلام , وتساوي الأحياء مع الأموات , فليس هناك إرادة فاعلة لإنهاء هذا الصراع الدموي المسلح بأسلحة أجنبية , وليكون القاتل ليبي , والقتيل ليبي , والمشاهدين للصراع الدموي المسلح أطراف خارجية عن مسرح الدم والأشلاء والبارود والدخان والحرائق والخراب .
2
الصراع الدموي الدائر بين دوائر مصالح السراج , ودوائر مصالح حفتر , تغذيه أطرف خارجية , ممثلة في السعودية والإمارات في جانب حفتر, وقطر وتركيا في جانب السراج , وبعض الأطراف الخارجية الفاعلة من الدول الأوروبية , مما يجعل الصراع أكثر قبحاً ورداءة , لأنه تحول بالفعل إلي حرب أهلية , وهذا هو التوصيف الذي يتطابق مع واقع الصراع الليبي , ومازالت العروبة / القومية , والأممية الإسلامية في حالة صراع مستمر فيما بين أوهامهم المقدسة , وفي حقيقة الأمر , فإن القومية العربية والأممية الإسلامية , مازالتا من أحقر الأدوات حال توظيفهما في إدارة الصراعات الدموية المسلحة , وحتي في حالة الصراع المسمي أحياناًُ بالكذب , الصراع العربي الإسرائيلي , أو الصراع الإسلامي اليهودي , فواقع الأحداث يثبت كذب هذه المفردات حال توظيفها الخادم في الأصل والفص والقاعدة والأساس للدولة العبرية , فلا توجد وحدة بين الدول العربية لكي يصدق الوصف في المسمي المكذوب بالصراع العربي الإسرائيلي , أو الصراع الإسلامي اليهودي , لإنعدام مايسمي بالجيش العربي الموحد , أو الجيش الإسلامي الواحد تحت زعامة وقيادة واحدة تضم كافة الدول الإسلامية أو حتي الدول العربية , ولذلك تم توظيف القضية الفلسطينية , لتكون منتجة في الواقع أنظمة حكم إستبدادية عسكرية طغيانية فاسدة , تلتحف بالدين وجماعاته وقيادات وأمراء هذه الجماعات لتسويغ جرائم تلك الأنظمة العربية الحاكمة للشعوب بالحديد والنار , والتي تتوافق مع العقلية والإرادة الإسرائيلية والأمريكية في السر , وتلعنها وترفضها في العلن , ولذلك كان الشعار الدائم تحت مسمي :" أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة " , والشعار الآخر المكذوب : " القضية الفلسطينية هي قضية العرب المركزية , التي لاتعلوها قضية , ولاتسبقها قضية " , وكذلك الشعار المراوغ الملتحف بصبغة دينية إسلامية :" صراعنا مع اليهود , صراع وجود , وليس صراع حدود " , وشعار آخر يخالف حقيقة الواقع ومعطياته في القوة والسلطة والتكنولوجيا العسكرية , وعالم القوة , والمخاصم للعالم كله تحت مسمي :" ما أخذ بالقوة , لايسترد إلا بالقوة " !!
فكل هذه المسميات والأقوال كانت بمثابة تغييب للعقل الجمعي العربي أو العقل الجمعي الديني المتهافت لجرائم الماضي المزعوم قداستها , وكانت بمثابة تأبيد للإستبداد العسكري / الديني , الذي ارتكب جرائم ضد الشعوب لايمكن مقارنتها بالجرائم التي ارتكبتها الدولة العبرية ضد العرب أنفسهم بصفة عامة , والفلسطينين بصفة خاصة , وواقع الحال ينبيء عنه المشهد العربي والإسلامي في كافة أوطان العرب والمسلمين !!
3
وبإنزال ماتم سرده علي الواقع الليبي , فلن نراه مختلفاً في شيء , بل يتطابق حد التطابق , وإن كانت الحقيقة تسكن في إستلاب ثروات الدولة الليبية والإستيلاء عليها تحت مسميات مراوغة كاذبة يتم تغليفها بمسميات تلتصق بمفردات ومصطلحات القانون الدولي والمعاهدات الدولية بين أصحاب المصالح وبين أطراف الصراع الليبي , وهذا يمثل جريمة في حق المواطنين الليبيين , والوطن الليبي , فبدلاً من الجلوس علي موائد المفاوضات المستديرة وطرح الحلول لهذه الأزمة / الكارثة , والوصول بأطروحات تنهي هذا الصراع المسلح , وتوقف نزيف الحرب الأهلية , نري أصحاب المصالح يشعلوا فتائل الأزمة , ويذكوا نيرانها من أجل الخراب للوطن والمواطن , في مقابل مصالح يتم مصادرتها في المستقبل عبر البنوك الغربية , سواء في بنوك سويسرا أو بنوك الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرهما!!
4
الجغرافيا الليبية تكاد تكون هي الحل , وتكاد تكون هي الأزمة , فحدودها الغربية تلتصق بالدولة المصرية , والشرقية تلتصق بتونس والجزائر , وفي الجنوب يسكن المجهول , وفي الشمال يكون المتوسط بخيالاته وأحلامه ورؤاه وهواجسه وتصوراته وآماله وطموحاته , بل بمقارناته بين بين , بين الجنوب وبين الشمال , فهذه تونس التي نبتت فيها بذور النهضة التي تعتبر رافد من ضمن روافد التنظيم الدولي للإخوان المسلمين , وهذه الجزائر الصلبة العنيدة المثابرة , صاحبة التدين الشديد في الإفراط والبالغ لحد العنف والإرهاب الدموي , والذي عانت منه طويلاً , وتلك مصر التي مازالت رهن تراث وميراث من التطرف والعنف والإرهاب الدموي وصاحبة المركز الديني الصلب بنواته الصلبة / الأزهر , تلك النواة التي تؤصل للتطرف والعنف والإرهاب وتصدره للخارج , وهذه النواه تدور حولها كافة التيارات والجماعات الدينية بداية من الإخوان المسلمين الجماعة الأم / المركز القيادي للتنظيم الدولي , والتيارات السلفية التي صارت لها أحزاب سياسية تدعي المدنية بمراوغاتها الكاذبة والتي تمحوها بمسمي المرجعية الدينية الإسلامية , وامتدادات هذه التيارات والجماعات سواء في الداخل المصري أو تمدداتها العنكبوتية في الخارج , والتي تمثل عوامل وأدوات ضغط علي العصب والمخ وجسد الدولة المصرية التي تتخذ من الأزهر والكنيسة جناح معادل لجناحها الأمني العسكري, ومازال الصراع دائر ومحتدم بين الدولة وبين الإخوان المسلمين , في سوابق لم يسبق لها مثيل من الإفراط في العنف والإعتقال والحبس والمحاكمات الجنائية التي وصلت لإعدام المئات من المنتسبين للإخوان المسلمين , ومؤدي ذلك أن الدولة الليبية تقع داخل إطار حزام من الزلازل والبراكين الدينية الدموية العنفية الإرهابية , وحال إستمرار تفكك أواصر الدولة الليبية , فلن تكون إلا مرتعاً خصباً لهذه العصابات الدينية العمياء الخرقاء المجرمة , وهذا أمر مرعب للداخل الليبي , وللخارج علي مستوي الدولة التونسية وبمحاذاتها الدولة الجزائرية , وبالطبع الدولة المصرية , مع التماس في الجنوب المجهول , وما يأتي منه من مفاعيل مجهولة المصدر , سواء من السودان أو تشاد علي سبيل المثال !!
5
ومع إستمرار الحرب الأهلية , وتواجد الدولة التركية علي خطوط التماس مع فصيل السراج , فالمؤكد أن جيوش الجماعات الدينية الموجودة في الدولة السورية والتي ترعاها الدولة التركية وتمدها بالمال والأسلحة والعتاد والمؤن الغذائية , فستتغير وجه المعركة , وتكون ليبيا ساحة أكثر اتساعاً للصراعات الدموية , وتتعطل فيها كافة سبل الحياة الإنسانية , ويكون الهروب إلي مصر أو للجزائر وتونس , أو الهروب شمالاً عبر البحر الأبيض المتوسط حيث الهجرة الغير شرعية ستكون كارثية علي الدول الأوروبية , بجانب إنضمام أفراد الجماعات الدينية في كل من مصر وتونس والجزائر إلي الجماعات المقاتلة في ليبيا , وتكون الكتلة الصلبة أو النواة الصلبة للتطرف والعنف والإرهاب , تؤرق مضاجع الداخل الليبي , ودول الجوار , بل والدول الأوروبية , وتعيد ليبيا إلي مرحلة متشابهة مع الحالة العراقية أو السورية أو اليمنية , وهذا أمر مزعج بل مرعب للعقلاء والحكماء من الساسة العرب أو الأجانب !!
6
وفي النهاية , فإن الواجب العقلي والأخلاقي والإنساني , يفرض علي دول الجوار الليبي بداية من الدولة المصرية والدولة التونسية والدولة الجزائرية , أن يتم لقاء عاجل بينهم , ليضعوا رؤي وتصورات لإنهاء الحرب الأهلية في ليبيا , بمشاركة الأمم المتحدة وتحت رعايتها, لأنهم من أوائل الدول التي سيصيبها الضرر البالغ من تفكك الدولة الليبية وتحللها , وهذا يكون بشراكة أوروربية كذلك, ويتم وقف إطلاق النار فوراً وعودة أطراف النزاع علي مائدة المفاوضات المستديرة , والعمل علي إنهاء هذه الصراعات الدموية المسلحة , والقبض علي كافة أنفار العصابات والميليشيات الدينية , وتقديمهم للمحاكمات الجنائية العادلة , وترحيل البعض منهم إلي الأوطان التي أتوا منها , والعودة إلي الديبلوماسية والسياسة الحكيمة , ونزع فتائل الخارج تحت أي مسميات قومية عربية أو أممية إسلامية , ولتكون ليبيا دولة مدنية علمانية , دولة تؤسس علي دستور مدني وقوانين مدنية طامحة لتأسيس دولة المواطنة والمساواة في المواطنة وتكافوء الفرص , ولتحذو حذو الدولة التونسية , وهي بمثابة نموذج يحتذي به , مع تحييد كافة الجماعات الدينية عن الأدوار السياسية , لأن أدوار دولة المواطنة تقوم علي تحسين أحوال المواطنين , والعمل علي أن يكون الوطن قوياً بقوة العلم والتكنولوجيا والتنمية والحداثة علي كافة الأصعدة , فهل من إنفراجة للأزمة الكارثية , يتبعها توافق علي ترك السلاح وتسليمه للجيش , وتحييد الجيش عن السياسة والإدارة للدولة واقتصادها ومواردها , ليكون ذلك الدور للسياسيين ورجال الدولة , وتأييد ذلك بالدستور والقانون !!
7
مع هذه القراءة يتضح أن الجغرافيا الليبية قد تكون هي الأزمة , وقد تكون هي الحل , وأن أي تدخل خارجي , لن يحقق ثمة مصالح , لإتساع الرقعة الجغرافيا الليبية , وتسيد حكم القبائل في الأصل والأساس , وأي موائمات ستكون خارج إطار الدولة القوية المبنية علي أساس من الدستور والقانون , فلن يتغيا من وراء ذلك شيء , إلا الخراب للداخل الليبي , وتهديد المصالح الخارجية علي الدوام , ولذلك فقد صار التوافق علي إنهاء النزاع المسلح ووقف الحرب الأهلية , هو بداية الإنفراجة للوصول إلي تسيد فكرة الدولة علي فكرة القبيلة , وفكرة الجيش الوطني علي فكرة الميليشا العسكرية , وفكرة المؤسسة الدينية التي ينتجها المجتمع , علي فكرة العصابة الدينية تحت مسمي التيار أو الجماعة , بل وفكرة الوطن في البدء قبل فكرة القومية أوالأممية !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ


.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا




.. اتهامات بالإلحاد والفوضى.. ما قصة مؤسسة -تكوين-؟


.. مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف




.. تعمير-لقاء مع القس تادرس رياض مفوض قداسة البابا على كاتدرائي