الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فقرُ الفكرِ وفكرُ الفقرِ

رفعت ريد
كاتب وباحث وروائي احب السفر والقراءه

(Refaat Reed)

2020 / 1 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في منتصفِ ثمانيناتِ القرنِ الماضيِ كتب لنا يوسفُ ادريس رائعته فقر الفكر وفكر الفقر‘ ليقدم لنا مفهوم جديدا للفقرِ‘ فالفقرُ بحسب رؤيته ليس العوزَ الي المالِ‘ فكثيرا من ميسوري الحال طريقتهم في التصرفِ في ثرائهم فقيرة غاية ما يكون الفقر‘ في حين أن فقراءَ المال يتصرفون بثراء‘ واعطي يوسف ادريس امثلهَ من واقعِ الحياه لمسها بنفسهِ ولعل احد ابرز امثلته لثري صاحب عقار الذي كان ينفق أمواله بفقر مدقع فلم يفكر يوما في ان يدفع ضرائب او زكاة أو يتبرع بسيارة اسعاف‘ في حين ان السفرجي الذي يخدمه حين فقد ابنه‘ أراد ان يستخدم جنيهاته القليلة ليقدم الخير علي روح فقيده‘ فاحضر كولدير ماء ووضعه بجوار العقار ليروي ظمأ من يحتاج الي الماء في صهد الحر‘ وما أروع ما فعل فقد تصرف بثراء رغم فقره‘ في حين ان الثري لو فقد ابنه لتصرف بفقر رغم ثرائه وملئ الكونَ نواحا وصراخا‘ ثم يستطرد ليقول ان الفقر يفرز في النهاية أفكاراَ فقيره ومعتقدات اكثر فقرا.
ثم يتطرق الي فقر الدين فيشير الي داعية إسلامي يتباهى برفع وكسر ونصب الكلمة واعرابها في مجال شرحه لآيات من القران‘ والناس قد شملهم الوُجد من روعة آيات الإعراب‘ في الوقت التي كانت لبنان تُدك بالصواريخ‘ ويموت أهلها.
اجتذبتني بشده رؤيته عن الفقر وامثلته الكثيرة عن الفقر الشامل في الفكر والقول والفعل والثقافة والفن ثم الدين‘ أتذكر كيف انه تزامن في وقت واحد اثنين افقرا عقول المصريين‘ أولهما الشيخ الشعراوي والثاني المقابل له هو البابا شنودة‘ الاثنين ملئا الدنيا ضجيجا بحضورهم وشخصياتهم الكارزماتيه‘ وبرغم ثراء فكرهم وثقافتهم الا انهم تبنوا فقرا فكريا وتصحرا ثقافيا لأرض كانت خضراء ومثمرة‘ وأوصلا مجتمعنا الي قاع الفقر في الفكر من خلال منظومة فكر الفقر‘ فسقطت أشجار الثراء العظيمة لتحل محلها اعشاب صحراوية ممتلئة بالشوك‘ وجفت أشجار الزيتون ليحل محلها نبات الصبار‘ ارض انبتت التعصب ومنه نما التطرف ثم تطور الي عنف ثم ايدلوجية ارهابيه بستار ديني‘ ومن بين ثنايا فقرهم الفكري تغيرت هوية مصر لتصير دولة دينية في هيئة ثرية موقره ونواة فقيره عفنه.
تزامن مع تواجد الاثنين حمله شرسة لاضطهاد كل المستنيرين الذين رصدوا هذا الفقر وحاولوا مقاومته وحذروا من عواقبه‘ ففي الجانب الإسلامي نري اضطهاد نصر حامد أبو زيد و سيد القمني واحمد صبحي منصور وغيرهم ومن الجانب المسيحي نري تهميش واضطهاد وعزل المفكر والعلامة الاب متي المسكين والانبا إغريغوريوس والمتنيح الانبا يؤانس وغيرهم‘ وهكذا سيطرا بمنظومه فقيره فكريا محكمة الغلق‘ فانتجا شعبا يتصرف بفقر ويفكر بفقر ويتنفس بفقر ويحلم بفقر ويطمح بفقر ويعيش بفقر وهو ثري‘ ويرفع بكل احترام وإجلال راية الفقر‘ فعلي سبيل المثال يسأل احدهما هل يجوز ان اهنئ النصارى في عيد الميلاد؟ هل انا مُطالب بالعناية بزوجتي المريضة؟ هل الاكل عند النصارى جائز؟ وهكذا‘ ما هذا الفقر!!!!‘ وفي المقابل تجد أستاذ جامعي او طبيب او حامل لشهادة مؤهلات عليا ينبطح ارضا ليسجد لجثة قديس او أيقونة شهيد طالبا البركة‘ وشفاعه هذا المتوفي من اجله‘ أو يضع رأسه تحت كف راهب أُمي ليرشده‘ ويصلي من اجله او ليستخدم سلطانه المزعوم من الحل والربط ومغفرة الخطايا‘ او تجد كاهن ارثوذكسي يرفض الصلاة علي متوفي لأنه انجيلي‘ او يجتمع المجمع المقدس ليقوضون مساعي البابا الي الوحدة ويرفضون الاعتراف بمعمودية الكاثوليك‘ او من ينتفض ويحتج ويقاوم ويهدد ويتوعد لمن يدعو بان المرأة الحائض في المسيحية غير نجسه ‘ ما هذا الفقر!!!‘ وطفي في عهديهما مصطلحات لم تكن شائعه من قبل مثل الاكل الحلال او الحرام‘ وفي المقابل الاكل الصيامى والفطاري وتجد المؤمنين من الجانبين يقضون الوقت ليفحصوا الحلال من الحرام والصيامى من الفطاري‘ ثم ظهرت بالأسواق المنتجات الحلال بالتزامن مع المنتجات الصيامي وهكذا صار المصريون رؤوس بلا عقول‘ بعدما تبرز فيها رجال الدين‘ وعقول أصابها الشلل في التفكير‘ عقول ذهبت ولم تعد‘ أجساد بلا رؤوس من السهل اقتيادها والسيطرة عليها‘ من حفنه من الاميين‘ ويحتاجون الي شيخ او قس أمي ليقول لهم ماذا ينبغي عليهم ان يفعلوا‘ وبلغ إرهاب الفكر في وقتهما الي ذروته‘ عندما حكمت المحكمة بتوصية من الازهر‘ بالتفريق بين نصر حامد أبو زيد وزوجته قصرا‘ علي اعتبار انه كافر بسبب آرائه‘ وفي المقابل رفض البابا شنودة الصلاة علي القس إبراهيم عبد السيد صاحب كتابين شهيرين‘ السلطان الكنسي ابوه لا إرهاب وكتاب المعارضة من اجل الإصلاح اللذان كان يري البابا شنودة انهما مواجهان له شخصيا لانتقاده‘ وبلغت في عهده ذروة السلطة والسلطوية وصار الكاهن يتحكم بلا خجل او وخز من ضميره الإنساني في شعبة من عمادهِ الي وفاته‘ ليبيح ويمنع ويقسو ويرخي ويهب ويسلب كما شاء‘ في عهديهما استشري التحرش وتوغل فعلا وفكرا وقناعة ثم منهجا لمحاربه الثراء‘ وهكذا تبني الاثنين فقر الفكر وفكر الفقر فكانت المُحصلة شعب ملوث دينيا ومشوه ثقافيا ومبتسر ذهنيا ومعوق سلوكيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشروع علم وتاريخ الحضارات للدكتور خزعل الماجدي : حوار معه كم


.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو




.. 70-Ali-Imran


.. 71-Ali-Imran




.. 72-Ali-Imran