الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(2) في أنثروبولوجيا الأسماء

العربي عقون

2020 / 1 / 15
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الاسم هو عنوان لهوية صاحبه يرافقه مدى الحياة وفي ذكراه بعد الممات وقد يتحول إلى اسم لمعْلم يخلّد صاحبه وما أكثر المدن التي تحمل أسماء شخصيات تاريخية ، لذلك تطلق العائلات أسماء النوابغ والمشاهير على مواليدها تفاؤلا وتيمُّنا بهم وفي هذه الشخصيات من هم أدباء وشعراء وفنانون ومن هم علماء وفقهاء ... وخاصة أسماء النبي (ص) وصحابته ، ونذْكُر هنا كتابا صغيرا عنوانه دلائل الخيرات (*) الذي فيه أسماء النبي ومنه كانت العائلات في بلدان شمال أفريقيا خاصّة تختار الأسماء لمواليدها لذلك وجدنا هذه الأسماء هي الواسعة الانتشار مثل : المكي ، المدني ، العربي ، الهاشمي ، التهامي ، أبو القاسم ، كما كان لأسماء العائلة النبوية حضور رائد في قائمة الأسماء المتداولة : زينب ، فاطمة ، علي ، حسن ، حسين الخ .
ظل الأمر هكذا إلى أن هبّت على شمال أفريقيا وخاصة الجزائر رياح السينما والمسلسلات المشرقية حيث أخذت أسماء الممثلين وشخوصهم تنتشر ، وتحول الاسم الواحد إلى اسمين فقد كان اسم ثريا معروفا ومنتشرا في الجزائر ولأن هذا الاسم يلفظ في لهجات المشرق "صُريا" أصبح عندنا اسما قائما بذاته ويكتَب صورية ، وعلى سبيل النكتة فقد سجّل أحد الآباء مولوده - في بدايات استقلال الجزائر - في دفتر الحالة المدنية باسم "سعاد" ظنا منه أن الاسم للذكور(**) لان الاسم يختلف عن أسماء الإناث في الجزائر الذي ينتهي دائما بالتاء المربوطة على وزن نعيمة وصليحة وسليمة ... الخ .
وكان التسمي بالأسماء العربية قد بدأ مع انتشار الإسلام وعلى مر الأجيال كانت الأسماء الامازيغية (البربرية) تختفي تدريجيا ونادرا ما نجدها اليوم ولكن لم تخرج العربية عن أسماء النبي والصحابة والخلفاء خاصة وأن المجتمعات المغاربية مسلمة وليس فيها طوائف من أديان أخرى .
الثقافة المشرقية التي حملتها السينما والمسلسلات كان لها تأثير قوي جدا إلى حدّ التشبع وقد يحدث خلاف في العائلة فيطلق على المولود اسمان أحدهما تقليدي (متداول محليا مثل لَخْضَر وميلود) والآخر "حداثي" من المسلسلات ، بل إن العامّة والبسطاء أساءوا الاختيار فأطلقوا أسماء جواري وعبيد على أبنائهم ثم دخلت أسماء تركية وفارسية على الخط وأصبحت منظومة الأسماء لا تعبّر عن هوية البلد وتمثل اغترابا حقيقيا جعل بعض المثـقفين يرفض الوضع ومع أن الدولة زوّدت إدارات الحالة المدنية بسجل يضم الأسماء المسموح بها إلا أن معدّيها لم ينتبهوا إلى خطورة الموضوع بل كان شغلهم كما يبدو هو رفض الأسماء الأمازيغية التي أخذ البعض يصرّ على تسمية مواليدهم بها.
الذي لم يكن المغاربيون في أغلبهم قد انتبهوا له هو أن الأسماء في المشرق لها علاقة بالطائفة والمذهب فقد يردّ أحدهم على مواطنه الذي سمى ابنه عبد الله بتسمية ابنه عبد المسيح كما أن آخر قد يقابل اسم كريستيان عند مواطنه بتسمية مولوده إسلام ، وظهر اسم عبد الزهرة عند آخرين ، بل إن من يحمل اسم الهاشمي والحسين ومحمد الصغير هو بالضرورة من أتباع أهل البيت ، لذلك وجد العديد من الجزائريين الذين زاروا أو أقاموا في بلدان مشرقية أنهم يصنفون مذهبيا حسب أسمائهم حين الاحتكاك الأول بالمجتمع المشرقي ، مع أن هذه الأسماء عندنا لا تعبّر عن المذهب أبدا والعامّة عندنا لا تعرف سوى أنها مسلمة وفقط.
إذا لم تنتبه النخب والجهات الرسمية فإن الوضع قد يتخذ منحى آخر لأن هناك مؤشرات تدلّ على أن التمذهب قد يكون تأسيسا لطائفيات جديدة لا قبل لمجتمعاتنا بها ، ومثلما قيل ويل لأمة انتقلت من الدين إلى المذهب .

(*) دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار، كتاب من تأليف محمد بن سليمان الجزولي المتوفى سنة 870 هـ.
(**) القصة رواها لي معلم مدرسة قال في أول مناداة على التلاميذ المسجلين في سنة أولى ابتدائي اكتشفنا الطفل "سعاد" في صف الذكور والمعلم ينادي عليه في صف الإناث








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و