الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحول القيمة الوجودية إلى قيمة للتباهي ...

ماهر رزوق

2020 / 1 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في كتابه (النقد الثقافي) يذكر الدكتور (عبد الله الغذامي) بأن البدو يعتبرون الكرم قيمة وجودية للحفاظ على النوع ، " فهم يكرمون الضيف لأن عدم استضافته يعني موته في الصحراء المهلكة ، و هذا مصير سيواجه أي واحد منهم فيما لو انقطعت عادة الضيافة الصحراوية "
يعتبر الغذامي أن للشعر دوراً كبيراً في تحول الكرم من قيمة وجودية إلى قيمة للتباهي (أي علامة على الغنى و الأريحية) . في الواقع لا يهمني هنا ما هو السبب ، لأنني أرى أنه لو لم يكن الشعر ، لكان هناك سبب آخر لحدوث هذه الظاهرة ، كالدين ربما أو السياسية أو كما أرجّح : التحول إلى الحياة الحضرية أو بالأحرى التحول إلى حياة الوفرة في أغلب الاحتياجات البشرية ...

المهم هو أن الكرم قد تحول من قيمة وجودية إلى قيمة للتباهي . هذا الكلام دقيق ، و ذلك لأن الحاجة إلى الكرم مازالت موجودة لكن غاياتها اختلفت من حاجة وجودية إلى حاجة اجتماعية ...

يقول الغذامي : " لم يكن البدوي كريماً لأنه يريد المديح أو بهدف إتقاء الذم ، بل لأن المحافظة على فكرة الضيافة هو إدخار معنوي قيمي يدرأ عن الذات غوائل الجوع و الضياع "

اليوم مازال الكرم موجوداً و لكن يبحث الشخص _من خلال كرمه_ عن المديح ، ولو لم يتلقاه فإنه يتحسر على تقديمه ، و يعتبر الأمر مجرد إهدار للموارد بلا فائدة !!

لننسى الكرم الآن ، و لنطبق هذا المبدأ على باقي العادات و الأفكار ... فكرة ارتداء الملابس على سبيل المثال : وُجدت بالأصل لتحمي الإنسان من البرد ، و ربما أحيانا من حرارة الشمس ... و الدليل على ذلك أنه مازال هنالك قبائل إفريقية لا تهتم لموضوع ارتداء الملابس !!
أما اليوم فقد تحولت فكرة ارتداء الملابس من حاجة وجودية إلى حاجة اجتماعية ، فوجدت ظاهرة الأزياء و الموضة ، و أصبح التباهي هو الهدف الأهم .
لم يتوقف الأمر على ذلك ، بل تمادت هذه الظاهرة ليصبح للملابس دلالات ثقافية و سياسية و حتى جنسية !!

ليس ارتداء الملابس وحيدا في هذا المضمار ، بل حتى فكرة شراء سيارة أو منزل أو أحدث الأجهزة التكنولوجية !!

يبدو واضحاً بأن هذا القانون ينطبق على كل شيء تقريباً ، فحتى إنجاب الأطفال أصبح في أغلب الحالات تعبيراً عن حاجة اجتماعية أكثر من كونه حاجة وجودية ، فاليوم مع التقدم الحضاري و تطوّر الأنظمة السياسية و طبيعة تشكّل الدول ، أصبح الأفراد لا يخافون من الشيخوخة و تبعاتها ، كما أن إنجاب الأطفال لم يعد إدخارا فعالًا للموارد ، فكثير من الأبناء يعمدون إلى وضع آبائهم و أمهاتهم في دور العجزة و بالتالي ينتفي السبب الأساسي الذي من أجله تم الإنجاب (مع افتراض أن السبب هو الرعاية و الاهتمام بعد الكبر في السن)

كما قلت ينطبق هذا التحول على كل شيء ، و سوف ينطبق على كل شيء في المستقبل أيضاً ، فكل قيمة وجودية انتفت الحاجة إليها ، تتحول تدريجياً إلى قيمة للتباهي على المستوى الاجتماعي !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فريق تركي ينجح في صناعة طائرات مسيرة لأغراض مدنية | #مراسلو_


.. انتخابات الرئاسة الأميركية..في انتظار مناظرة بايدن وترامب ال




.. المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين يزور إسرائيل لتجنب التصعيد مع


.. صاروخ استطلاع يستهدف مدنيين في رفح




.. ما أبرز ما تناولته الصحف العالمية بشأن الحرب في قطاع غزة؟