الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية الحداثة العربية بين عبد الله العروي و طه عبد الرحمن

سلام المصطفى

2020 / 1 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


اتجه المفكر المغربي المرموق عبد الله العروي في تصوراته إلى تاريخانية تعبر عصر الأنوار إلى الحداثة المعاصرة ، و اعتبر ذلك العبور هو السبيل الوحيد للخروج من التخلف الحضاري و من المأزق السياسي ، و ظل يتردد لديه أنه لا أمل للعرب بغير الاستفادة من الحداثة الغربية ، و استيعاب ما أطلق عليه " المتاح للبشرية جمعاء " ، باعتباره الخطوة الضرورية لتجاوز مختلف مظاهر التأخر التاريخي الشامل .

و في انتظار أن تتحقق الرحلة عبر الأنوار فالحداثة المعاصرة حسب العروي هي جملة من المفاهيم ( الايديولوجيا و العقل و الحرية و الدولة و التاريخ ) ، ظنا منه أنها ستقوم بطي صفحة التراث من الذهنية العربية ، من رغم من أصولها الغربية ، لأنه لابد من الاستفادة من المتاح لجميع البشر ، كما قلنا سابقا .

و يبدو أن العروي يختصر مفهوم الحداثة بالنسبة للعرب في " الطي الصفحة " و المراد بذلك الطي ، تغيير كل شيء في الفكر الإنسان العربي ، و أحواله و سلوكه ، و البديل في كل ذلك هو النمط الغربي الحديث ، فالحداثة بالنسبة له : مسار كوني ، منظومة أفكار ، شأن العقل و الحرية و الفرد و التاريخ ، و هي أفكار وإن نبتت لدى الغرب ، إلا أنه من الممكن زرعها لدى شعوب أخرى ، و ذلك لأن شأنها - نعود فنؤكد - أنها متاحة للبشرية جمعاء .

بينما يرى المفكر الإسلامي المجدد و الأستاذ الباحث المرموق طه عبد الرحمن في كتابه " الروح الحداثة " أنه وجب علينا بناء حداثة إسلامية عربية مستقلة عن الحداثة الغربية لأن هذه الأخيرة لا تتوافق مع الفضاء التداولي العربي الإسلامي لمجتمعنا ، من هنا قدم طه عبد الرحمن رؤية نقدية للحداثة الغربية من منطلق بناء مرتكزات لفضاء فلسفي إسلامي ، بقوة استدلالية بانية للبدائل .

و اذا كانت تلك الحداثة قد قامت في الغرب على عقلانية مجردة ، فإن طه أقامها على عقلانية مؤيدة بالوحي ، و مسددة بالشرع ، و إذا كان الدارسون العرب يعتبرون مبدأ "العقلانية" المبدأ الأساس المحدد لحقيقة الحداثة ، فإن طه يعتبره من المبادئ المبتذلة ، و يجعله يندرج ضمن مبادئ روح الحداثة و هي مبدأ الرشد و مبدأ الشمول .
مبدأ الرشد : يعني أن يستقل الباحث بتفكيره عن غيره و أن يثبت ذاته ، و بتحرر من سلطة الآخر و وصايته ، و أقامه على ركنين هما الاستقلال بحيث يشرع لنفسه و لا تكون لأحد وصاية على فكره ، و الابداع بحيث يصبح الإنسان الراشد مبدعا لأقواله و أفعاله ، فلا يشعر بالتبعية في رؤيته الفكرية .
مبدأ الشمول : يعني أن الحداثة لا تنحصر في مجال أو مجالات بعينها ، و أنها لا تبقى حبيسة المجتمع التي نشأت فيه ، فهي تقوم على التوسع و التعميم .

غير أن المجتمع العربي الإسلامي - برأي طه - لا طاقة له اليوم بالتطبيق الداخلي لروح الحداثة الذي يقوم على المبادئ السابقة ، و لذا تجد الحداثيون العرب يدعون لتطبيق الحداثة الغربية ، أي تقليد ما أبدعه الآخر ، و لا حداثة مع التقليد برأي طه عبد الرحمن .

مالحل إذن ؟ ، الحل برأي طه عبد الرحمن يكمن في إبطال المسلمات التي صاحبت تطبيق الغرب لروح الحداثة ، و بإبطال تلك المسلمات ينهار كل ما بناه العروي و غيره ، تنهار وصاية المستعمر و محدودية العقل ، فالحداثة برأي طه هي حداثة قيم ، لا حداثة زمن ، فالإنسان العربي أقوى من التطبيق لروح الحداثة الغربية ذلك أن ماهية الإنسان العربي هي ماهية أخلاقية .


_____________________
المراجع :
بين الإنتمائية و الدهرانية : عباس أحمد أرحيلة ، المؤسسة العربية للفكر و الإبداع ، بيروت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تحرك تصريحات بايدن جمود مفاوضات الهدنة في غزة؟| #غرفة_الأ


.. ممثلة كندية تتضامن مع غزة خلال تسلمها جائزة




.. كيف سترد حماس على بيان الوسطاء الذي يدعوها وإسرائيل لقبول ال


.. غزيون يستخدمون مخلفات جيش الاحتلال العسكرية بعد انقطاع الغاز




.. صحيفة الغارديان: خطاب بايدن كان مصمما للضغط على إسرائيل