الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نبؤتان .. ٤

محمد ليلو كريم

2020 / 1 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في العصر الأوربي الوسيط أحتدم الصراع وبأبعادٍ عدة بين الكنيسة والعلماء ، فقد اعتبرت بعض المكتشفات العلمية منافية لثوابت أقرّها النص الإنجيلي وفق ما فُسِر كنسيًا ، وبخصوص النبوءة أصطدم الإعتقاد المسيحي بسطحية الأرض " الأرض مُسطحة " وثباتها وكونها مركز الكون مع قول العلم بكرويتها ودورانها وهذا ما يضرب في المحصلة بنبوءة عودة المسيح " المجيء الثاني " أو على الأقل يُثير حولها لغط أحد طرفيه العلم وأثباتاته ، وقد ورد في سفر يوحنا اللاهوتي " سفر الرؤويا " ( وَيَخْرُجُ لِيُضِلَّ الأُمَمَ الَّذِينَ فِي أَرْبَعِ زَوَايَا الأَرْضِ: جُوجَ وَمَاجُوجَ، لِيَجْمَعَهُمْ لِلْحَرْبِ، الَّذِينَ عَدَدُهُمْ مِثْلُ رَمْلِ الْبَحْر / رؤوية ٢٠ : ٨ ) وأيضًا ( وَبَعْدَ هَذَا رَأَيْتُ أَرْبَعَةَ مَلاَئِكَةٍ وَاقِفِينَ عَلَى أَرْبَعِ زَوَايَا الأَرْضِ، مُمْسِكِينَ أَرْبَعَ رِيَاحِ الأَرْضِ / الرؤويا ٧ : ١ ) وتمسكًا بهذا النص وكنتيجة لتقديسه وما يُثبت من نبوءة عمادها القول بوجود زوايا أربعة للأرض ومركزية الكوكب قُتل برونو حرقًا بأمر الكنيسة وضيّق على كوبرنيكوس وغاليليو ، فالتمسك بحرفية نص النبوءة من الإيمان ، والقول بخلافه ضد الإيمان ، ولكن برونو وكوبرنيكوس وغاليليو طرحوا نبوءة علمية مغايرة وهي كذلك لا تخلوا من خطأ إذ تبين لاحقًا أن الشمس ليست ثابتة وليست محور الكون أو مركزه ولكن من صحح لغاليليو وغيره لم يواجه سلطة كنسية علمية تحاكمه وتقيّد اقامته أو تحرمه أو تحرقه بينما سلطة الكنيسة الدينية ولكونها تقول بالمقدس حرمت وقيدت وأحرقت ، فنبوءة الدين غير نبوءة العلم وبينهما بون شاسع إذ يكفي أن نعلم بتحريم ادخال النبوءة في تجربة علمية لإثبات صحتها علميًا .
لقد تمكن الغرب من خلق مسار للنبوءة الحديثة مع الإبقاء على مسار النبوءة القديمة ، أي أن الغرب المتقدم ، أو الدول الغربية المتقدمة علميًا وبعد خلق النبوءة الحديثة خلقت لها مسارًا اكاديميًا ومختبريًا وتقنيًا وثقافيًا وهو اليوم مسار مُعلن للناس في تلك الدول ولكل العالم ونحن نتابع ما يُترجم من وثائقيات وتحقيقات علمية للغة العربية على قناة الجزيرة الوثائقية والناشونال جغرافيك اضافة لما يجود به الأنترنت وبكافة مواقعه ، وكذلك فُسِح المجال للنبوءة القديمة ومسارها فأتيح لها الطباعة والنشر والتلفاز والأنترنت والمنابر ، فأهل الدين غير ممنوعين من إعلان معتقداتهم وإشهار نصوصهم المقدسة في الدول المتقدمة ، ويُعلنون ليل نهار ما يؤمنون به من نبؤات .
في الغرب تجد ستيفن هوكينغ ونبؤاته (( بدأ هوكينغ بمقارنة الفيروسات الحية وفيروسات الكمبيوتر ، ما خلق قلقا في الأوساط العلمية وانتقادات محددة له. ومع ذلك لم يتراجع عن موقفه وقال: "أنا خائف من أن يحل العقل الاصطناعي مكان البشر". وأضاف في تصريح لمجلة Wired، أنه "بفضل فيروسات الكمبيوتر يمكن ابتكار برامج تتمكن من إعادة إنتاج نفسها وتصبح أكثر ذكاء من البشر / منقول )) وكذلك تجد هذه القصة التي حدثت واقعًا (( يقول شيراك : تلقيت من (بوش) مكالمة هاتفية غريبة في مطلع عام 2003 ، فوجئت بالرئيس الأمريكي وهو يطلب مني الموافقة على ضم الجيش الفرنسي للقوات المتحالفة ضد العراق ، مبرراً ذلك بتدمير آخر أوكار “ يأجوج ومأجوجو” وأضاف (شيراك) في حديثه للكاتب أن الرئيس الأمريكي أكد له أن “يأجوج ومأجوج” مختبئان في الشرق الأوسط، قرب مدينة بابل العراقية القديمة، وقال (بوش) بالحرف الواحد: “إنها حملة إيمانية مباركة يجب القيام بها، وواجب إلهي مقدس أكدت عليه نبوءات التوراة والإنجيل / من كتاب : لو كررت ذلك على مسمعي فلن أُصدقه ، جون كلود موريس )) ..
في الدول المتقدمة يتجاور مسارْي النبؤتين ، بل وتُدعم كلاهما بأمكانيات وتقنيات ، ولا يرى الناس هناك من ضير في ذلك ، أو هم في حالة من التوافق محكوم بقوانين الدولة وأعراف الثقافة وتقاليد التحضر ، فنبوءة الدين تعيش في نفس مساحة نبوءة العلم ، والعلم حاضر بتطوراته في مسار النبؤتين ، وتشاهد في ذلك الواقع سيرة نبوءة ومسيرة نبوءة ، فالسيرة القديمة تُدعم بتقنيات ، والمسيرة الحديثة كذلك ، وهذا ما وصل له العالم المتقدم في سُلّم صعوده الحضاري ، والمُلفِت أن حتى القرآن وتراث الإسلام وجد إهتمامًا كبير ومُكثف هناك ، ويكفي أن نطلّع على تأريخ المستشرقين ومن درسوا وبحثوا القرآن وتراث المسلمين حتى أنني وقبل فترة شاهدت برنامجًا على قناة فضائية تُقدِّم فيه باحثة عربية في فرنسا كتابًا يدعم عقيدة مخالفة الخلفاء للنبي محمد وما جرى بينهم وفاطمة بنت النبي بما يُقرر مظلومية فاطمة وجور الخلفاء وكأن الباحثة في دولة شيعية .....
تخبرنا نبؤات الفيزياء وعلوم الفضاء بما سيجري مستقبلًا وفق تقارير العلوم البحتة ، وهي نبؤات تُبحث وتُطوّر في العالم المتقدم ، وتخبرنا كذلك النبؤات القديمة بمآلات الحياة ونهاية الزمان وفق علوم أستُحدِثت عبر حقب تاريخية نشط فيها الأوربيون والأمريكان في بلورة مناهج وطرق علمية تختص باللاهوت والرؤويا والنبؤات ، وليس من حرب بين المسارين بل لكُل مسارٍ حرية القول والإعتقاد والبحث .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ


.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح




.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا