الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حريق القاهره...(26 يناير 52)....كشاهد عيان, تاريخ لم يسجله أحد من قبل.

حسين الجوهرى
باحث

(Hussein Elgohary)

2020 / 1 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


.
كان عندى 15 سنه, فى أعدادى هندسه جامعة فؤاد الأول (القاهره حاليا).
.
فى أكتوبر 51 الغى النحاس باشا رئيس الوزرا معاهدة 36 بين مصر وأنجلترا. عمّت البلاد أضرابات من ضمن شعاراتها "عاش أتحاد الطلبه مع العمال" و "الأستقلال التام أو الموت الزؤام". كما نمت دعوات للقيام بعمليات فدائيه ضد معسكرات الانجليز فى منطقة قناة السويس لأجبارهم على الجلاء (كان الأنجليز وقتها قد أنسحبوا من المدن المصريه فى أواخر الأربيعينات وتمركزو على جانبى قناة السويس).
.
كنت أسكن فى وسط البلد فى شارع حسن الأكبر فى الدور الرابع وأمامى مباشرة عبر الشارع مبنى حرس قصر عابدين. كانت غرفتى فى موازاة سطح هذا المبنى. لم أشاهد أى نشاط لطاقم حراسة سراى عابدين سوى طوابير صباح وتمارين جمباز ولعب باسكتبول فى فناء المبنى.
.
ليلة الجمعه 25 يناير جاءت الأخبار عن قصف الأنجليز لمبنى شرطة الأسماعيليه وسقوط قتلى من الظباط والعساكر المصريين. جو البلد أتكهرب ولكن شعور عام بالزهو والفخر لسماع رد قائد الشرطه على طلب الأنجليز منه بتسليم المبنى "لن تتسلموا منا ألا جثثا هامده".
.
صباح السبت 26 فى طريقى للكليه واثناء مرور الأوتوبيس فى ميدان قصر النيل (التحرير حاليا) فوجئت بمظاهره لم أرى لها مثيلا من قبل. عساكر بولييس شايلين ضابط بوليس على أكتافهم وبيهتفوا والكل بالزى الرسمى. (الغرابه كانت فى انى معتاد على دور البوليس فقط فى فض أو قمع مظاهرات كدنيين)..
.
وصلت الكليه وبدأت المحاضره الأولى طبيعيا. وفى ظرف حوالى ساعه بدأت حاله من الهرج والمرج فى المدرج وصراخ "أخواتنا بيموتوا فى القناه". وهوب ويالا بينا على الأجتماع المعقود فى قاعة أحتفالات الجامعه (تحت القبه والساعه المشهوره)......... القاعه مليانه ع الآخر وحتى الأروقه كانت مكدسه ومع ذلك أسكت هس بطريقه تثير العجب. مين بقى اللى كان بيخطب فى هذه اللحظه؟ ظابط البوليس أياه اللى العساكر كانو شايلينه على كتافهم فى ميدان قصر النيل........توالت الخطب الحماسيه وبدأت تتعالى فى القاعه هتافات مندده بالملك فاروق وأسرته وبأستخدام عبارات نابيه (أقحام الملك كان أمر مستجد ومستغرب بالنسبه لى وقد اشتركت فى مظاهرات عديده فى المنصوره خلال السنين الثلاثه الماضيه. علاوه على أن البلد كانت من تلات أسابيع فقط فى موجة أحتفالات شعبيه بمولد ولى العهد أحمد فؤاد). غادرت الجموع متجهه الى مقر وزارة الداخليه بهدف تأييد الحكومه ضد الملك.....أما أنا فروّحت ع البيت.
.
على الساعه واحده جاء خبر عن دخان وحرايق فى وسط البلد. فنزلت جرى وفى أقل من عشر دقايق كنت فى قلب المعمعه. فى طريقى أنضم لى أتنين طلبه معارف من المنصوره. كانو أكبر منى سنا واحد بيدرس فلسفه والتانى قانون. وصلنا أحنا التلاته الى وسط البلد. المناظر كانت مخيفه ومرعبه ولا يمكن تصور حدوثها الا فى أفلام السينما. المهم أن طول الساعتين اللى قضيناهم فى وسط البلد واحد من الاتنين اللى معايا مصر على أن اللى بيحصل ده كارثى. أما التانى فكان مشتعل الحماسه وعمال يكرر "أيوه كده خلينا نخلّص بلدنا من الفساد". وأنا كل اللى بأعمله أنى بأسمع لده مرّه وبعدين لده مرّه بالتناوب. لكن شعورى الفطرى كان وبلا تردد هو أن اللى بيحصل ده لا يمكن تحت أى تعليل أنه يكون حاجه كويسه.
.
نيران فى محلات جروبى وجاتينيو وشيكوريل وفنادق وسينيمات وسط البلد. ناس بتجرى فى الشارع فى كل الأتجاهات شايلين هدوم وبضايع مسروقه, كرافتات, أحذيه, أباجورات, أثواب قماش, أثاث..الخ. أهم منظر شفته كان يتعلق برجال المطافى وهمه فاردين الخراطيم أستعدادا لتركيبها فى الحنفيات. شفت ولدين واحد ماسك جزء من خرطوم وفارده مشدود بين أيديه الأتنين والتانى ماسك منشار صغير وعمال ينشر فى الخرطوم. واضح ان غرضهم كان منع أطفاء الحرايق. المنظر ده شفته هوه نفسه مرتين, مره قدام سينما مترو ومره تانيه قدام فندق شبرد و مش همه نفس الولدين.
.
(تحليل عرضى):
تقريبا 65 سنه مرت على هذا اليوم. طول هذه السنين كنت على راى أنه لازم حد "على الاقل" ولّع أول عود كبريت والباقى تولى بيه الناس نتيجة الجو السياسى والاجتماعى المتكهرب فى البلد...بمعنى ان العمليه لها "فاعل" بس أولا هل ده صحيح وثانيا أذا مين هوه أذا كان صحيح....لغاية من كام اسبوع أتفتح الموضوع مع أخلاص مراتى. لقيتها بتقول لى "أزاى فى كل مره بتحكى القصه دى مبتركزش على المناشير اللى كانت بتقطع الخراطيم؟ ده دول همه الدليل القاطغ أن الحكايه مدبره وأنها أكبر بكتير من عود كبريت واحد. أنت مش بتقول كنت ماشى مع صاحبك المتحمس واللى فاهم أن ده عمل وطنى جيد. طيب. أذن فيه ناس متحمسين وفى نفس الوقت اصحاب نوايا طيبه. يبقى كان ممكن نعتتبر أن العيال اللى قطعت خراطيم الميّه من النوع المتحمس. فيما عدا أستخدام المناشير من ناس مختلفه وزى ما بتقول وبعاد عن بعض. ده هوه الأثبات أن العمليه مدبره ومدبره ومدبره ومتجهز لها". وافقت فورا على كلامها وزوّدت أنه اللى دبر أستحاله يكون حد غير الأخوان. من معرفتى بتركيبات القوى السياسيه فى مصر فى هذه الفتره ماكانش فيه غير الشيوعيين ومصر الفتاه (أشتراكيين) وشباب الوفد والسعديين. ودول ماكنش سكتهم العنف أبدا أبدا. وكنت قارىء وملم بأدبياتهم. أيوه ممكن عنف زى ضرب مرشح خصم فى أنتخابات وأشياء من هذا القبيل بس ده كان آخرهم)
(انتهى التحليل العرضى)
.
المهم خلّصت الجوله ورجعت البيت. جت الأخبار أن الجيش نزل البلد. ثم أقالة حكومة النحاس باشا ثم منع التجول واغلاق المدارس والجامعات الى أجل غير مسمى. قررت أنى أرجع المنصوره تانى يوم الصبح. ألا أنى قضيت ليله ما يعلم بيها الا ربنا وفى ظرف فى غاية الغرابه....
.
زى ما قلت مبنى حرس القصر ماشوفتهمس ألا وهمه بيلعبو يا جمباز يا باسكيت بول. فوجئت قبل الدنيا ما تضلّم بعدد من المدافع منصوبه فوق سطح مبنى الحرس وكل مدفع وراه اتنين عساكر. ومدفع منهم ماسورته مصوبه لشباك أوضتى يعنى وانا فى الشباك المدفع ده مالوش أى وجهه تانيه غيرى شخصيا. دلوقتى أحنا عارفين اللى حصل لكن وقتها كانت كل الأحتمالات قائمه وبالذات ماكنتش عارف بالظبط ايه اللى بيجرى فى الشوارع. وارد جدا هجوم ع القصر على غرار الثوره الفرنسيه وساعتها تكّه واحده على الزناد وف ثانيه ابقى فى خبر كانا...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س