الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صناديق الاستغلال ( الدين ، الاستبداد ، القبلية ) وإمكانية الخروج (١)

وليد المسعودي

2020 / 1 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


صناديق الاستغلال ( الدين ، الاستبداد ، القبلية )

وإمكانية الخروج

( ١ )



مقدمة صندوقية


في البدء كان الفراغ وفي النهاية لا شيء سوى الفراغ وما بين الفراغين هناك الامتلاء داخل الصندوق .. المكان ، الوعاء ، الإطار ، النموذج ( الباراديغم )

وتختلف وتتنوع حجم الصناديق ، فالعالم أو الأرض هو صندوقنا الكبير نعيش فيه ونعود ونتحلل فيه وننتشر حوله ، وهكذا تتنوع الصناديق وتختلف في الأرض الكوكب الوحيد الصالح للحياة ضمن رؤيتنا الصندوقية أي لا نعرف مكانا أو كوكبا غيره صالحا للحياة لغاية الان ، ولكن العلم الحديث يفكر خارج الصندوق من خلال البحث الدؤوب عن الكواكب الاخرى فضلا عن محاولات البحث عن الحياة وايجاد سبيل لها ..

وهكذا كما قلنا تتنوع الصناديق فالكائنات( انسان، حيوان ، نبات ) تولد داخل الصندوق ، رحم ، بيضة او أرض ومن ثم تتوالى الصناديق( البيت ، المدرسة ، الشارع ، المجتمع المحلي ، الوطن الكبير ) كل ذلك بمثابة الصندوق وكل صندوق يفتح او يقود إلى صناديق اخرى بدءا من الأعلى إلى الأدنى صناديق او نماذج او اطر من الافكار والمعارف والمدركات والسلوك .. الخ

وكل صندوق قابل للتغيير من حيث الشكل واللون والاطار والمادة مع مرور الزمن وصولا إلى صناديق أكثر تهوية وراحة للبشر أنفسهم ، وتغيير الصندوق يحتاج الى صعوبات كبيرة أو ثورات وتحولات فكرية وعلمية واجتماعية ولكن النتيجة أن الصندوق أو الإطار الفكري او النموذج ما يزال يشكل ويحيط وعينا وافكارنا بغض النظر عن مستوى الحقيقة أو الصواب الذي يحمله




التفكير خارج الصندوق


الذي يعيش داخل صندوق مغلق من العادات والأفكار والمدركات والسلوك لا يسعه التفكير أو التصور او الشك بما يملك من حقائق من الممكن ان تكون زائفة ومليئة بالخداع والاسطرة ، فضلا عن كون فكره الصندوقي مستغل

من من ؟

من الفاعلين الاجتماعيين والرموز المهيمنة على تمشية واستمرار احوال المجتمع ، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية ، وهؤلاء الفاعلون متغيرون بتغير المجتمع من زمن إلى آخر وبتغير الصندوق نفسه من مكان إلى آخر .

كيف نفكر خارج الصندوق


على مستوى الكوكب بدأ العلم الحديث يبحث عن مجالات وكواكب اخرى من الممكن أن تكون صالحة للحياة وسمة هذا الخروج لها ممهدات تاريخية وابحاث وفلسفات علم مرتبطة بمدى التراكم العلمي والجرأة أو القدرة على النقد ، نقد الأجهزة والمصادر المعرفية السائدة منذ أكثر من ثلاثة قرون مع غاليلو وبرونو تم الخروج من الرؤية الاولى للصندوق صندوق القرون الوسطى سلطتها متمثلا بنهاية مركزية الأرض أو الأرض مركز الكون ، ومع مكيانيكا نيوتن هناك خروج آخر وتكوين صندوق جديد ، ولكن لم يكتمل الخروج ذلك بشكل نهائي الا مع النظريةالنسبية وهنا نهاية اليقينيات الثابتة ، بالرغم من كثرة التعثرات والنهوض مرة أخرى لخضوع العلم الى الفلسفة حيث كان للتجربة ذلك الأثر المغترب عن مشاريع الفلاسفة وهنا نذكر ديكارت تاثر بمكتسبات العلم وما توصل اليه علماء عصره غاليلوونيوتن ولكنه ظل يبحث عن مشروع قابل لضمانة كما يقول ميشيل فوكو وهنا اجتراح الشك كمنهج أساسي في نظرية الكوجيتو وذلك من اجل الوصول الى اليقين لا أكثر .

مع النسبية تم زحزحة اليقينيات الثابتة واعادة النظر حول مفاهيم الزمان والمكان والحركة التي كانت تعدها ميكانيكا نيوتن تجري بالمطلق وليس النسبي حيث وضعت جميع القوانين الفيزيائية اينشتاين موضع المتغير وأنه لا يوجد صندوق ثابت كل شيء قابل للتغير والتطور بشكل دائم ومستمر .

وهكذا يكون التراكم العلمي احد اسباب الخروج من الصندوق صندوق رؤيتنا للأرض بانها المطلق والمكان الوحيد الصالح للحياة على الأقل من حيث التفكير والبحث العلمي الدؤوب عن الكواكب الاخرى .

كيف نخرج من الصندوق


لقد أثر العلم الحديث على المجتمعات الحديثة ، وبالتالي أصبحت انساقها المعرفية والثقافية قابلة على الانفتاح والنسبية ، وهذا الانفتاح يعتمد على مزدوجة المعرفة والمصلحة اي أنه انفتاح سياسي مصلحي بامتياز ، وبالرغم من اهميته في زحزحة الثابت المعرفي اليقيني الا انه يملك الكثير من العيوب الكارثية الخطيرة على كوكب الارض والتي من الممكن أن تدمر الصندوق نفسه ، وهنا نتحدث عن مصالحية سياسية قادت وتقود إلى انتشار الفقر والحروب والتفاوت الطبقي بينها اي المجتمعات المتقدمة وبين المجتمعات المتأخرة ، وبالتالي رغم الانفتاح ما يزال الصندوق مغلقا على راسمالية متوحشة غير انسانية وحضارية خصوصا مع قيادة العالم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والهيمنة عليه .

صندوق التخلف


مع الاسف ان المجتمعات الحديثة تعيش على التخلف ، تخلف البلدان المتاخرة ، وبالتالي ضمان بقائهم داخل الصندوق صندوقهم المعطل لاية انسانية جديدة في تعاملها مع الآخرين ، وهنا الآخرون من وجدوا على النقيض من اطارها وصندوقها ضمن مترادفات كثيرة بين المسموح والممنوع ، النسبي والمطلق ، العلمي والاسطوري .. إلخ بين صندوقهم المتطور الذي يحمل بدوره مشاكله وايجابياته وسلبياته وبين صندوقنا المتخلف العاجز عن الخروج إلى الحداثة أو صناعة حداثته الخاصة به بعد تعثرات كثيرة في نماذج المعرفة والحكم والتطور الانساني بشكل عام .

صندوقنا المتخلف


وبالطبع لا نرمي بتخلف صندوقنا إلى اثر الاخر او دور الصندوق المصلحي السياسي الحديث بل نقول أن المشكلة تكمن في الأساس في ابنية واسس الصندوق الذي يظللنا من دين واستبداد وقبلية لا ننفك نعيدها بشكل سلبي اجتراري يبرر الاستغلال ووضع الناس او المجتمعات في ظروف انسانية سيئةللغاية .



من يحكم صندوقنا المتخلف ؟
ولماذا لا نخرج أو نفكر خارج اطاره ؟
وهل نستطيع الخروج وكيف ؟

من يحكم صندوقنا المتخلف اي جهازنا المعرفي والادراكي الثقافي والاجتماعي ، صناديق اخرى

١-- _ صندوق الدين
٢--_ صندوق الاستبداد او صندوق السياسة والمصلحة
٣--_ صندوق القبلية


صندوق الدين


من اخطر الصناديق تحكما بالعقل العربي هو صندوق الدين ، وذلك لانه دائما وابدا يعيش على المطلق القيمي ، ويضع الكثير من الحواجز أمام العقل في الانطلاق سؤال وشك ومعرفة وبحث علمي وتجاوز وقطيعة ، والدين لدينا ما يزال يعيش في الماضي وليس الحاضر والمستقبل سواء من حيث المعاملات والسلوك والطقوس والتواصل الاجتماعي مع الآخرين ، وبسبب غياب التجديد والعيش في القرون الوسطى وعدم تبيئة النصوص الدينية المقدسة ، وجد لدينا عدم الفصل ما بين الدنيوي والديني على مر العصور اي ان الدين ينفع لكل زمان ومكان ، وهذا اخطر فهم للدين ، خصوصا وان الاخير ليس دينا بقدر ما هو قراءات وتفاسير ورؤى مختلفة لدى الطوائف والفرق المتصارعة مع بعضها البعض الآخر ، اي عدم وجود الفرق وتعددها للالتقاء بل للانطواء لا للتواصل والتلاقح والتجديد بل لتكوين المزيد من الصناديق والاقبية الذهنية والمعرفية وهكذا تزداد الاسيجة وتنغلق الصناديق أكثر فأكثر وتنغلق بدورها العقول على بعضها البعض الآخر ولا توجد مؤسسة دينية ضمن حدود النسبي الاكثري المعرفي منفتحة على المؤسسات الاخرى الدينية وغير الدينية فضلا عن غياب التجديد من داخلها اي المؤسسة الدينية وفقا لمعطيات العصر الحديث والتواصل الانساني مع المختلف عن الجاهز المعرفي السائد .

طغيان المعلوم


وصندوق الدين يقدم المعلوم ولا يحتفي بالمجهول كل شيء ثابت وجامد وممثل بالطقوس والطاعة وما يغيب عنه هو التهوية أو وجود فتحات التهوية والتنفس خارج الإطار أو الفهم الديني المحدد لدى جماعة أو طائفة معينة .

وعدم وجود الفتحات للتهوية يغيب عناصر النقد ليس للدين فحسب بل للمؤسسة الدينية او رجال الدين فكل هؤلاء مطلق قيمي فوق البشر أنفسهم .



كما قلنا ان عدم وجود الفتحات للتهوية يغيب عناصر النقد ليس للدين فحسب بل للمؤسسة الدينية او رجال الدين فكل هؤلاء مطلق قيمي فوق البشر أنفسهم ، فالشيعة لديها ايضا مطلقها القيمي ، تعيش على الانتظار ، ومحاربة الأوهام ، أوهام الانقراض ، وهذا الامر بالطبع له الممهدات التاريخية من الانحسار والمظلومية وعدم القدرة على البوح والاعتراف بالهوية الداخلية ، كل ذلك جعل الصندوق الشيعي معبئ بالانتظار ، والتقية ، وتحمل العذاب ، والاختباء سواء داخل القول او السلوك أو المعرفة وخصوصا في ازمنة الاستبداد ، هذا الأمر انسحب عليهم في تاثيراته في الازمنة المعاصرة ليس على رجال الدين والمؤسسة الدينية فحسب بل على الناس العاديين ايضا .

برغم من سقوط النظام الدكتاتوري البعثي في العراق لم تاسس أو تولد ضمن حدود النسبي مؤسسة دينية شيعية قائمة على الانفتاح على الطوائف والأديان الاخرى والعلوم الإنسانية تمارس دورها الإصلاحي لحد الان ، وحتى لو وجدت فسوف تلاقي الكثير من مد التحريف والاتهام والشبهة من قبل انصار المؤسسة الدينية التقليدية وذلك لأن اي نقد يمس الخطوط الحمراء الثابتة للصندوق الشيعي يعد عملا يجرم صاحبه أن لم نقل وضعه في خانة الأعداء ، وما أكثر هذه الخطوط التي لا علاقة لها بالهوية الدينية أو النصوص الدينية المقدسة او الصندوق الديني الاولي الاصل وهنا للتذكير مفاهيم العصمة ، الامامة ، الغيبة ، والانتظار .. إلخ

ولا يختلف الصندوق السني كثيرا عن الصندوق الشيعي خصوصا في ربط الماضي بالحاضر والمستقبل وربط النصوص المقدسة ببعضها البعض الآخر ( قرآن + أحاديث + تفسير ) من حيث التقديس والاهمية فضلا عن الربط بين الفقه والسلطان وهنا يضيق الخناق أكثر داخل الصندوق خصوصا اذا كان الحاكم مستبدا أو ظالما ومحاطا بطبقة من رجال الدين من الوعاظ الذين دائما ما يبررون سلوكه وتصرفاته وجرائمه ، ولازمة السلطان والوعاظ الخدمة تبدو لي لازمة عربية إسلامية تخدم الحاكم قبل الشعب الذي يعيش داخل الصندوق مستغلا جسدا وروحا مادة ومعنى .

ان الصندوق السني شانه شأن الصندوق الشيعي فعال في انتاج الصناديق الصغيرة المغلقة سواء كانت على شكل فرق وطوائف داخل الصندوق الاكبر أو رجال دين مفسرين وقادة لهم الهيمنة والسلطة على جماهيرهم خصوصا مع الانفتاح أو شيوع استخدام القنوات الدينية المتنوعة والتي تبث من بلدان عدة حيث من الممكن ان يكون رجل الدين في امريكا ويصغي اليه متلقي في العراق أو العكس ، وبالتالي هناك الاختناق المتزايد داخل صندوق اكثر بؤسا ، وكثيرا لا يوجد هذا الشعور بالبؤس أو الافقار للذات الدينية ، الأمر الذي ينتج لدينا مجتمع قطعي حدي مع كل اختلاف بشري أو اجتماعي وما تجارب داعش وسطوتها والميليشيات المتطرفة وقوتها ما هو إلا دليلا على الانتاج المتواصل لصناديق خانقة جدا تحركها غايات شخصية ومصالح دولية هدفها زيادة الخناق لكل فئات المجتمع الغائب عن وجودها اي لقاء تواصلي انساني معرفي إلى حد كبير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن


.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال