الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خاطرة في الفلسفة (4)

رواء محمود حسين

2020 / 1 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وانتبهت إلى أن عالم الاجتماع الشهير جداً ابن خلدون كان ضد منهج التفكير الفلسفي. فقد كان من جملة ما كتبه في مقدمة كتابه: " المقدمة " الفصل الحادي والثلاثون "في إبطال الفلسفة وفساد منتحلها"
هذا الفصل وما بعده مهم، والسبب الذي يراه ابن خلدون أن هذه العلوم طارئة في العمران عديدة في البلدان.
 وإجمال ذلك أن النظر الذي يؤدي إلى تفريق الحق من الباطل إنما هو للفكر في المدلولات المأخوذة من الماثلات الخاصة فيحرر منها أولاً أمثلة مشابهة لجميع الأشخاص كما ينطبق الختم على كل الأحفار التي تخططها في صلصال أو شمع. وهذه مستخلصة من الملموسات تلقب المفهومات الأوائل. ثم تفرغ من تلك المدلولات الإجمالية إذا كانت مشاركة مع مدلولات ثانية وقد افترقت عنها في الفكر فتستخلص منها مدلولات ثانية وهي التي شاركت بها. ثم تستخلص ثانياً إن اشتركت مع غيرها وثالثاً إلى أن يتم التجريد إلى المدلولات الأولية الإجمالية المشتملة على كل الدلالات والنسمات ولا تشمل استخلاصاً بعد هذا وهي الأجناس العالية. وضيرها في التدين متعدد فحتم أن يكشف بضررها ويبان عن المذهب الحق فيها. وذلك أن أناساً من عقلاء النوع البشري ادعوا أن الكينونة كلها الحسي منها وما بعد الحسي تميز أدواتها وأحوالها بدوافعها وعللها بالأبصار الفكرية والمقاييس الذهنية وأن تقويم المذاهب الدينية من قبل الفكر لا من جهة الحس فإنها بعض من مدركات العقل. إن هؤلاء يدعون فلاسفة ومفردها فيلسوف وهو باللغة اليونانية محب الحكمة. فعالجوا ذلك وطووا له وداوموا على تحقيق الهدف منه وسنوا قانوناً يرشد العقل في إبصاره إلى التفريق بين الحق والباطل ولقبوه بالمنطق.

(عبد الرحمن بن محمد بن محمد، ابن خلدون أبو زيد، ولي الدين الحضرمي الإشبيلي (المتوفى: 808هـ): " ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر"، المحقق: خليل شحادة، دار الفكر، بيروت، الطبعة: الثانية، 1408 هـ - 1988 م، 1 / 707).
وذكر القنوجي أن العلامات العقلية التي هي ماهية للإنسان من حيث أنه ذو عقل فهي غير متخصصة بملة بل ينشئ الإبصار فيها لأهل الملل جميعهم وهم في إدراكها وبحثها سواء وهي متواجدة في النوع الإنساني منذ كان ازدهار الخلق وتلقب هذه الأدلة: علوم الفلسفة والحكمة. وهي سبعة: المنطق وهو الأول، وبعده التعاليم فالأرثماطيقي أولا ثم الهندسة ثم الهيئة ثم الموسيقى ثم الطبيعيات ثم الإلهيات ولكل أحد منها شعب تتشعب عنه. وأن أكثر من عني بها في العصور فارس والروم فكانت معاهد العلوم رائجة لديهم لما كان الرخاء وافراً فيهم والوطن والنفوذ والسلطة فيهم قبل الإسلام لهم وكان للكلدانيين ومن قبلهم من السريانيين اهتمام بالسحر والتنجيم وما يعقبهما من الأثار والطلاسم. ونقل عنهم الأمم من فارس واليونان ثم استمرت الملل بمنع ذلك وحظره فانتهت علومه إلا شيء نقله المقلدون. وأما الفرس فكانت أهمية هذه العلوم العقلية عندهم كبيراً ولقد يقال: إن هذه العلوم إنما وصلت إلى اليونان منهم حين فتك إسكندر بدارا وساد على ملكه واستحوذ على مؤلفاتهم وعلومهم. وأما الروم: فكانت الدولة فيهم لليونان أولاً وكان لهذه العلوم أهمية عظيمة وحملها مشاهير منهم مثل أساطين الحكمة وتخصص فيها المشاؤون من جماعة الذوق وارتبط سند تدريسهم على ما يدعون من عند لقمان الحكيم في تلميذه إلى سقراط ثم إلى تلميذه أفلاطون ثم إلى تلميذه أرسطو ثم إلى تلميذه إسكندر الأفروديسي وكان أرسطو أكثرهم رسوخاً في هذه العلوم ولذلك يسمى: المعلم الأول.
(أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي (المتوفى: 1307هـ): " أبجد العلوم"، دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1423 هـ- 2002 م، ص 378 – 379).
ولما درج حال اليونانيين وبات الحال للقياصرة وصار نصارى تركوا تلك العلوم كما تتطلبه الملل والشرائع وحفظت من صحفها ومجموعاتها كتب في خزاناتهم. ثم ظهر الإسلام وبرز أهله عليهم وكان أول حالهم بالتغافل عن الصنائع حتى إذا تبين الحكم والملك وتناولوا من المدنية تلهفوا إلى الإلمام بهذه العلوم الفلسفية بما علموا من الأساقفة وبما تتعالى إليه مفاهيم الإنسان فيها، فبعث أبو جعفر المنصور إلى ملك الروم: أن يرسل إليه بمصنفات التعاليم مترجمة، فأرسل إليه بكتاب إقليدس وبعض مؤلفات الطبيعيات، وتصفحها المسلمون وأخبروا بما فيها، وازدادوا اهتماماً بما فيها، وجاء المأمون من بعد ذلك وكانت له في العلم أمنية، فأرسل الرسل إلى ملك الروم في استنباط علوم اليونانيين ونسخها بالخط العربي، وأرسل المترجمين لذلك فأخذ منها واشتمل وانكب عليها المراقبون من جماعة الإسلام وبرعوا في فنونها، ووصلوا إلى النهاية في بحثهم فيها واختلفوا كثيراً مع آراء المعلم الأول واختصوه بالاعتراض والقبول ودونوا في ذلك الدواوين. (القِنَّوجي: " أبجد العلوم"، ص 379).
وكان من أبرزهم في الفلسفة: أبو نصر الفارابي وأبو علي بن سينا في المشرق والقاضي أبو الوليد بن رشد والوزير أبو بكر بن الصانع بالأندلس وقد وصلوا إلى النهاية في هذه العلوم. واقتصر كثير على انتحال التدريس وما يتبعه من علوم التنجيم والسحر والطلسمات واكتسب الشهرة مسلمة بن أحمد المجريطي من أهل الأندلس ثم إن المغرب والأندلس لما ضعف العمران بها ونقصت العلوم بنقصه قل ذلك منه إلا شيئاً من علومه ولذلك إن بضاعة هذه العلوم ظلت عندهم وفيرة وخصوصاً في عراق العجم وما وراء النهر لتوفر العمران عندهم وتحكم الحضارة فيهم أما هذه العلوم الفلسفية ببلاد الفرنجة وما يليها من العدوة الشمالية فقد ضعفت كثيراً وتلاشت.
(القِنَّوجي: " أبجد العلوم"، ص 379).
ويذكر القنوجي أن سوق الفلسفة والحكمة ضعفت في الروم أيضاً بعد الفتح الإسلامي إلى أواسط عصر الدولة العثمانية وكانت مكانة الرجل في تلك العصور بقدر جمعه وإحاطته من العلوم العقلية والنقلية وكان في جيلهم عملاء كبار ممن جمع بين الحكمة والشريعة كالعلامة شمس الدين الفناري والفاضل قاضي زاده الرومي والعلامة خواجه زاده والعلامة علي القوشجي والفاضل ابن المؤيد وميرجلبي والعلامة ابن الكمال والفاضل ابن الحنائي وهو آخرهم. ولما حل أول الانحطاط ضعفت العلوم ونقصت بسبب فتاوى بعض المفتين بمنع تدريس الفلسفة وسوقه إلى درس الهداية والأكمل فاندرست العلوم بأسرها إلا شيئاً قليلاً منها فكان المولى المذكور سبباً لنهاية العلوم من الروم وذلك من جملة أمارة انحطاط الدولة كما ذكره ابن خلدون والحكم لله العلي العظيم.
(القِنَّوجي: " أبجد العلوم"، ص 380).
ونقل في الفهرس: أنه كانت الفلسفة في القديم ممنوعاً منها إلا من كان من أهلها ومن علم أنه يقبلها طبعاً. وكانت الفلاسفة تنظر في مواليد من يريد الحكمة والفلسفة فإن علمت منها أن صاحب المولد في مولده حصول ذلك استخدموه وناولوه الفلسفة وإلا فلا. وكانت الفلسفة ظاهرة في اليونانيين والروم قبل شريعة المسيح عليه السلام فلما تنصرت الروم منعوا منها وأحرقوا بعضها وخزنوا البعض الاخر إذ كانت تعد ضد الشرائع. ثم إن الروم عادت إلى منهج الفلاسفة وكان السبب في ذلك أن جوليانوس بن قسطنطين وزر له تامسطيوس مفسر كتب أرسطاطليس. ثم قتل جوليانوس في حرب الفرس ثم رجعت النصرانية إلى حالها وعاد المنع أيضاً وكانت الفرس نقلت في القديم شيئاً من كتب المنطق والطب إلى اللغة الفارسية فنقل ذلك إلى العربي عبد الله بن المقفع وغيره وكان خالد بن يزيد بن معاوية يسمى: حكيم آل مروان وكان رجلاً فاضلاً في نفسه له اندفاع وحب للمعرفة وللعلوم وخطر بذهنه الحرفة فجلب مجموعة من الفلاسفة فأمرهم بنسخ الكتب في الحرفة من اليونانية إلى العربية وهذا أول نسخ كان في الإسلام. وكان بين المأمون وبين ملك الروم مكاتبات وقد تذكر عليه المأمون فدون إليه يسأله إنفاد ما ينتقي من الكتب القديمة المخزنة بالروم فجاوب إلى ذلك بعد انقطاع فأختار المأمون لذلك جماعة منهم: الحجاج بن مطر وابن البطريق وسلما صاحب بيت الحكمة فتناولوا ما اختاروا ونقلوا إليه فأمرهم بنقله فنقل. وكان يوحنا بن مأسويه ممن يسافر إلى الروم وكان محمد وأحمد والحسن بنو شاكر المنجم ممن عني بإخراج الكتب وكان قسطا بن لوقا البعلبكي قد حمل معه شيئاً فنقل له.
(القِنَّوجي: " أبجد العلوم"، ص 380).
واكتشفت فيما بعد أن الفلسفة ليست هي الحكمة، وأنجزت العديد من الكتب والدراسات والأبحاث في (علم الحكمة الإسلامية).
(وأخص بالذكر من ذلك: كتبي الاتي: العروة الوثقى: مدخل إلى علم الحكمة الاسلامية، ط1، دار ناشري للنشر الاليكتروني، الكويت، 1434 ه – 2013 م. وكتاب: شرعة ومنهاج: أصول المنهج العلمي في علم الحكمة الإسلامية، دار ناشري للنشر الاليكتروني، الكويت، 2014).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت