الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كُفر مُطبِق الشريعة إذا لم يكن عربياً . . ما أشبه الليلة بالبارحة

أمجد المصرى

2020 / 1 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فى مثل هذه الأيام منذ تسـع سنوات قامت الثورات ( سابقة التجهيز ) فى منطقة المشرق العربى المنكوبة ، إنطلقت الشرارة من تونس ثم تدحرجت كرة اللهب فأشعلت من النار الكثير فى مواطن عديدة بعضها مازال مستعرا رغم مرور السنين ، و بعد انقشاع بعض الغبار حينها خرجت الثعابين من الجحور و ظهر الوطواط فى وضح النهار ، و تصدر الإسلاميون المشهد الذى كانوا قد استعدوا له تمام الاستعداد ، و تشدق تجار الإسلام السياسى و تصايحوا بعبارات : الإسلام هو الحل ، القرآن دستورنا ،الإسلام صالح لكل زمان ومكان ، الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع ، و ما إلى ذلك من شعارات جوفاء خدعت البسطاء و استهوت الجموع من السوقة والدهماء .
كان طبيعيا أن يفشل الإسلاميون فى إدارة شؤون حكم البلاد التى تمكنوا - بثوراتهم المصنوعة - من السيطرة عليها ، كان طبيعيا أن يفشلوا و يسقطوا وتزيحهم الجماهير ، و هنا تحول ( بتوع ربنا ) فجأة إلى قادة ميليشيات مسلحة و فرق قتل و سطو مسلح و ضباع منفردة و مجتمعة للتفجير والتدمير والترويع .


ذكرتني تلك الثورات العربية المشؤومة بثورة الزنج التى قامت ثم أخمدت فى زمن الخلافة الإسلامية ، و التى سبق أن أوردها الأستاذ/ سيد القمنى بإحدى مقالاته . كان صـــاحـــب الـزنــــــج هـو العبد الأسود (عبد الله بن على بن محمد) الذي قاد ثورة للعبيد السود المعروفين بالزنج ضد دولة الخلافة الاسلامية ، من أجل تحرير العبيد ونيل الحرية , في بلاد العرب , وفي العراق تحديداً , حيث عاصمة الخلافة .
و(الزنج) هو المصطلح العربي الدال علي العبيد السود للإمبراطورية العربية ، والذين كان يتم جلبهم خطفا بواسطة النخاسين من ساحل افريقيا الشرقي الأقرب , وغالباً من منطقة زنجبار وتنجانيقا (تنزانيا حالياً) , وبيعهم في أسواق العرب , للقيام بالأعمال الدنيئة مثل كسح المجاري وتطهير الأنهار و تنظيف مرابط الخيل ، و قد كان لدولة الخلافة عبيدها بمئات الألوف للقيام بهذه الأعمال الضرورية. ومن ثم نسبهم العرب الي موطنهم و أسموهم بالزنج .

كان السيد العربى يقوم بتسخير عبده الزنجى في العمل فيكون للعبد أدني حصة من عائد هذا العمل , بما يكفيه بالكاد لاستمرار الحياة مقابل أداء وظيفته التعسة ، أما فائض قيمة العمل فهو إضافة تنموية ينفرد بها السيد العربى ، وليس للعبد علي السيد سوي حق الإيواء والإطعام .
من المعلوم أن نظام العبودية قد لازم الدولة العربية الإسلامية منذ ظهورها , فغزوات الجهاد الإسلامي نشطت عمليات الاستعباد , وأمدت أسواق الرقيق بالبضاعة طوال الوقت ، و ذلك بتحويل أبناء الشعوب الحرة المفتوحة إلى سلع ، بعد أن أباحت لهم قواعد الفقـه استباحة شعوب بكاملها والاستيلاء على الأرض بمن عليها ملكاً للعرب وورثتهم وقفا عليهم وعلى نسلهم من بعدهم , حسبما انتهى إليه الخليفة عمر بن الخطاب .
لا غرابة فى ذلك و الإسلام قد أبقى على العبودية و لم يحرِّمها بل كرسها بعكس ما يدعى المشايخ و تجار الإسلام السياسى و السدنة من الفقهاء و الدعاة ، فقد مات النبي تاركاً خلفه عبيده ضمن ما ترك ، كذلك كل الصحابة وكل المبشرين بالجنة ، وكان الإمام علي أزهدهم في الدنيا وأفقههم في الدين ولم يترك سوي تسع عشرة جارية من ملك يمينه .
تقدس النظام العبودي تقديسا كبيرا في الإسلام ، بفقه كامل للرقيق كطبقة مختلفة عن بقية الطبقات حقوقياً واجتماعياً وانسانياً ، كذلك ورد التسري بالجواري في ثلاث وعشرين آية بالقرآن ، بينما لم يورد القرآن ولو آية واحدة تشرح للمسلم كيف يصلى ! .
لم تكن ثورة الزنج سوى مظهر عملي للمطالبة بالحرية والعدل الاجتماعي والسياسي للعبيد الزنوج ، لقد استمر صاحب الزنج يمهد لثورته ست سنين فتحدث لأصحابه في أن يؤمروه عليهم ، وأن يغامر بهم كما غامر الناس , وارتحل داعياً لنفسه بين العبيد الي هجر ثم الأحساء ثم البادية ثم البصرة ، وفي رمضان سنة 255هـ كان قد اتخذ القرار للقيام بمهمته التاريخية ، فى ساعة الصفر اقتحم عبد الله بن محمد برفاقه مدينة البصرة , وخربها وقتل أهلها واستصفي الأموال ، وأخذ الأسري من أحرار العرب كما كان العرب يفعلون بغيرهم , وأخذ النساء الحرائر فوزعهن علي أصحابه سبايا ، ويوماً بعد يوم كان جيش صاحب الزنج يزداد عدداً بالعبيد المحررين . ويزداد سيطرة على مساحات جديدة من أرض دولة الخلافة ، لذلك فقد صارت أقاليم و مدن من دولة الخلافة تدفع الخراج لعبد الله بن محمد مثلما فعلت جيوش العرب زمن الغزو الفاتح .
لقد رفض العبيد نظام الخلافة الإسلامية وطريقته في الحكم في القرن العاشر الميلادي ، ويأتي الآن من يطالب بعودته في القرن الحادي والعشرين ! ، يالـوقاحـة هؤلاء . يلفت النظر بشدة قول عبد الله بن محمد لأصحابه " لنغامر كما غامر الناس" . كان التاريخ ماثلاً لم يمض بعد بتاريخ الفتوحات , عندما غامر العرب فــ ( فازوا ) بالأرض ومن عليها. لكن هذا التاريخ الماثل يبدو أنه أيضاً كان هو المثل والقدوة ، فقام عبد الله بن محمد يختار لنفسه راية خضراء ، كتب عليها الآيات: " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة , يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون " . لقد إستخدم الرجل بكل جرأة نفس البضاعة لتحقيق ذات الهدف ، فلماذا نلومه ؟ . لقد جعل الحرب في سبيل الحرية ، حرباً من المؤمنين ضد المشركين , كما هو موضوع الآيات , لقد جعل حربه حقاً يقف الله بجانبه ضد الخلافة ونظامها كله بوصفها الباطل .
كان مما يلفت النظر أيضاً وفاء صاحب الزنج لاتباعه بما وعد ، قام يطبق علي السادة الذين أصبحوا عبيداً شريعة العرب , فكان يجلدهم بالسياط ، ويوزع علي اتباعه أنصبة من فيء غاراتهم علي السفن والقري كزمن الغزوات المحمـدية وغزوات الفتوحات ، سواء كانت الأنصبة منافع مادية أو بشراً من أطفال ونساء السادة المترفين .. فأنفذ في العرب شريعتهم ، لكنه ارتقي عنهم درجة عندما ساوي بين البيض الأحرار وبين الزنوج وآخي بينهم كالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار إبان زمن النبوة .

كان تطبيق شريعة العرب علي العرب مأتماً عربياً عظيماً ، آلم العرب وأوجع أكبادهم في كل بقاع الخلافة التي اهتزت لاغتصاب النساء العربيات الماجدات من قبل العبيد السود وبيعهن في الاسواق . جأر العرب بالشكوى جرّاء تطبيق شريعتهم عليهم ، فقاموا يطالبون الخليفة بالقضاء علي ثورة الزنج ، وكان هذا تحديداً هو السبب الحقيقي في كسر ثورة الزنج . كان للمشايخ والفقهاء أيضاً دورهم الكبير في هجـاء و تخوين وتكفير ثورة الزنج ، فكفَّروا صاحب الزنج ومن معه رغم إلتزام الرجل و رفاقه بتطبيق نصوص الشريعة الإسلامية بحذافيرها منذ اليوم الأول لثورتهم .
لو راجعنا كل أفعال و أقوال صاحب الزنج إبان ثورته لوجدناه مسلماً ملتزماً بالنصوص الإسلامية المقدسة ، فقد جلد سادة العرب بالشرع و وطأ هو ورجاله نساء العرب كسبايا وأسروا الأطفال ونهبوا الأموال تماماً كما فعل العرب تنفيذاً لنصوص الشريعة ، فأين الكفر فيما فعل صاحب الزنج؟؟ . إن الكفر الواضح أنه لم يفهم أن تلك قوانين مقدسة يطبقها العرب على غير العرب فقط ، هي قوانين تستثني واضعي القانون من القانون ! .
لقد أدرك عبد الله بن محمد خلل نظام الخلافة المقدسة وحلفها المشيخي , لكنه لم يستطع أن يجد أمامه بديلاً يعرفه ويفهمه لثقافته الإسلامية التي لم يعرف سواها ، فطبق الشريعة بإخلاص ، لذا فقد أذاق العرب مرارة الكأس الذي أذاقوه لمختلف الشعوب التى غزوا بلادهم ، فاستمر الظلم رغم تبدل الشخوص . عاد الزنج مع هزيمتهم النهائية أمام جيوش الخليفة عبيداً مرة أخري ، لأنهم لم يكونوا مؤهلين لاستبدال تلك الثقافة بثقافة أكثر نضوجاً تقدس الحرية والكرامة والانسانية والعدل والمساواة لكل البشر . لقد كانت القاعدة ظالمة فاسدة ، قاعدة شرعية أسبغوا عليها قداسة ، تقطع الطريق على كل من ابتغى المناقشة و تكفِّر رافض الظُلم .

ها هو التاريخ يعيد نفسه ، لقد نتج عن فساد و استبداد الأنظمة العربية الحاكمة ما سُمى بثورات الربيع العربي الأكثر فساداً و التى أفرخت العديد من كيانات إرهابية ترفع راية الإسلام روّعت الشعوب العربية و مزقت الدول بالعراق و سوريا و لبنان و اليمن و ليبيا و كادت أن تفعل الشئ نفسه بمصر و تونس . لقد سمعنا و رأينا جرائم يندى لها جبين الإنسانية اقترفتها تلك الكيانات الإرهابية التى تحمل راية الإسلام أمثال داعش و جبهة النصرة و فيلق القدس و جيش محمد و جيش المهدى .. وغيرها الكثير شنت و ما تزال حرباً قذرة بالوكالة عن قوى عالمية و إقليمية من أصحاب المصالح فى العبث بمستقبل و ثروات شعوب عربية لا تملك من أمر نفسها شيئاً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah