الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المدرسة و الثقافة

محمد الطيب بدور

2020 / 1 / 28
التربية والتعليم والبحث العلمي


1 ــ التعليم و المشألة الثقافية
من كل الأسئلة (وجميع الأسئلة) تلك التي نشأت من خلال التفكير في قضايا التعليم منذ أوائل الستينات ، تلك التي تلامس وظيفة النقل الثقافي في المدرسة ، لأنها تهتم بمحتوى العملية التعليمية وتتحدى المدرسين في أعماق هويتهم. لن يكون هناك من تأثيرممكن للتدريس دون الاعتراف من قبل هؤلاء الذين يتعاملون مع التعليم مع شرعية الشيء الذي يدرّس ، نتيجة طبيعية للسلطة التربوية للمدرس، هل يجب أيضًا مشاركة هذا الشعور من قبل المعلم نفسه : أي علم أصول التدريس بما في ذلك توظيف شتى المجلوبات رغم تناقضها ؟
لا يمكن لأحد أن يعلّم حقا إذا كان لا يعلم شيئا حقيقيا أو صالحا في عينيه. هذه الفكرة هي القيمة الجوهرية من الشيء الذي يدرّس . من الصعب أيضا تحديد وتبرير أو دحض أو رفض ما هو في صميم ما يجعل خصوصية النية التعليمية كمشروع اتصال و تدريب.
هذا هو السبب في أي استجواب أو أي انتقاد لطبيعة المحتوى المدرّس على أهميته واتساقه وفائدته ومصلحته و قيمته التعليمية أو الثقافية ، يشكل للمعلمين سببا متميزا لرد الفعل بما في ذلك مساءلة الضمير . إن تطوير هذا النوع من الاستجواب في سياق الاضطرابات المؤسسية و الثقافية التي مرت بها النظم التعليمية و خاصة مؤسسات التعليم الثانوي منذ الستينات كان عاملا ضروريا على الرغم من عدم تحديده بوضوح لتناول أزمة التعليم .
تشهد هذه الأزمة بشكل خاص عدم الاستقرار في البرامج و الدورات المدرسية اليوم .
نحن لا نعرف حقا ما يستحق أن يدرّس من الثقافة و الدراسات العامة فدائرة المعرفة فقدت مركزها التكويني و توازنها ، شكلها و مضمونها نتيجة انتصار " خطاب نزع الشرعية " لتمدد البعض من العلوم الاجتماعية و " خطب الترميم " التي اقتصرت على الاستياء من الواقع الاجتماعي و الثقافي دون أفق . تلا ذلك خطاب التكيف و الفائدة و المنفعة ، في حين أن الأسئلة الأساسية بشأن التبرير الثقافي للمدرسة هي التي وقع تجاهلها أو خنقها. نحن بالتأكيد نفهم ذلك في العالم حيث فكرة الثقافة تميل إلى أن تصبح هشّة و في نفس الوقت تتعارض مع وظيفة النقل الثقافي للمدرسة ومع ذلك فإن الفكر التربوي المعاصر لا يمكن القيام به بشيء من الاقتصاد في التفكير في مسألة الثقافة و القضايا الثقافية من أنواع مختلفة من الخيارات التعليمية بدعوى خوف الوقوع في السطحية. انها فعلا مفارقة : عدم القدرة على الاستغناء عن فكرة الثقافة أو الاعتماد عليها كمفهوم واضح وعملي. لذلك فإن توضيح هذه المسألة من حيث التأسيس و الآثار الثقافية للتعليم هي بلا شك اليوم مهمة لا يمكن متابعتها إلا بطريقة ما غير مباشرة وتدريجية ، أمر يستحق عناء خوضه لأن هذا هو التبرير الأساسي للمؤسسة التعليمية التي هي على المحك من خلال ذلك .
مما لا شك فيه ، هناك فرق بين التعليم والثقافة لكن العلاقة حميمة العضوية. خذ كلمة "التعليم" في شعور واسع من التدريب والتنشئة الاجتماعية للفرد حتى اذا اقتصر على المجال الأكاديمي الواحد ، يجب الاعتراف أن كل تعليم يكون دائما تعليم شخص ما من قبل شخص آخر بالضرورة يفترض أيضا الاتصال ، النقل ، اقتناء المعرفة والمهارات والمعتقدات والعادات والقيم .والتي تشكل ما يسمى "محتوى" من التعليم. لأن هذا المحتوى يبدو غير قابل للاختزال على ما هو عليه ...
هذا المحتوى الذي ينتقل في التعليم هو دائما شيء يسبقنا ويؤسس لنا ككائنات بشرية ، يمكننا أن نطلق عليه اسم الثقافة.
لكن التعسف الذي ينطوي عليه هذا الاستخدام لكلمة الثقافة" يحتاج إلى توضيح.
هذا المصطلح "ثقافة" هو أيضا واحد من أكثر المصطلحات غموضا و تضليلا .
من بين الاستخدامات ذات الصلة حاليا بكلمة "ثقافة" هي بالطبع ، أولاً وقبل كل شيء أنها توجد في المعنى الفردي التقليدي المعياري أو المثالي لدلالة " النخبة " حيث تعتبر الثقافة مجموعة من الأحكام و الصفات المميزة للروح "المزروعة" أي امتلاك مجموعة واسعة من المعرفة و المهارات المعرفية العامة ، القدرة على التقييم و الحكم الذكي والشخصي في المسائل الفكرية ، الفنية ، والشعور "بالعمق الزمني" للإنجازات البشرية والقوة على الإفلات من سيطرة المنجز اليومي العابر.
في الطرف الآخر من الحقل الدلالي لهذه الكلمة ، نجد على العكس المعنى الوصفي، البحت و الهدف الذي وضعته العلوم الاجتماعية المعاصرة: الثقافة ينظر إليها على أنها مجموعة من الصفات ، خصائص طريقة حياة المجتمع ، أو مجموعة ، بما في ذلك الجوانب التي تستطيع أن تعتبر عن السلوكات اليومية ، حتى التافهة منها او " المخجلة " .
و لكن ماذا تعني كلمة "ثقافة" عندما نتحدث عن وظيفة انتقال الثقافية للتعليم؟ هي أساسا تراث المعرفة والمهارات ، والمؤسسات ، من القيم والرموز التي تشكلت عبر الأجيال
و سمة من سمات مجتمع بشري محدد ، أكثر على نطاق واسع أو أقل على وجه الحصر كونه عمل جماعي وصالح جماعي ملموس .
لكن الثقافة اذا فهمت هكذا كتراث جماعي ، و فكري و روحي هل يمكن أن يحبس
تماما داخل حدود الأمم أو مجتمعات معينة؟ بجانب التركيز التعددي
والتفاضلية ، وحتى القومية لكلمة "الثقافة" (كما هو اليوم في صميم خطابات " الهوية ") .هل يجب أن يتم الانتقال ، في المفردات الحالية للتعليم إلى المفهوم العالمي والوحدوي للثقافة الانسانية ؟
وهذا يعني ، جوهر ما ينتقل ( تجاوز التعليم الحدود بين المجموعات البشرية و الخصوصيات العقلية و اعتماد ما هو مشترك من الذاكرة البشرية و مصير هذه الأخيرة )
ما الذي يجعل الإنسان بنزع نفسه عن الطبيعة ويميزها عن الحيوانية ؟ ألم يقل " ربول "
"التعليم هو مجموعة العمليات التي تسمح للطفل البشري للوصول إلى حالة الثقافة ، والثقافة كونها ما يميز الإنسان عن الحيوان "
أي تفكير في التعليم والثقافة يمكن أن يبدأ بالتالي :
المؤسسة التعليمية مسؤولة و مضطرة إلى تمرير وإدامة التجربة الإنسانية التي هي الثقافة ، الفكر ، الذي أنتجه الانسان منذ بداية الأعمار عبر العصور وصولا إلى الوجود "العام" ، والتواصل الفعلي من خلال بلورة في المعرفة التراكمية و التي
يمكن السيطرة عليها ، في أنظمة الرموز الواضحة ، في الأدوات المثالية ، في الأعمال الرائعة. وهذا يعني أنه يمكن القول أن الثقافة محتوى كبير ، مصدره ومبرره النهائي: التعليم .فلا شيء خارج الثقافة وبدونها فهي تدرك كذاكرة حية نشيطة ، ضرورية لاستمرارية الانسان . ( يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضفة الغربية: قتلى فلسطينيين في عميلة للجيش الإسرائيلي بقرب


.. غزة: استئناف المحادثات في مصر للتوصل إلى الهدنة بين إسرائيل




.. -فوضى صحية-.. ناشط كويتي يوثق سوء الأحوال داخل مستشفى شهداء


.. صعوبات تواجه قطاع البناء والتشييد في تل أبيب بعد وقف تركيا ا




.. قوات الاحتلال تنسحب من بلدة بطولكرم بعد اغتيال مقاومين