الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحربان العالميتان حربان طائفيتان !!

راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.

(Rawand Dalao)

2020 / 2 / 3
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الحربان العالميتان الأولى و الثانية هما حربان ذواتا عمق ديني بشكل لا تخطئه عين باحث منصف ....

روسيا و البلقان (ميراث الأرثوذوكس ) من جهة ، و إيطاليا حليفة ألمانيا ( ميراث الكاثوليكية و بنتها البروتستانتية ) من جهة أخرى ...

أما المحمديون السنة _العثمانيين ورثة العباسيين _ فهم حلفاء تاريخيون للفرنجة الكاثوليك (الألمان و الطليان) ضد المحمديين الشيعة الصفوية (حلفاء الروس الأرثوذوكس ) ... لذلك تخندق العثمانيون السنة ورثة الخلافة العباسية مع الألمان و الطليان ضد عدوهم التاريخي الارثوذوكسي وريث القسطنطينية (روسيا ) ... كما أن شعار النازية الهتلرية صليب معقوف في حركة هتلرية ذكية لإيصال رسالة للشعوب الأوروبية مفادها الدعوة لإحياء مجد الإمبراطورية الرومانية المقدسة .... !

و لو راجعنا العديد من خطابات القادة الروس التجييشية خلال حربهم ضد الألمان الكاثوليك لوجدنا أن النكهة الدينية الأرثوذوكسية لا تغيب عنها .... و كذلك خطابات التحريض الألمانية إذ نجدها مبطنة بالخلفية الدينية ، لكن بنكهة كاثوليكية ضد الهراطقة الأرثوذوكس في الشرق ... !

أما العشق المتبادل بين هتلر و السنة الأتراك فهو شكل آخر للعشق الذي كان متبادلاً بين شارلمان الكاثوليكي و الخليفة العباسي السني في إطار هدم و تقويض الدولة الأموية في الأندلس ...

ثم يأتي أحدهم و يقول واثقاً :

[ إن أكبر حروب التاريخ ليست طائفية ... !! ]

لا يا صديقي بل هي طائفية و بوضوح لا يخفى إلا على المتحيز أو غير المطلع ....

و يتضح هذا بجلاء من خلال الاطلاع بموضوعية على أسباب الحرب العالمية الأولى و طريقة الاصطفافات و التحالفات و النتائج و الاتفاقيات ....

نعم ، لا شك أن هناك وجوداً واضحاً للأطماع الشخصية و المصالح السياسية و الانحيازات العرقية ( تيتون VS سلاف) .... لكن لو تساءلنا عن المحرك الأول التعبوي للحرب في العمق الشعبوي الجماهيري القطيعي ، لكان الجواب واضحاً و بسيطاً ... { الدين أولاً } ....

كما أن شكل النظام الدولي الجديد الناتج عن الاتفاقيات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية هو شكل طائفي بوضوح ، إذ انقسم العالم إلى غرب وريث للمسيحية الكاثوليكية و بنتها البروتستانتية من جهة ، و شرق وريث للمسيحية الأرثوذوكسية من جهة أخرى لتبدأ الحرب الطائفية الباردة بين الكتلتين ... كما تم حرمان جميع الدول ذات الديانة المحمدية السنية من أي نفوذ دولي أو وجود سيادي يذكر على الساحة الدولية و ذلك بسبب ردة الفعل الصليبية على حروب الغزو المحمدي السني للشرق الأوسط و شمال إفريقية و وسط آسيا خلال القرون الوسطى .... !!

أي أن هناك مئات الملايين من البشر في الشرق الأوسط و وسط آسيا أريد لهم أن يعيشوا في دول متخلفة متشرذمة بسبب خلفيتهم المحمدية ، فكأنهم حُمِّلوا وزر الغزو المحمدي السني إلى اليوم ، فتم تخليفهم و حرمانهم من أي شكل من أشكال الحضارة الحديثة !!!! و هذا أثر مباشر للحرب الطائفية المسيحية المحمدية ، بينما أتيح لكل الدول ذات الخلفية المسيحية مجالاً سيادياً على الساحة الدولية.

و الملفت للنظر أن ملاحدة الروس بعد الثورة البلشفية استخدموا الأرثوذوكسية أكثر من الشيوعية لتعميق خطاب الكراهية و تجييش الشعوب المشرقية ضد ألمانيا الكاثوليكية .... !

فالحرب العالمية و الاصطفافات الدولية عبارة عن نتاج مباشر لعملية التقديس الديني للموروثات ....

و هنا نستنتج بوضوح أن الطائفية الدينية لم تزل عاملاً مدمراً كارثياً يسيطر على الهوموسابيان !

أكتب هذه الكلمات و كلي أمل بأن نعود يوماً ما إلى حيوانيتنا الأصلية لنمارس قانون الغاب حيث لا يأكل القويُ الضعيفَ إلا للضرورة بعيداً عن النَّزَعات البشرية الطائفية و العرقية التي أدت إلى الإسراف في القتل ....

#الحق_الحق_أقول_لكم ... إن الحروب التي تسببت بها الفكرة الدينية لأكبر بكثير من أي أثر إيجابي كان يرجى من اختراعها ... فالواقع و التاريخ و الإحصائيات تثبت بما لا يدعو للشك ، مدى فداحة الضرر المحض الذي أثرت به الظاهرة الدينية على الوجود الهوموسابياني على هذا الكوكب !

لذلك نجد أن عملية محاصرة الدين و تقويضه من أنفع و أجدى عمليات الدفع الحضاري التطوري نحو الأمام.

( الخط الفاصل بين عصور الظلمات و عصر التنوير )

و بناء على التحليل السابق أرى أنه لا بُدّ من تغيير أهم الخطوط العريضة و المعالم الفارقة لعلم التأريخ ، و ذلك من خلال إزاحة نقطة نهاية القرون الوسطى ( عصور الظلمات ) المُحدَّدة بيوم سقوط القسطنطينية و نقلها إلى يوم نهاية الحرب العالمية الثانية ، و اعتبار يوم نهاية الحرب العالمية الثانية بداية عصر التنوير و الحداثة !

إذ من غير المعقول أن ندخل زمناً نشبت به أكبر حرب طائفية في التاريخ بمسمى عصر التنوير ، بل هو زمن من صلب القرون الوسطى و عصور الظلمات الممعنة في تخلفها !

أمّا عن سبب اختياري لنقطة نهاية الحرب العالمية الثانية كحد فاصل بين عصور الظلمات و عصر التنوير فذلك لأن القفزة التقنينية الدولية التي حدثت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (و من ثم إنشاء النظام الدولي الجديد ) ضرورية لاعتبار النهضة التشريعية و العلمية _التي بدأت مع بداية ما يسمى عصر النهضة _ مكتملة...

فهذه القفزة التقنينية الدولية لا تقل أهمية عن سقوط القسطنطينية و الثورة العلمية التي تلتها في القرون السادس و السابع و الثامن عشر في أوروبا .

بل إن الثورة العلمية التي حدثت في هذه القرون تكاد تكون خُلّبية جهيضة الأثر من دون هذه القفزة التقنينية في العلاقات الدولية و التي حدثت مع نهاية الحرب العالمية الثانية .

و أرى أن المشهد الحضاري لم يكتمل إلى حدٍّ ما في الغرب ، إلا مع ميلاد النظام الدولي الجديد .... فأين التنوير و ما الفائدة من ثورة فكرية على مستوى الفيزياء و الكيمياء و العلوم و الرياضيات مع تخلف على مستوى القانون و التشريع و العلاقات الدولية ؟؟؟

لذلك تستحق نهاية الحرب العالمية الثانية أن تكون البداية الواقعية لعصور التنوير ....


كيف يكون مطلع القرن العشرين جزءاً من عصر التنوير و قد تحاربت الإمبراطوريات المتربعة على عرش الكوكب فيما بينها ثم دمرت بعضها لأسباب طائفية ظلامية تافهة ؟!

ثم دَعُوني أشطح في فكري أبعد من ذلك ... و أَدَّعِي بأننا لا نزال نعيش إلى اليوم في عصور الظلمات !!! لأن الغرب لا يزال _ إلى لحظة كتابة هذا المقال _ ينفذ سياساته الخارجية مع دول العالم الثالث الضعيفة بشكل دموي و همجي مريع ، و هي لوثة ظلامية لا تزال عالقة في عدّاد التاريخ إلى يومنا هذا ...!

فالغرب لا يزال يستضعف هذه الشعوب المتخلفة و يثير الحروب فيما بينها ليمتص ثرواتها و ليحقق مصالحه الضيقة.

و أنا لازلت أحلم بنقطة تاريخية تستطيع من خلالها علمانية الغرب الانتصار على جَهلَانِيَّته من خلال تنفيذ سياساته الخارجية بمعزل عن الدم و العنف و الظلم .... فلا بد أن يدفعه الوغول في التحضر و الرقي إلى تطوير طريقة تعامله ( ترويضه) و تثقيفه للشعوب المتخلفة دون اللجوء إلى العنف .... عندها فقط ستتكامل الحضارة الغربية تشريعياً و علمياً من منظور إنساني ، و سأعتبر أن تلك النقطة هي اللحظة الزمنية الجديرة بأن تكون الحد الفاصل ما بين عصور الظلمات و عصر التنوير ....

فنقطة بداية عصر التنوير هي تلك النقطة الافتراضية (في المستقبل البعيد) و التي يستطيع من خلالها النظام الدولي تنفيذ سياساته التنويرية و تطبيقها على مختلف الشعوب دون الحاجة إلى الظلم و العنف ...

و أخيراً و في سِياق تحرِّي الدقة الاصطلاحية، أرى أنه يجب إلغاء مصطلحي ( الحرب العالمية الأولى ) ، ( الحرب العالمية الثانية ) نهائياً من كتب التاريخ .... لأن سبب الحرب العالمية الثانية هو الجرح غير المُندمِل للحرب العالمية الأولى و الذي عاد و نكأه ( أدولف هتلر ) و حزبه النازي ... فهما حرب واحدة من الناحية الفعلية ... مع إضافة لاعبِين جدد ... فيجب استبدال هذين المصطلحين بمصطلح ( الحرب العالمية العظمى).

فهناك حرب عالمية عظمى واحدة .... بمشهدين .... و أتوقع أن يتم تعديل المصطلحات في كتب فقه التأريخ المعتمدة في هذا السياق مع تطاول الزمن ... إذ حتى المسافة الزمنية بين الحربين ستصبح مجهرية بمرور مئات و آلاف السنين !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ولي العهد السعودي بحث مع سوليفان الصيغة شبه النهائية لمشروعا


.. سوليفان يبحث في تل أبيب تطورات الحرب في غزة ومواقف حكومة نتن




.. تسيير سفن مساعدات من لارنكا إلى غزة بعد تدشين الرصيف الأميرك


.. تقدم- و -حركة تحرير السودان- توقعان إعلاناً يدعو لوقف الحرب




.. حدة الخلافات تتصاعد داخل حكومة الحرب الإسرائيلية وغانتس يهدد