الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسئلة حول تنظيم الحزب الثوري (15)

نهويل مورينو

2020 / 2 / 4
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



عقبة كبرى: انعزاليتنا


على الطريق الذي نقترحه لدينا عقبة كبرى: انعزاليتنا. حزبنا لم يكن دوما انعزالياً. كنّا كذلك في البداية، عندما كنّا مجموعات صغيرة، ولكن بالذهاب إلى الطبقة العاملة تعلّمنا وتجاوزنا انعزاليتنا. منذ ذلك الحين وحتّى تأسيس حزب العمال الثوري (الحقيقة)، كانت لدينا انحرافات أخرى. على سبيل المثال كنّا عمّاليين، ولم نولِ أهميّة للعمل على الطلبة، ما حدّ بشكل كبير من فرصنا في اكتساب مثقفين ثوريّين لمضاعفة تشكيل الكوادر.

الإنعزالية تبدأ عندما يصبح الحزب كبيرا. كحزب العمال الإشتراكي، الذي يتغذى أساسا على طلائع الطلبة الذين قاتلوا أساسا ضدّ الرئيس الأرجنتيني “أونغانيا” -Ongania-، ليبلغوا بعد ذلك المئات، بل والآلاف، بعد الكوردوبازو (1) وانتخابات 1973. في 1973 أو 1974 اكتشفنا قانونا جهنّميّا: كلّما ازداد نموّنا، كلّما أصبحنا أكثر انعزالية.

لقد قرأنا الماركسيّين الحذرين الذين تحدّثوا عن كلّ ما كانت عليه الإشتراكيّة الديمقراطيّة الألمانيّة ليشرحوا لماذا على المرء أن لا ينفصل عنها أو أنه كان هنالك كثير من المناضلين الذين لم يريدوا الانفصال عنها. الإشتراكيّة الديمقراطيّة الألمانيّة كانت عالما مصغّرا حظي بملايين الأصوات، لديها المسارح، والنوادي، والاتّحادات، والرقصات، والمكتبات، ونوادي التحرّر الجنسي. فيها كانت تكمن أجوبة تقريبا لكلّ المخاوف والاحتياجات التي يمكن أن يمتلكها المرء. وكذلك كانت الإشتراكيّة، والأناركيّة، والستالينيّة عوالم مصغّرة في أوقات رونقها. كان لديها أورفاريون (فرقها وجوقتها)، بالإضافة إلى النوادي والمكتبات.

هذه العوالم المصغّرة مغموسة في العالم الحقيقي، مجتمعات رأسماليّة بشعة وعدائيّة. الحياة بداخلها أجمل بكثير ممّا هي عليه في الخارج: يبدو أنّنا حققنا الإشتراكيّة في الوقت الراهن. إنّها تصيغ اتّجاها مركزيّا: المرء يريد العيش داخل المجموعة.

إنّها نزعة مؤسفة: الاعتقاد بأن كلّ شيء قد تمّ حلّه بالفعل، في حين لم يتمّ حلّ شيء بعد، حيث لايزال المجتمع الرأسمالي قائما هناك، حيّ يرزق، ويتحضّر لتدمير العالم المصغّر. لقد كان هذا ما حدث للاشتراكيّة الديمقراطيّة الألمانيّة: هتلر قام بتدميرها، بنواديها ومكتباتها واتّحاداتها.

هذه النزعة برزت بيننا عندما وصلنا إلى حزب من عدّة آلاف. داخل الحزب وجدت الصحبة عالما مصغّرا، جزيرة إشتراكيّة في محيط رأسمالي. هذا صحيح جزئيّا: لدينا قيم مختلفة وعلاقات إنسانيّة حرّة، تضامن وأُخوّة، بما هو مناقض تماما لأولئك المتواجدين خارج الحزب. إذا كان هناك صبي وفتاة مغرومين ببعضهما البعض، يمكنهما الإرتباط مباشرة وبانفتاح، دون المرور عبر كلّ إجراءات النفاق تلك، والتي تتطلّب زيفاً قيميّا برجوازيّا. إذا كان هناك رفاق في حالة إضراب، أو متعطّلين عن العمل، فإن الحزب وميليشياته تكون في حالة تضامن معهم.

هذا يحمل على العيش داخل الحزب وعدم المغادرة إلى حيث العالم “العدائي” غير الودود. بدأنا نحبّ الإجتماعات أكثر من النضال الطبقي. إنّنا نستخدم لغة فريدة لا يفهمها أحد إلاّ إذا قضى على الأقلّ بضعة أشهر في الحزب. من الشائع جدّا، على سبيل المثال، في الإجتماعات التي يوجد فيها أعضاء جدد أن نقول “بنية” عوضا عن العمل أو الدراسة أو السكن. إنّنا نفضّل حفلات الحزب على حفلة موسيقيّة جميلة في حيّ الطبقة العاملة. وهناك آلاف الأمثلة الأخرى.

أسوأ ما في الأمر أنّنا لسنا الإشتراكيّة الديمقراطيّة الألمانيّة. أن تكون حزبا انعزالياً بملايين الأصوات وعشرات آلاف المناضلين أمر خطير، غير أنّه أكثر قابليّة للفهم. ولكن، أن تكون حزبا انعزالياً ببضعة آلاف، ورغم هذا ليس لديك تأثير على الجماهير، فإن هذه مأساة. وفي كلّ مرّة نكتسب فيها 500 عضو جديد، تكون هناك دفعة انعزالية جديدة. عوضا عن الإستمرار في النموّ، فإنّنا نحشر أنفسنا للعيش داخل الحزب ولأن نجعل من الـ 500 عضو جديد، 500 انعزالياً جديداً.

الانعزالية يتمّ التعبير عنها، كما رأينا سابقا، في الطريقة الإداريّة لتعيين وتحديد المهمّات للكوادر والأعضاء. إنّنا لا نأخذ بعين الإعتبار علاقات الأعضاء بالمجتمع والنضال الطبقي، أيّ الإجابة على سؤال: ماذا بإمكان هذا الزميل فعله في مصنعه، أو حيّه، أو مدرسته؟ إنّنا نقوم بالتعيين حسب ما نفترض أنّه الأهداف التي صوّتت عليها القيادة: الكلّ لروابط المصانع، مثلا.

ومع هذا، يتمّ التعبيرعنها في علاقتنا مع الظواهر والاتّجاهات السياسيّة الموجودة في مجتمعنا. بسبب هذه النزعة الإنعزالية لم نكن قادرين على القيام بعمل صلب ومكثّف عبر الآلاف من العمّال والطلبة الجدد، والقادة الشرفاء والبواسل الإستثنائيين الذين اجتمعوا في حزب العمال الشباب البيرونيين، والمونتونيروس، والعمال البيرونيين في المرحلة السابقة. بالنسبة لنا كان كلّ ما هو غير موجود داخل الحزب، أو لا يتّفق معنا مباشرة، هو برجوازية صغيرة، وثورة مضادّة، أو عدوّ معادي للطبقة العاملة. قليل جدا كان ما استطعنا اكتسابه، من هذه الآلاف الطليعيّة للمناضلين، من رفاق لحزبنا. علاوة على ذلك، يجب أن لا يخفي هذا التوازن السبب الحاسم لفشلنا: القوة الغامرة للبيرونية.

هذه النزعة الإنعزالية عادت لبرهة الآن، مع نمونا. لقد كان من الصعب للغاية جعل الرفاق يتحمّلون بحماس عبء الذهاب إلى الحزب العنيد، والحزب الشيوعي، والقطاع الإرجواني (قطاع شبابي لحزب ليبرالي). لم يحدث لنا أن الحزب الإشتراكي الثوري، الذي يملك بالفعل شيء من القوّة، مثلنا، يجب أن يكون لديه مناضلين في كلّ المنظّمات الأخرى. وإذا ما فتحنا حوارا مع أحد من منظّمة أخرى، فإنّنا نستميت على الفوز به بسرعة وبشكل فرديّ، وننتقده بخشونة إذا فشلنا، عوضا عن تركه ينضج، والتعامل معه باحترام، واحترام مساحته الخاصّة للتطوّر. علينا أن نحارب هذه النزعة الإنعزالية. إذا لم ننجح في ذلك فإن الحزب سيتعثّر، وينتهي به الأمر إلى التراجع.

النضال ضدّ الإنعزالية مستحيل إذا لم يكن لدينا يقين وثقة مطلقين بمواقفنا وطبقتنا. إذا ما كانت مواقفنا صائبة، وكانت الجملة التي قالها ماركس صحيحة، بأن: “تحرير الطبقة العاملة سيكون مهمّة العمّال أنفسهم”، علينا أن نعلم أن معظم الرفاق في الأحزاب الأخرى، والذين نتعامل معهم خلال نشاطنا اليوميّ، عاجلا أم آجلا سيكونون لحزبنا. كلّ عامل، وكلّ موظّف، وكلّ طالب عام، وكلّ من لديه اهتمامات تقدميّة سيأتي أو على الأقل يمكنه أن يأتي لحزبنا. إذا لم يأت في شهر، فإنّه سيكون هنا خلال سنة، أو اثنتين، أو ثلاث.. في نهاية الطريق سنلتقيه، لأن الطريق هو حزبنا. في أعماقهم، على نحو أكثر أو أقلّ وعيا، فإن هذا هو ما يبحثون جميعهم عنه ويريدونه.

إنّنا لا نتحدّث عن الكوادر القديمة المتصلّبة في الأجهزة الستالينيّة أو النقابيّة، أو البيرونيّة النتنة أو الأجهزة الرقابيّة. هؤلاء لديهم سلفا مصالحهم الخاصّة، والتي تمّ وزنها في معظم الحالات، بالبيزوات أو الدولارات. ولكن نعم، نحن نتحدّث عن أولئك الذين يتعاطفون معهم، وهم مناضلون أو كوادر متوسطة منهم، لأنّهم يؤمنون بصدق بأنّهم بهذه الطريقة يناضلون ضدّ الإمبرياليّة والأوليغارشيّة، أو من أجل الحريّات الديمقراطيّة وضدّ الإبادة، أو لتحسين مستوى معيشة العمّال، أو حتّى من أجل الإشتراكيّة. حتّى أن بعضهم من الممكن أن يكون في حزبنا، ولكنهم لا يرون فينا تصوّرا لأنّنا قلّة، لدينا بضعة أصوات، ونحن غير مدعومين من قبل أيّة دولة عمّاليّة..

لدى حزبنا كلّ ما هو مشترك مع هؤلاء الرفاق. إنّنا نريد ذات الشيء الذي يريدونه. إنّنا لا نعتبرهم أعداء لنا لأنّهم ضمن منظّمة أخرى (أو لأنّهم مناهضون للأحزاب). أعداؤنا، أعداء الطبقة العاملة والثورة، هي أحزابهم وقادتها، وليسوا هم. هم رفاقنا في النضال.

تخيّل برجوازيّ صغير ستالينيّ، ممتلئ بالقلق. هو بالحزب الشيوعي لأنّه يعتقد أنّه أفضل حزب لليسار، الحزب الأكثر يساريّة. قد يعتبره الآن ليس يساريّا كثيرا، ولكنّه يعتقد أنّه الحزب الوحيد الذي بإمكانه تحقيق نتائج إيجابيّة. قد يكون هناك لأن الحزب الشيوعي هو الوحيد الذي يستطيع تحقيق نتائج إيجابيّة. إذا كانت لدينا ثقة في طبقتنا، وفي رفاقنا بالنضال، فإن هذا البرجوازي الصغير الستاليني بالنسبة لنا شيء رائع. إنّه مرشّح قويّ للنضال معنا في حزبنا، كونه قد صنع التجربة مع حزبه، بشرط أن لا نكون انعزاليين معه.

ماذا سيناقش شخص انعزالي؟ أن الستالينيّة قامت بخيانة الثورة الإسبانيّة، أن الحزب الشيوعي الأرجنتيني كان شريكا لفيديلا، أن فيكتور إيمانيويل الثالث، ملك إسبانيا، منح وسام انونزياتا لستالين، أن ستالين قام بخيانة الثورة الصينيّة. هذا البرجوازي الصغير لا يعرف حتّى من هو فيكتور مانيويل أو شيانغ كاي شيك. ومن الحرب الأهليّة الأسبانيّة يعرف فقط الأغاني. وحول سياسة الحزب الشيوعي تجاه فيديلا فإنه غير مقتنع بأن الأمور كانت كذلك لأنّه بخلاف ذلك سيكون قد انفصل فعلا عنهم.

الغير انعزالي سيبدأ بإقامة علاقات سياسيّة واضحة، ولكنها أخويّة، وسيقترح توحيد الجهود. الوضوح: إنّنا نختلف تماما حول سياسة قادته. الإخاء: إنّنا مقاتلو الطبقة العاملة وبالنسبة لي أنت رفيق في النضال. الوحدة في العمل: ماذا نستطيع أن نعمل معا؟ دعنا نفعل شيء سويّة من أجل نيكاراجوا؟ دعنا ندعم إضرابا معا؟ دعنا نقاتل معا ضدّ طرد رفيقك الطالب ذاك الذي فصل من المدرسة لأنّه قام ببيع الـ “كي باسا؟” (2).

إذا كنّا انعزاليين فإن هذا “الطفل” سيحكم علينا بأنّنا صعاليك متحذلقين لم نكتسبه لأيّ شيء، بأنّنا “مجادلون”، ونريد الفوز في الجدالات (وهو ما سيكون صحيحا في هذه الحالة). إنّه عيب خطير. الإشتراكي الثوري لا يعطي مطلقا الإنطباع بأنّه يريد الفوز في الجدالات. إنّه يسعى دائما لإظهار ما يحتاج إلى ترتيبات عمليّة لعمل شيء للتقدّم بالعمّال والحركة الجماهيريّة.

ولكن لفعل هذا تحتاج لأن تكون لديك ثقة في هذا “الطفل” الستاليني. يجب أن نقول لأنفسنا: “يا لجمال هذا الطفل. الستاليون فازوا به، ولكنّني سأكون أكثر مهارة منهم”. إنّنا لا نصاب بالغثيان، ولا نسحقه في الجدل. نخوض النقاش، بشكل دائم، ولكن حول مقترحات لعمل مشترك. عاجلا أم آجلا ستخدمنا الصيرورة التاريخيّة وتحضر هذا “الطفل” الستاليني إلى صفوفنا.

ناهيك بمدى الفظاعة التي قد تبلغها الإنعزالية إذا فضّلنا عن أن نفوز بمناضل نذهب إلى الجدل للفوز به مع مئات آلاف عمّال القاعدة البيرونيّة، ومئات آلاف عمّال الألفونسينيّة (3)، الذين نحاورهم في نشاطنا اليوميّ، والمتعاطفين مع الحزب الشيوعي أو فصيل العناد والتعبئة البيرونيّة.

_________

(1) – انتفاضة في مدينة قرطبة في العام 1969
(2) – صحيفة يسارية أرجنتينية
(3) – “راوول ألفونسين”، رئيس أرجنتيني سابق، ورئيس أحد الأحزاب البرجوازية وهو “حزب الإتحاد المدني المتطرف”

ترجمة: تامر خورما
تحرير: فيكتوريوس بيان شمس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإيطالية تعتدي على متظاهرين مؤيدين لفلسطين في ميلانو


.. الحكومة تعالج الاختلالات المالية من جيوب المغاربة #المغرب




.. تغطية القناة الأولى للجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإقليمي لحزب


.. محمد نبيل بنعبد الله : صفقة أكبر محطة لتحلية المياه فازت به




.. علم الحراك الشعبي في سوريا لعام 2011 شوهد وهو معلقا خارج الق