الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظام اتصالات رديء بين الله و أنبيائه

راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.

(Rawand Dalao)

2020 / 2 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


( نظام اتصالات رديء بين الله و أنبيائه )

قلم #راوند_دلعو

لقد ادَّعى الكثير من البشر عبر التاريخ التواصل مع خالق الكون بطريقة أو بأخرى ....

لاسيما ما ينسبه المحمديون إلى نبيهم محمد من تواصل مع خالق الكون عن طريق الوحي الذي يتجسد على شكل كلام مؤلف من حروف .... حيث نسبوا للخالق صفة التكلُّم أي التحدث ، جاء في القرآن : " و كلم الله موسى تكليماً " ...

و قالوا بأن خالق الكون يوحي إلى نبيهم كلاماً باللغة العربية تم جمعه في أوراق يسمونها القرآن !

و لو درسنا هذه الدعوى بشيء من التحليل العقلاني الحديث للاحظنا استحالة اتصاف خالق الكون بصفة الكلام أو التحدث ...

فالكلام طريقة اتصال تستخدِمُ الأمواج الصوتية كوسيلة توظِّف خاصية اهتزاز ذرات الوسط المادي للانتقال بين طرفين أحدهما مُرسِل للمعلومة و الآخر مُستقبِلٌ لها ....

و لن أتحدث هنا عما يقتضيه نسبة الكلام إلى الرب من تجسيم لأنني سأفرض جدلاً _ و من باب المسايرة _ صحة ما يدعيه المحمديون من أن صدور الكلام عن الرب أمر ميتافيزيقي غير مُدْرَك ثم يتحول إلى فيزيائي عند نقطة ما على الخط ، ليتبدّى من فم محمد كلاماً بلغة عربية وفق لهجة قبيلة قريش.

و قد يظن القارئ أن الافتراض السابق يحمي رب المحمديين من المخلوقية و التجسيم الناتج عن نسبة صفة الكلام له ... لكن الواقع أن التجسيم و التشابهية مع المخلوقات أمر واقع حتى لو افترضنا ذلك ... و سأبين السبب.

لو تمعنا في خط التواصل التالي و المسمى بالوحي :

[ الله ---> جبريل ---> محمد ]

للاحظنا بأننا أمام منظومة اتصالاتية خدميّة مؤلفة من ثلاثة عناصر :

1_ المُرسِل ( مولِّد الكلام بشكل ميتافيزيقي ) : و هنا هو خالق الكون الذي يسمونه الله.

2_ طريقة الاتصال : و هي الكلام باللغة العربية الفصحى ، حيث يدعي المؤمنون أن الكلام يصدر بطريقة غير مُدرَكة ثم يتحول عند نقطة ما على الخط من حالة ميتافيزيقية لا يمكن للبشر إدراكها إلى حالة فيزيائية تصدر عن فم محمد بكلام نفهمه بأحرف و كلمات عربية.

3_ المُستَقبِل : و هو الإنسان الذي يدعي النبوءة أي محمد في حالة الديانة المحمدية.

في الحقيقة ، لا يمكن تخيل المنظومة الاتصالاتية ثلاثية العناصر السابقة إلا إذا كان طرفاها مخلوقان كونيان أي لا يتمتعان بالكمال المطلق لما يلي :

1_ فلو كان أحدهما كاملاً كمالاً مُطلَقاً لاستغنى عن هذه المنظومة الاتصالاتية الكونية و التي تجري في عالم الوجود المادي فقط.

2_ فلو فكرنا بشيء من العقلانية و التجرد للاحظنا بأنه لا بد للمُرسل أن يكون مخلوقاً لا خالقاً لأن الإيصال غرض تخاطبي لا يتم إلا بين المخلوقات ، فهو ينم عن {{ حاجة }} يتم تلبيتها عن طريق التواصل ، فالمُرسِل {{ بحاجة }} إلى توصيل الرسالة و إلا لما ولّدها ثم أرسلها ، و المستقبِل بحاجة إلى محتوى الرسالة و إلا لما استقبلها ... فنحن هنا أمام مرسِل {{ احتاج الأداة ( الكلام الذي قام بتوليده ) و احتاج الخدمة ( خدمة التواصل ) }} .... فانتفت عنه الخالقية قطعاً لأن الخالق منزه عن الحاجة و تلبية الرغبة.

3_ خضوع المُرسِل أي الرب للزمنية مما ينفي عنه الكمال المطلق و بالتالي الخالقية، فلكي تنجح المنظومة السابقة لا بد أن يخضع كل من عناصرها الثلاثة إلى الزمنية ... فالإشارة تتولد عند المرسِل ( الله في مثالنا ) ثم تعبر إلى المستقبِل ... و لا يعقل وصولها إلى المستقبِل قبل تولدها من جهة المرسِل ... أي أن كلا من المرسِل و المستقبِل يخضعان للزمنية ... فالمرسِل محكوم بالقَبْلية كما أن المستقبِل محكوم بالبَعدية ... و الناقل محكوم بالوسطية ، و بالتالي فالمُرسل أي الله يخضع للزمن لأنه محكوم بالقَبْلِيَّة كما أسلفت ... و هذا ينفي عنه الألوهية ... و ذلك لأن خالق الكون من المفترض أن يكون خالقاً لكل شيء حيث جاء في القرآن : ( الله خالق كل شيء) ، و الزمن شيء من الأشياء ... أي أنه خالق للزمن فلا ينبغي أن يخضع للزمن و التراتبية الزمنية و إلا لكان خاضعاً لمخلوق من مخلوقاته ... ! لكننا نلاحظ أن دعوى تكلم الرب تخضعه للزمن بصيرورة القبلية ، و هذا تناقض بين القرآن الذي يثبت صفة الكلام للرب من جهة و بين كمال الله المزعوم .

إذن يجب أن يكون الخالق غنياً عن نظام الاتصالات المشروح أعلاه و الخاضع للتراتبية الزمنية التالية ( مرسل ثم وسط اتصال ثم مستقبل ) و التي لولاها لما كان للمنظومة الاتصالاتية أي معنى ... !


4_ هذا من ناحية .... و من ناحية أخرى فإن كلام الله على فرض وجوده سيكون رسالة في غاية الأهمية للبشر ، إذ يترتب على نكرانها الخلود في النار ، فينبغي أن يستخدم لها الرب أداة تواصل تكفل إيصال الإشارة من المصدر إلى المتلقي بوضوح تام ... دون أي تشويش أو تشوه.

لكن عملية النطق البشري باستخدام الأصوات و التي تسمى ( كلاماً) تعتبر طريقة رديئة لإيصال الرسائل الحرجة و التي هي في غاية الأهمية ... فالكلام حامل رديء للإشارة ؛ لأنه يوصلها مع تشويش كاف لضياع أو تشوه جزء لا بأس به من معالمها .... و هناك أنواع متعددة للتشويش الذي يطرأ على البيانات المنقولة من خلال عملية التكلم ...

و أوضحها هو قابلية الكلام للتفسير بعدة طرق ، فالكلام حمال أوجه و قد يُفهم بعدة طرق {{ إذا صدر دون لغة الإشارة }} ... فتعابير وجه المتكلم تلعب دوراً { محورياً } في معنى الرسالة ...

فعندما يدخل عليك رب العمل و يقول لك:《ظهيرة سعيدة》 بلهجة هادئة ... فهذا يعني أنه يريد أن يلقي عليك السلام ...

أما عندما تأتي متأخراً إلى العمل ، فيراك صاحب العمل ثم يشير إلى ساعته غاضب المعالم ثم يقول : 《ظهيرة سعيدة 》 فهذا يعني أنه يريد أن يقول لك : أنت متأخر عن الدوام.

و بالتالي فلغة الإشارة تلعب دوراً محورياً في بناء فهم النص في الدماغ.

و لو عدنا إلى القرآن المرتل لوجدناه خالياً تماماً من لغة الإشارة مما يعني أنه قابل للتفسير بعدة طرق ... و يؤكد صحة هذا الكلام اختلاف المفسرين في تفسير القرآن ... فهو كلام جامد يفتقر للغة الإشارة التي تساعد على فهم مقصود قائل النص.

و هذا شبيه بأنواع التشويش التي تطرأ على الإشارة أثناء عبورها في الوسط و هي في طريقها إلى المستقبل ... فيتم استقبال إشارات شوهاء أو مزاحة عن الإشارة الأصلية مما يضيع ملامح الإشارة الأصلية فلا تصل كما صدرت عن المصدر ، و هنا يقوم المستقبل بتفسير الإشارة بشكل خاطئ أو يعجز عن تفسيرها كلياً.

و هذه كارثة ما بعدها كارثة ، لأن كلام الله إن فهم بعدة طرق سيؤدي إلى اختلاف الناس في الدين ، لكن الدين أمر مقدس و بالتالي قد يكون هذا التشويش مثار اقتتال و بث للفتنة.

مما سبق أستنتج أنه لا تصلح ( عملية التكلم ) لإيصال رسالة حرجة بين مرسل و مستقبل ... لأنها لن تكون كفيلة بإيصال الرسالة إلى المستقبل بشكل مطابق تماما لحالة صدورها عن المرسل.

( الرياضيات لغة الله )

و من ناحية أخرى لو كان الله مُتكلّماً كما يدَّعي البعض ، و أراد أن يُكلّم البشر لكلمهم بلغة يفهمونها جميعاً بشكل واضح دون أي التباس ....

كلغة الرياضيات البسيطة ...

نعم ، فأساسيات الرياضيات لغةٌ يفهمها كل من يمتلك جمجمة بداخلها دماغ بشري كامل النمو دون تشوه ... كما أنه لا خلاف على حقائقها و مسلماتها و نظرياتها و براهينها بين جميع البشر على مختلف أماكنهم و ألوانهم ...

فالحقيقة الرياضية تستقر في عقولنا استقرار اليقين دون تكلف أو عناء ... تستقر في عقولنا بطريقة واضحة ناصعة ، لا ضبابية فيها و لا احتمال و لا تلكُّؤ و لا تردد و لا ريب ...

مثال :

لو وضعنا أمام طفل صغير قطعة حلوى واحدة في طرف ، و ثلاث قطع من نفس الحلوى في الطرف الآخر ثم خيرناه بين انتقاء أحد الطرفين لاختار الطرف الذي فيه عدة حلوى لأنه يدرك تلقائياً بأن الثلاثة أكبر من الواحد ...

و كذلك ندرك بسهولة أن المستقيمين المتوازيين مهما امتدّا لن يلتقيا ...

حقائق رياضية لا يستطيع العاقل أن ينكرها ... كما أنها غير قابلة للتأويل و لا الفهم بعدة طرق ....

فمثلاً لن يتم فهم العبارة الرياضية الإقليدية التي تتحدث عن استحالة التقاء المستقيمين المتوازيين بعدة طرق مختلفة ، و لن ينتج عن هذه التفسيرات لا سنة و لا شيعة و لا أرثوذوكس و لا كاتوليك و لا شحررجية و لا قاعدة و لا إخوان و لا وسطية و لا و لا و لا ....

فالرياضيات لغة تتراكب مسنناتها بشكل متطابق مع مسننات العقل البشري.

و هنا يحق لنا أن نتساءل ....

كيف يترك الله اللغة الآمنة و المحصنة ضد التشويش و التي يفهمها كل العقلاء ( أي الرياضيات ) ثم يفضل التكلم باللغة العربية المعقدة ( لهجة قريش حصراً) و التي تُفهم بألف طريقة و طريقة و بالتالي تحتمل التشويش و ضياع الإشارة ؟

هل من الممكن أن يكون الله خبيثاً إلى درجة أنه يتخاطب مع البشر بالطريقة الضبابية التي تؤدي إلى الإيقاع فيما بينهم ( و أقصد هنا اللغة العربية) مع توفر الطريقة الآمنة التي تفهم بشكل سليم و تتراكب مسنناتها بشكل تام و حاسم مع مسننات العقل البشري ( أقصد هنا الرياضيات) ؟

ترى لو كان هناك أب يريد أن يترك وصية لأبنائه من بعده ... فهل يتركها وصية ضبابية قابلة للتأويل و تحمل عدة أوجه كي يختلف الأبناء في تفسيرها ثم يقتتلوا فيما بينهم ، أم يتركها واضحة ناصعة مفصلة لا تحتمل التأويل كي يسد كل احتمال للاختلاف بين أبنائه ؟

فكيف يترك الله اللغة الواضحة و يلجأ إلى اللغة الضبابية التي تحتوي على الظاهر و المجاز و النص و العام و الخاص و المطلق و المقيد و الترادف و التأويل ؟

أليست جريمة كبرى أن يوقع الله بين البشر من خلال التكلم بنص يحتوي على المتشابهات ؟ و فوق ذلك يعترف بجريمته فيقول واصفاً كلامه بأنه ، فيه آيات متشابهات ؟

و لو رجعنا إلى تاريخ التشريع المحمدي لوجدنا بأن الديانة المحمدية تشرذمت بالفعل ، و تفرقت إلى مذاهب تقتتل فيما بينها بسبب اختلافها في تفسير كلام الله العربي ... أي أن تاريخ الديانة المحمدية و واقعها الطائفي المتشظي يؤكد صحة كلامي و تحليلي ....

#الحق_الحق_أقول_لكم ، إن ملايين القتلى قد قضوا بسبب اختيار الله المحمدي للطريقة الفاشلة الضبابية في التعبير عن مراده ....

فهل يعقل أن يكون صاحب هذه الطريقة السيئة في التعبير إلهاً كامل الألوهية ؟

الجواب : طبعاً لا !

و من هنا نجد بأن خالق الكون لا يتكلم لأن الكلام عبارة عن طريقة تواصل بين المخلوقات كما أنها تحتمل التأويل و الفهم بعدة طرق ... و لو افترضنا جدلاً أنه أراد أن يتكلم مع البشر ، لخاطبهم بلغة واضحة يفهمها جميع أنواع البشر بنفس الدرجة و دون أدنى احتمال للاختلاف في فهم المراد ....

و اللغة المرشحة لهذا الخطاب هي الرياضيات.

فالله المحمدي الذي يتكلم عبارة عن مادة ، لأنه لكي يكون طرفاً في هذه المنظومة لا بد أن يكون امتداداً للكون المادي أو جزءاً منه ... و إلا فلن تنجح هذه المنظومة في أداء مهمتها ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ايضا هناك الاية التالية
ايدن حسين ( 2020 / 2 / 6 - 22:28 )
وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تمنى أَلْقَى الشيطان في أُمْنِيَّتِهِ .. الخ الاية
و هذا تشويش ما بعده تشويش
و احترامي
..


2 - مقال
بلبل ( 2020 / 2 / 7 - 09:57 )
هذا المقال له علاقة بجميع الكتب المسماة سماوية وليس فقط القران

اخر الافلام

.. 180-Al-Baqarah


.. 183-Al-Baqarah




.. 184-Al-Baqarah


.. 186-Al-Baqarah




.. 190-Al-Baqarah