الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقالة في المجتمع المخدر (٢)

وليد المسعودي

2020 / 2 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مقالة في المجتمع المخدر (٢)





وسائل التخدير او تهدئة الوجود





إن عملية تهدئة الوجود يسبقها نماذج ضبط اجتماعية صارمة ، وهذه الاخيرة هي من تلعب وتقود إلى تخدير وتهدئة المجتمع وانتشار وسائل التخدير ، حيث يمكننا أن ندرج أدناه أهم وسائل التخدير الاجتماعي

١_ الامتثال للطقوس

وهذه الاخيرة ليست بالضرورة أن تكون دينية بل تتعداها إلى الاجتماعية والعرفية والعشائرية والدنيوية حيث الامتثال والذوبان ذاك من الممكن أن يكون عامل تهدئة نفسية ورضا تام للأشخاص عن الحياة ، حتى وإن كانت الاخيرة في أشد تعاستها وبؤسها وبالتالي ما هو غائب هنا عناصر الرفض والتحدي والكفر ايضا ، وهنا كفر بالزمن الذي ينتمي إليه الفرد وهو زمن السلطة سواء كانت دنيوية أو دينية .

٢_ نمط التكرار والاجترار لسلط الخطاب والقول

وهنا اجترار متواصل وتكرار لذات الأقوال وليس الافعال وهنا نقصد باقوال السلطة وخطابها الاجتراري وذلك نابع من كون مجتمعاتنا ذات حضارة قولية تعتمد على الكلمة والخطابة والكلام في التأثير على الاخرين وليست حضارة الافعال والمنجزات والتطبيقات الواقعية ، واكثر من يخدر الوعي العام هو القول المعسول المنمط سواء كان صادرا من قبل المؤسسة الدينية او الاجتماعية او السياسية .

فالدينية تهيمن على ضمير المخاطب وتجعله في حالة تماه لا عقلي معها باعتبارها مرتبطة بالعلوي الفوقي الديني المقدس ، والاجتماعية صادرة من التكوين الذي يحيط الفرد وهنا القبيلة او المؤسسة الاجتماعية والحزبية التي ينتمي إليها ، والسياسية بكثرة خطب القادة المتكررة دونما فعل حقيقي يدفع حياة الناس الى الأمام ونحو الافضل بشكل واقعي ملموس .

ان وسائل التخدير القولي الخطابي اشد ضررا على حياة الناس لأنها تخاطب وجودهم اليومي وما يحمل من متناقضات وهموم ومشاكل ولكن دون محاولات أو إيجاد مفاتيح للعلاج وتجاوز هذه الهموم والمشاكل ، وهكذا تكون الكلمة ذات مفتاحا سحريا للخدر الاجتماعي أكثر من كونها بانية وفاعلة للتغيير ، ينساق معها الفرد ويتماها معها صدقا وعملا بشكل ينسيه المستقبل الذي هو بالضرورة شبيها بحاضره السيء. .

٣_ مفارقة العام عن الخاص

وهنا نواجه إشكالية تبدو ثابتة في مجتمعاتنا وعامل مهم من وسائل التخدير الاجتماعي متمثلة بمفارقة العام عن الخاص في اتجاهات كثيرة في الدين والمجتمع والسياسة ، حيث تعالي رجال الدين وعدم اقترابهم من الناس العاديين إلا من اجل السيطرة عليهم ، حيث طقوس العامة تختلف عن طقوس الخاصة وخطاب العام يختلف عن خطاب الخاص ، وهكذا مع المجتمع للنخبة تفكيرها ولغتها وعاداتها واخلاقها التي تختلف عن العامة والناس العاديين ، وصولا الى السياسة التي دائما ما تجعل اهلها في مكانة فوقية متعالية وبعيدة عن الجماهير وبالتالي لا تجعل الاخيرة قادرة على التفكير وممارسة طقوسها إلا من اجل السيطرة عليها سواء كانت ضمن تطبيقات الامتثال للطقوس أو تكرار واجترار الخطب وهيمنة حضارة القول المجانية .

أن مفارقة العام عن الخاص يراد لها ان تكون قدرا لدى المجتمعات المخدرة حيث هذا فوق وهذا تحت ، وهكذا من اجل ديمومة عالم التخدير والضبط الاجتماعي أكثر فأكثر .

٤_ الأمل الكاذب

واخيرا القدرة على اجتراح وخلق الآمال الكاذبة ، بالغد ، الغد الوردي الإنساني الجميل ، الاسطوري المتخيل الأفضل من الحاضر السيء ، وكل هذه العوامل السابقة التي مر ذكرها تؤسس للآمال الكاذبة ، والموجودة في الامتثال للطقوس ، وتكرار الأقوال والخطب ، ومفارقة العام عن الخاص .

فالامل الكاذب يخدع الجميع وكل الاساطير والمنظومات المعرفية الجاهزة تعيش على الأمل الكاذب لخداع الناس وديمومته كوسيلة من وسائل التخدير الاجتماعي .





آثار التخدير الاجتماعي





إن اهم الآثار التي من الممكن ان تمارسها وسائل وطرق التخدير على المجتمع تكمن في كونها ليست معنوية فحسب بل مادية أيضا ، وذلك متمثل ببقاء حياة الناس ضمن انسياقية ثابتة أو وتيرة جامدة لا تتغير في مضمونها الفكري أو في اطارها المادي ، وهنا ندرج أهم آثار التخدير الاجتماعي

١_ العجز عن التغيير
٢_ عدم المبالاة بالآخرين
٣_ التواكلية
٤_ غياب عناصر المقارنة

العجز عن التغيير

من أهم آثار التخدير الاجتماعي العجز عن التغيير حيث هيمنة وبقاء الواقع المأزوم ، وبالتالي هناك التعالي عنه اجتماعيا وثقافيا وسياسيا ، فالمجتمع بدلا من أن يلعن النار الأرضية ظلم سياسات وسلط كثيرة مزدوجة سياسية واجتماعية ، ويثور عليها من اجل حياة افضل يلجأ إلى المعوض عنها مثاليا ، النار الاخروية الاشد خوفا في ضمير وارواح المؤمنين ، وذلك طمعا بجنة رفاه مفقودة على الارض من كرامة وصحة ورفاه وسعادة انسانية .

وهكذا يستمر التخدير في تأثيره على عجز الإنسان في مجتمعاتنا ، تكمله الثقافة والسياسة على مؤسسات وقوانين وانظمة لا تشجع على التغيير الاجتماعي وتديم حالة العجز لديه ، حيث المؤسسات الثقافية وما تشتغل عليه من تسطيح الوعي العام وابتعاد الاكاديمي والنخب المثقفة وتعاليها من مخاطبة الناس العاديين بلغتهم من اجل الارتقاء بهم وخلق وعي عام نقدي قادر على فهم الحاضر وما يعاني من مشاكل وتعثرات ، كذلك الحال مع السياسي ايضا يديم حالة العجز ليس بالتعالي فحسب بل بالاستغلال المتزايد والخداع المتواصل لعقول الناس

عدم المبالاة بالآخرين

من آثار التخدير الاجتماعي أو المجتمع المخدر انه مجتمع مغلق على نفسه غير مبال بالآخرين وما يحدث لهم من ظروف انسانية واجتماعية واقتصادية سيئة ، فعدم المبالاة تكاد تكون سمة المجتمعات المخدرة الحائرة بهمومها ومشاكلها الفردية وبالتالي غياب الحس العام المشترك الذي يجمع الناس في مصير واحد مشترك

التواكلية

أيضا التواكلية هنا مستخدمة بشكل مادي ومعنوي المادي مرتبط بالاعتماد على الآخرين في تغيير الواقع المأزوم دون التدخل الفردي والآخرون هنا من الداخل والخارج والمعنوي متمثل بالاعتماد على قوى خارجية فوق بشرية من الممكن ان تغير عالمه نحو الاحسن والافضل.

غياب عناصر المقارنة

وهنا غياب الامكانية في المقارنة بين عوالم مختلفة افضل من عالمه الخاص الداخلي من امتيازات الحقوق والمكتسبات المادية والمعنوية ، وغياب المقارنة يمثل نتيجة نهائية لهيمنة العوامل الثلاثة في العجز عن التغيير وعدم المبالاة بالآخرين والتواكلية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: حماس تمارس إبادة جماعية ورفضت جميع المقترحات المتعل


.. الدكتور مصطفى البرغوثي: ما حدث في غزة كشف عورة النظام العالم




.. الزعيم كيم يشرف على مناورة تحاكي -هجوماً نووياً مضاداً-


.. إيطاليا تعتزم توظيف عمال مهاجرين من كوت ديفوار وإثيوبيا ولبن




.. مشاهد جديدة وثقتها كاميرات المراقبة للحظة وقوع زلزال تايوان