الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماهية الحب في عيد الحب

وائل المبيض

2020 / 2 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إختلفت أراء الفلاسفة قديما وحديثا حول الحب، فمنهم من رفضه ومنهم من قبله،لكن دعونا اليوم نتوقف هنيهة عند شذرة هامة وشيقة حول الحب عند الفيلسوف الألماني إريك فروم .
يرى إريك فروم أن الحب فن، ومثل أي فن اخر كالرسم والموسيقى و الطب والهندسة يلزمنا لإتقانه النظرية والممارسة ﻭبذل جهود جادة؛ في حين أن انتشار المفاهيم المغلوطة حول الحب بأنه أمر يسير وسهل ووهم الإنجذاب العفوي تجاه الأخر والتي بالعادة ما تكون سببا رئيسيا في المشاكل لاحقا، يعزى إلى الخلط بين أن "نقع" في الحب وهي حالة مؤقتة، وبين ان "نكون" في الحب وهي عملية تطورية دائمة .
الحب هو فن؛ لكن وفقا لظروف ومتغيرات القرن الحادي والعشرين بما يحتويه من الرأسمالية ومخالبها، اصبح فن شاق ومجهد، خاصة واننا نستفيق من نومنا على الدعاية والإعلان والمواقع الإلكترونية حتى أصبحنا نبحث عن شريك بمواصفات غريبة .
في كتابه " فن الحب " يرى إريك فروم أن الحب هو الجواب على إشكالية الوجود الإنساني. و بإختصار فإن إشكالية الوجود الإنساني تعني أن الإنسان هو سليل مملكة الحيوان؛تفلت منها وبدأ يتجاوز الطبيعة ويبتعد عنها، يستدل على ذلك في قصة آدم وحواء بعد أن أكلا من شجرة المعرفة وكنتيجة لذلك تم طردهم من الفردوس. وحتى يصنع الإنسان حياته تم منحه ملكة الوعي لتكون نقطة إنطلاق للإنسان من جديد بشكل مستقل.

فالعقل موهبة الإنسان وبه يعي الإنسان وجوده ونفسه بإعتبارها ذاتية مستقلة، وبذلك أيضا يعي وجود الأخرين من حوله وماضيه وإمكانياته ومستقبله وحياته القصيرة، الوعي بأنه قد ولد بدون مشيئته وأنه سيموت بدون مشيئته أيضا، الوعي بأنه سيموت أمام أعين من يحبونه وأن أولئك الذين يحبهم سيموت بعضهم أمامه، الوعي بعجزه أمام الطبيعة وقوانينها؛ عجزه أمام فيروس الكورونا و الأعاصير والزلازل، عجزه امام المجتمع في سياق تغيير حكومات استبدادية وحركات شمولية ضاق الحجر والشجر منها ذرعا، كل هذا جعل من وجوده سجنا لا يطاق سيصيبه بالجنون إذا لم يستطع أن يقهر وحدته وإنفصاله و يحرر نفسه من هذا السجن بتوحده مع الناس في المجتمع.ينسجم رأي سارتر مع ذلك بقوله "ما الحب إلا هروبا من وحدتنا".

لقد واجهت مشكلة كيفية قهر الإنفصال وتحقيق الوحدة الإنسان على مر العصور، بدءا بالإنسان البدائي والفلاح وصولا إلى العصور الوسطى إلى الكاتب الحديث والعامل، فرغم تعدد وتنوع العصور إلا أن المشكلة هي ذاتها، لأنها تنبع من الموقف الإنساني نفسه"أحوال الوجود الإنساني" بيد أن الإجابات تتنوع؛ فقد كان الإنسان البدائي يرتدي أقنعة الحيوانات ويعلق على رأسه ريش الطيور وأغصان الأشجار فيمنحه ذلك شعورا بالعودة إلى الطبيعة والتوحد معها، وقد يتم ذلك لدى أخرين بصورة السكر والعربدة وأيضا بإستخدام المخدرات لتضفي غيبوبة ذاتية،والعبادة المفرطة كما تظهر لدى المتصوفة، لتضفي الأساليب السابقة حالة من النشوة ليختفي العالم الخارجي ويختفي معه الشعور بالانفصال عنه. بيد أن جميع ماتم ذكره حلول مؤقتة غير ناجعة لقهر عزلة الإنسان.

هنا يظهر لنا بشكل جلي وواضح أن الحب هو الإجابة الوحيدة على اشكالية الوجود الإنساني التي تستطيع قهر عزلة الإنسان، عبر الإتحاد مع الأخر بأن يصبح الإثنان بالحب شخص واحد على الرغم من أنهما ذاتين متفردتين.
" ومن اياته ان خلق لكم من أنفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لايات لقوم يتفكرون "(الروم21).

وأخيرا؛ حبذا لو إعتبرنا اليوم بمثابة دعوة مفتوحة للحب، أعتقد أنه لمن الجيد في مثل هذه الأوقات الصعبة أن نخرج الأفاعي الطائفية والحزبية والأيديولوجية من صدورنا و أن نتفكر في مقولة حنة اردنت:"انه لا شيء يقودنا نحو قلب العالم النابض مؤكدا أكثر من الحب".
السعادة لقلوبكم جميعا، دمتم بسعادة وخير وعافية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز