الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرق بين التعليم و التفهيم

راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.

(Rawand Dalao)

2020 / 2 / 15
التربية والتعليم والبحث العلمي


(الفرق بيت التعليم و التَّفْهِيم )

قلم #راوند_دلعو

كثير منا لا يعرف الفرق بين التعليم و التفهيم .... فعندما كنا صغاراً كنا نعتقد بأن المعلم الجيد هو الذي يفهمنا الدرس بوضوح بينما المعلم الرديء هو الذي لا يستطيع تفهيمنا الفكرة ، فهو عاجز عن إيصال المعلومة لنا !

و من هنا كنا نختزل لا شعورياً مهمة المعلم بذلك المُفَهِّم للدرس ، و لكن هذا غير صحيح، إنه خطأ شائع من شأنه أن يسيء لمهنة التعليم الأكثر تعقيداً.

فالمُفَهِّمُ : هو شخص يقوم بشرح الفكرة بغية التفهيم (و قد لا يكون معلماً ) ، فقد يكون زميلاً لنا على مقاعد الدراسة ، فكثيراً ما كانت تفوتنا بعض الأفكار فنسأل عنها زميلنا خلال الدرس فيشرحها لنا و يُفَهِّمُنا إياها بجلاء ، فهو مُفَهِّمٌ بارع لكنه ليس معلماً.

و التَّفهيم هو بعث استيعاب المعلومة محل الشرح في ذهن المتلقي ، و الاستيعاب هو جلاء الترابط المنطقي بين أفكار الموضوع المراد شرحه في عقل المتلقي . فإذا ما انبعث هذا الترابط المنطقي بين أجزاء الموضوع محل التفهيم قلنا بأن المتلقي استوعب الدرس تماماً.

فإذا أدرك المتلقي وجه الترابط بين تسلسل أفكار الموضوع المشروحة حكم لاشعوريا بأنه فهم الموضوع ككل.

و لمزيد من الإيضاح ( أنظر الشكل المرفق) ، لو شبهت الفكرة التي يراد شرحها بموجة جيبية ، لكانت مهمة المُفَهِّم بأن يخلق في ذهن المتلقي موجة جيبية مماثلة لتلك التي في رأسه ، و لكي تتماثل الموجتان يجب على الشارح أن يقوم بتوليف الطول الموجي لموجته بحيث يتناغم مع الطول الموجي للموجة التي قام بإنشائها في تفكير المُتَلقي ( موجتان لهما نفس الصفحة و التواتر و تسيران بالتوازي كما في الشكل ) و ذلك أثناء تلقين المستقبِل للفكرة المراد شرحها .....

فإذا ما تسلسلت الأفكار المتعاقبة في عقل المتلقي _التلميذ _ بنفس طريقة تسلسها في عقل المفهِّم _الشارح _ استطاع المتلقي الفهم و الاستيعاب ...

فطالما أن الموجتان متطابقتان فعملية التفهيم تسري بسلاسة و نجاح ....

و الذي يحدث عند حدوث عملية الشرح بلا تفهيم هو أن يختل التناسق السابق بين الموجتين فيغفل المُفَهِّمُ عن شرح أشياء يعتبرها مفهومة و واضحة في عقل المتلقي( الطالب) لأنها واضحة في عقله هو (أي المُفهِّم) فيقفز عنها أثناء الشرح بينما يحتاج المتلقي إلى الوقوف عندها ، لأنها و إن كانت بسيطة بالنسبة للمُفَهِّم لكنها غير واضحة بالنسبة للمُتَلقِّي .... و هذا الاختلال في تناسق التسلسل الفكري بين المُفَهِّم (الشارح) و المتلقي (الطالب) يؤدي إلى اختلال التوليف السابق بين طولي الموجتين العابرتين لذهني المفهم و المتلقي محل عملية التفهيم ، مما يؤدي إلى فشل العملية ككل !

فالضبط الموجي ( الهارموني_ التناغم ) لعقل المُفَهِّم على عقل المتلقي هو بمثابة توليف سلسلتي الأفكار العابرتين للعقلين (عقل المفهم و عقل المتلقي) ، وهو سر عمليه التفهيم ....

فالمفهم البارع هو القادر على تجزيء الفكرة إلى فُكَيراتٍ صغيرة ثم توليف عقل المتلقي على هذه الفُكَيرات و ترابطاتها من خلال شرحها واحدة تلو الأخرى دون أن يقفز عن إحداهن مهما كانت بسيطة بالنسبة له .

فإذا ما قفز المُفَهِّمُ عن فُكَيرة منهن ، ضاع التسلسل في عقل المتلقي و بالتالي ضاع التوالف بين ذهن المفهم و ذهن المتلقي و فشلت عملية التفهيم.

و هذا هو الفخ الذي يقع فيه جميع الشارحين عندما يعجزون عن تفهيم فكرة ما ، خاصة للتلميذ الصغير في المرحلة الابتدائية. فإذا شرح أحدهم لك فكرة ما و لم تفهمها فاعلم أنه قفز عن فُكَيرة كمومية صغيرة يراها واضحة لوضوحها في عقله الباطن لكنه غفل عن أنك( كمتلقي) لا تعرفها و يجب إيضاحها و إلا لما كنت متلقٍ و لما كان مُفَهِّما.


فبساطة بعض الفُكَيرَات الكمومية يدعونا ألى تجاوزها لا شعورياً أحياناً و إسقاطها من عملية الشرح مما يعطل عملية التفهيم ككل ، و بالتالي تعتبر البساطة النسبية للفُكَيرَة ( بالنسبة للشارح ) فخاً غالبا ما نسقط فيه ، إذ نقفز عن شرحها فتفشل عملية توصيل الفكرة بالمجمل.

و هذا يفسر سبب كون عملية تفهيم الصغير أصعب من عملية تفهيم الكبير ، و ذلك لأن الصغير غالباً يحتاج لتفهيمه كل الفكيرات الكمومية المكونة للموضوع ، لأنك لو أسقطت فُكَيرة لا شعوريا لما استطاع استحضارها ... بينما قد يستطيع طالب الثانوي استحضار الفكيرات المسهو عنها من قِبَل الشارح ، لذلك نجد بأن معظم المعلمين يحاولون تجنب التدريس في المراحل المبكرة ... بينما يجب على المدرسة أن تُوكِل عملية تدريس المرحلة الابتدائية للمعلمين الأكثر كفاءة و خبرة و دهاءً.

و بعد أن أوضحت معنى التفهيم و المُفَهِّم أبدأ بتوضيح الفرق بين المُفَهِّم و المعلم فالمُفَهِّم هو من يمارس عملية التفهيم ببراعة ( و بالمناسبة عملية التفهيم موهبة بالمعظم و لا تأتي بالاكتساب بسهولة) ....

أما المعلم فهو شخص متخصص بتطبيق استراتيجيات التعليم التي تهدف إلى تحصيل مخرجات العملية التعليمية التي منها التفهيم . فلا تقتصر مهمة المعلم على التفهيم بل له مهام أخرى أعقد من التفهيم بكثير و ما التفهيم إلا غاية واحدة من عدة غايات نهدف إلى تحصيلها من خلال تطبيق استراتيجيات التعليم.

فمن الصفات التي يجب توافرها في المعلم :

التمكن الأكاديمي من المادة ففاقد الشيء لا يعطيه.

مهندس استراتيجيات وطرائق التعليم.

ضبط الفصل و القدرة على القيادة.

الدبلوماسية في التعامل مع ولي الأمر.

احتواء السلوكيات الطلابية على تنوعها و الإدارة الشاملة للفصل.

التحضير و التخطيط.

التربية و التنشئة.

المهارات الاجتماعية في التعامل مع الطلاب.

علم نفس الطفل.

معالج نفسي.

التفهيم.

القدوة.

المتابعة.

الإلمام بصعوبات التعلم.

تطبيق استراتيجيات العمل الجماعي ، و التفاضلي ...

القدرة على جذب الانتباه و تحريض الطالب على الإصغاء.

تنظيم العمل المكتبي الحوسبي من خلال المهارة الحاسوبية.

و غيرها الكثير من الوظائف ...

لكنه بعد كل هذا لا ينال الراتب الكافي ، و لا ينال احتراماً يذكر في مجتمعاتنا للأسف ...

فهو إلى اليوم رمز السخرية و محط احتقار المجتمع الذي هو جميع تلامذته !

#راوند_دلعو








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لقد أجدت التعبير
muslim aziz ( 2020 / 2 / 15 - 18:33 )

مقال ممتاز لذلك اول مرة اضع علامة عشرة- وإن كانت تلك العلامات ليست مهمة عندك- علما ان باقي المقالات كنتُ اصوت بأدنى علامة
المهم موضوعك موضوع شيق وممتاز ولكن الانسان عندما يرى اساليب التعليم الحديثة يبكي على ايام الدراسة وكيف ان المدرس(الجاهل) كان يعلمنا بالعصا وليس بتأهله للتعليم، ففاقد الشئ لا يعطيه، لذا تجد كثيرا من طلاب العلم يكرهون بعض المواد التعليمية لأن المدرس يكرِّههم بتلك المادة،
صحيح ان العقول تختلف عند المعلم والمتلقي ولكن هذه سنة الحياة فالمواد التعليمية كالاطعمة انت تتعلم ما ترتاح له.
ملاحظة، لاحظ اخي بما ان موضوعك مهم ومهم فلا تجد واحدا يدلي برأيه، لو انتقدت الاديان لتهافت المعلقون
أعجبني · رد · منذ 1 س


2 - ممتاز
muslim aziz ( 2020 / 2 / 16 - 01:28 )

مقال ممتاز لذلك اول مرة اضع علامة عشرة- وإن كانت تلك العلامات ليست مهمة عندك- علما ان باقي المقالات كنتُ اصوت بأدنى علامة
المهم موضوعك موضوع شيق وممتاز ولكن الانسان عندما يرى اساليب التعليم الحديثة يبكي على ايام الدراسة وكيف ان المدرس(الجاهل) كان يعلمنا بالعصا وليس بتأهله للتعليم، ففاقد الشئ لا يعطيه، لذا تجد كثيرا من طلاب العلم يكرهون بعض المواد التعليمية لأن المدرس يكرِّههم بتلك المادة،
صحيح ان العقول تختلف عند المعلم والمتلقي ولكن هذه سنة الحياة فالمواد التعليمية كالاطعمة انت تتعلم ما ترتاح له.
ملاحظة، لاحظ اخي بما ان موضوعك مهم ومهم فلا تجد واحدا يدلي برأيه، لو انتقدت الاديان لتهافت المعلقون
أعجبني · رد · منذ 7 س

اخر الافلام

.. واشنطن بوست: صور جوية تكشف ملامح خطط إسرائيل لما بعد حرب غزة


.. المعارضة الكردية الإيرانية تصف طلب إيران بجمعها في مخيمات بـ




.. عشرات القتلى والمصابين في هجمات إسرائيلية على مناطق عدة في ا


.. دانيال هاغاري: قوات الجيش تعمل على إعادة 128 مختطفا بسلام




.. اللواء الدويري: الجيش الإسرائيلي يتجاهل العوامل الغير محسوسة