الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جواب اعتقال … سيكولوجية الإرهابيّ: (العقل والأداة)

فاطمة ناعوت

2020 / 2 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


Facebook: @NaootOfficial
Twitter: @FatimaNaoot
(جواب اعتقال)، في تقديري، أعمقُ ما قدّمته السينما لمواجهة التطرّف. لأنه يُشرِّحُ "سيكولوجيا الإرهابيّ" من داخل المطبخ. كيف يُنحَت ويُصاغُ وتُقتل إنسانيتُه منذ طفولته ليتحوّل إلى قنبلة موقوتة، أزرارُها في يد قادته التكفيريين، وكيف تُغرَسُ فيه مبكّرًا بذرةُ البغضاء حتى تنمو وتتوحّش، فتغدو طوفانًا هادرًا يَجرُفُ ويُجرِّفُ المجتمع. أهمية الفيلم، فضلا عن الأداء الرفيع لجميع أبطاله، والإخراج الفائق والحوار الفلسفي العميق، أنه يُشرِّح لنا "معمل" صناعة وتفريخ الإرهاب من الداخل. فنتعرّف على نموذجين من الإرهابيين. أحدهما (العقل)، وهو الإرهابي الفعلي الذي يُكفّرُ المجتمع ويُشرّع القتل، ويده نظيفة لا يمسسها الدمُ. والثاني: (الأداة)، وهو الدماغُ المغسول الذي بُرمجَ على السمع والطاعة دون تفكير، وهو اليد المغموسة في دماء الضحايا. الإرهابي (العقل)، يحتفظ بالوجاهة الاجتماعية فيظهرُ على الشاشات وفوق المنابر يعظُ ويبتسم معتمرًا عمامةَ الرحمة والتواضع، وفي اجتماعات الخليّة يُبرزُ أنياب التوحّش تقطرُ السمَّ تكفيرًا، وتحثُّ الإرهابيَّ (الأداة) على إفناء العالم. الفيلمُ يقدِّم دراميًّا الفكرةَ التي نحاول إيصالَها للمجتمع: أن الإرهابي الحقيقي هو (التكفيري)، وليس (الأداة) التي تضغطُ الزناد.
بأداء فائق، قدّم لنا الفنان الموهوب "محمد رمضان" شخصية الإرهابي (الأداة)، قائد الجناح العسكري للخلية، الذي خسر في طفولته دفءَ الأم، وهيبة الأب، فقُتِلت آدميتُه وتجرّع كأس الطبقية والإذلال طفلاً، لينشأ كسيرًا مصدوعًا، ويتحوّل مع الأيام إلى جبّارٍ بلا قلب؛ يُروّع الآمنين ويُمزِّق أوصال مجتمع لم يرحم طفولته. فقط دمعتان، سقطتا من عينه. دمعةٌ لحظةَ اكتشافه خسران قلب حبيبته “دينا الشربيني"، وحبها لزميلها الأستاذ الجامعي؛ فهشّم بأصابعه صورتها على الهاتف. ودمعةٌ أخيرة لحظةَ اكتشافه خسران آخرته، كما خسر دنياه. وتحجّرت الدموع في مقلتيه حين وصله رأسُ شقيقه المنحور في صندوق. شقيقه الوحيد الذي كان حُلمَه ألا يسير خلفه في طريق الإرهاب، لكن أربابه التكفيريين نحروا رأس الغلام البريء عقابًا لشقيقه، على عدم السمع والطاعة. هكذا يفعلون في بعضهم البعض؛ فلا عجب مما يفعلون بنا نحن خصومَهم من البشر الأسوياء الذين نرفض الدماء والويل والقتل باسم الله.
“جواب الاعتقال" الذي سلّمه الضابط الذكي/ “إياد نصّار"، ليد الإرهابي الأداة، لم يكن إلا آيةً عبقرية من سورة "الحج": “أفلمْ يسيروا في الأرض فتكونَ لهم قلوبٌ يعقلون بها أو آذانٌ يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصارُ ولكن تعمى القلوبُ التي في الصدور". تلك هي الرسالة العظيمة التي يُقدّمها الفيلم إلى كلّ إرهابي (أداة). تحذير بألا يسمح لقلبه بأن يعمى ولا يعقل. فكأنما القلبُ هو "العينُ" التي "تبصر"، و"العقلُ" الذي يفكّر. فإن خسر الإنسانُ قلبَه، خسر عينيه وعقلَه.
يُقدِّمُ لنا الفيلمُ نموذجَ الإرهابيّ (العقل)، وهو الإرهابيُّ الحقيقي الأشدُّ خطرًا من الإرهابي (الأداة). "الشيخ مصطفى"، الذي أدّى دورَه ببراعة الفنان "صبري فوّاز". التكفيريُّ الكذوبُ المرتزق باسم الله. يظهرُ على الشاشات في ثوب حمَل نقيٍّ تقيّ، ينهى الناسَ عن الكِبر والغشّ والكذب والظلم، وهو غارقٌ في كلِّ ما سبق من فواحش. يمارسُ الطبقية الرخيصة في أحطِّ صورها وهو ينادي المهندس بـ"ابن الخدّام"؛ لأن أباه كان خادمًا لأحد أمراء الجماعة الجهادية. يخطبُ في الناس في "مقام مخافة الله"، بينما يتحدّى الله جهرًا جاعلًا من نفسه إلهًا يُحيي ويُميت. وحين سألته متّصلةٌ على الهواء عن رأيه في الجريمة الإرهابية الأخيرة التي استشهد فيها ضباطٌ ومجندون في الشرطة، اعتمر طاقية "التقية" الغاشّة، وقال لها: “أُشينُ وأُدين"، بينما هو أحدُ مخططي تلك العملية الخسيسة.
أعظمُ ما في الفيلم أن الإرهابيَّ (الأداة) رفض أن يُنيل الإرهابيَّ (العقل) شرفَ الموت على سجادة الصلاة. حمل الرشاشَ، وجلس على سطح المسجد، في انتظار أن يُنهي الشيخ مصطفى خُطبته وإمامته للمصلّين، ثم أطلق النار. فذاك المرائي لا يستحقُ أن يلاقي وجهَ الله مُصلّيًا، وقد عاش حياتَه كذوبًا. يقولُ بلسانه كلماتِ الله التامات: (إن الصلاةَ تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي) وهو فاحشٌ باغٍ. فهل أشدُّ فُحشًا وبغيًا من تكفير الناس وترويعهم والسخرية من فقرهم؟! أجهز الإرهابيُّ (الأداة) على الإرهابيِّ التكفيريّ (العقل)؛ قبل أن تعاجله رصاصةُ الضابط؛ ليسقط مُضرجًا في دماءه وهو يتذكر كلماته لربيبه التكفيري: (ربنا بريء منك ومني ومن أمثالنا!) هنا تسقط دمعةُ الندم الأخيرة. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية تواصل التصدي لكل محاولات الت


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية تواصل التصدي لكل محاولات الت




.. 78-Al-Aanaam


.. نشر خريطة تظهر أهداف محتملة في إيران قد تضربها إسرائيل بينها




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف الكريوت شمال