الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاسلام والديمقراطية … !

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2020 / 2 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من ينظر الى الاسلام منذ بداياته في مكة ويتعدى بنظرته الى المدينة بعد الهجرة يجد نفسه امام اسلامَين يجمعهما الشئ ونقيضه ! وعليه يمكن تقسيم الاسلام ( مجازاً ) الى اسلام مكي وآخر مدني ، والتي يطرحها الشيوخ والمفسرين على انها دين واحد بفاصلتين : فترة مكية واخرى مدنية … والمفهوم ان الفترة هي فاصل زمني مكملاً لما بعده بمعنى ان الفترة المدنية يفترض بها ان تكون مكملةً لشبيهتها وليس لنقيضتها المكية ! المهم … !
يبدو ان الاسلام المكي ان صح التعبير كان اسلاما ذو نكهة ديمقراطية بالمفهوم البسيط والعام لها ! ولم يكن صدامياً ولا جدلياً ، وثانياً وهو الاهم كان فيه اهم آلية من آليات الديمقراطية … وهي التسامح وقبول الآخر ، والتي أُسقطت في آيات كثيرة تعكس هذا التوجه من قبيل : ( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) ( لكم دينكم ولي ديني ) ( لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) … الخ ، وهي من اهم الاسباب التي ادت الى تسامح اهل قريش مع الدين الجديد ونبيه لمدة اثنتي عشرة سنه دون حصول تصادم بين الطرفين !
نرى من خلال الايات المكية وداعة وسهولة الطرح ، وان الله كان يخاطب الناس بهدوء وبلغة سلسة تتماشى مع فهم الكل دون تهديد ولا وعيد ولا سيف بتار يقف مُشهراً ليسقط كالقضاء والقدر على عنقك ان ذهبتْ بك الظنون بعيداً ! … وحتى نبي الاسلام كان داعياً مسالماً واكثر هدوءً ويدعو لدينه بالحكمة والموعظة الحسنة وبالحوار الهادئ المتزن ، ويترك من لا يؤمن الى الله ليحاسبه ! حرية الاختيار دون اكراه !
 {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}   [النحل 125] .
للشيوخ تفسيراتهم فيقولون ان الاسلام حينذاك كان ضعيفا ومضطهداً ( وهذا غير صحيح ) ولم يصل بعد الى ما يسمونه بمرحلة ( التمكين ) وهي المرحلة التي يقوى فيها ، ويكون قادراً على فرض سلطته وهيبته وهيمنته بالقوة وبحد السيف ، وكأنهم هنا يصورون الاه الاسلام ذو وجهين ، إنتهازي ، غادر ومتمسكن … ومتوثباً بانتظار الفرصة المناسبة لينقض واتباعه على من لم يؤمنوا بالدين الجديد !
ولو بقي الاسلام مكياً لكان اكثر روحانيةً واقرب الى ان يكون ديناً سمحاً ومقبولاً اكثر مما بعد تحوله الى ايديولوجية عنيفة شرسة ، وكأنها قد جاءت من مصدر آخر لتمهد الطريق بعد ذلك لادارة دولة ، ومن ثم امبراطورية مترامية الاطراف ! ( ولو بقي محمد داعياً دينياً فقط ، لأصبح الإسلام أسمى روحياً مما هو عليه ! )
بعد الهجرة الى المدينة ، تغير وجه الاسلام مائة وثمانون درجة واصبح عندنا توجهاً جديدا ونبياً جديداً وحتى الاها آخر ، وكانه ليس هو من انزل الايات المكية المهادنة المتسامحة الهادئة ، والتي تقبل التعايش مع الاخر … بنية الغدر كما يبدو !! فكانت بداية التحول الدراماتيكي في المزاج الالهي والذي نسخ الاسلام المكي كليةً ، وافرز لنا ديناً شمولياً جديداً ، وعنيفاً لا يعترف بالاخر المختلف !
وبنزول آية السيف التي نسخت كل ما قبلها تحول الاسلام الى دين من اشرس الاديان المنتشرة على هذا الكوكب واكثرها دموية ! وكان بداية لطريق طويل كالتيه من الالام والمعاناة حتى للكثير من المسلمين ، وسال الدم انهارا في جريانه ، واجساداً تُبتذل رخيصةً دون حساب الى يومنا هذا ، وربما ستستمر والضحايا لا يمكن عدهم !
ولو ولينا ظهرنا للتاريخ وعدنا الى الحاضر ، وطرحنا سؤالاً على سبيل المعرفة هل يؤمن الاسلام الحالي ( ولا ندري اي اسلام نخاطب ؟ الوسطي ام الوهابي ام الصوفي ام الشيعي … الخ ) بالديمقراطية المطبقة في كل العالم المتمدن اليوم ، والمرشحة بقوة لان تُطبق في الدول الاسلامية كونها مطلبا شعبيا يرغب بها غالبية المسلمين التقليديين ، ولانها اصبحت نتيجة حتمية لحركة الحياة والتاريخ ؟ الجواب المبدئي لا … لان الديمقراطية معناها حكم الشعب نفسه بنفسه ، والاسلام يؤمن بان الحاكمية لله وحده فكيف يتفق هذا مع ذاك ؟ لا يمكن طبعا … ؟؟
لكن الاسلاميين من دعاة التمسك بالدين ، في محاولة منهم لترويج الفكرة الهلامية بان الاسلام صالح لكل زمان ومكان بدأوا يتماهون مع الديمقراطية لمصالح حزبية انانية ! لذلك نراهم يطالبون بها وبالتحديد بواحدة من اهم آلياتها وهي الانتخابات لانهم يتصورون بان شعبيتهم الدينية ستمكنهم حتما من الفوز واستلام الحكم وهو من اعز امانيهم …
وهذا ما حصل فعلا ، والامثلة لا تزال شاخصة للعيان كما حصل مع الاخوان في مصر ، وفي تونس ولكن بدرجة اقل لان الشعب التونسي ميال الى العلمانية اكثر ، وتقبل ثقافتها الاهم … الديمقراطية بحكم التجربة الطويلة التي عاشها مع نظام بو رقيبة العلماني وما بعده … هذا اولاً ، وبحكم قربهم من اوربا الديمقراطية العلمانية وانفتاحهم عليها ثانياً .
وحتى لو كان الشعب المصري متديناً بطبعه كما يقولون الا انه ميّال الى الحياة المدنية ، ومقبل على مباهجها اكثر من اي شعب عربي آخر .
ان التحول المفاجئ الذي نراه اليوم ، الذي احدثته الثورة العلمية الهائلة التي جاء بها عقل الانسان المبدع ، والتي تطوف بنا العالم حيث نحن بكبسة زر ، سيتحول الاسلام بمقتضاها - وهو ما نتمناه - الى عقيدة شخصية تعبدية هادئة خالية من دسمها ( العنف ) !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المرشد الأعلى في إيران هو من يعين قيادة حزب الله في لبنان؟


.. 72-Al-Aanaam




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تدك قاعدة ومطار -را


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في العراق تنفّذ 4 عمليات ضد




.. ضحايا الاعتداءات الجنسية في الكنائس يأملون بلقاء البابا فرنس