الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شذرات في الشخصيه العراقيه 9

أياد الزهيري

2020 / 3 / 1
المجتمع المدني


كما أن الأنسان معقد التركيب جسدآ , فهو أيضآ معقد التركيب نفسآ وروحآ, حتى أن عالم النفس الأنسانيه عالم عميق الأغوار , يتطلب الغوص في أعماقه مهاره عاليه , وخبره واسعه . كما من الصعوبه بمكان أدراك ماهية النفس الأنسانيه لكننا يمكننا التعرف على مظاهرها , والسلوكيات التي تنعكس عن ردود أفعالها. فالتكوين النفسي يتشكل بعوامل عديده , منها ما هو وراثي , حيث بصمات الأجداد واضحه , وهو ما يعبر عنه عالم الأجتماع الفرنسي (غوستاف لوبون) بالركام الخفي الموروث, كما تساهم البيئه الأجتماعيه والعائليه والطبيعيه في هذا التكوين ,كما أن للعوامل الأقتصاديه والتاريخيه , والحروب كذلك لها الأثر الكبير في تشكيل ونمو الشخصيه الأنسانيه.من كل هذه المقدمه أروم الوصول الى الجوانب المتعدده الخفيه والواضحه من الآثار والمسببات التي تصوغ كينونة الشخصيه الأنسانيه بشكل عام , والعراقيه بشكل خاص, وبما أننا قلنا في مستهل البحث أن للنفس الأنسانيه أمتداد تاريخي أساسه الشريط الوراثي المتنقل بين الأجيال , أذن ليس بالضروره ما تختزنه النفس الأنسانيه اليوم من مواصفات هي نتيجه لمؤثرات حاضره وآنيه , بل هي حصيلة مؤثرات عاشها الأجداد لهذه الشخصيه, وكما أني ذكرت بوقت سابق بأن عامل البداوه ,بكل عناصره , والحروب بكل حيثياتها , والمناخ بكل تقلباته , والدين بكل مبادئه ساهمت بتشكيل العالم النفسي للشخصيه العراقيه , فأن الحاضر بكل معطياته يفرض على الأنسان أيحاءاته.
لو تناولنا ما تعرضت له الشخصيه العراقيه في الزمن الحديث من ضغوط خارجه عن المألوف ,من أمثال الحروب الطويله , وما قاست من حكومات غايه بالوحشيه والقسوه , وما جابهت من ظروف أقتصاديه صعبه . كل هذه خلقت ما يمكن تسميته بحالة الصدمه للأنسان . هذه الصدمه القويه هي من تساهم في تخلي الأنسان عن أعتبارات خلقيه ومبدئيه ونفسيه , وأستبدالها بأخرى , حتى أن زاوية التغير تتناسب وحجم ما يتعرض له الأنسان من زخم هذه الصدمات .
كشفت السنوات الأخيره , وتحديدآ ما بعد 2003 , والتي أكتسب الشعب العراقي مساحه واسعه من الحريه , حتى كادت تقترب من حالة الأنفلات , حيث ظهرت حالات للسلوك الأنتقامي بصوره غير معهوده , فقد مورس القتل بكل أشكاله وصوره البشعه , والأعتداء بكل أصنافه . طبعآ وكما في الفيزياء قانون يقول لكل فعل رد فعل , كذلك في عالم السلوك الأنساني , حيث لكل سلوك يصدر , هناك ما يقابله لكن ليس بالضروره يساوي الفعل الأول , بل قد يساوي أضعاف أضعافه , وهذا هو الفرق بين خصائص الماده وخصائص نفسية الأنسان , والسبب أن الأنسان قد يضمر من الأنتقام المكبوت تاريخيآ , أي كما يسميه أحد الباحثين بدافع المغلوب تاريخيآ على الغالب تاريخيآ, ويمكن توضيح ذلك هو على سبيل المثال أستبداد مدرسه سياسيه أتجاه مدرسه سياسيه أخرى , وهذا الأستبداد كلما كان أطول من الناحيه الزمنيه كلما كان المكبوت الأنتقامي أكبر, وهنا مادمنا نتناول الشخصيه العراقيه , علينا أن نؤشر على هذا الكبت التاريخي الذي أودى الى ظهور السلوك الأنتقامي في الشخصيه العراقيه , وهو تاريخ يمتد منذ زمن السقيفه , بين مدرسه يرفع رايتها أشخاص يدعون التسنن , وهي من تمارس فعل الضغط , مقابل مدرسه ينتمي أفرادها للمدرسه الشيعيه والتي تمثل الجهه المضغوطه , وقد تمظهر هذا الضغط بأبشع صوره في معركة كربلاء , حيث مارس الحاكم المغتصب للسلطه أبشع صور التوحش على ضحيه تمثل الرمز المقدس للمدرسه الشيعيه الا وهو الأمام الحسين (ع) , هذا الفعل المتوحش , وما سبقه من أعمال الأضطهاد , وما جاء بعده من أعمال التنكيل بأبناء ورموز هذه المدرسه ,كمعركة الحره التي ذهب ضحيتها 700 شخص من المهاجرين والأنصار والف وسبعمائه من باقي أهل مدينة الرسول , وما تعرضت له ممتلكات المعارضون للسلطه من نهب وسلب , ومن أستخفاف بالمعتقدات حتى وصلت الى ضرب الكعبه بالمنجنيق , وتمزيق القرآن على يد الوليد بن عبد الملك , ناهيك عن الأسراف بالقتل من قبل ولاتهم على الكوفه , فهذا والي الدوله الأمويه على العراق ,الحجاج بن يوسف الثقفي قتل ما يزيد على 120 ألف أنسان من العراقيين , نكايه بهم بسبب تشيعهم وموالاتهم لعلي بن أبي طالب , حتى كما قيل أخذ يطاردهم تحت كل حجر ومدر, حتى أن البرفسور قاسم حسين يقول (أن بذرة الولاده للعنف بالشخصيه العراقيه - التي نتجرع ثمارها القاتله الآن زرعت في أرض المشهد الكربلائي عام 61م). زمن الأضطهاد والتنكيل لم يقف عند هذا الحد بل أمتد الى كل فترة بقاء الدوله العباسيه , حتى أن بعض الشعراء قد صور بشاعة ظلم العباسين مقارنه مع الأمويين فأنشد يقول :
تالله ما فعلت بني أميه معشار ما فعلت بني العباسي
حتى أن الطبري يذكر في تاريخه أن المنصور العباسي ترك خزانه فيها رؤوس من العلويين , وقد وصف الخوارزمي الرشيد العباسي في ظلمه للعلويين (حصد شجرة النبوه , وأقتلع شجرة الأمامه). لم يقف الزمن في طحن أتباع المدرسه الشيعيه من العراقين عند هذا الحد, بل عندما جاء العثمانيين قد واصلوا نهج الأستبداد , وسياسة القسوه المفرطه , فهذا السلطان سليم الأول أعلنها حرب شعواء على الشيعه , وكفرهم , وجوز قتلهم . والعثمانيون هم من تواطؤوا مع الوهابيه 1882م بالهجوم على كربلاء وهدم قبر الأمام الحسين ع , كما أن العثمانيون أقترفوا جرائم مروعه على يد الوالي نجيب باشا في كربلاء عام 1842م , حيث قصف كربلاء بالمدافع , وقطع نخيلها , وأسفك الدماء فيها. كل هذ التاريخ من القسوه المفرطه , والأضطهاد , والحرمان , والمصادره للحقوق ولد خزينآ ضخمآ من الأنتقام في لاشعور الشخصيه العراقيه , هذا اللاشعور المتخم بالأنتقام والمشبع بالآهات , والذي وجد الوقت المناسب تحت واقع أمني رخو أن يتفجر عن سلوك عنفي . هذا السلوك كان للأسف سلوكآ أعمى , توجه الى القريب , والجار , والدوله , وأن كان قسمآ منه نحو المحتل . بالتأكيد لايمكن أن يستمر هذا العنف على نفس الوتيره , لأن أستمراره يقود لا سامح الى الى حاله من الأنفلات الأمني , وقد تصل الى الحرب الأهليه أذا لم تكن هناك حكومه قويه وقانون يضبط الأوضاع في البلد , ويرجع بالأمور الى نصابها , وأهم أجراء هو تحقيق العداله الأجتماعيه والسياسيه لكل مواطني العراق بغض النظر عن قومياتهم وأديانهم وطوائفهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفوض الأونروا: إسرائيل رفضت دخولي لغزة للمرة الثانية خلال أس


.. أخبار الساعة | غضب واحتجاجات في تونس بسبب تدفق المهاجرين على




.. الوضع الا?نساني في رفح.. مخاوف متجددة ولا آمل في الحل


.. غزة.. ماذا بعد؟| القادة العسكريون يراكمون الضغوط على نتنياهو




.. احتجاجات متنافسة في الجامعات الأميركية..طلاب مؤيدون لفلسطين