الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-غاية الدولة هي الدولة نفسها- منهجية تحليل القولة

عماد الحسناوي

2020 / 3 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يتربع مفهوم الإنسان على عرش الفلسفة، بل أكثر من ذلك يعتبر من بين أهم الأسئلة الفلسفية. في تعريف الإنسان تعددت الأجوبة حوله دون استثناء، فهناك من الفلاسفة من اعتبره كائن عارف، وهناك من اعتبره كائن أخلاقي، والبعض الاخر اعتبره حيوان سياسي واجتماعي بامتياز. بمعنى أنه كائن يميل بطبعه إلى الإجتماع وينزع نحو السياسة بشكل مستمر وراء المساومة السياسية باعتبارها ممارسة اجتماعية يراد منها تدبير وتسيير شؤون المجتمع، و تثبيت القانون بواسطة قوة نموذجية.
إن السياسة بمعناها اليوناني القديم تحيل على كيفية تنظيم شؤون الأفراد داخل المدينة، في حين يرتبط التصور الحديث للسياسة بمفهوم الدولة، باعتبارها كيان سياسي تحتكر السلطة وتمارس العنف المشروع. ولعل القولة الماثلة أمامنا تتأطر ضمن مجزوءة السياسة و بالضبط ضمن مفهوم الدولة و بالتحديد ضمن الإشكالية المتعلقة بمشروعية الدولة و غايتها، وهي الإشكالية التي اهتم بها مختلف فلاسفة العصر الحديث، كمحاولة للبحث عن أساس الدولة الحديثة ومشروعية وجودها، وكذا مختلف الغايات التي تحاول تحقيقها و بلوغها. هي الإشكالية التي يمكن التعبير عنها بمجموعة من التساؤلات التالية:
على أي أساس تقوم الدولة؟ ومن أين تستمد مشروعيتها؟ هل من كونها مجرد وسيلة لتحقيق الأمن و السلم والحفاظ على الممتلكات الخاصة و الفردية أم من كونها غاية في ذاتها؟
يبدو من خلال الملاحظة الأولية للقولة أنها تتضمن مجموعة من المفاهيم على رأسها مفهوم الدولة، الذي يحيل من الناحية اللغوية إلى ما يتغير من حال إلى حال. ومن الناحية الفلسفية و السياسية يحيل إلى جملة من الأفراد يمارسون نشاطهم في إقليم جغرافي محدد، ويخضعون إلى تنظيم معين. إن الدولة من زاوية نظر الفلسفة السياسية هي كيان أو جهاز سياسي تضم العديد من المؤسسات التي تسهر على تسيير وتنظيم شؤون الأفراد. و القولة تضم أيضا مفهوم الغاية وهو مفهوم يحيل إلى الهدف و القصد الذي تسعى الدولة أن تحققه. إن القولة تتضمن أطروحة واضحة وهي أن غاية الدولة هي الدولة نفسها، وهي الأطروحة التي نجدها عند مجموعة من الفلاسفة اللذين اهتموا بالدولة و مشروعيتها مؤكدين على كون الدولة غاية في حد ذاتها، وبأنها الخير الذي ينبغي أن يسعى إليه الفرد، إذ أن وجوده يتوقف على وجودها. ومن هؤلاء الفلاسفة نجد الفيلسوف الألماني فريدريك هيجل الذي يرى أن الدولة لا تستمد مشروعيتها من حماية الملكية وتحقيق الأمن و الملكية الفردية -كما تؤكد نظريات التعاقد الإجتماعي- إن أساس الدولة يتمثل في تحقيق الروح الكلية المعبرة عن وحدة الإرادات الواعية، حيث تبلغ الحرية حدها الأسمى ( لحظة الحرية المطلقة). فحسب هيجل لا يحقق الفرد وجوده الفكري و الأخلاقي والاجتماعي إلا بانخراط ضمن هذه الروح الإجتماعية الكلية و المطلقة.
لكن إلى أي حد يمكن القبول بهذا التصور؟ وما قيمته وماهي حدوده؟
يمكن القول أن قيمة التصور الهيجلي للدولة تتجلى في كونه يمنح هذه الأخيرة قيمة في ذاتها، و يرفض اعتبارها نتاج لإرادة الأفراد، وذلك لأنه لو اعتبارنها كذلك فإن مسألة الإنتماء إليها ستصبح مسألة إختيارية. لكن هذا التصور يظل محدودا لأنه لا يمكن النظر للدولة على أنها مجرد وسيلة ، ومجرد أداة قام الأفراد بتأسيسها في مرحلة ما لكي تقوم بحماية ممتلكاتهم؟ من خلال ما قاله هيجل يقوم تصور فلاسفة العقد الإجتماعي ( روسو، مونتيسكيو، فولتير...) على التعاقد ومن بين هؤلاء الفلاسفة نجد توماس هوبز الذي يرى في كتابه "التنين" أن الدولة نتاج التعاقد الذي وقعه الأفراد لكي يخرجوا من حالة الطبيعة باعتبارها حالة الرعب و الخوف وحرب الكل ضد الكل، وحالة استبعاد القانون ، لذلك أسسوا الدولة وجعلوا منها أداة ووسيلة غايتها تحقيق السلم وضمان الأمن لجميع الأفراد. في هذا الصدد يقول هوبز "إن غاية الدولة الأساسية هي ضمان الأمن و السلم".
في نفس الطرح نجد الفيلسوف التجريبي جون لوك، الذي يؤكد على ارتباط نشأة الدولة بالإتفاق والتعاقد الذي حصل بين الناس، وأن الغاية من تأسيس الدولة هو ضمان السلم والأمان للمواطنين، وحماية ممتلكاتهم الخاصة. وفي هذا الصدد يقول جون لوك "إن الدولة جماعة من الناس تكونت لتوفير الحماية والمحافظة على خيراتهم المدنية... وأن الحاكم مسلح بقوة مكونة من قوة مجتمعية لكل الأفراد من أجل معاقبة من ينتهكون حق الغير."
من خلال التحليل والمناقشة يمكن القول أن هناك اختلاف، فهناك من يربط الدولة وغايتها بها، أي بذاتها مؤكدين على كون الدولة غاية في حد ذاتها وليست مجرد وسيلة.... في حين فلاسفة اخرين يرون أن الدولة مجرد وسيلة لحماية ممتلكاتهم الخاصة. إلا أنه تبين لنا فعلا بأن الدولة هي غاية و أداة في الآن نفسه. فهي أداة ووسيلة لتحقيق السلم وضمان الأمن، وهي غاية في حد ذاتها لأنه لايمكن كأفراد أن نعيش إلا تحت مظلتها ورأفتها، بل إن غيابها يعني غيابنا نحن الأفراد وعودتنا إلى الطبيعة و الفوضى.
إذن كيف ينبغي أن تمارس الدولة سلطتها على الأفراد؟ هل على أساس الرفق و الاعتدال أم على أساس العنف والمكر و الخداع كما يقول ميكيافيلي؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة : ما جدوى الهدنة في جنوب القطاع؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. حتى يتخلص من ضغط بن غفير وسموترتش.. نتنياهو يحل مجلس الحرب |




.. كابوس نتنياهو.. أعمدة البيت الإسرائيلي تتداعى! | #التاسعة


.. أم نائل الكحلوت سيدة نازحة وأم شهيد.. تعرف على قصتها




.. السياحة الإسرائيلية تزدهر في جورجيا