الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الماركسية من منظور طوباوي

عبد الرافع كمال

2020 / 3 / 4
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


سوف نعمل هنا علي قراءة الماركسية من بعد خاص . اي البعد الطوباوي الذي درجنا علي تناول المنظورات و الاطر الفلسفية من منظوره .
يعد مفهوم " الضبط الانساني " بمثابة الركيزة الاساسية التي شيدت عليها الفلسفة الطوباوية .
يعرف الفلاسفة الطوبوية مفهوم " الضبط الانساني " علي اساس انه يشير الي عملية تحوير الانسان و ترويضه حسب منطق ما ينبغي ان يكون .
فالانسان كما هو معروف وليد التنشئة و التربية . فأذا لم يخضع لعملية صهر و قولبة و صب في قالب مثالي فسوف لن يهتد اذن ابدا .
فعملية خلق الانسان الطوباوي "الكامل النموذجي كما هو معلوم بالضرورة تقتضي اجرائين اثنين .
الاول هو تصور نسقي لمنطق الكمال " الطوبي ".
اما الاجراء الثاني فيتمثل في عملية القولبة و التنشئة .
يقسم الطوباويين الضبط البشري الي شكلين
§ الضبط المثالي :
و نعني به ضبط ذهني لعملية تفكير الانسان حسب منطق الكمال و الذي يكون في شكل انساق فكرية تتطابق مع منطق ما ينبغي ان يكون من نسق فكري .
@ الضبط المادي :
اي تصور النهج الامثل و الذي يضبط و يسير الركن الثاني" الماديات " بعد الركن الاول " الذهنيات " .
و يبحث في الاجابة علي سؤال
ما هو افضل اتجاه يجب ان ينتهجه مسار العلاقات المادية .
يجئ اهتمامنا بالفكر الماركسي من منطلقين اثنين .
@ المنطلق الاول و هو كون الماركسية تقدم لنا رؤية معرفية "ابيستيمية حول الانسان .
نستطيع تلخيص نقاط هذه الرؤية المعرفية في الاتي :-
§ الانسان كائن يتكون من شقين اثنين الشق المادي و مركزه الجسد المادي و ما ينبني عليه من احتياجات مادية . اما الشق الاخر فهو شق الوعي مركزه الروح و حاجياتها " القيم " .
§ يمثل الشق الاول في الانسان بمثابة الشق المركزي . او القاعدي بينما يمثل الشق الثاني الاخلاقي وهو بمثابة الشق الثانوي و هو يتبع الشق الاول .
§ يتفق المنظور الماركسي مع المنظور الطوباوي في ان الضبط الانسان يأخذ شكلين ضبط مثالي « فكري - ذهني ». و اخر مادي .
§ عملية الانحراف . اي انحراف ذهن الانسان عن تصور المثال مرجعها الي خلل في بنية العلاقات المادية فأختلال التوازن بين قوي الانتاج و علاقات الملكية احدث عملية انحراف في مسار الذهن البشري عن تصور و تمثل المثال
§ حل المشكل الانساني كامن في احداث الضبط المادي . فبمجرد اصلاح اعجواج ميزان الضبط المادي عن طريق " الية الاشتراكية العلمية" فأن الاعوجاج الذي طرأ علي الذهن ستنحل عقدته و يستقيم سيره و يذول المشكل البشري .
..
ما سبق ذكره هو تلخيض مختصر للنظرية المعرفية التي قدمتها الماركسية حول كائن الانسان .
الا ان ثمة سؤالا يطرح نفسه قد يتبادر الي ذهن القارئ .
اين مكمن الخلل و دواعي الانتقاد في المنظور المعرفي الابيستيمي لكائن الانسان .
نستطيع وضع يدنا و بسهولة علي مكمن المشكل و الذي من خلال تحديده نجيب علي مجموع من الاسئلة المحيرة و التي في مقدمتها سؤال " لماذا لم يحدث عملية ضبط مثالي في مجتمعات انضبطت ماديا و طبقت نظام الاشتراكية العلمية " الوصفة الدوائية " لمرض الانسان .
او بصيغة اخري
لماذا لم نشهد ظهور انسانا طوباويا " كاملا " في بلدان طبقت الفكر الماركسي .
سيزول العجب حينما نضع ايدينا علي مكمن الخلل في البناء النسقي و المنظور المعرفي الابيستيمي الماركسي يكمن في التمحور حول محور الضبط المادي و تهميش الشق الثاني لدي كائن الانسان و جعله رهينا للضبط المادي .
هنا يكون اس الخلل في النظرية المعرفية الماركسية حول كائن الانسان .
و هي الاعتقاد بان انضباط الوعي لدي الانسان هو امر يحدث تلقائيا بمجرد ان تنضبط العلاقات المادية .
يقول الماركسيون بضرورة اهمال عنصر الوعي و عدم اعطاءه ولو قليل من الاهتمام .
كما يسمونه بالبناء الفوقي و يقولون عنه ان انعكاس للعلاقات المادية . و تصنف الوعي السياسي علي اساس انه دخيل و عرضي و ان مفهوم الدولة نفسه ظهوره و بنيته الي حين ذواله لا يفهم بمعزل عن الظروف المادية التي نظمته .
و ان كنا نتفق الي حد كبير مع المادية التاريخية و التي تعد احد اهم ركائز الماركسية و ارتقاءها الي مستوي ان تكون المنهج العلمي لقراءة التاريخ البشري و فهم و تفسير اهم المحطات فيه الا اننا كطوباويين نري في الماركسية انها تهمل بشكل ممنهج جانب الوعي بل لا تخوض فيه قط . و تري بأنه ينضبط بأنضباط الماديات .
النظرية الطوبوية لا تعارض الماركسية في كون ان الماديات اكثر عمقا في التأثير علي كائن الانسان التقليدي الا ان ذلك لا يكون داعيا لجعله رهينها .
فالوعي قد يستقل عن المادة و قد يؤثر فيها . حتي ولو قلنا بأولويتها عليه .
لذا فالمنظور الطوباوي تتكامل فيه كل الابعاد الانسانية . ينظم و يتصور منطق وعيي مثالي و منطق امثل لضبط العلاقات المادية حتي تتكامل كل الابعاد الانسانية و يصنع الانسان الكامل .
لذا فأننا نعزي جل ما شهده الفكر الماركسي من جمود و انحطاط و دكتاتورية و توحش و انحدار الي جهلها و تجاهلها للشق الوعيي في كائن الانسان و ذلك بسبب تصورها المعرفاني الابيستيمي الخاطئ لكينونة الانسان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمات إنسانية متفاقمة وسط منع وصول المساعدات في السودان


.. جدل في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن الخلافات العلنية داخل




.. أهالي جنود إسرائيليين: الحكومة تعيد أبناءنا إلى نفس الأحياء


.. الصين وروسيا تتفقان على تعميق الشراكة الاستراتيجية




.. حصيلة يوم دام في كاليدونيا الجديدة مع تواصل العنف بين الكانا