الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زينب الكفراوي … نَمِرةُ بور سعيد الباسلة

فاطمة ناعوت

2020 / 3 / 11
المجتمع المدني




فتحتُ ذراعيَّ على وسعِهما لكي أحتضنَ امرأةً بحجم أربعة دول. دولة هي الوطن مصر، وثلاث دول باغية: (بريطانيا، فرنسا، إسرائيل) تعتدي على الوطن العزيز، فيما تسمّيه الأدبياتُ السياسية: "العدوان الثلاثي على مصر.” تصوّروا أن تصافحوا امرأةً بهذا الحجم! امرأةً وقفت في وجه ثلاث دول عظمى تكتّلت لتنهشَ في أوصال الوطن! اسمها "زينب الكفراوي".
متى التقيتُ بها لآخر مرة؟ قبل عامين. يوم 18 فبراير 2018، في المجلس القومي للمرأة؛ على شرف الاحتفال بزيارة المناضلة الجزائرية "جميلة بوحيرد" لأرض مصر الطيبة. كانت "زينب الكفراوي" في ملء الجمال والعنفوان والأمل، كما يليق بنَمِرة شرسة تصدّرت صفوف المقاومة الشعبية الباسلة في بور سعيد، بقوّة جيش كامل العتاد، يصدّ عداونًا ثلاثيًّا غاشمًا يهدّد وطنها، ما جعل الرأي العالم بأسره يلتفتُ إلى ذلك العدوان الثلاثي، ويشجبه ويساند مصر. وحّد العداونُ أهاليَ بورسعيد على قلب رجل واحد يزود على وطنه في ملحمة بطولية مقدّسة؛ دُوِّنت في كتاب تاريخ مصر بحروف غير قابلة للمحو أو الخفوت. تسعة أيام، من 29 أكتوبر- 7 نوفمبر 1956، لا تشبه بقية الأيام في روزنامة تاريخ مصر الطويل الشاقّ في مكافحة المحتلّين والبغاة، الطامعين في إرثها في مختلف العهود والحقب منذ آلاف السنين. أيامٌ تسعة عسيرة مرّت بها مصرُ بعد القرار المصري المصيري الذي هدّد مصالحَ دول كانت تروم استنزاف خيرات مصر، فجاء القرارُ الصادم ليفجّر حنقها ضدّنا: قرار تأميم قناة السويس في 26 يوليو 1956. تحت تلك السماوات المصرية الملبّدة بغبار الطائرات والبوارج الفرنسية والبريطانية، كان الجيش المصري العظيم يوزّع طاقاته بين الزود عن سيناء، وقناة السويس. هنا برز في المشهد جيشٌ مصريّ ثان بكل طاقة الوطنية الغضوب ليذود عن أرضه: المقاومة الشعبية. خرجت كتائبُ المقاومة من البيوت، رجالا ونساء وأطفالا، لصدّ الهجوم التتري عن مدينة بورسعيد الباسلة. وكان في مقدمة الصفوف صبيّةٌ مليحة اسمها "زينب"، بدأت رحلة كفاحها منذ عام 1954، وهي في الثالث عشر من عمرها، بالمرور على المقاهي حاملة صندوقًا خشبيًّا يرافقها عسكري مصري، وهي تهتف: “سلّح جيش أوطانك، واتبرع بسلاحه علشاني وعلشانك”، وكلّما امتلأ الصندوق بالتبرعات، تُسلّمه للسلطات، ثم تعيد الكرّة في اليوم التالي. بعد عامين، في خضّم العدوان الثلاثي، طلبت منها قياداتُ المقاومة الشعبية نقل أسلحة من شاطئ بحيرة المنزلة، إلى قلب مدينة بورسعيد. فخبأت الأسلحة في عربة طفل رضيع تخصُّ ابن شقيقتها، ونقلتها تحت عيون كمائن قوات الاحتلال المنتشرة في أرجاء المدينة، غير هيّابة بما قد يحدث لها لو انكشف أمرُها. تمامًا مثلما أخفت عن عيون المخابرات البريطانية ضابطًا بريطانيًّا، أسرته المقاومةُ الشعبية المصرية من قوات بريطانيا للضغط على قوى الاحتلال. وتوالت أمجادُ تلك المناضلة المصرية الباسلة، وهي في أولى سنوات صباها، لتستحق التكريم السنوي من الرئيس جمال عبد الناصر في يوم 23 ديسمبر من كل عام، مع ذكرى انسحاب قوات العداون، الذي أصبح عيد سنويًّا يلتقي فيه الرئيسُ مع رموز المقاومة الشعبية للتذكّر والاحتفال والتكريم. ولم تتوقف بطولاتُها على مدى العهود والأزمان. ففي فبراير عام 2013، حينما أعلنت مدينة بورسعيد حالَ العصيان المدنى ضد جماعة الإخوان الإرهابية، عادت الفدائية "زينب الكفراوي" لتتصدّر كتائبَ المتظاهرين الشرفاء في ميدان الشهداء ببورسعيد، مثلما تصّدرت الصفوف في ثورة 30 يونيو 2013، هاتفةً بصوت لم تنل من جلائه السنواتُ: “يسقط حكم المرشد".
ومثلما كرّمها الرئيس جمال عبد الناصر في صباها المبكّر عام 1956، كرّمها الرئيس عبد الفتاح السيسي في هِرَمِها عام 2017، أثناء زيارته لمدينة بورسعيد للاحتفال معهم بعيد النصر، وأمر بتسجيل اسمها وأسماء عدد من رموز المقاومة الشعبية في سجّل رموز مصر الخالدة.
قبل رحيلها عن عالمنا إلى دار الخلود، أوصتنا "زينب الكفراوي" بالاهتمام بالشباب والنشء، لأن الشباب هم الحلقة الأضعف التي يستغلها العدوُّ للنفاذ إلى قلب مصر.أوصت بالاهتمام بهم وعدم تركهم لبراثن المخدرات أو شرَك الابتعاد عن لغتهم وتراثهم التاريخي وهويتهم المصرية، كما أوصت بالاهتمام بالمرأة لأنها تربّى أولئك الشباب وتصنع منهم رجالا يحمون الوطن. تحية احترام للنَمِرة البورسعيدية التي أثبتت أن المرأة المصرية جيشٌ باسلٌ، بعزيمتها ووطنيتها ووعيها. أستاذتي الجميلة "زينب الكفراوي"، ارقدي في سلام وانعمي بفردوس الله الأعلى؛ فقد أديتِ دورَك نحو وطنك الطيب. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جرحى باستهداف مسيرة إسرائيلية شقة سكنية في مخيم البداوي للاج


.. إسرائيل تقطع الطريق بين دمشق وبيروت أمام النازحين




.. مشاهد تظهر تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين اللبنانيين إلى سوريا


.. منظمة في ليبيا تمنح الأمل لذوات الاحتياجات الخاصة وتفتح أبوا




.. صور متداولة لوصول عدد من النازحين اللبنانيين إلى الحدود مع س