الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الادلة على تأخر كتابة التوراة ( قصة الطوفان و ثامار نموذجاً) - الجزء الاول من الأدلة.

ابرام لويس حنا

2020 / 3 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الدليل الاول ، قصة يهوذا و ثامار نموذجاً :-
-----------------------------------------------
يذكر الكتاب المقدس في سفر التكوين الاصحاح 38 :

[ وحدث في ذلك الزمان ان يهوذا نزل من عند اخوته ومال الى رجل عدلامي اسمه حيرة. ونظر يهوذا هناك ابنة رجل كنعاني اسمه شوع فاخذها ودخل عليها. فحبلت وولدت ابنا ودعا اسمه عيرا. ثم حبلت ايضا وولدت ابنا ودعت اسمه اونان. ثم عادت فولدت ايضا ابنا ودعت اسمه شيلة وكان في كزيب حين ولدته. واخذ يهوذا زوجة لعير بكره اسمها ثامار. وكان عير بكر يهوذا شريرا في عيني الرب فاماته الرب. فقال يهوذا لاونان ادخل على امراة اخيك وتزوج بها واقم نسلا لاخيك. فعلم اونان ان النسل لا يكون له فكان اذ دخل على امراة اخيه انه افسد على الارض لكيلا يعطي نسلا لاخيه. فقبح في عيني الرب ما فعله فاماته ايضا ] ( تكوين 38 : 1- 10)

ومختصر الجزء الاول من القصة أن اخو يوسف وهو " يهوذا " وجد إمرأة من كنعان و تزوجها وأنجب منها ثلاث أبناء هم : [ عير وأونان و شيلة ] ، ثم زَوَجَ يهوذا ابنه ”عير“ من امرأة تدعى ”ثامار“ ، ولكن هذا الابن ”عير“ لم ينجنب من ثامار لانه لم يدخل عليها لأن الله قتله ؛ لانه كان شريراً في عينيه بدون أن يوضح الكتاب ما الشر الذي كان يفعله عير، لكي يقتله الله !! لكي يتعظ الانسان و لا يفعله، ولكن على اى حال ، أمر يهوذا إبنه الثاني والذي كان يدعي ”أونان“ بأن يتزوج إمراة اخيه المُتوفي ”ثامار“ لكي ” يقيم نسلاً لاخيه“ و هذا بالفعل ما أمر به الله فيما بعد في سفر التثنية [اذا سكن اخوة معا ومات واحد منهم وليس له ابن فلا تصر امرأة الميت الى خارج لرجل اجنبي.اخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجة ويقوم لها بواجب اخي الزوج ، والبكر الذي تلده يقوم باسم اخيه الميت لئلا يمحى اسمه من اسرائيل ](تث 25: 5- 6) .

فيهوذا السابق لموسي طبق تلك الشريعة التي أمر بها بنفس فكر الله ( لكي يقيم نسلا يحمل اسم الاب المتوفي ) ، ولان اونان يعرف ان هذا الابن سيحمل اسم اباه المتوفي وهو ”عير“ ، رفض ان ينجب منها لذا تقول الرواية ”فعلم اونان ان النسل لا يكون له“ لماذا ؟ يجيب سفر التثنية لان ” البكر الذي تلده يقوم باسم اخيه الميت لئلا يمحى اسمه من اسرائيل“.

وهذا يوضح ان سفر التكوين او تلك الرواية بالاخص هي كتبت فى ضوء معرفة وصايا الله للشعب اليهودي و امره لهم ان مات أخ قبل ان يقيم نسلاً لامراته ، فإن اخاه مُلزم بأن يقيم لهذه المراة ابن و للاخ المتوفي ، وهي وصايا و أوامر إلهية كتبت فيما بعد ، وبالتالي هذا يوضح لنا انه بكل تأكيد هذه القصة هي قصة مؤلفة ، ققصة أدبية ، و بالتالي لا يوجد شئ يمنع بأن تكون شخصية يهوذا و عير و اونان و ثامار شخصيات اسطورية ، فهي قد تكون ذكرت لاعطاء مشروعية و أصالة لوصايا الله فيما بعد ، مثلها مثل يوم السبت ( فلماذا يوم السبت وصية ) لان ( الله فى الخلق ) ارتاح فيه من كل عمله، فأعطي مشروعية و موثوقية و اصالة الهية لهذا الوصية.

بل حتى عندما نستكمل القصة يوضح لنا تأثر آخر بقوانين الشريعة المتأخرة ، فبعد أن رفض اونان اقامه نسل من ثامار، يقول الكتاب:

[ فقبح في عيني الرب ما فعله فاماته ايضا. فقال يهوذا لثامار كنته اقعدي ارملة في بيت ابيك حتى يكبر شيلة ابني لانه قال لعله يموت هو ايضا كاخويه فمضت ثامار وقعدت في بيت ابيها. ولما طال الزمان ماتت ابنة شوع امراة يهوذا ثم تعزى يهوذا فصعد الى جزاز غنمه الى تمنة هو وحيرة صاحبه العدلامي. فاخبرت ثامار وقيل لها هوذا حموك صاعد الى تمنة ليجز غنمه. فخلعت عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع وتلففت وجلست في مدخل عينايم التي على طريق تمنة لانها رات ان شيلة قد كبر وهي لم تعط له زوجة. فنظرها يهوذا وحسبها زانية لانها كانت قد غطت وجهها. فمال اليها على الطريق وقال هاتي ادخل عليك لانه لم يعلم انها كنته فقالت ماذا تعطيني لكي تدخل علي. فقال اني ارسل جدي معزى من الغنم فقالت هل تعطيني رهنا حتى ترسله. فقال ما الرهن الذي اعطيك فقالت خاتمك وعصابتك وعصاك التي في يدك فاعطاها ودخل عليها فحبلت منه. ثم قامت ومضت وخلعت عنها برقعها ولبست ثياب ترملها. فارسل يهوذا جدي المعزى بيد صاحبه العدلامي لياخذ الرهن من يد المراة فلم يجدها. فسال اهل مكانها قائلا اين الزانية التي كانت في عينايم على الطريق فقالوا لم تكن ههنا زانية. فرجع الى يهوذا وقال لم اجدها واهل المكان ايضا قالوا لم تكن ههنا زانية. فقال يهوذا لتاخذ لنفسها لئلا نصير اهانة اني قد ارسلت هذا الجدي وانت لم تجدها. ولما كان نحو ثلاثة اشهر اخبر يهوذا وقيل له قد زنت ثامار كنتك وها هي حبلى ايضا من الزنا فقال يهوذا اخرجوها فتحرق. اما هي فلما اخرجت ارسلت الى حميها قائلة من الرجل الذي هذه له انا حبلى وقالت حقق لمن الخاتم والعصابة والعصا هذه. فتحققها يهوذا وقال هي ابر مني لاني لم اعطها لشيلة ابني فلم يعد يعرفها ايضا. ] ( التكوين 38: 10- 26)

ومختصر الجزء الثاني من القصة أنه بعد موت ولدي يهوذا ( عير و أونان ) ، قام يهوذا بصرف ثامارالي بيت أبيها لحين يكبر إبنه الثالث "شيلة" قائلاً لها [ اقْعُدِي أَرْمَلَةً فِي بَيْتِ أَبِيكِ حَتَّى يَكْبُرَ شِيلَةُ ابْنِي ] ،و لكنه لم ينوي أن يعطي ابنه شيلة لها فقد إعتبرها فال نحس [ لأَنَّهُ قَالَ : لَعَلَّهُ يَمُوتُ هُوَ أَيْضاً كَأَخَوَيْهِ ] ، وبالطبع عُيرت ثامار بانها فال نحس وبإنها عاقر و انها من جلبت الفقر الى بيت أبيها ، بالاضافة الى معرفتها بأن يهوذا صرفها الى ابيها و لن يزوجها ابنه لانه كانت قد مرت فترة طويلة و كبر ابنه و لم يعود يهوذا ليطلبها لابنه ، و تمر الايام و السنون عليها ، و تزداد ثامار حقداً وغماً ،و لكي تثبت انها ليست عاقر قامت بحيلة ، وهي انه عندما كان يهوذا فى طريقه الى بلدتها جلست في مدخل عينايم التي على طريق بلدتها ، وتبرقعت وتشبهت بالنساء ، و وقفت تنظره في الطريق ، وقد استطاعت بإن تجعل يهوذا ( والد زوجيها المتوفيان ) بأن يمارس معها الجنس ، ولكن عن طريق الحيلة ، لماذا عن طريق الحيلة ؟! لانه مُحرم عند اليهود كما امر الرب فيما بعد في سفر اللاويين [عورة كنّتك لا تكشف.انها امرأة ابنك.لا تكشف عورتها] ”اللاويين 18: 15“ و النص صريح فى قوله انه لو كان يعلم انها كانت كنته اى امرأة ولديه لما كان عاشرها ” لانه لم يعلم انها كنته ” ( التكوين 38 :16)

الدليل الثاني : قصة الطوفان نموذجاً :-

يذكر الكتاب المقدس في سفر التكوين الاصحاح السابع و الثامن :

[ وقال الرب لنوح ادخل انت وجميع بيتك الى الفلك لاني اياك رايت بارا لدي في هذا الجيل. من جميع البهائم الطاهرة تاخذ معك سبعة سبعة ذكرا وانثى ومن البهائم التي ليست بطاهرة اثنين ذكرا وانثى. ومن طيور السماء ايضا سبعة سبعة ذكرا وانثى لاستبقاء نسل على وجه كل الارض. لاني بعد سبعة ايام ايضا امطر على الارض اربعين يوما واربعين ليلة وامحو عن وجه الارض كل قائم عملته. ففعل نوح حسب كل ما امره به الرب. ولما كان نوح ابن ست مئة سنة صار طوفان الماء على الارض. فدخل نوح وبنوه وامراته ونساء بنيه معه الى الفلك من وجه مياه الطوفان. ومن البهائم الطاهرة والبهائم التي ليست بطاهرة ومن الطيور وكل ما يدب على الارض. دخل اثنان اثنان الى نوح الى الفلك ذكرا وانثى كما امر الله نوحا ........فخرج نوح وبنوه وامراته ونساء بنيه معه. وكل الحيوانات كل الدبابات وكل الطيور كل ما يدب على الارض كانواعها خرجت من الفلك. وبنى نوح مذبحا للرب واخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة واصعد محرقات على المذبح. فتنسم الرب رائحة الرضا وقال الرب في قلبه لا اعود العن الارض ايضا من اجل الانسان لان تصور قلب الانسان شرير منذ حداثته ولا اعود ايضا اميت كل حي كما فعلت] ( التكوين 7 :1 - 8 : 21)

والدليل يكمن هنا في التفرقة بين ” البهائم الطاهرة“ و ”البهائم النجسة“ ، فكيف عرف نوح التفرقة بين الحيوانات الطاهرة و البهائم النجسة، بينما التفرقة بينهم لم تنزل بعد ؟ بل اتت فيما بعد مع موسي ، في سفر اللاويين [ وقال الله لهارون ...لتميزوا بين المقدس للرب والمحلل للعموم، وبين النجس والطاهر] ”لاويين 10: 8 ،10“ و بعد ذكر القائمة الطويلة من الحيوانات والطيور الطاهرة و النجسة في سفر اللاويين الاصحاح 11 يقول [ هذه شريعة البهائم والطيور وكل نفس حية تسعى في الماء وكل نفس تدب على الارض. للتمييز بين النجس والطاهر وبين الحيوانات التي تؤكل والحيوانات التي لا تؤكل] ”لاويين 11 :27“

بل والذي يؤكد على معرفة دقيقة بالتفرقة بين الحيوانات الطاهرة و النجسة ، هو ان نوح قدم محرقة لله من ”جميع“ الحيوانات الطاهرة بل و ايضاً من ”الطيور الطاهرة“: [ وبنى نوح مذبحا للرب واخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة واصعد محرقات على المذبح. فتنسم الرب رائحة الرضا ] ”التكوين 8 :20“ فكيف عرف نوح كل أنواع الطيور و البهائم الطاهرة و كل انواع الطيور و البهائم النجسة ؟ الحل الوحيد هو ان يكون المؤلف لدية خلفية قمفصلة عن الحيوانات الطاهرة و الغير طاهرة وهو ما نجدها في سفر اللاويين الاصحاح 11.

ولكي نتأكد تلك الرواية هي مجرد نتاج أدبي محض بدون ادني تاريخية حقيقية ، استخدم كاتب النص والمؤلف التقليد السومري الأقدم من التوراة وهي ملحمة جلجامش فالروابط و المتوازيات بين ملحمة جلجامش و بين النسخة الكتابية الموجودة في التكوين 6-9 واضحة جدا ، من بداية استقرار الفلك على الجبل في (التكوين 8 :4 ) والذي يوازيها في ملحمة جلجامش استقرار استقر الفلك على جبل نموش Nimush، و اطلاق ثلاث طيور استكشافية ( غراب ، حمامة ، حمامة) في ( التكوين 8 : 6-11 ) والتي يوزايها اطلاق اوتناپشتم ”بطل الطوفان في ملحمة جلجامش“ حمامة ثم سنونو ثم غراباً على التوالي ، لكي يعرف ما اذا كانت الارض جفت مرة اخرى ام ليس بعد ؟ ، ثم الذبيحة عند الخروج التي قام بها نوح في (التكوين 8: 21 ) والتي يوازيها المحرقة التي قام بها اوتنابشيم فور خروجه من الفلك ، بل وحتى بعد خروج نوح تقديمه للذبيحة نجد ان الكتاب المقدس يذكر ” فتنسم الرب رائحة الرضا“ و هذا بالظبط ما ذكر فور خروج اوتناپشتم و تقديمه للذبيحة ” استنشقت الالهة الاريج الطيب و تجمعت كالذباب على القرابين“ ، و ايضاً الندم الالهي و الوعد بعدم تكرار الطوفان مرة اخرى في (التكوين 9: 11-15 ) ، وهو ما يوجد في ملحمة جلجامش ايضاً حيث ”جلست الالهة في اسي مرهف ، منحنون ، جالسون في مبكاة".

ومن خلال أدلة أخرى سنتعرف على الكتاب المقدس ككتاب أدبي مَحض ، له ما له وعليه ما عليه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأردن في مرمى تهديدات إيران وحماس والإخوان | #التاسعة


.. د. جمال شقرة أستاذ التاريخ المعاصر والحديث:كانت هناك مقترحات




.. الأردن في مواجهة الخطر الإيراني الذي يهدد سيادته عبر-الإخوان


.. مخططات إيرانية لتهريب السلاح إلى تنظيم الإخوان في الأردن| #ا




.. 138-Al-Baqarah