الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظرية العلمية عند كارل بوبر

سلام المصطفى

2020 / 3 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تكاد تتفق الأطراف المعينة على أن "كارل بوبر" من أهم فلاسفة العلوم الطبيعية و المنطقي الميثودولوجي الأول في النصف الثاني من القرن العشرين , و العالم المتحدث بالإنجليزية يسلم بهذا حيث تحظى أعمال بوبر باهتمام كبير و انتشار واسع , من إيطاليا و ألمانيا و إنجلترا حتى الولايات المتحدة الأمريكية , حيث تحمل فلسفته التجديدية الثرية العميقة أكمل و أنضج نظرية للعلم , عرفت حقا كيف تبلور روحه .
و لما كان بوبر أساسا رجل منطق , كانت نظريته في منطق العلم آية في الدقة و الرصانة و الصرامة الأكاديمية , و مع هذا عرفت كيف تنساب في تيار الحياة العلمية الجارية و البحث العلمي الدافق , فنجد العلماء التجريبيين الحاصلين على جائزة نوبل أمثال "سير بيتر" و "سيرجون اكسلس" و "جاكس موند" , يؤكدون أنهم وصلوا إلى إنجازاتهم العلمية الباهرة بفضل تعاليم بوبر المنهجية و الإسترشاد بفلسفته للعلوم .
و جملة فلسفة بوبر للعلوم الطبيعية تكمن في تحديد الخاصية المنطقية المميزة للقضية العلمية , أو بعبارة أخرى تحديد معيار صحة النظرية العلمية , يقول بوبر : " بدأ عملي في فلسفة العلم منذ خريف 1919 , حينما كان أول صراع لي مع مشكلة : متى تصنف النظرية على أنها علمية ؟ أو هل هناك معيار يحدد الطبيعة أو المنزلة العلمية لنظرية ما ؟ لم تكن المسألة التي أقلقتني آنذاك متى تكون النظرية صادقة , و لا متى تكون مقبولة ؟ كانت مشكلتي شيئا مخالفا , إن أردت أن أميز بين العلم و العلم الزائف و أنا على تمام الإدراك أن علم يخطأ كثيرا , و أن العلم الزائف قد يحدث أن تزل قدمه فوق الحقيقة ".
فتوصل بوبر إلى أن معيار قابلية التكذيب هو ما يميز العلم دونا عن أي نشاط عقلي آخر , فالخضوع المستمر للإختبار أو إمكانية التفنيد بالأدلة التجريبية هي الخاصية المنطقية المميزة للقضية العلمية دونا عن أي قضية تركيبية أخرى , فعبارات أو مقولات الخطاب العلمي التجريبي هي فقط التي يمكن إثبات كذبها , لأنها تتحدث عن الواقع التي يمكن الرجوع إليه و مقارنتها به , حيث إن القابلية للتكذيب هي ذاتها القابلية للإختبار , الإختبار التجريبي بالطبع .
و القابلية للإختبار قد ترتبط بالقابلية للتحقيق , و لكن الخاصية المنطقية المميزة للعبارة و للنظرية العلمية هي إمكانية التكذيب أي التفنيد أو النفي , لنأخذ مثالا حول هذه العبارة "السماء ستمطر غدا" هذه العبارة هي عبارة علمية لأنها قابلة للإختبار التجريبي بمجيء الغد , و قد تمطر السماء أي قد نتحقق منها , و لكن ليس هذا هو المناط في علميتها , بل المناط في إمكانية ألا تمطر السماء غدا , إمكانية تكذيبها و هي إمكانية قائمة أي أنها خاصية منطقية لها , لنأخذ مثالا آخر حول عبارة "يغلو الماء عند درجة 100 سيليسيوس" هذه العبارة هي قابلة للتحقق لماذا؟ لأنها قابلة للتجريب يكفي أن نسخن الماء عند درجة حرارة 100 سيليسيوس و نتحقق من الأمر و بما أنها قابلة للتجريب و التحقق فإنها تقبل معيار قابلية التكذيب , و بالتالي حسب بوبر فإنها عبارة علمية , و الآن دعونا نمر حول العبارة الأتية " من صفات إله سبينوزا الإمتداد و الفكر أي الطبيعة و قوانينها و هما صفتين لنفس الجوهر" , إذا تأملنا في هذه العبارة سنجد أنها غير قابلة للإختبار أي غير قابلة للتحقق و التجريب و بالتالي فإنها لا تقبل معيار قابلية التكذيب , إذا حسب بوبر فإنها عبارة غير علمية , و هنا نعمم أن جميع العبارات الميتافيزيقية هي عبارات لا علمية في الخطاب الإبستيمولوجي البوبري .
إن القابلية للتكذيب مجرد معيار يحدد الخاصية المنطقية للنظرية العلمية أما التكذيب فهو حكم عليها , تقييم نهائي لها , ومن ثم تجاوزها , و إحراز خطوة تقدمية أبعد , قابلة بدورها للتكذيب , و يتم تكذيبها يوم ما بفرض أبعد قابل للتكذيب ...وهلم جرا .
و لما كانت القابلية للتكذيب هي ذاتها القابلية للإختبار كانت محاولة تكذيب النظرية هي ذاتها اختبار النظرية , و هذا الإختبار يفضي إما إلى التكذيب و إما إلى التعزيز على النحو التالي :
التكذيب : نحكم به على النظرية إذا لم تكن نتيجة الإختبار في صالحها , أي إذا تناقضت النتائج المستنبطة منها مع الوقائع التجريبية .
التعزيز : و هو يتم إذا تجاوزت النظرية الإختبار , و التعزيز هو جواز مرور الفرض إلى النسق العلمي , و كلما كانت الإختبارات أقصى حازت النظرية التي تجتازها درجة تعزيز أعلى و كانت أعظم أي أغزر في المحتوى المعرفي , و أجرأ في القوى التفسيرية , لذلك يؤكد بوبر دائما على قوة الإختبارات حتى لا تستطيع النظرية أن تعزز و تعبر إلى نسق العلم بسهولة .
بهذا الخطاب الإبستيمولوجي الذي أسسه بوبر حول الخاصية المنطقية المميزة للنظرية العلمية فإنه يبين أن الماركسية و الفرويدية لا يحققان معيار قابلية التكذيب و بالتالي فإن الماركسية و الفرويدية علم زائف , بيد وجب الإشارة إلى أن الفرويدية أو بعبارة أخرى نظرية التحليل النفسي لها معيار و أساس علمي تجريبي و كذلك تحقق إختباري عن طريق علم الأعصاب و علم الإدراك , و بهذا فإن بوبرأخطأ حينما اعتبر أن الفرويدية نظرية زائفة و لا علمية.
________________________________________________________
المراجع :
فلسفة كارل بوبر : د. يمنى طريف الخولي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تحرك تصريحات بايدن جمود مفاوضات الهدنة في غزة؟| #غرفة_الأ


.. ممثلة كندية تتضامن مع غزة خلال تسلمها جائزة




.. كيف سترد حماس على بيان الوسطاء الذي يدعوها وإسرائيل لقبول ال


.. غزيون يستخدمون مخلفات جيش الاحتلال العسكرية بعد انقطاع الغاز




.. صحيفة الغارديان: خطاب بايدن كان مصمما للضغط على إسرائيل