الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجذور التغريبية في فكر رفاعة الطهطاوي

سمير الشريف

2006 / 6 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يمثل رفاعة الطهطاوي الذي عاش في باريس بين 1826-1831رسولا للنهضة الغربية التي نقلها من مظانها في أوروبا وسربها للفكر الإسلامي المعاصر ،على اعتبار انه واحد من أوائل المبعوثين لتحقيق شروط النهضة وتجسير الهوة بين الحضارة العربية والغربية ،يبرز ذلك بوضوح فيما أحدثته عودة الطهطاوي إلى مصر ومباشرته لكثير من التغييرات التي ظنها توصل العالم العربي بقيادة مصر لشطآن الحضارة الغربية ،من خلال المراكز القيادية التي اختلها ، والكتب التي ألفها وترجمها.
بعد عودته من باريس ، نسمع وللمرة الأولى كلاما عن الوطنية الضيقة ، وعن تاريخ مصر قبل الإسلام وتأكيدا على شخصيتها الاعتبارية المستقلة !! كما نقرا و للمرة الأولى على لسان رفاعة كلاما عن الحرية ، ونتعرف على النظم الاقتصادية الغربية مكتوبة بلغة تنضح إعجابا .
يؤلف الطهطاوي كتابا في باريس سماه"تخليص الإبريز في تلخيص باريز"،يعرضه على أستاذه الفرنسي قبل نشره!!،ويؤلف كتابا سماه "مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية "وكتاب "المرشد الأمين للبنات والبنين"،وهو في هذه الكتب جميعا ، يعكس إعجابه بالحضارة الغربية وعمله على ضرورة اقتداء المسلمين بها.
يتحدث عن الأحكام والمعاملات العصرية بقوله"..إن الحالة الراهنة اقتضت أن تكون الأقضية والأحكام على وفق معاملات العصر، بما حدث فيها من المتفرعات ، بتنوع الأخذ والعطاء من أمم الأنام "ص387 / مناهج الألباب.
كما أورد كلاما خطيرا في كتابه "المرشد الأمين.."ضمن حديثه عن تمدن الوطن ،فذهب إلى أن المدنية الأوروبية الحديثة، تقوم على العقل ، ولهذا حققت نفس النتائج التي تهدي إليها مدنية الدين ،يقول ص124..."ومن زاول علم أصول الفقه ،وفقه ما اشتمل عليه من الضوابط والقواعد ،جزم بأن جميع الاستنباطات العقلية التي وصلت عقول أهالي باقي الأمم المتمدنة إليها، وجعلوها أساسا لوضع قوانين تمدنهم وأحكامهم، قلَّ أن تخرج عن تلك الأصول التي بنيت عليها الفروع الفقهية التي عليها مدار المعاملات فيما يسمى عندنا بعلم أصول الفقه، يشبه ما يسمى عندهم بالحقوق الطبيعية أو النواميس الفطرية ، وهو عبارة عن قواعد عقلية تحسينا وتقبيحا ، يؤسسون عليها أحكام المدنية وما نسميه بالعدل والإحسان ،يعبّرون عنه بالحرية والتسوية وما يتمسك به أهل الإسلام من محبة الدين ،مما يفضلون به عن سائر الأمم في القوة والمنعة ،يسمونه محبة الوطن"
ألا تعتبر هذه الاقتباسات وغيرها مما حوته كتب "رفاعة"، تمهيدا منه لتقبل التشريعات الوضعية التي تستند للعقل وتلمح إلى إدارة الظهر لكل ما هو روحي ؟ها هو يبدي إعجابه بالمسرح الفرنسي الذي لم يوفق بإيجاد تسمية عربية له، فأعطاه نفس لفظه الفرنسي (التياترو)،لاحظ شدة إعجابه بهذا المسرح الذي أفاض في وصفه في كتابه" تلخيص.."ص166"...ومن العجائب أنهم يقولون مسائل في العلوم الغربية والمسائل المشكلة ، ويتعمقون في ذلك وقت اللعب... وبالجملة( فالتياترو )عندهم كالمدرسة العامة ، يتعلم فيها العالم والجاهل ".ليس هذا حسب ، بل نراه في مصدره السابق يضع بذور الفكر الذي تبناه "قاسم أمين"!!بدعوى تحرير المرأة ،مؤكدا أن الطلاق لدى الفرنسيين ،لا يتم إلا بإقامة دعوى الزنى أمام المحاكم ،وأن اختلاط الرجال بالنساء ،لن يكون مدعاة للفساد أو ترخصا في العرض ،يقول ص122"..ولا ُيظن بهم أنهم لعدم غيرتهم على نسائهم لا غرض لهم في ذلك لأنهم وإن فقدوا الغيرة ،لكنهم إذا علموا عليهن شيئا ،كانوا شرّ الناس عليهن وعلى أنفسهم وعلى من خانهم في نسائهم ، غاية الأمر أن يخطئون في تسليم القياد للنساء ،وان كانت المحصنات لا يُخشى عليهن شيء...إن نوع اللخبطة بالنسبة لعفة النساء ، لا يأتي من كشفهن أو سترهن ،بل منشأ ذلك التربية الجيدة والخسيسة والتعود على محبة واحد دون غيره"!!
وللطهطاوي رأي في مراقصة الرجال للنساء ، وهو يدافع عن "الباليه" معتبرا أن الرقص فن من الفنون ،وليس بخارج عن قوانين الحياء،هذا الرقص نط مخصوص لا يُشتمّ منه رائحة العهر، وكل إنسان يعزم امرأة يرقص معها"ص168.
يشيد" الطهطاوي"بفضل الخديوي "إسماعيل"الذي ساوى بين الأولاد والبنات في التعليم ، ولم يجعل العلم كالإرث ، للذكر مثل حظ الانثيين!!وبهذا يكون من مزايا تعليم المرأة انه يمكّنها أن تتعاطى الأشغال والأعمال ،مما يتعاطاه الرجال ،على قدر طاقتها وقوتها ، وهذا من شأنه أن يشغل النساء عن البطالة ،حيث إن فراغ أيديهن عن العمل ،يُشغل ألسنتهن بالأباطيل وقلوبهن بالأهواء وافتعال الأقاويل ،فالعمل إذا يصون المرأة عما لا يليق بها ، ويقربها من الفضيلة"ص66/"المرشد الأمين" .
نترك للنصوص أن تترجم فضاءاتها ونتساءل، إن كان إبتعاث الطهطاوي سببا رئيسا في زعزعة قيمة التي نشأ عليها وتفضيله للجانب التحرري العقلي على الجوانب التي تلتزم الوسطية والمصلحة العامة والعقلانية الناضجة التي تلبي نداء الفطرة؟هل يمكن اعتبار "الطهطاوي"رسولا للتغريب،وأنه مكّن للحضارة العربية الإسلامية أن تدخل في طور عقلاني تنويري جديد /،مهد الطريق لكل التغييرات التي أحدثها فيما بعد "محمد عبده، وجمال الدين، واحمد لطفي السيد ،وطه حسين "وغيرهم كثير؟هل نعتبر هذه البدايات ركائز ، اعتمد عليها المستشرقون أمثال "جب وكرومر"لهندسة ما ستؤول إليه قابلات الأيام ممن نشهد إرهاصاته حاليا؟
لنترك جانبا ما خطه" الطهطاوي"ونتوقف أمام ما كتبه المستشرق الأمريكي اليهودي المعاصر "برنارد لويس"الذي كتب أقواله عام 1966، ولنر كم كان الرجل منصفا ،وهو الذي ما قصّر في طعنه وتشويهه ، لحضارتنا ، خادما في أغلب ما كتب لنصرة قضايا عدونا.
في كتابه "الغرب والشرق الأوسط"ترجمة "نبيل صبحي"يقول" برنارد لويس"..ظهرت فكرة الفكرة الوطنية في مصر على يد "الطهطاوي"،بعدما عاش خمس سنوات في باريس ، وكان ذلك في أواسط القرن التاسع عشر ص116.....إن حملة نابليون على مصر عام 1798 ،كانت أول شرارة في طريق التغريب ص44......في فترة قرن ونصف القرن من السيطرة الأنجلو – فرنسية في الشرق الأوسط ، مضافة إلى الفترة الأطول من تأثير التغريب في تركيا ،احدث هذا التأثير والسيطرة تغييرات واسعة عميقة،غير قابلة للعودة إلى الوراء ،على مختلف مستويات الوجود الاجتماعي ،ومن الطبيعي أن تكون أسباب هذه التغييرات نتيجة لأعمال الحكام الغربيين الذين كان أكثرهم يمثلون المحافظة والحذر في سياستهم ،إلا أن أكثر التغييرات الجذرية العنيفة التي حدثت ، قام بها متغربوا الشرق الأوسط من حكامه الشرقيين ،بعزم وشجاعة ص48.......... والتغريب الذي كان من عمل الغربيين...بل كان أكثره من عمل المتغربين من أبناء الشرق ،جاء بتغييرات يُشك كثيرا في قيمتها ،أول هذه التغييرات ،الانحلال السياسي الذي أدى إلى تفتيت المنطقة وتجزئتها....وبضياع الشرعية والولاء ، خسر أهل الشرق الأوسط هويتهم الواحدة ...وصاحب نسف وانهيار النظام السياسي ..انحلال اجتماعي وثقافي مواز له....ثم دُمرت الأساليب القديمة وسُخر منها ومن القيم القديمة ،وقام محلها مجموعة من المؤسسات والقوانين والمقاييس الوضعية المستوردة، والتي بقيت لمدة طويلة،غريبة عن أحاسيس وآمال المسلمين في الشرق الأوسط، بالإضافة لكونها تافهة!!!بالنسبة لحاجتهم ص61-62
أما مَن نشر فكرة الوطنية بعد أن التقطها من "رفاعة الطهطاوي"فهو" سليم النقاش"الذي أطلق شعار "مصر للمصريين"، ثم عممها من بعده اليهودي "أبو نظارة"وتوسع في نشرها من بعد "بطرس البستاني"وكان هناك المثقفون العرب النصارى في بيروت وجبل لبنان ، حيث لاقت فكرة الوطنية لديه صدى وردة فعل ص120-122.
حديثا تتوقف الكاتبة الأمريكية"فرانسيس ستونر" في كتابها "الحرب الباردة"معلقة على الثقافة وأهميتها في تغيير السلوك بقولها: ص17......"المستشرق الفرنسي ورجل الحرب"بونابرت"كان متنبها لأهمية الثقافة في تغيير السلوك ،إذ نراه بعد أن يغادر مصر في العام التالي للحملة الفرنسية ،يرسل إلى خليفته "كليبر"يطلب منه انتقاء حوالي خمسمئة من الصفوة الاجتماعية في مصر وإرسالهم إلى باريس للبقاء فترة ،يتعرفون خلالها على الحياة الثقافية في فرنسا ،يعودون بعدها محملين بهذه الثقافة ، ويعملون على نشرها ،فكرا وسلوكا فيتم الاستيعاب والتوحد ،وتزول مشاعر الغربة والاغتراب.
ما رأي من يعتقدون بأهمية الحملة الفرنسية للعالم العربي ودورها التنويري،بل ما قول من يرون في الطهطاوي رسولا للنهضة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 108-Al-Baqarah


.. مفاوضات غير مباشرة بين جهات روسية ويهود روس في فلسطين المحتل




.. حاخامات يهود يمزقون علم إسرائيل خلال مظاهرة في نيويورك


.. بايدن يؤكد خلال مراسم ذكرى المحرقة الالتزام بسلامة الشعب الي




.. نور الشريف أبويا الروحي.. حسن الرداد: من البداية كنت مقرر إن