الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فشل أيديولوجية القرآن المدني

طارق الهوا

2020 / 3 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أصدر المفكر الفرنسي والخبير في شؤون الحركات الإسلامية أوليفييه روي كتابه "فشل الإسلام السياسي" سنة 1992، ومنذ ذلك الوقت ساد مصطلح "الاسلام السياسي"، ورصد باحثون هذه الظاهرة لفهم تعقيداتها وحقيقة أهدافها، لكن هذا التيار تشعّب وتمدد وتغيرت جغرافيته وطموحه بفضل المال ونيّة زعماء المسلمين غير المُعلنة بنشر الاسلام في كل دول العالم، والتي تتوافق تماما مع هدف هذا التيار، ما جعله يلعب في العقدين الأخيرين أدوارا أساسية ليس في الدول ذات الغالبية المسلمة فقط بل في الغرب، وتحرك رموزه من مجرد معارضين أو مجاهدين أو أشباح تعمل في الخفاء إلى الحكم سياسا، وهيمنوا على هيئات التشريع والقضاء والقوى الناعمة في معظم الدول ذات الغالبية المسلمة، لكن ما يسترعي الانتباه هو الصدام الذي حصل بينهم وبين السلطة التي أيدتهم بالدعم والحماية وغض النظر عما يفعلون، وبين المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة، عندما صاروا في السلطة فعلياً.
انفصام نفساني واضح في العقل الجمعي الاسلامي.
عداء السلطة
سبب مظاهر انفصام الشخصية الذي تعاني منه المجتمعات ذات الغالبية المسلمة هو أن السلطة السياسية تدافع عن كيانها، ولا تريد إلغاء شكل الدولة وتحارب أي جماعة موازية تخطط للحلول محلها. مسموح لها بالحياة وغير مسموح لها بالحكم. ما يعني أن الدولة لا تمانع بوجود جماعة عميقة دينية تسيطر على المجتمع والحكومة والمؤسسات، بشرط عدم إلغاء الطبقة الحاكمة أو تحجيم جيشها أو محاولة تحطيم الدولة، التي تستمد شرعيتها من الدين وبنود دستورها تتوافق مع الاسلام.
كان هذا الامر واضحا تماماً في بعض دول الربيع العربي، خصوصا مصر التي أسقطت مخابراتها وجيشها الداعين إلى حاكمية الله عندما وصلوا إلى السلطة، وقد فعلوا ذلك قبل أن يخصي نفوذهم أصحاب نظرية حاكمية الله، أو يقومون بمطاردتهم واعدامهم تماماً مثلما فعل آية الله روح الله الخوميني في إيران، ويحدث في تركيا منذ تسلم الحكم سلطان السلاطين وبرهان الخواقين وأمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين، السلطان رجب طيب أردوغان.
عداء الشعب
أحد الصور البصرية التي لم تزل في ذاكرتي هي صورة المنقبات اللاتي كن يحملن بطاقة حمراء عليها كلمة "إرحل" أثناء الحراك الشعبي الذي طالب الخليفة محمد مرسي في مصر بالتنحي عن السلطة، وقد سمعت ردودهن على الاعلام، ويمكن اختصارها في فساد وفجور حكم الاخوان.
الفساد كما تقول هذه المدرسة بأساتذتها وتلاميذها ومريديها موجود منذ عهد آدم ولم يخترعوه. فلماذا الثورة من ثمة على مَنْ أعادهن إلى ثياب الاسلام وقيمه؟ لماذا الخروج على الذين يحاربون من أجل نشر شريعة الاسلام وحدوده؟ لماذا أيدوا جيشاُ لا يعترف بنظرية حاكمية الله؟ ألم يأت محمد مرسي نتيجة حاجات واستحقاقات اسلامية؟ لماذا لم يعطوا الداعين إلى حاكمية الله وقتاً لتصحيح أغلاطهم مثلما أعطوا عبد الناصر على سبيل المثال؟
لا جواب سوى تفسير علمي واحد: إنفصام في العقل الجمعي.
إنفصام الشخصية
كتاب كثيرون يتحدثون اليوم عن فشل "الاسلام السياسي"، رغم أن هذا المصطلح نحته مفكر فرنسي سنة 1992 بالفرنسية ولم يعد يناسب وقتنا، بل هو لا يناسب مسألة "حاكمية الله" وهي جوهر "الاسلام السياسي"، لأن هذا التيار لم يبتكر نظرية من بنات أفكاره بل هي موجودة في أيديولوجية القرآن المدني.
المشكلة ألمح وأشار إليها علانية مسلمون مستنيرون وقد سُفهوا أو عُزلوا على هامش المجتمع أو أعدموا كمرتدين، قبل توقيع مثقفين ومفكرين الوثيقة الفرنسية التي تنادي بوقف أحكام القرآن المدني. الفشل لا يعود إلى "الاسلام السياسي" بل أيديولوجية القرآن المدني، التي لا تتماشى سوى مع سكان صحراء، ويستحيل أن تناسب الدولة الحديثة وهياكلها ومؤسساتها.
سبب إنفصام العقل الجمعي عند المسملين هو عدم وجود الجرأة والرغبة في جعل أيديولوجية القرآن المدني جزءا من التاريخ، والتمسك بالقرآن المكي الذي يدعو إلى العبادة والجدل اللاهوتي فيها والكلمة السواء، ولا تؤدي آياته إلى حالة انفصام العقل الجمعي التي تؤدي إلى الانفصال عن المجتمع، الذي تعاني منه كل الدول الغربية التي يعيش مسلمون فيها، والدول ذات الغالبية المسلمة.
فشل أيديولوجية القرآن المدني محنة لا يستطيع المسلمون مواجهتها مثلما واجه المسيحيون "الاصلاح الكنسي"، لأن محنة المسلمين ذات شقين يستحيل حلهما، أولهما أن القرآن أملاه الله كلمة بكلمة وقام بنسخ آيات وأتى بأفضل منها مع عدم ذكر الاسباب، أما الشق الثاني فهو صعوبة تدمير الجماعة الدينية الاسلامية العميقة، القائمة منذ فتح مكة ومستمرة حتى اليوم. تلك الجماعة التي لها صلاحية حكم المجتمعات سياسياً وتوجيه المسلم اجتماعيا بإسم الدين.
القيمون على هذه الجماعة منذ تأسيس "الاخوان المسلمون" طريقهم للحكم لم يتغير، وهو إسلوب العصابات التي تشيع الفوضى والبلبلة والاغتيالات، وطالما وردت في الادبيات الإخوانية بشكل واضح وصريح، وكان آخرها ما عرضته قناة "العربية" عن إجتماع طارق السويدان الإخواني الكويتي وأعضاء الحركة الاسلامية في الخرطوم سنة 2014، وحرّض بنفسه وصوته فيه على إثارة الفوضى في الخليج ومصر.
أيديولوجية القرآن المدني شرعيتها السيف، وسلطان السيف السياسي شرعيته أيديولوجية القرآن المدني. هكذا صارت الامور منذ أبو بكر الصديق، وقد تبدأ في التلاشي عندما ينشر الانترنت التنوير في كل بيت، بفضل المسلمين العلمانيين الشجعان الذين وضعوا حجر الاساس في العشر سنوات الأخيرة، وسيرتفع البناء في العشر القادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال




.. تعمير- هل العمارة الإسلامية تصميم محدد أم مفهوم؟ .. المعماري


.. تعمير- معماري/ عصام صفي الدين يوضح متى ظهر وازدهر فن العمارة




.. تعمير- د. عصام صفي الدين يوضح معنى العمارة ومتى بدأ فن العما