الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمر الخيام متصوفاً(1)

داود السلمان

2020 / 3 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مقدمة
ونخرج بالنتيجة، فنضيف الى ما قلناه في الفصول السابقة أن الخيام كان أحد رجالات المتصوفة المشهود لهم في هذا المعترك، فأن ذكر الخمر والتغزل بها هو ليس خمر الدنيا المتعارف عليها الآن، انما المقصود هو التغزل بالذات الالهية على اعتبارها هي الحق الاسمى الذي يجب الوصول اليه كونها حقيقة ينشدها العابد المخلص، والمرتجي الذي يأمن الوصول الى قمة السعادة، والنهاية التي تُبنى عليها الآمال.
و"نريد «بالتصوف» ما يطلقون عليه في بلاد الغرب كلمة «مستيسزم»، وهى كلمة من أشق الأمور أن يعالج المرء تعريفها على وجه الدقة، إذ كانت تدل على حالة من حالات الفكر، أو الإحساس، تبدو مقرونة بمحاولة العقل الإنساني أن يتغلغل إلى حقائق الأشياء وأن يستجلى صفاتها الربانية، أو الاستمتاع بنعمة الوصول إلى الذات العلية والاتصال بها والتسرب فيها، ومن هنا ظهر التصوف فى الفلسفة والأدب، وفى الدين كذلك".(1)
يقول الحلاج:
مكانُـــــك من قلبي هو القــــلبُ كـلُّهُ فليس لخلقٍ في مكانك موضعُ وحَطَّتْك روحي بين جلدي وأعظُمي فكيف تراني إنْ فقدْتُكَ أصنَعُ

ويقول في موضع آخر
يا موضع الناظر من ناظِري و يا مكان السرّ من خاطري
يا جملةَ الكلِّ التِي كلُّها أحبّ من بعضي ومن سائري
تراك ترثي للذي قلبُهُ مُعَلَّقٌ في مخلَبَيْ طائِـرِ
وكما هو معروف فقد مات الحلاج شهيداً في سبيل معشوقه، حيث اتهموه بالزندقة والمروق عن الدين، كل هذا وكان الحلاج يصر على البقاء مخلصا لمعشوقه.
فالمتصوفة يعقدون انهم قد وصلوا الى كنه الحقيقة وامسكوها من تلابيبها، وان الحقيقة هي هدفهم الاسمى، وهو رضا الله والاخلاص له بالعبادة والتقرب، وغير هذا لا يرومون القليل ولا الكثير، ولا يتحقق ذلك- كما يعتقدون- الا بالعبادة المخلصة، التي لا تتحقق الا بصفاء القلوب. ولذلك سمي "متصوفة" ولا بلباسهم الصوف كما يعتقد البعض.
ما هو التصوف؟
قال ابن خلدون وهو يتحدث في فصل علم التصوف هو: "طريقة الحق والهداية وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة، وكان ذلك عاماً في الصحابة والسلف. فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة. وقال القشيري: ولا يشهد لهذا الاسم اشتقاق من جهة العربية ولا قياس. والظاهر أنه لقب. ومن قال: اشتقاقه من الصفاء، أو من الصفة، فبعيد من جهة القياس اللغوي، قال: وكذلك من الصوف لأنهم لم يختصوا بلبسه.(2)
اذن، فعبارة "صوفي" أو "صوفية" هي من صفاء النفس أو السريرة، والانقطاع التام الى عبادة رب خالق ومعبود واحد، تخلص له تلك العبادة. وعليه فأن التصوف "يتسامى الى وضع نظرية في المعرفة وتحديد لسب الوصول اليها، وبهذا انتقل التصوف الى دور آخر اصبح فيه طريقا للمعرفة يقابل طريق ارباب النظرية من المتكلمين، واذا كانت المعرفة عند العلماء والحكماء (والحكماء) تجيء بالاستدلال والتعلم، فانها عند الصوفية تهجم على القلب كأنها القيت فيه من حيث لا يدري الانسان، ويكون لذلك الهاما ونفثا في الروع يختص به الاولياء أو وحيا يختص به الانبياء، وطريقة الصوفية في ذلك تقديم المجاهدة وحمو الصفات الذميمة وقطع العلائق كلها والاقبال بكنه الهمة الى الله تعالى" (3)
التصوف، اذن هو الحل أو الجامع بين الشريعة والفلسفة، وعليه فالإنسان يخرج من ضيق عقائد السطحيين الجافة والجامدة، وينجو بروحه المنيعة من اليأس والظلم الذي الفاه خواء صرف. (4) وهذا الطريق اللاحب هو الذي سلكه الخيام، من خلال اشعاره الصوفية، وعبر فيها تعبيراً ساطعاً لا تشوبه شائبة الا الذين ليس لهم دراية ولا معرفة بهذا اللون أو هذه الطريقة الخاصة، التي سلك طرقها ثلة قليلة من الناس، وهم كثر ومنهم الخيام هذا.

رباعياته شملت تصوفاً
ورباعيات الخيام شملت كثير من الاشارات الى التغزل بالذات الالية، على اعتبار سكرتها كنشوة الخمر، بل اشد من ذلك، اذ أن نشوة الخمر قد تبقى يوم أو اقل من ذلك، بينما تلك النشوة فهي باقية على طول المدى، ولا تزول طالما المريد متصلا بها ومشدودا لها، ولا يكاد أن ينفك عنها.
علي الدشتي في كلامه عن الخيام يشير بالقول: "فرأي الخيام يمكن أن يحمل على المداراة وضرب من الحل العقلاني دون أن ننسى أنه بعث برسالة الى أحد أمراء السلاجقة. ما يعني أن لا طريقة الفلاسفة ولا نهج الاسماعلية كانا مورد قبول لديه. لقد رجح، أذن، كفة الصوفية على المتكلمين، فأخرج الفقهاء والمحدثين من الموضوع لأنهم لم يعملوا عقولهم بل استدوا الى الروايات والمنقولات النقلية فقط. على العكس من هذا كان الامام الغزالي، اذ ترك التدريس في نظامية بغداد على ما له من ميزات واعتبارات وامضى عشر سنوات في فلسطين وسورية والحجاز في التفكير والتأمل والعبادة دون أن يدخل في سلك الصوفية التي مال اليها الخيام. دليل هذا على أنه لم يذكر أحداً من سلسلة شيوخ الصوفية. وأن أياً منهم كالشيخ نجم الدين وسلطان ولد لم يذكروه بخير" (5).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عماد الدين أديب يكشف حقيقة علاقة حسن نصر الله بالمرشد الإيرا


.. قراءة عسكرية.. كيف استطاعت المسيرة العراقية اختراق الدفاعات




.. دمار كبير ببلدة حارة الفاكهاني بالبقاع شرقي لبنان بعد الغارا


.. تشييع عدد من شهداء المجزرة الإسرائيلية في طولكرم بالضفة الغر




.. بشأن إيران والرد الإسرائيلي.. الرئيس الأميركي يقدم أول إحاطة