الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا لم أ ستفغر للبابا ! أنا لم استغفر للمشركين

احسان طالب

2006 / 6 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في فرصة نادرة لا تتكرر كثيرا اجتمع زعماء و قادة ووجهاء و مشاهير العالم حول جثمان البابا الراحل للمشاركة في جنازته و إلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه، وذلك في حالة حضارية فريدة تؤكد من خلالها الدول و الشعوب على ترابطها الإنساني و علائقها المتحضرة .
ولقد أضحت مثل تلك المناسبات فرصة للتقارب و الالتقاء بين المختلفين و المتحاربين ، ينتهزون من خلالها تواجدهم في نفس المكان لتحقيق ما لا يمكن توقعه في ظروف مختلفة ، فلقد ذكر يومها خبر عن مصافحة باليد تمت بين الرئيس السوري و عدوه الرئيس الإسرائيلي ، و ثار حول تلك المصافحة جدل وأخذ ورد استقر على أنها كانت بادرة إنسانية عرضية بعيدة عن التفسيرات و التأويلات .
و من بين المشاركين في تأبين وتعزية البابا الراحل الدكتور يوسف القرضاوي ، في محاولة منه لتبني تقارب الأديان و تحاور الحضارات ، و أعقب تلك المشاركة ردود أفعال كثيرة مرحبة و مستنكرة وثارت علية ثائرة المتشددين و طالبوه بالعودة عن فعلته ، وتوالت الفتاوى المحرمة لتعزية النصارى و المبينة لعداء الراحل للإسلام و المسلمين .
في هذه الروابط بعض من ردود المتشددين و فتاواهم :

http://www.suhbaonline.net/vb/showthread.php?t=9484
http://www.alkashf.net/vb/showpost.php?p=541&postcount=1
http://www.palestinianforum.net/forum/printthread.php?t=28505
نقد خطاب القرضاوي :
في الأسبوع الماضي وفي أحد لقاءات الشيخ القرضاوي ضمن برامج الجزيرة المتعددة ورده اتصال يعاتبه على مشاركته تلك و يطلب إيضاحا شرعيا حول الموضوع فرد عليه بالقول : أنا لم استغفر للبابا ، أنا لم استغفر للمشركين ، و قلت " الكلام للدكتور يوسف " : اللهم اجزه خيرا عما قدمه من خير للإنسانية ، ثم بادر الداعية الكبير إلى الأدلة الشرعية شارحا وجهة نظره مبيننا بأن النار درجات و العذاب فيها مراتب , مستعينا بتخفيف العذاب عن عم النبي الكريم أبو طالب لمساندته ودعمه وحمايته للرسول (ص ) رغم أنه من المشركين . و شرح القرضاوي وجهة نظره في جواز مثل تلك الكلمة التي قالها بحق البابا ، على اعتبار أن بعض المشركين يجازون في الدنيا عن أعمال خيرة قاموا بها وهم أحياء.
فيما بين رأي القرضاوي و المتشددين من تباعد و اختلاف يجد المتابع للسجال ا لفكري الديني الدائر حاله من الوضوح و أخرى ملتبسة غير ثابتة، تخفي وتعلن وتتبدل . و تيار اعتدال التشدد الذي يمثله القرضاوي ينطبق عليه وصف الحالة الثانية ، ولما كان من المتعذر بل ومن البعيد جدا مناقشة الحالة الأولى , تتركز المناورات النقدية و الحوارية المفتوحة حول الطرف القابل للمناقشة و الجدل بالتي هي أحسن .
و نتيجة للالتباس و التورية في خطاب تيار اعتدال التشدد الذي يمثله القرضاوي بات ذلك الخطاب جسرا و معبرا لتحول عامة المتعلمين المتدينين تدريجيا نحو التطرف و التعصب ، ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى عدم تبني دعاة الاعتدال بشكل واضح و صريح للتجديد و التغير .

يمكننا اعتبار فتح باب النقد العلمي و المعرفي للمطروحات المتباينة في الفضاء الفكري الديني و العلماني ، وسيلة مثلي لجلاء الحقيقة و توضيح وجهات النظر ومن ثمة الالتقاء حول قيم إنسانية محددة . ومن هذا الباب ندخل إلى نقد خطاب القرضاوي في رده على المتشددين .
بالإضافة إلى ما ينطوي عليه تفسيره و تبريره من إخفاء للحقيقة و مواربة و تضليل للسامع فلقد حوى جملة من أخطاء علمية و تعليمية و أخلاقية . فمن وجهة نظر علمية شرعية أخطأ القرضاوي في تبريره و تأويله و استشهاده ، حيث أن حالة عم النبي (ص) خاصة و محصورة فيه دون غيره من البشر ولا يستقيم القياس عليها لعدم الاشتراك بالعلة وخصوصية الحالة .
أما تبريره بأن الله يجزي المشركين عن أعمالهم الخيرة في الدنيا فهو محل نظر وخلاف ، ومن وجهة شرعية يعد البابا كافرا و مشركا ومن أئمة الكفر و مآله النار ، وكل ما قام به من خير لا يجزى عليه و قد حبط كل عمله ، والأدلة على ذلك كثيرة
( أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا و الآخرة ) آل عمران 22
( ألئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا و الآخرة و ألئك هم الخاسرون ) التوبة 69
( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ) الفرقان 23
سورة الكهف الآية 105
سورة محمد الآيات 6 ـ 28 ـ 32
ومن الخطاب الموجه إلى الرسول (ص)
( و لقد أوحينا إليك و إلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك و لتكونن من الخاسرين ) الزمر 65
وهذه أدلة شديدة الوضوح في ظاهرها وتعدد تأويلها ، وهنا نظن بأن الشيخ القرضاوي لم يدخل تلك النصوص في معرض شرح وتفسير إسهامه في تعزية وتأبين البابا الراحل و رد الشبهة التي أثيرت قبل عام ومازالت متفعالة وحية إلى الآن بأنه استغفر للمشركين .
ومن وجهة نظر أخلاقية أوهم الداعية المشهور العالم اجمع بأنه متعاطف ومقدر و مقر بخيرية الحبر الأكبر للنصارى , وهو في الحقيقة يعده من المشركين الكافرين أعداء الله ورسوله , ويحاول تبرئة نفسه من تهمة الدعاء له بالمغفرة ، وفي ذلك خلل بمصداقية الخطاب وإخفاء لحقيقة الموقف .
من زاوية تعليمية يبدو لنا الأثر السلبي لخطابه على قطاعات واسعة من إتباع و محبي ومؤيدي المنهج الديني عموما ، حيث تسببت تعاليمه وفتواه بجنوح مزيد من أبناء الأجيال الصاعدة نحو التطرف ، فهو يناقش المختلفين معه بنفس المنهج السلفي القائم على الدليل ألنقلي أساسا ، وأثبتت التجارب قوة حجة التطرف باعتماده على الدليل النقلي من الكتاب و السنة ، لذلك وجد المتلقون أنفسهم حيارى إزاء منهج واحد بحجتين تغلب أحداهما الأخرى ، فاتبعوا حجة الأقوى ، وهي أقرب للخطاب الأيدلوجي المنغلق .
لذلك كان منطقيا الدعوة إلى تغير منهج الاستدلال و أصول الحجة في مطروحات القرضاوي لكي يحصل على نتائج مختلفة عن تلك التي وصل إليها مناهضوه و أتباع الحركات الأصولية المتطرفة .
لقد تسبب التوجه التقليدي للمنهج الدعوى القرضاوي في ترسيخ إشكالين هامين ما زالا دون تفسير أو حل ، والأول قناعة المتدينين عموما بأن كل من لا ينتمي ولا يؤمن بعقيدتهم كافر و من أهل النار حتى و لو كان من أتباع الديانات السماوية الأخرى . و يترتب على ذلك التقسيم إشاعة لحل القتل و التعذيب الذي تمارسه حشود ممن ينطون تحت راية الجهاد و يرفعون راية الغزو و الترهيب متسلحين بمنهج تقليدي ظاهري يستند إلى الأدلة و البراهين المنقولة و المسموعة.
الإشكال الثاني : أسلوب المواربة و التقية و الغموض الذي درج قديما إبان محنة العلماء في مسألة خلق القرآن التي أثيرت في عهد الخليفة المأمون ومازال الناس يلجئون إليه للحفاظ على أنفسهم و أملاكهم ، هذا الأسلوب اتخذ منحى ثقافيا و معرفيا في الخطاب الذي يمارسه الدعاة الجدد للتخفيف من وطأة المنهج المعتمد على دلا لات النصوص مباشرة وخاصة ما اتسم بالصرامة و الحدة و القطع ونجدهم يحجبون نصوصا و يستدلوا بأخرى ، وذلك حسب المقام و الحال و طبيعة الموقف المتأثر بجنس ودين المخاطب . و تغير ذلك الأسلوب لا يعني أننا ندعو إلى وضع حدود قاطعة فاصلة جامعة مانعة للعلائق بين الديانات و الأجناس و الأعراق .
هي دعوة لعلماء المسلمين لإعادة الدرس و البحث و التنقيب و المراجعة في النصوص الشرعية و الآثار المنقولة , متحلين بالعلم الكافي و الشجاعة ألازمة لتأصيل مناهج جديدة لاستخراج الأحكام و التفسير و التأويل و إثبات النص و المرجعية ، بما يكفل الالتفاف حول قيم وحقوق و حقائق إنسانية معرفية تلتقي حولها الحضارات و تنهي حالات اٌحتراب العقائدي و المذهبي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي


.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س




.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية