الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألحكمة ألتاوية ووحدة ألوجود -2

كامل علي

2020 / 3 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


التاو واسع بلا حدود
ليس كمثله شيء
لأنّه بلا حدود لا يماثله شيء
لو ماثله شيء لغدا صغيرا منذ أمد طويل
الأسراروالتجليات هما وجها التاو، الجوهر والمظهر متطابقان في الحقيقة مستقلان في الظاهر، ولا يدرك تطابق المظهر والجوهر عند الأعمال التحتية للخبرة الوجودية إلا أهل السر وأصحاب الكشف الروحي. عندما تصل إلى هذا المقام تتفتح أمامك بوابة كل الأسرار، وتدرك الوحدة الكامنة خلف الكثرة والثبات الذي يقوم عليه كل تغير، وهذا معنى قول لاو تسو :
الأسرار والتجليات أمران سيان في المنشأ
ولكنهما لا يستويان بالأسم عند صدورهما
إستواؤهما أدعوه ظلمة وخفاء
ظلمات وراءها ظلمات بوابة كل الأسرار
بتعبير آخر، عندما تتفتح العين الداخلية على الحقيقة في تجربة كلانية مباشرة، فإنّ إزدواجية المظهر والجوهر تذوب لتحل محلها وحدة طرفي الوجود على تمايزهما في الوعي اليومي. وقد عبر المتصوف الإسلامي عبد الكريم الجيلي عن مفهوم المظهر والجوهر بطريقة مشابهة رغم إستخدامه مصطلحات مختلفة عندما قال :
" فأول رحمة رحم بها ألله الموجودات أنّه أوجد العالم من نفسه. ولهذا سرى ظهوره في الموجودات جميعا، فظهر كماله في كل جزء وكل فرد من أفراد العالم، وسر هذا السريان أنّ ألله خلق العالم من نغسه وهو لا يتجزأ، فمثل العالم الثلج والحق سبحانه وتعالى الماء الذي هو أصل الثلج ".
ألعبارة ألأخيرة للمتصوف عبدالكريم الجبلي تفتح أمامنا نافذة على عنوان المقالة " ألحكمة ألتاوية ووحدة ألوجود ".
نستشف من ألتعرف على الحكمة التاوية وجود تشابه بينه وبين عقيدة وحدة الوجود ألتي أمن بها باروخ سبينوزا في كتابه “الأخلاق مبرهناً عليها على النهج الهندسي”.
إن رؤية سبينوزا للإله تتمثل في “تأليه الطبيعة و تطبيع الإله” وذلك بالمعنى العميق لهذه العبارة لا بالمعنى الشعاراتي، وهذه الرؤية بالذات تجد أرحب قبول من جانب المشتغلين بالعلم الطبيعي، أي بمعنى أن ثمة جوهرا خالدا أزليا، قوانين شاملة لا تتغير ولا تتبدل، وهدف الإنسان كشف هذه القوانين لمعرفة العلل الكامنة، والإله عند سبينوزا ممتد على نحو عقلي ومجموعة الأحوال الكلية الممتدة ينسب إلى اله والأحوال الجزئية البسيطة لا تنسب إلى اله.
ونسبة الإمتداد إلى اله هو سبب اتهام سبينوزا بالهرطقة أو الإلحاد، فعندما نتأمل تعريفه للإله ونضيف لهذا التعريف وصفه للإله بأنه ممتد - والإمتداد من صفات المواد- فنحن أمام إله مادي تماما هو علة ذاته، وهو إله غير مفارق لهذا العالم -عكس إله الديانات السماوية- فإله سبينوزا هو الطبيعة إذا نظرنا إليها من ناحية الإمتداد، والطبيعة هي الله منظورا إليها من اتجاه الفكر، والعلاقة بينهما هي علاقة محايثة لا علاقة مفارقة.
تُعتبَر نظريةُ وحدة الوجود من ألصق النظريات بالفكر الفلسفي القديم. فقد ظهرت في الفلسفة الهندية، حيث كانت مدرسة الـﭭيدنتا اللاثنوية تعلِّم أن جميع أشكال الحياة، من حياة الآلهة إلى حياة أحقر الخلائق، هي ذات واحدة جوهرية: آتمان.
وفي أحد أسفار "يوبانشاد" يعزي خلق العالم إلى خالق أول قهار:
"حقاً إنه لم يشعر بالسرور، فواحد وحده لا يشعر بالسرور، فتطلب ثانياً؛ كان في الحق كبير الحجم حتى ليعدل جسمه رجلاً وامرأة تعانقا، ثم شاء لهذه الذات الواحدة أن تنشق نصفين، فنشأ من ثمَّ زوج تملؤه الزوجة، وعلى ذلك تكون النفس الواحدة كقطعة مبتورة ... وهذا الفراغ تملؤه الزوجة، وضاجع زوجته وبهذا أنسل البشر؛ وسألت نفسها الزوجة قائلة: "كيف استطاع مضاجعتي بعد أن أخرجني من نفسه، فلأختف" واختفت في صورة البقرة، وانقلب هو ثوراً، فزاوجها، وكان بازدواجهما أن تولدت الماشية، فاتخذت لنفسها هيئة الفرس، واتخذ لنفسه الجواد، ثم أصبحت هي حمارة فأصبح هو حماراً، وزاوجها حقاً، وولدت لهما ذوات الحافر، وانقلبت عنزة فانقلب لها تيساً، وانقلبت نعجة فانقلب لها كبشاً، وزاوجها حقاً، وولدت لهما الماعز والخراف، وهكذا حقاً كان خالق كل شئ، مهما تنوعت الذكور والإناث، حتى تبلغ في التدرج أسفله إلى حيث النمال، وقد أدرك هو حقيقة الأمر قائلاً: "حقاً إني أنا هذا الخلق نفسه، لأني أخرجته من نفسي، من هنا نشأ الخلق".
في هذه الفقرة الفريدة بذرة مذهب وحدة الوجود وتناسخ الأرواح، فالخالق وخلقه شئ واحد، وكل الأشياء وكل الأحياء كائن واحد، فكل صورة من الكائنات كانت ذات يوم صورة أخرى، ولا يميز هذه الصورة من تلك ويجعلهما حقيقتين إلا الحس المخدوع وإلا تفريق الزمن بينهما.
وظهرت وحدة الوجود أيضًا في الفلسفة الصينية، وخاصةً في الحكمة التاوية التي دعا إليها الحكيم لاو تسُه، وفي الفلسفة اليونانية، حيث نادى بها كسينوفانس القولوفوني، مؤسِّس المدرسة الإيلية، وكذلك پرمنيدس، والرواقية، والمدرسة الفيثاغورية، والأفلاطونية المحدثة. و"وحدة الوجود" تعني، مجملةً، أن الكل هو الإله وأن الإله هو الكل وقد انقسم معتنقوها إلى طائفتين هما:
- أصحاب وحدة الوجود الإلحادية: وهم الذين يعتقدون أن العالم وحده هو الموجود الحق، وليس الإله سوى مجموع الأشياء الموجودة في العالم.
- أصحاب وحدة الوجود الإيمانية: ويرون أن الإله وحده هو الحقيقي، وما العالم إلا مجموعة من تجلِّياته التي ليس لها وجود من دونه.

وحدة الوجود عند بعض المتصوفة الإسلاميين:
إنّ التطمينات التي يحصل عليها المتصوف من تجميعه لبعض الأحداث والمصادفات ستجعله على يقين تام من إلوهيته، ما يدفعه تجاه قبول بتعريض هذه الألوهية للإختبارات المباشرة، وهنا تقع الأزمة، فهذه الألوهية ولأنّها وهمية غير قابلة للإختبار وخاصة الإختبارات غير الممكنة، كما هو الحال عندما يسعى الصوفي ( المتألهن ) إلى خرق نواميس الطبيعة فلا يفلح، وهنا تتصدع الإلوهية شيئا فشيئا، ويعود الإنسان لإدراك حقيقة ضعفه ومقدار الوهم الذي وقع فيه وهو يعتقد بأنّه ألله، ما يوقعه بحزن كبير، وقلق عارم.
وحتى لو أنّ الصوفي ( ألمتألهن ) لم يُعرض إلوهيته للإختبار فإنّ حال ( التألهن ) هذا لا يمكن له أن يستمر إلى ما لا نهاية، ولابد من أن ينتهي، لأنّ ضغط الواقع يمنع أي إنسان صحيح الذهن من أن يعيش داخل خياله ومهما كان هذا الخيال جامحا.
فيخرج الصوفي من غيبته في ألله التي لا يرى فيها لا الوجود ولا نفسه، إلى بقائه في ألله حيث يرى كل الأشياء ولكنه يراها في ألله وهو ما يُسمى بوحدة الوجود.
وأغلب الظن أنّ حال وحدة الوجود تحصل للصوفي عندما يبدأ يصحو من غيبته عن العالم، وقبل أن يعود إلى أرض الواقع تماما. وفي هذه الحالة لا يكون الصوفي ( باقيا ) في شهوده ألله وحده، ولا في شهود العالم وحده، بل في شهودهما معا، فيرى ألله في كل شيء، ويرى كل شيء في ألله، ثم ما يلبث أن تتلاشى رؤيته لله تدريجيا بمقدار ما تزيد رؤيته للعالم، حتى يحط على أرض الواقع تماما ويعود إلى حياته اليومية.
وحدة ألوجود في عقيدة الصوفي الجنيد البغدادي:
" لون الماء لون إنائه ".... الجنيد البغدادي.
(( الإله هو عين الحق الذي يخلقه العبد في قلبه بنظره الفكري او بتقليده وهذا الإله يتنوع حسب الإستعداد الذاتي للمحل اي لصاحب الإعتقاد )). .... الجنيد البغدادي.
وحدة ألوجود في عقيدة الصوفي محي الدين ابن عربي:
" لكن هذا الإله ليس هو نفسه " الإله المطلق " الذي لا يسعه شيء لأنه عين الاشياء وعين نفسه (وحدة الوجود) وهو لعدم محدوديته لا يدخل في قلب المؤمن لان اللامحدود لا يدخل في المحدود وهو بالتالي غير معروف لاهل الدين إذ انه غير متحدد وغير متشخص وغير مصنوع ".... محي الدين ابن عربي.
ونخلص من ذلك وجود إلهين، إله الاديان المصنوع المحدود الذي يدخل قلوب المؤمنين به. والإله المطلق الذي اوجد الموجودات بالتجلي لها اي بالإندماج فيها، وليس لهذا الإله دين ولا مؤمنون يعبدونه. وفيما يبدو ان إله الاديان ليس هو الخالق الحقيقي للعالم ".
في ألقرن الثالث هجري، كان الصوفي ألمسلم يعرف ثلاث نظريات عن ألإتحاد ألإلهي:
1- ألإتحاد ألإلهي مفهوم كإتّصال أو وصال يستبعد فكرة وحدة الروح مع ألله.
2- ألإتحاد الإلهي مفهوم كإتحاد ألذي يكشف بذاته معنيين مختلفين: أحدهما، مرادف للوصال ألذي يستبعد فكرة وحدة ألروح مع ألله، وألثاني مثير لإتحاد في الطبيعة.
3- ألإتحاد الإلهي مفهوم كحلول: اي أنّ روح الله تسكن بدون إختلاط ألطبيعة، ألروح ألمطهرة للصوفي.
لم يقبل فقهاء ألإسلام ألرسمي سوى ألإتحاد بمعنى ألإتصال (أو مماثلة ألمعنى ألأول للإتحاد)، ولكنهم رفضوا بحماس، كل فكرة للحلول.
نلتقيكم في مدارات تنويرية أخرى
مصادر البحث :
- ألتاو تي – تشينغ، إنجيل الحكمة ألتاوية في الصين...... فراس السواح.
- دين ألإنسان – بحث في ماهية الدين ومنشأ ألدافع الديني...... فراس السواح.
- هتك الأسرار – تحولات فكرية في العلاقة بالدين والمقدس ....... سعدون محسن ضمد.
- تأريخ ألمعتقدات وألأفكار ألدينية...... ميرسيا إلياد- ألمترجم: ألمحامي عبدألهادي عباس.
- مدارات صوفية ... هادي العلوي.
- الأخلاق مبرهناً عليها على النهج الهندسي...... باروخ سبينوزا.
- قصة الحضارة................... ول ديورانت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب