الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النوروز في التراث الإسلامي

فرست مرعي
كاتب

(Farsat Marie)

2020 / 3 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المقدمة
يعد غالبية المستشرقين الشعب الكردي احد فصائل المنظومة الإيرانية ، مثله في ذلك مثل الفرس ، والبلوش ، والبشتون وغيرهم ، على أساس التقارب الديني واللغوي والجغرافي والتاريخي بين الكرد والشعوب الأنفة الذكر.
وكانت عبادة مظاهر الطبيعة الأربعة ( الماء والهواء والتراب والنار) ، هي السائدة بين الأمم الهندو- إيرانية قبل افتراقهما في مطلع الألف الأول قبل الميلاد إلى مجموعتين : المجموعة الهندية اتجهت نحو الجنوب (الهند) واعتنقت الديانات الهندوسية المختلفة، وكان كتابهم المقدس يدعي (الفيدا) ، بينما غادرت المجموعة الثانية باتجاه الجنوب الشرقي حيث الهضبة الواقعة خلف سلسلة جبال زاكروس ، واعتنقوا المجوسية – الزرادشتية، وتحولت عبادتهم القديمة إلى عبادة الهين اثنين ( آهورامزدا وآهريمن )اله الخير والشر. وتجدر الإشارة إلى أن آلهة الخير في الديانة الهندوسية هي آلهة الشر عند المجوسية والعكس صحيح.
إن لفظة إيران في الأصل تعني (ايرانوفيج) وهو مصطلح مجوسي – زرادشتي تعني بلاد النبلاء في اللغة السنسكريتية(الهندية القديمة)، وقد أطلقت هذه التسمية على الهضبة المحصورة بين سلسلة جبال زاكروس غرباً وشبه القارة الهندية شرقاً، وقد تحولت (ايرانوفيج) بمرور الزمن إلى آريان( أي بلاد الآريين)، ويبدو أن تسمية بلاد فارس كانت الطاغية على إيران إبان الفتح الإسلامي في خلافة الراشد الثاني عمر بن الخطاب(رضي الله عنه) ، واستمرت هذه التسمية لإيران إلى أن قام (الشاه محمد رضا بهلوي) بتغييرها إلى (ايران) اعتباراً من عام 1935م.
ويبدو أن هناك خلطاً في الإعلام العربي بين إيران وبين الفرس، فالفرس إحدى القوميات الإيرانية ، التي تشكل نفوسها حوالي 49% من نفوس إيران. أما مصطلح إيران فهو بالإضافة إلى جمهورية إيران الإسلامية! يقصد غالبية الشعوب الآرية من : الفرس ، والكرد، والبشتون، والبلوش، والطاجيك، وغيرهم من الذين يعيشون في دول عديدة.
ويحبذ الكتاب والمثقفون الايرانيون بشتى قومياتهم اطلاق مصطلح إيران على كل ما يهم الثقافة والاجتماع عوضاً عن مصطلح الفرس.
أولاً:النوروز (= النيروز)
النيروز: معرب كلمة النوروز التي تعني في اللغتين الفارسية والكردية اليوم الجديد وهي مركبة من لفظين: أولهما (ني) بكسر النون أي الجديد، وثانيهما (روز) أي اليوم. إذن فكلمة النيروز في اللغتين الفارسية والكردية تأتي بمعنى (اليوم الجديد). وأما اصطلاحاً فيطلق على عيد رأس السنة الفارسية الذي يقع في اليوم الأول من شهر فروردين الموافق 21 آذار/ مارس أول فصل الربيع. ويعتقد الفرس بان النوروز هو أول يوم في الزمان، وبه يبدأ الفلك في الدوران، يقول القزويني بهذا الصدد: ((زعموا أن الله تعالى في هذا اليوم أدار الأفلاك وسير الشمس والقمر وسائر الكواكب، واسم هذا اليوم هرمز، وهم اسم من أسماء الله تعالى قالوا في هذا اليوم قسم الله السعادات لأهل الأرض، من ذاق صبيحة هذا اليوم قبل الكلام السكر، وتدهن بالزيت، رفع عنه البلاء في عامة سنته. ويتفاءلون بما وقع لهم في هذا اليوم. والنوروز عند الفرس يومان: الأول نوروز العامة، والآخر نوروز الخاصة، ونوروز العامة يقع في اليوم الأول الذي يطلق عليه اسم إلههم آهورامزدا في شهر فروردين الذي يقابل 21 آذار-مارس من السنة الميلادية، وفيه تأتي الشمس النقطة الأولى لبرج الحمل ويعتبر وصولها بداية فصل الربيع، ويقال إن الله تعالى خلق العالم في ذلك اليوم، كما أنه خلق آدم (عليه السلام) في ذلك اليوم.
فيما ذكر بعضهم أن جمشيد أول ملك إيراني في الأساطير القديمة الذي كان اسمه أولاً جم(= الشعاع)، والعرب تطلق عليه (منوشلح) لما وصل أذربيجان(= شمال غرب ايران) أمر أن يقيموا له عرشاً مرصعاً على مكان مرتفع مقابل المشرق، وضع تاجه المرصع على رأسه وجلس على ذلك العرش فلما طلعت الشمس وسقط شعاعها على ذلك التاج والعرش ظهر لها شعاع في منتهى اللمعان فسر الناس وقالوا: هذا يوم جديد.
ولما كانت لفظة شعاع يطلق عليها في اللغة البهلوية (شيد) فإنهم أضافوا هذه اللفظة على جم وسموه (جمشيد) وأقاموا احتفالاً مهيباً له وجعلوه يوم عيد لهم.
وأما نوروز الخاصة فيوم كان اسمه خرداد (=السلامة والعافية) وهو اليوم السادس من شهر فرودين، وقد جلس كذلك الملك جمشيد في ذلك اليوم على العرش وطلب خاصة رعيته وأعلن لهم المراسم الطيبة، وقال لهم: إن الله تعالى خلقكم فينبغي أن تغسلوا أجسامكم بالمياه الطاهرة وتسجدوا له شكراً على نعمه، وتقوموا بمثل هذه الأعمال والأوامر كل سنة في مثل هذا اليوم، ولهذا السبب سمي هذا اليوم (نوروز الخاصة)، ويقال أن الأكاسرة (ملوك الدولة الساسانية الفارسية) كانوا يقضون حاجات الناس ويطلقون سراح المسجونين، ويعفون عن المجرمين ويعيشون عيشة المرح والسرور وذلك من نوروز العامة حتى نوروز الخاصة الذي هو ستة أيام من كل عام.
- نوروز في العصر الإسلامي
هناك خاصية متميزة في الإسلام وهو أنه دين ديناميكي واقعي يفي بمتطلبات الدنيا والآخرة معاً، ولكنه في الوقت نفسه لا يسمح بالمؤثرات والفلسفات الأخرى أن تكون جزءاً من بنيته أو نسيجه، أي بعبارة أخرى أنه دين يبني مرتكزاته العقدية على الأصالة فحسب، ويبني متغيراته على الأصالة والمعاصرة معاً.
فالعقيدة والأحكام والأخلاق فيه ثابتة ثبات الجبال الشامخات، والفقه والمعاملات فيه متغيرة بتغيير الزمان والمكان. ومع ذلك فإنه يرافض رفضاً قاطعاً إجراء عمليات تغيير جذرية أو راديكالية تمس جوهره كما حدث لأديان أخرى سماوية وأرضية، هذه الميزة أو الخاصية أكسبته مرونة طيلة تاريخه الذي يمتد لأكثر من ألف وأربعمائة عام. فلا عجب أن تنادت أصوات نشاز من بين أتباعه بإحداث تغيير في هذا السياق ليشمل تغيير القاعدة الكلية الآنفة الذكر، ولكنه كان على الدوام يلاقي معارضة صلبة، لأنه لو حدث تغيير بنيوي فيه على غرار بعض الأديان الأخرى السماوية وغير السماوية التي أصبحت إلى حد ما توقيفية، لأصبح ديناً بالأسم فقط جوهره يحوي شذرات من الوحي ممزوج بالفلسفة والأفكار الأخرى على غرار اليهودية والنصرانية.
ولما كان نوروز أو نيروز عيداً شرقياً شمل أمماً وطوائف كثيرة تمتد جغرافياً من هضبة البامير والتبت شرقاً مروراً بالهضبة الإيرانية و كردستان وإنتهاءاً بمصر النيل غرباً، لذا لا يستطيع الباحث أن يحدد أمة أو عرقاً بعينه صاحب هذا العيد، ولكن الفرس بما لهم من حضارة عريقة قبل الإسلام: العهد الأخميني (529-331 ق.م) والعهد الفرثي – الأشكاني- ملوك الطوائف (250-226 ق.م) والعهد الساساني (226ق.م - 650م) استطاعوا استغلال هذا العيد وهذه المناسبة وجعلها حكراً على جنسهم، لأن غالبية الأمم الأخرى من: كٌرد، و بلوش، وبشتون، وصغد، وطاجيك، كانوا يعتبرون من رعاياهم، فلا مناص من اعتبار النيروز والمهرجان وغيرها مما يتميز به الفرس؟.
وبخصوص موقف الإسلام من النيروز فهناك آثار ترجع إلى عهد الخلفاء الراشدين والصحابة حولها وفحواها: "وبالإسناد إلى أبي أسامة، عن حماد بن زيد، عن هشام عن محمد بن سيرين قال: (أتي علي (رضي الله عنه) بهدية النيروز. فقال: ما هذه؟ قالوا يا أمير المؤمنين هذا يوم النيروز. قال فاصنعوا كل يوم نيروزاً. قال أبو أسامة: كره رضي الله عنه أن يقول: نيروزاً"( ابن تيمية: إقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، تحقيق وتعليق ناصر بن عبد الكريم العقل، مكتبة الرشد الرياض، الطبعة الثانية، 1411 هـ-1991م، ج1، ص458).
وأما قول شيخ الاسلام ابن تيمية (المتوفى سنة 728هـ/1328م) بخصوص كره الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب(رضي الله عنه) لموافقتهم في لفظ عيد النيروز الذي ينفردون به، فكيف يوافقهم في العمل. يبدو أن محقق الكتاب أشار إلى هذه النقطة في الهامش في معرض التعليق بقوله: لقد ذكر المحدث البيهقي( المتوفى سنة458هـ/1066م) في سننه الكبرى تحت لفظ فيروز، ربما كره الإمام علي أن يقول نيروزاً - حسب تعليل أبي أسامة - فقال: فيروزاً.
ومن المعلوم أن لفظة فيروز ترد في اللغتين الفارسية والكردية بمعني مبارك، أي أنت عندما تبارك لشيء ما تقول له باللغة الكردية (بيروزبت - مبارك عليك)، فضلاً ان بعض الملوك الفرس وبعض الشخصيات الفارسية والكردية جاء إسمها بلفظة (پيروز)، وعندما يحاول النحاة العرب تعريب كلمة (پيروز) فإنهم يغيرون الپاء الفارسية المثلثة إلى الفاء. فتتحول كلمة پيروز إلى فيروز.
ورغم ذلك قال البيهقي في شرحه لهذا الأثر وفي هذا: "الكراهة لتخصيص يوم بذلك لم يجعله الشرع مخصوصاً به" ، أما شيخ الإسلام ابن تيمية فعلق على ذلك قائلاً: " وأما علي رضي الله عنه، فكره موافقتهم في إسم يوم العيد الذي ينفردون به، بكيف بموافقتهم في هذا العمل". يبدو أن هناك تصحيفاً في كلمة الفيروز؛ ولولا ذلك لما علّق عليها شيخ الإسلام ابن تيمية التعليق الآنف الذكر.
ومن جانب آخر فقد روي بإسناد صحيح عن أبي أسامة، حدثنا عوف، عن أبي المغيرة، عن عبد الله بن عمرو (ابن العاص) قال: "من بنى ببلاد الأعاجم، فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه فيهم حتى يموت وهو كذلك، حشر معهم يوم القيامة"( ابن تيمية: إقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، ج1، ص457).
وأما عبد الله بن عمر بن الخطاب فصرّح قائلاً: "من بنى ببلادهم، وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم"( ابن تيمية: إقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، ج1، ص459).
والسؤال الذي يتبادل إلى الذهن: لماذا قبل الإمام علي هذه الهدية وقالوا اصنعوا كل يوما نيروزاً أو فيروزاً إذا صح قول التصحيف، لأنه لو أراد المنع أو حرّمه لكان قد قال قولاً يفي المطلوب بصورة لا لبس فيه.
وهذا ما حاول الباحث والاكاديمي السعودي (سفر الحوالي) في كتابه جاهداً التأكيد على حرمة الإحتفال بالنيروز والمهرجان واعتبار ذلك من الكبائر المحرمة، وكل واحدة من هذه الأمور منكر بعينه.( حكم الإحتفال بأعياد الكفار، ص13).
ومن جانب آخر كانت هناك عادة دفع الضريبة من قبل الشعوب الخاضعة للدولة الفارسية الساسانية في عيدي النوروز والمهرجان، ولما جاء الإسلام ألغى هذه الضريبة باعتبارها غير شرعية، ولم يتم أخذها في خلافة الراشد الثاني عمر بن الخطاب (ؤضي الله عنه) الذي حطم الإمبراطورية الفارسية الساسانية وحدث أول احتكاك مباشر في عهده بين المسلمين الفاتحين والفرس المجوس. ولكن يبدو أن بعض الولاة المسلمين في عهد الراشد الثالث عثمان بن عفان أخذ هدايا النوروز والمهرجان وهم كل من: الوليد بن عقبة بن معيط، وسعيد بن العاص، فلما تناه الخبر إلى الخليفة الراشد عثمان بن عفان كتب إليهما ينهاهما عن ذلك.( الصولي: أدب الكتابة، القاهرة 1922، ص220).
أما في عصر الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب فقد أخذ واليه على أصفهان (عمرو بن سلمة) هدايا النوروز مع الخراج. (الأصفهاني، أبو فتح: كتاب ذكر أخبار أصفهان، بيروت، 1970، ج1 ص72).
ولما تولى معاوية بن أبي سفيان الخلافة في سنة 41هـ/661 م جعل هدايا النوروز والمهرجان ضريبة إلزامية وطلب من أهل سواد الكوفة دفعها، فبلغت قيمة الهدايا خمسين ألف درهم، كما كتب معاوية إلى عامله على البصرة عبد الرحمن بن أبي بكره أن يحمل إليه هدايا النوروز والمهرجان، فبلغت عشرة آلاف درهم.( اليعقوبي: تاريخ اليعقوبي، بيروت، 1995، ج2 ص218).
وأثناء حركة الصحابي عبدالله بن الزبير بن العوام ضد الدولة الأٌموية، فقد بلغت هدايا النوروز والمهرجان حوالي عشرين ألف درهم، ويرجع السبب في قلتها إلى الإضطرابات والفوضى التي عمّت منطقة الكوفة بسبب الفتنة الثانية.( الصولي: أدب الكتابة، ص219).
وفي عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان أظهر الحجاج بن يوسف الثقفي حرصاً شديداً على جباية الأموال للدولة الأموية لمكافحة الحركات المعارضة، فأعاد استلام هدايا النوروز والمهرجان مع الضرائب وبلغت قيمتها حوالي أربعين ألف درهم.( المصدر نفسه، ص219).
وعندما تولى الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز (99-101هـ) مقاليد الحكم أبطل رسوم وهدايا النوروز والمهرجان.
وفي العصر العباسي أعيدت هدايا ورسوم النوروز والمهرجان من جديد، سيما وأن أغلب وزراء العباسيين كانوا من الفرس، لذا فلا عجب أن حاولوا إحياء مظاهر أسلافهم القدماء.
يقول أبو ريحان البيروني: " في عهد هارون الرشيد تجمع مُلاّك الأراضي مرة أخرى، وطلبوا من يحيى بن خالد بن برمك أن يؤخر عيد النيروز ما يقرب من الشهرين.(كان التقليد القديم يقضي بأن تحتسب الأيام الكبيسة، فلما أبطل هذا التقليد بصورة تجعل القوم يحتفلون بعيد النيروز قبل جني المحصول. وكان هذا يضر بالمزارعين إذ كان لزاماً عليهم عند ذاك أن يدفعوا الضرائب المفروضة عليهم...". انظر: (إدوارد براون: تاريخ الأدب في إيران، ترجمه إلى الفارسية: علي باشا صالح، ترجمه إلى العربية: أحمد كمال الدين حلمي، تقديم: محمد علاء الدين منصور، المجلس الأعلى للثقافة، مصر، البابان الثالث والرابع، ج1، ص59 هامش 5).
وأراد يحيى أن ينفذ ما أرادوا، لكن خصومه تناقلوا الأقاويل حول هذا الأمر، وقالوا إن يحيى موالٍ للدين الزرادشتي، ونتيجة لهذا كف خالد عن هذا العمل ولم يعقب، وبقي الحال على ما كان عليه.( الآثار الباقية عن القرون الخالية، ص37 ).
ويذكر شيخ المؤرخين محمد بن جرير الطبري (المتوفى سنة 310هـ/922م) في كتابه تاريخ الرسل والملوك أن" الخليفة العباسي المتوكل في يوم نوروز والسماجة (= التمثيل الهزلي) بين يديه وهم يقلدون الناس ويظهرون في أصوات مضحكة".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24