الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الرّاقي الشرعي وجائحة كرونا-

محمد زكاري

2020 / 3 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من هم هؤلاء الذين يدعون أنفسهم بالرقاة الشرعيين؟ كيف يستطيع مثل هؤلاء التأثير في العامّة والجماهيير؟
يتبين اليوم أكثر من أيّ يوم مضى، مدى تأثير الإسلامي الشعبي على ذهنية المغاربة، وهذا الإسلام لا يمتُّ بأيّ صلةٍ لجوهر ولحقيقة الدّين. يدعو نفسه ب"الراقي الشرعي" وهو، على الأغلب، شخصٌ ذو مستوى ثقافي بسيط، يحفظ بعض الآيات من القرآن الكريم، طوّر شخصيته باتصاله المباشر أو غير المباشر بأشخاص آخرين لهم نفس الفكر، هذا الفكر الهامشي الطفيلي الذي يترعرع على هامش التّاريخ والثقافة المؤسساتية، يتضخّم ويتكاثر بحيث لا نكاد نراه، حتى أصبح لكل حيّ شخصٌ مُتفيقهٌ يدّعي في العلم معرفة وفي الدّين طول يدٍ، هؤلاء في حقيقتهم يمثّلون تجّاراً امتطوا الدّين لأغراضٍ شخصية، منها المال والشّهرةُ، ولا يتورّعون في أن ينصّبوا أنفسهم وسطاء بين العبد وربّه. ساهمت الدّولة بشكل كبير في التغافل عن نشاطاتهم، بدعوى أنّهم لا يشكّلون أيّ تهديد لها، وأنهم يخدمون مصالحها، في تجديد الرؤية الدينية، لكن ما تبيّن بالأمس من مسيرات طنجة، والقصر الكبير، وسلا، تحت مسمى "التكبير" من أجل دفع البلاء، ما هو إلا إبرازٌ للدور الذي يمكن لهم لعبه في اللحظات الحاسمة، وفي عزّ الأزمة، كما أن فعلهم الذي يمثّل عصياناً مباشراً للدولة، ليس إلا قولاً صريحاً منهم وإعلاناً أنهم متربّصون، وينتظرون الفرصة السانحة.
ليس "الراقي الشرعي" شرعيًّا لا بعرف الدّين ولا بعرف الدّولة، لكنهُ شرعي بعرف الأميّة التي يعيشها المجتمع الحالي، والفقر المزري الذي ترضخ تحته جحافل الناس، فهم الأطباء لمن لا طبيب لهم، وهم المحسنون وهم النفسانيون، وهم الذين يؤازرون الناس في مآسيهم، إنّ صورتهم عند العامة تفوق صورة العالم الجليل النحرير العاكف على الكتب، والفقيه المجتهد الذي يفني وقته في المعرفة وسبر أغوار الدّين، لكن على الرغم من ذلك نصرّ على تجاهلهم، تجاهلاً رباعيًّا لا أعلم أسبابه:
1) تجاهل من طرف الدّولة التي سمحت لهم بممارسة أنشطتهم بكامل الحريّة، دون فرض أيّ شكل من أشكال الرقابة على نوعيّة تلك الأنشطة، التي عرفت مؤخّراً سلسلة من الفضائح، ومع ذلك فإنّها لا تزال غير آبهة بهم وبمن يناصرهم في رأيهم وفكرهم، مع الإشارة إلى محلّاتهم التي صارت تمارس كلّ أشكال التزييف الطبي والدعاية لما يسمى ب"الطب النبوي".
2) تجاهل من طرف المؤسسة الدينية وجسدها الثقافي، في مسألة التأصيل لمثل هذه الظاهرة، والإفتاء حولها، وحول المآلات التي يمكن أن تقود إليها المجتمع، لا سيما وأن مثل هذه السلوكيات قد تسيء إلى الإسلام والمسلمين.
3) تجاهل من طرف النخب الثقافية والعلمية للمجتمع في التجند لمثل هذه الظواهر ونبذها وبيان لا علميتها، وهذا الأمر ينسحب على المثقفين وعلى المدرّسين والأساتذة والأطبّاء والنفسانيين.
4) تجاهل من طرف الإعلام إذ لا يكاد يوجد برنامج واحد يهتم بمثل هذه الظواهر التي تنخر جسد المجتمع، وتنذر بمزيد من التمزّق والفرقة تحت مسمّى الإسلام الحقّ، الذي يسعى إليه مثل هؤلاء.
كلّ هذا التجاهل تجاه مثل هذه الظاهرة لا يمكن أن يقود إلا إلى تغوّلها في المجتمع، ونشر ثقافة تدعو إلى التفرقة، والمغالاة في الرأي، بدعوى الانتصار إلى القيم الإسلامية، والإسلام من مثل هؤلاء براء. مع الوعي التّام بمدى تأثيرهم في العامّة، وقد تبيّن مثل هذا الأمر واتضح ليلة 21 من مارس 2020.
وفي الأخير يمكن القول بأن جائحة كرونا، أو "البلاء" ليس إلّا الغطاء الذي خرج في ضوئه هؤلاء لإعادة التعبير عن التّعصّب والمغالاة التي لا تزال تطغى على مثل هذه الذهنيات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو


.. 70-Ali-Imran




.. 71-Ali-Imran


.. 72-Ali-Imran




.. 73-Ali-Imran