الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ان الشيوعية العراقية هى الشيعية القديمة ؟ القسم الخامس والاخير (العقدة الشيعية من ايران)

سلمان رشيد محمد الهلالي

2020 / 3 / 24
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


(الجهل الحقيقي ليس في غياب المعرفة .. بل في رفض اكتسابها) كارل بوبر
المحطة الثالثة (الانبعاث الشيعي الثالث) : الثورة الايرانية عام 1979 : شكلت الثورة الايرانية الانبعاث الشيعي الثالث في العالمين العربي والاسلامي , ليس في مجال استحداث الطقوس والمعارف وغيرها - كما حصل مع البويهيون والصفويون - وانما في المجال السياسي والاعتزاز بالهوية وبعث الحياة في المومياء الشيعية المتكلسة في العراق والشرق الاوسط , بعد عقود طويلة من العبودية والغيبوبة والتدجين الحكومي والسلطوي الذي تبلور على هامش تاسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 , التي عملت وفق اسس من الطائفية والعلمانية والقومية على تجفيف منابع الثقافة الشيعية واستهدافها وتهميشها ضمن سرديات خاصة من التخوين والتكفير, لاسباب سياسية وسلطوية تتعلق بالرغبة في السيطرة على مقدرات الدولة ومكاسبها ومناصبها , وترسيخ حكم الاقلية السنية ذات الاصول العثمانية والجذور الانكشارية التي نقلت ولائها من السلطان العثماني الى المندوب السامي البريطاني . وقد تصاعد ذلك الاستهداف بعد الانقلاب البعثي عام 1963 الى مستويات لاحصر لها من الترويض والخصاء للمجتمع الشيعي , واستهداف اي مظهر ثقافي او مذهبي او اجتماعي شيعي (وقد فصلنا تلك الاليات في القسم الثالث من هذه الدراسة) . ولم تكن مظاهر العبوية والغيبوبة مقتصرة على الجماعة الشيعية في العراق , وانما كانت حالة شاملة لجميع الشيعة في العالمين العربي والاسلامي , حيث التهميش والاقصاء والتخوين والتكفير هو النسق الاجتماعي والسياسي السائد والمستحكم على السلوكيات السلطوية والحكومية في جميع تلك الدول التي تضم جماعات شيعية مثل البحرين والكويت ولبنان واليمن وباكستان والهند واذربيجان والسعودية وغيرها . وهو الامر الذي جعل المركزية السنية والدوائر الطائفية في السعودية والعراق ومصر وتركيا تعيش الهيستريا الجماعية بعد نجاح الثورة الايرانية بقيادة الامام الخميني , شبيه بالهيستريا الفائقة التي اعقبت سقوط النظام البعثي في العراق عام 2003 , رغم ان الثورة الايرانية لم ترفع شعارات طائفية او سلوكيات مذهبية مثل الدولة الصفوية , لان جل مناداتها كانت منحصرة بالاسلام الثوري ومواجهة الغرب - وعلى راسهم الولايات المتحدة الامريكية – الا ان المركزية السنية لم تتقبل هذا الواقع الجديد والتحول المفصلي ,لانها تعلم جيدا خطورة حتى هذا النوع من الاسلام الثوري على حكمها وانظمتها العائلية والحزبية والديكتاتورية والطائفية والاقلية ,وتسلطها على شعوبها ورضوخها للغرب وانقيادها الاعمى لامريكا والدول الاوربية الاخرى ,فاطلقت النفير العام لمواجهة هذه الثورة الفتية التي كانت تعيش اجواء الفتن الداخلية والصراعات السياسية والايديولوجية والاستهدافات الارهابية والتامرات الخليجية , من خلال الحملات الطائفية والعنصرية والتكفير الديني والحصار الاقتصادي والتحريض الغربي , انتهت بالحرب العسكرية التي شنها عليهم صدام حسين عام 1980 . مستغلين الهياج الثوري السائد في بداية الثورة ودعوى تصدير الثورة التي روجت له اول مره في خطابها الاعلامي السلطة البعثية في العراق , كحجة للهجوم على ايران والنيل منها امنيا واقتصاديا وسياسيا , وكالعادة تلقف ذلك - لاشعوريا - هذا المفهوم الكتاب الطائفيون والشيعة المخصيون لتبرير خطا صدام الاسطوري والتاريخي في الهجوم على ايران . وفي الواقع ان مفهوم تصدير الثورة يمكن ادراجه ودراسته وفق تصورين :
الاول : اذا كان المقصود بالتصدير هو الاستلهام والاقتداء والتاثير بالاخرين والمتلقين , فهذا الامر هو حالة طبيعية في سنن التاريخ والحياة , فكل الثورات بالعالم اثرت بالمحيط الجغرافي لها او بالنسق الايديولوجي والديني والشعبي التابع لها , كما في حالة الثورة الفرنسية عام 1789 والثورة البلشفية الروسية عام 1917 التي اثرت بافكارها وقيمها اغلب دول العالم , بل حتى الثورة المصرية عام 1952 اثرت بالعالم العربي وقلدها الضباط العراقيون بثورة تموز 1958 , فهل نقول ان الفرنسيون والروس والمصريون صدروا الثورة الى دول العالم ؟؟ ام ان الصحيح ان دول العالم هى من استلهمت افكار ومبادىء وقيم تلك الثورات ؟
الثاني : ان الثورة الايرانية هى ثورة ايديولوجية اسلامية راديكالية استلهمت في الاصل النزعات والافكار الثورية السائدة انذاك في القرن العشرين مثل الشيوعية والقومية , (حتى وصفها الشاه بثورة المعممين الحمر) ومن الطبيعي ان يتصاعد عند قادتها واتباعها الحماس الثوري بعد نجاح الثورة واسقاط حكم الشاه الايراني الذي كان يشكل اهم قلاع - مايطلقون عليه - الامبريالية الامريكية , فتخرج منهم تصريحات وسلوكيات من الاعتزاز والعنفوان والحماس حول ضرورة نشر تلك الايديولوجية الثورية في العالم وتحرير المجتمعات الاسلامية والمستضعفين من تسلط المستبدين والحكام الديكتاتوريين , الواقعين تحت الهيمنة الامريكية والغربية . ولكن السؤال : هل ان هذه التصريحات الثورية وصلت الى مرحلة التطبيق العملي ؟؟ في الواقع ان مفهوم تصدير الثورة هو مجرد تبرير بعثي وطائفي لسببين :
الاول : هل ان النظام الثوري الايراني قام بتاسيس جماعات او احزاب او تشكيلات مسلحة اسلامية في البلدان الاسلامية او العربية في السنوات الاولى من الثورة تاخذ على عاتقها القيام بتحركات في تلك البلدان ؟؟ وهل اسس اذاعات او مؤسسات اعلامية موجه الى تلك البلدان للتحريض على الانظمة المستبده فيها ؟؟ هل قلد الاتحاد السوفيتي بتشكيل الدولية الشيوعية الثالثة (الكومنترن) عام 1919 التي اقترحها (لينين) من اجل تاسيس وادارة الاحزاب الشيوعية في العالم ؟ في الواقع ان كل ذلك لم يحصل في بداية الثورة ابدا , وان ماحصل في جزء من تلك الاعمال والسلوكيات كان بعد الاحتلال العراقي للاراضي والمدن الايرانية واعلانه الحرب رسميا عام 1980. والمفارقة ان الشيوعيين العراقيين – واغلبهم من الشيعة - يعرفون جيدا دور (الكومنترن) في تاسيس الحزب الشيوعي العراقي والتبعية له سياسيا وايديولوجيا , وهو جزء من مفهوم تصدير الثورة الذي كان يروج له بقوة القيادي الماركسي (ليون تروتسكي) بل ويعترفون بذلك صراحة - كما بينت ذلك سعاد خيري في كتابها (من تاريخ الحركة الثورية المعاصرة) - فيما هم يرددون اليوم ببغاويا الخطاب الاعلامي البعثي حول تصدير الثورة الايرانية دون خجل او استحياء من ظروف تاسيس حزبهم وتبعيته للحزب الشيوعي السوفيتي والاتحاد السوفيتي , وهذا مايؤكد قولنا السابق حول البنية الشيعية الاصلية للشيوعيين العراقيين وانسياقهم للخطاب القومي والبعثي لاشعوريا بسبب عملية الاستهداف والتدجين الحكومي الطويل .
الثاني : ان الدولة الايرانية وخلال السنوات الثلاث الاولى من الثورة بين عامي (1979 – 1981) كانت تعيش اجواء الاحتراب الداخلي والانقسام السياسي والصراع الايديولوجي والتمرد الاثني بصورة قد تقترب من الحرب الاهلية غير المعلنة . فضلا عن الاستهدافات شبة اليومية والعمليات الارهابية ضد القادة الايرانيين وكبار المسؤولين ومقتل المئات منهم على ايدي مجاهدي خلق وغيرهم . كما ان ازمة الرهائن واحتلال السفارة الامريكية في طهران واحتجاز العشرات من الدبلوماسيين الامريكيين ادخلها في مواجهة مباشرة مع الغرب , وبالتالي فهى اصبحت مشغولة بصورة كبيرة جدا بالشؤون الداخلية والخطر الامريكي , الامر الذي يجعل من الاستحالة بمكان ان يتم طرح مفهوم تصدير الثورة نظريا - فضلا عن تطبيقه عمليا - وقد ذكر احمد الكاتب العضو في منظمة العمل الاسلامي الذي كان من اوائل العراقيين اللاجئين الى ايران هربا من النظام البعثي الديكتاتوري ,انهم كانوا يحرضون الايرانيين على الحكم البعثي بعد الممارسات القمعية واستهداف السيد محمد باقر الصدر , الا ان الايرانيين كانوا يرفضون ذلك بسبب انشغالهم بالقضايا الداخلية اولا واعتبار معركتهم او مواجهتهم الرئيسية مع الولايات المتحدة الامريكية ثانيا .
الا ان الغريب في موضوعة تصدير الثورة ليس مايذكره البعثيون والكتاب الطائفيون والقوميون العرب العنصريون , فهذا الامر هو من نسق معتقداتهم الايديولوجية وتوجهاتهم الفكرية وتبريرهم الاعلامي لغباء صدام حسين بالهجوم على ايران وادخاله البلد بنفق مظلم لم يخرج منه حتى الان , وانما الغريب مايردده الشيعة المخصيون حول خطورة تصدير الثورة على تلك الانظمة , وكانهم يعيشون (البحبوحة) ضمن دول وحكومات ليبرالية وديمقراطية وعادلة ومواطنين من الدرجة الاولى يتمتعون بالرفاهية الاقتصادية والتعددية السياسية والثقافية , وبالتالي يخشون من الثورة الايرانية ان تطيح بتلك المكتسبات التي حصلوا عليها و الامتيازات التي يتمتعون بها (ويبدو انهم لايريدون احدا استفزاز ابيهم الحاكم المخصي لهم) . في الواقع ان هذا الموضوع يؤكد راينا السابق الذي نعززه في كل مقالة او دراسة بالادلة حول التبعية اللاشعورية للانتلجنسيا الشيعية المخصية للخطاب الاعلامي العربي والطائفي والتماهي معه ايديولوجيا وسياسيا دون تفكير او تحليل او مراجعة , والا كان المفترض من تلك الانتلجنسيا ان تطالب بتصدير الثورة الى بلدانها من اجل تخليصها من حالة العبودية والديكتاتورية والمكافحة الثقافية والابادة المنظمة التي تعيشها , لانه في الاخير ليس عندها ماتخسره سوى (الاغلال في ايديهم) - حسب تعبير ماركس في البيان الشيوعي - ولكنهم - وكما يقول المثل الشعبي (البزون مايحب الا خناكة) - يفضلون العبودية التكريتية او العربية على الحرية الفارسية او الايرانية , حتى لو تمادى ذلك الى استهداف مذهبهم وانتهاك اعراضهم واعدام اولادهم , وربما هم يريدون تقليد الحاج خير الله طلفاح (خال صدام حسين) في مواقفه التي كان يفضل فيها العرب على العجم حتى في القضايا التي تتعلق بالشرف والعرض كما في القصة الاتية التي تعطينا دلالات مهمة , وهى باختصار (ان جماعة من السادة ال مسافر من الناصرية ذهبوا الى ديوان خير الله طلفاح في تكريت في منتصف الثمانيات وابان الحرب العراقية الايرانية من اجل التوسط لاطلاق سراح ابنهم الذي اتهم ظلما في احدى القضايا السياسية , وفي هذه الاثناء دخل على الخط رجلا من تكريت يشكو ان زوجته قد ضبطها في مواقف جنسية مع عاملا مصريا ,عندها تعرض الحاج خير الله طلفاح لموقف محرج ,فهو قد اعتاد ان يتهم الجنوبيين والشيعة بالاباحية والانحلال ,فيما ان القصة التي حصلت امامهم هى عكس ذلك تماما ,واعتبر الامر في صالح اعدائه الشيعة واهل الجنوب ,فما كان من الحاج طلفاح الا ان رفع يديه للسماء قائلا بصوت عال وهو ينظر بطرف عينيه للسادة ال مسافر (الحمد لله عربي – بضم العين - ومو عجمي) اي الحمد لله ان من انتهك عرضهم وشرفهم هو عربي مصري وليس عجمي ايراني!!!) . وهذا النسق الاجتماعي والسياسي هو السائد عند سنة العراق – وباقي المجتمعات العربية الاخرى - فهم يتحملون اي تجاوز او انتهاك او خسارة او تنازل وبمختلف المجالات والمسارات الاقتصادية والعسكرية والسيادية والسياسية والحدودية والاجتماعية والاعلامية , الا انهم لايتحملون ادنى من تلك المواقف اذا حصلت من قبل الشيعة او ايران , ولكن هذا ليس بالمستغرب ,فهم يشعرون بالاستعلاء على الشيعة ويتحرجون او يتحسسون ان يحصل منهم اي تجاوز شبيه بتحرج واستنكاف السيد من تجاوز العبيد عليه . فيما ان الغريب – وكما ذكرنا سابقا – ان هذا النسق انتقل حتى الى شيعة العراق واغلب المثقفين والمتعلمين المخصيين , فهم يتحملون الملايين من قصص الاستعباد والاهانات والانتهاكات ومواقف التجاوز العربية والتكريتية والطائفية والعنصرية عليهم , الا انهم لايتحملون اي من تلك المواقف اذا صدرت من الايرانيين او من الشخصيات الشيعية الاخرى , تقليدا للحاج خير الله طلفاح في قصته السابقة ومحاكاة للمركزية السنية والعربية على قاعدة ابن خلدون الشهيرة (ان المغلوب دائم الاقتداء بالغالب) .
ان من خلال رؤيتنا الخاصة للامور ومتابعتنا الشخصية للسياسية الداخلية والخارجية الايرانية وجدنا انها تتمحور حول ثلاث توجهات خاصة ,تتميز في اغلب الحالات بالتوازن من جهة او الانسياق نحو توجه محدد بشكل لايلغي التوجهات الاخرى كليا وهى :
اولا : التوجه الاسلامي :
ثانيا : التوجه المذهبي :
ثالثا : التوجه الوطني :
اولا : التوجه الاسلامي : يشكل الاسلام بصورة عامة والاسلام السياسي الثوري بصورة خاصة التوجه الاهم والابرز في الخطاب الرسمي والشعبي الايراني. والاعلام منغمس بصورة كبيرة جدا في التبشير بالدين الاسلامي وتبييض صفحته وتجميل صورته والدفاع عنه امام الملحدين والعلمانيين والمستشرقين وغيرهم ,من خلال تاسيس المراكز والمؤسسات الاسلامية في اغلب دول العالم ودعم الحركات والتوجهات والاحزاب الاسلامية التي في مجملها يهيمن عليها الطابع السني , على اعتبار ان الاغلبية الساحقة من دول العالم هى سنية المذهب , وهذا يدل على مصداقية ايران بهذا التوجه . فيما ان دعمها للاسلام الثوري امر لاينكره احد , وخاصة للاحزاب التي تطالب بالمشاركة السياسية والتصدي للحكم في دول العالم الاسلامي او مواجهة الحكام المستبدين والعلمانيين المتطرفين ,او دعمها العلني للحركات الثورية التي تواجه الاحتلال الاسرائيلي وخاصة في لبنان وفلسطين . وهذا التوجه الايراني والتركيز عليه اعلاميا وسياسيا وثوريا هو الذي اعتبر بداية مااطلق عليه (الصحوة الاسلامية) . كما عملت ايران على تعزيز الروحية الاسلامية بعد الهيمنة العلمانية وتاسيس الحكومات الوطنية التي تبلورة في اعقاب الكولونيالية الجديدة , وانتشار التوجهات الليبرالية والماركسية والالحادية والوجودية والقومية في اغلب المجتمعات والدول الاسلامية التي انجرفت نحو التغريب بصورة جعلت الاسلام يبدو اقرب الى التكلس والانزواء . وقد يذكر البعض ان الصحوة الاسلامية هى التي بعثت الحركات التكفيرية والارهابية والجهادية السلفية . اعتقد ان الاسلام الثوري يختلف كليا عن الاسلام التكفيري والجهادي لسببين :
1 . ان الاسلام التكفيري موجود وفاعل قبل الثورة الايرانية في كتابات وتنظيرات سيد قطب وابو الاعلى المودوي والجناح المتشدد من الاخوان المسلمين في مصر . واما اذا رجعنا للتاريخ قليلا فالحركة الوهابية التي ظهرت قبل ثلاث قرون تقريبا والتي استندت على افكار وفتاوى ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب التكفيرية تدحض الراي القائل ان لايران دور في بلورتها وتاسيسها .
2 . ان الاسلام الثوري الايراني موجها نحو الغرب وامريكا , وليس الى الداخل الاسلامي او الاخر المختلف بالمذهب والدين , ولم يحوي اي مضامين وتوجهات تكفيرية للفرق الاسلامية الاخرى . فيما ان الاسلام الوهابي وجه اقوى اسلحته واشرسها للداخل والاخر المختلف بالمذهب كالشيعة والعلمانيين والمسيحيين , الامر الذي اعتبره البعض ليس انحرافا عن القضية الاسلامية فحسب , وانما اختراقا من الدوائر الامريكية والغربية لتشويه الاسلام وتقسيمه ونقل معركته الاساسية الى مديات اخرى ليست في صالحه .
ثانيا : التوجه المذهبي : وقبلها يجب التمييز بين الطائفية والمذهبية . فالاولى تعني الاقصاء والتهميش او التشويه والتخوين للاخر المختلف بالمذهب , وربما يتطور الى سلوكيات اكثر عنفا من قبيل التكفير والارهاب والتهجير والابادة . فيما ان المذهبية هى الانغماس والتماهي بالممارسات الدينية والطقوس التي تقوم بها احدى المذاهب في وقت معين ودعمها وتشجيعها والترويج لها اعلاميا وفكريا وشرعيا . والتوجه المذهبي – وليس الطائفي – ظاهر في السياسية الايرانية (وعند الشيعة عموما) من حيث الترويج لمذهب اهل البيت وافكارهم وطقوسهم , ودعم الشيعة في العالم الاسلامي والعربي , ونشر مظلوميتهم وتهميشهم عن الادارة والحكم , وبعث الهوية الشيعية المتكلسة في المجتمعات الاخرى التي تعاني من الاستبداد والطائفية ,كما في حالة الشيعة في العراق والبحرين واليمن ولبنان وباكستان والهند ودول الخليج الاخرى , التي كانت تعاني من الخمول المذهبي والتمييز الطائفي . كما عملت ايران من جانب اخر على نشر التشيع في المجتمعات العربية والاسلامية السنية بصورة مباشرة من خلال الاعلام والكتب والفضائيات والانترنت , او بصورة غير مباشرة من خلال الاعتزاز بمواقفها واقتدارها في مواجهة الغرب وامريكا ودعمها لحزب الله وغيرها . وقد ذكرت تقارير مؤكدة انتشار التشيع في جميع دول العالم الاسلامي السنية , وفي مجتمعات لم يكن فيها سابقا اي وجود شيعي على الاطلاق , الامر الذي شكل حرجا واعتراضا من قبل اهل السنة - وعلى راسهم الشيخ القرضاوي - ولايمكن تفسير الانبعاث الشيعي وتلك السياسات والسلوكيات بالطائفية لسبب بسيط هو ان ايران ليس من مصلحتها فقدان الاغلبية على حساب الاقلية , فالشيعة هم في الاخير لايشكلون اكثر من ربع العالم الاسلامي , وليس من الصحيح ان تثير ايران القضايا الطائفية وتجلب النقمة والاستعداء من الاغلبية من اجل رضا الاقلية . فيما تعمل السعودية على العكس من ذلك , فهى تعمل على اثارة الطائفية من اجل كسب الاغلبية السنية التي تشكل ثلاث ارباع العالم الاسلامي السني الى جانبها والتحصن والتمركز معها , فيما لايهمها التفريط بالربع الباقي وهم الاقلية الشيعية .
ثالثا : التوجه الوطني : ويسميه البعض خطا بالسياسية القومية الفارسية . فايران ليس من مصلحتها انتهاج سياسية قومية متشددة , لانها بلد متعدد القوميات من الترك والعرب والبلوش والكورد والفرس وغيرهم , واثارة النزعة القومية يشكل خطرا قد يؤدي الى الاحتراب الاهلي والانقسام الاثني . لذا فان السياسة التي تعتمدها للحفاظ على المصالح العليا للبلد تسمى (الوطنية) . والدولة الايرانية – وهى كاي دولة في العالم - تجعل مصالحها العليا هى الهدف الاخير في اي قضية او موقف , ولكن ربما ليس في كل المواقف , لان هذا الراي يصطدم بمنطق اخر مغاير في ايران وهو منطق الثورة التي تفضل التوجه الاسلامي ونشر الايديولوجية الثورية في العالم والمنطقة على حساب التوجه الوطني . فكلنا يعلم بانه في ايران يتصارع هناك منطقين : منطق الدولة ومنطق الثورة . ومنطق الدولة يمثله الحكومة الايرانية ورئيس الجمهورية وباقي الوزراء . وهو يطالب بسياسية معتدلة تجعل المصلحة الوطنية الايرانية هى العليا ويطالب بالحوار والتواصل مع دول العالم واهمها الدول الغربية والعربية , وقد تصاعدت اسهم هذا التوجه في عهد الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي الذي رفع شعار (ايران للايرانيين) . فيما يمثل منطق الثورة الحرس الثوري والمرشد الايراني قائد الثورة الاسلامية الذي يتبنى سياسية متشددة ضد الغرب والدول التابعه له , ويفضل التوجه الاسلامي الثوري على حساب المصلحة الوطنية العليا , وهذا المنطق هو السائد والمنتصر في ايران الحالية , فيما كان منطق الدولة هو السائد في التسعينات , لذا وجدنا ان هذا التوجه ادخل ايران في مواجهة عسكرية واقتصادية واعلامية مع امريكا والدول العربية التابعه لها مثل السعودية والامارات بسبب عدم تنازلها او خضوعها للتوجهات الامريكية في الملف النووي واسرائيل والمقاومة وغيرها . وقد اكد قوة هذا التوجه تاريخيا في ايران الكاتب المصري التنويري سامح عسكر - وهو من افضل من كتب عن ايران عربيا - بقوله (الشعب الإيراني طوال تاريخه لم يقدم نفسه على أنه الأقوى.. بل المكافح للأقوى.. وهذا أعطاه ميزة الاستعداد والتوقع لما هو أسوأ، وكان السبب من أسباب قوة الإمبراطورية الفارسية القديمة. وفي منتصف القرون الوسطى قدموا أنفسهم كمكافحين للغزو العثماني) . وفي عصرنا الحالي طرح الايرانيون انفسهم مكافحين للدول القوية مثل امريكا والسعودية واسرائيل , فضلا عن مكافحتهم الشديدة لاشرس التنظيمات الارهابية مثل طالبان والقاعدة وداعش .
وهناك من يقول ان السياسية الخارجية الايرانية في المسارات الاسلامية او المذهبية الشيعية انما تصب في مصلحة ايران القومية العليا – حسب تسميتهم – وان دعمها لفصائل المقاومة ورفضها للهيمنة الامريكية وتحريضها للاحزاب والتوجهات الاسلامية لمواجهة الانظمة الاستبدادية والطائفية ,انما هو في الاخير يصب في مصالحها وهيمنتها على المنطقة . في الواقع ان هذه الاطروحة نجدها بالعكس من ذلك تماما , فايران تعرضت لاقسى العقوبات واشرس الاتهامات بسبب هذه السياسية سواء اكان من الدول الغربية - وعلى راسها امريكا - ام من الدول العربية وعلى راسها السعودية , وفقدت الكثير من مواطن القوة والهيمنة والتطور الاقتصادي بسبب دعمها للفصائل المقاومة والاحزاب الاسلامية التي تواجه الاستبداد , وقدر البعض خسائر ايران بسبب العقوبات والحرب والحصار خلال اربعين عاما (1979-2019) الى اكثر من الفي مليار دولار ,وهو رقم مهول يمكن ان ينقل ايران الى اكثر دول العالم تقدما وتطورا , بل ان ايران رفضت الرسائل التي كان يرسلها الرؤساء الامريكان - امثال بارك اوباما وترامب - حول الاعتراف بها كدولة عظمى في المنطقة اذا غيرت سياستها من اسرائيل ودعم الفصائل المقاومة , الا ان ايران رفضت حتى مجرد الجواب على تلك الرسائل او التفاوض معها . وقد يسال البعض عن ماهية تلك السياسية الايرانية وفائدتها اذا جلبت لها كل تلك العقوبات والحصار والازمات الاقتصادية والتحريض والتشويه الاعلامي والتكفير الوهابي . ان الجواب على ذلك هو يرجع الى طبيعة النظام الثوري والايديولوجي الايراني بعد الثورة الاسلامية عام 1979 . فايران دولة ايديولوجية وكل دولة ايديولوجية تنطلق في سلوكها وتصرفاتها ليس على ضوء المصلحة الوطنية او القومية في اغلب الاحيان , وانما على ضوء ترويج تلك الايديولوجية في العالم وترسيخها عند اتباعها ومواليها . وقد تكون هناك دول ملتزمة كليا بهذا السياق بصدق ويقين حقيقي , فيما قد تجد ان بعض الدول الايديولوجية لاتلتزم , وان تنازلها عن تلك المبادىء سريعا اذا تضارب مع المصلحة الوطنية العليا , وعندنا المثال على ذلك الاتحاد السوفيتي الذي هو دولة شيوعية ايديولوجية وثورية وعمل على نشر تلك الافكار الماركسية في مختلف دول العالم من خلال تاسيس ودعم الاحزاب الشيوعية في اسيا وافريقيا وامريكا الجنوبية . الا ان الفرق ان الاتحاد السوفيتي كان يضحي او يبيع تلك الاحزاب عند اول فرصة - كما حصل مع الحزب الشيوعي العراقي - الذي تعرض الى مذبحتين كبيرتين من قبل الحكم البعثي في عامي 1963 و1979 الا ان الاتحاد السوفيتي لم يبادر لمساعدتهم او مقاطعة كلا النظامين البعثيين - ان لم يكن العكس - فقد عزز العلاقات معهما كثيرا .
ان من خلال التجارب التي اعقبت الثورة الايرانية ذات الايديولوجية الاسلامية الثورية عام 1979 انها افرزت مسارين احدهما سلبي والاخر ايجابي وهما :
المسار السلبي : انها فرزت الحالة الاسلامية - باطارها العام - وماصاحبها من سلوكيات وشعائر وطقوس واخلاقيات كانت شبة مندثرة او كامنة في العالم الاسلامي بعد هيمنة التوجهات العلمانية والانظمة القومية والوطنية بعد الكولونيالية الجديدة .كما افرزت مااطلق عليه (الاسلام السياسي) وماتبعه من اشكالات وتعقيدات اعادت الروح من جديد لدخول الدين بالسياسية بعد اندثار هذا المفهوم وتلاشيه اثر هيمنة التوجهات العلمانية – كما قلنا – على المجتمعات الاسلامية . ومن الطبيعي ان تلك الافرازات يصاحبها عادة تداعيات سلبية من قبيل الغلو والتشدد والتطرف والهجوم على الطروحات العلمانية وتلاشي القيم الليبرالية , تطورت - للاسف - عند بعض المجتمعات الاسلامية السنية الى التكفير والطائفية والاستبداد والارهاب . وانطلاق الصحوة الاسلامية وانتشارها في العالم لم ياتي من فراغ او بسبب النزعة الثورية الايرانية فقط , وانما يتعلق الكثير منها بفشل الانظمة السياسية العلمانية والقومية واليسارية في تاسيس الدولة الديمقراطية والعادلة ونزوعها نحو الديكتاتورية والاستبداد والتغريب ونكوصها نحو العنصرية والطائفية والانحلال , الامر الذي ادى الى (انتقام الاله) - حسب تعبير هنتغنتون - واعادة انبعاث الاديان من جديد
المسار الايجابي : انها بعثت الشخصية والهوية الشيعية المتكلسة واعادة الروح لها بعد قرون طويلة من العبودية والغيبوبة على ايدي الانظمة الطائفية والقومية والديكتاتورية . فالشيعة - وخاصة العراقيون منهم - وعلى مدى تاريخهم الحديث والمعاصر كانوا يعيشون في برودة التاريخ ولزوجة الاستبداد وعفونة الاقصاء واستكانة العبودية وهيمنة القيم البدوية والانقسامات العشائرية والريفية البعيدة عن الاسلام الشيعي من جانب , مع اختراق شامل وفاعل من الصراعات السياسية والمفاهيم الحديثة والايديولوجيات العلمانية كالليبرالية والماركسية والقومية والوطنية من جانب اخر . ولم يكونوا يعرفون ذواتهم كشيعة او يجهدون انفسهم من التفكير في عبوديتهم واذلالهم وخنوعهم المزمن , لان الوعي يؤرقهم والعقل يربكهم ويجلب لهم المشاكل والقلق والتوتر . فيما العبودية تريحهم وتبعدهم عن المسؤولية والمواجهة والصدام . والعبودية عند الشيعة العراقيين ليست اجبارية واضطرارية وانما في قسم كبير منها اختيارية تتعلق بفقدان الوعي وعدم الشعور بالظلم وتزييف العقل و(القابلية الذاتية للعبودية) , واذا كان المفكر الجزائري مالك بن نبي يقول ان المجتمعات العربية لها (القابلية للاستعمار) , فان الشيعة في العراق عندهم (القابلية للعبودية) للحكومات الطائفية والعنصرية , لاسباب عدة اهمها طبيعة الحقد والكراهية بين افراد المجتمع الشيعي وغياب الهوية الذاتية وهيمنة القيم البدوية والتدجين الحكومي والاستهداف الطائفي والخصاء البعثي والترويض الثقافي وغيرها . وقد يعترض البعض على هذا الراي بالقول بان الشيعة العراقيين كانت لهم ثورات وانتفاضات ضد التهميش والاقصاء وان الروحية والثورية الشيعية لم تاتي من ايران وانما هى عراقية خالصة والدليل حركة الجهاد في البصرة ضد الانكليز عام 1914 وثورة العشرين ضد الانتداب البريطاني والانتفاضات العشائرية عام 1936 والانتفاضة الشعبانية عام 1991 . في الواقع بان جميع تلك الحركات هى ليست شيعية - عدا الانتفاضة الشعبانية التي هى من تاثيرات الثورة الايرانية – وانما حركات اما اسلامية مثل حركة الجهاد التي قادها السيد الحبوبي عام 1914 او وطنية مثل ثورة العشرين او عشائرية مثل انتفاضة العشائر في سوق الشيوخ عام 1936 التي اراد الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء تحويلها الى انتفاضة ضد التمييز الطائفي وفشل في ذلك فشلا ذريعا , ولاتوجد بالتالي اي انتفاضة شيعية صريحة غير الانتفاضة الشعبانية المجيدة عام 1991 (كما قلنا) . فيما قد يعترض البعض ايضا على هذا القول بان الشيعة كانوا يعيشون العبودية والاذلال والاستبداد ويعتبرونه امرا مبالغا فيه وصورة قاتمة للواقع , لانهم كانوا موطنين عاديين في بلدانهم ولهم من الحقوق والواجبات مثل الاخرين من السنة دون تمييز او تهميش واقصاء , وان الاستبداد هو سمة عامة في المجتمعات والدول العربية والاسلامية والامر لايقتصر على الشيعة فقط ؟ في الواقع ان الجواب على ذلك هو ان الشيعة كانوا يتعرضون الى نوعين من الاستبداد والمكافحة الثقافية في الدول العربية والاسلامية , الاستبداد العام الذي يشمل جميع المواطنين دون تمييز رغم الحظوة السنية في تلك الانظمة . والاستبداد الخاص الذي يشمل الشيعة وباقي الاثنيات والديانات والقوميات الاخرى , وبالتالي فان مصيبتهم مركبة ومضاعفة من التهميش والتخوين والاقصاء , ومن يريد ان يكابر ولايعترف بالحقيقة اما جهلا او عمدا , او خشية من الاهانة التي قد تشكلها هذه الحقيقة , او ربما من جماعة السلطة واتباعها وادواتها , الذين يريدون الايحاء بانهم كانوا يمتلكون سلطة نسبية في مجتمعاتهم وحكوماتهم مثل البعثيين الشيعة او الشيوعيين ابان الجبهة الوطنية والقومية التقدمية (1973-1979) فان هذا لايلغي من الواقع المعاش شيء . وبالطبع انا اتفهم الرفض النفسي للكثيرين من الاعتراف بالفقر والعبودية والاذلال الذي كانوا يعيشونه مع ابائهم واجدادهم واهلهم , فالقيم البدوية والعشائرية عند العراقي لاتجعله يعترف بالخضوع والتبعية , لانها قائمة على العنجهية والكبرياء الفارغة والتباهي والتهنبل والخبن والكذب . وقد عاصرنا بعد سقوط النظام البعثي عام 2003 الكثير من الناس يتوترون ويغضبون عند تذكيرهم باي موقف من مواقف القمع والفقر والحرمان التي تعرضوا لها على يد النظام البعثي الديكتاتوري , وينكروها اشد الانكار , بل ان الكثير اعاد كتابة تاريخ حياته واهله وعشيرته , واعتبر نفسه ثوريا وغنيا وكريما ومقاوما للاستبداد . وقد يكون هناك اناس اصلا لايشعرون بالعبودية والاستبداد , وليس منكرين له عن وعي , ونحن لانلومهم على ذلك ابدا , لان ماركس كان يقول (الفقر لا يصنع ثورة , وإنما وعي الفقر هو الذي يصنع الثورة) . فالمجتمع الشيعي والجنوبي الذي عاش قرون طويلة من الفقر والعوز والجوع والحرمان افرزت عنده حالة من عدم الاهتمام بقيم الحرية والهوية والكرامة , لان تركيزه في الحياة سيكون منصبا على توفير الحاجات الاساسية و الرئيسية التي ذكرها عالم النفس الامريكي (ابراهام ماسلو) في نظريته السلوكية الشهيرة حول ترتيب الاوليات عند الانسان التي يجب اشباعها اولا . وتبدا بالحاجات الفسيولوجية كالطعام والماء والتنفس والجنس ثم الحاجات المتعلقة بالامن والسلامة ثم الحاجة للانتماء والحب والاحترام واخرها تحقيق الذات , لذا ليس من المستغرب ان تجد الحكومات الديكتاتورية السابقة قد جعلت الجنوبي - والشيعي عموما - في حالة مستمرة ودائمة من العوز والفقر والتهديد , حتى يبقى اسير توفير تلك الحاجات واشباعها وعدم الاهتمام بالاحترام والتقدير وتحقيق الذات والقيم المتعالية كالحرية والكرامة وغيرها .
وقد اعترف الاعلام العربي والطائفي بان الشيعة - وبعد الثورة الايرانية - اصبح لهم حضور وسطوة واهتمام في العالم العربي والاسلامي , لم يحدث في التاريخ مثلها سابقا بعد قرون من التهميش والالغاء والنسيان , الا انهم يستدركون – بذكاء - بان هذا الانبعاث كان لصالح ايران التي استغلت المظلومية الشيعية لصالحها وخدمة لاجندتها . في الواقع ان هذا من اغرب الاراء التي لاتخرج الا من اناس متمرسين في الاعلام من جانب وخبيرين بسايكولوجية الانتلجنسيا الشيعية التي يعرفون جيدا انقيادها اللاشعوري لهذا الاعلام العربي والطائفي من جانب اخر, والا كان من المفروض طرح السؤال الصحيح قبل ذلك : هل ان للشيعة وجود واهتمام وسلطة وذكر في الاعلام والحضور السياسي والاجتماعي قبل الثورة الايرانية ؟؟ بالطبع لم يكن لهم اي اهتمام او وجود , فقد كانوا يعيشون على هامش التاريخ واسفل السلم الاجتماعي والحكومي, ولم يعرفوا ذواتهم كشيعة الا ضمن مجال الطقوس والطعام المقدس والاستلاب والتهميش فقط , وبالتالي فليس عندهم مايخسرونه من انبعاث هويتهم الشيعية السياسية بعد الثورة الايرانية , لان الجماعة التي تعيش الحرية والسلطة والمكتسبات والمغانم والمناصب في دولة ما , هى من تخشى فقدان تلك الامتيازات بسبب تلك التحولات المفصلية , فيما ان الجماعة التي تعيش العبودية والاذلال والغيبوبة لايهمها التداعيات التي تحصل في المنطقة . علما ان الفضل الاول للانبعاث الشيعي الذي حصل في العصر الحديث والذي اطلق عليه البعض تسمية (عصر الشيعة) انما يرجع للجمهورية الايرانية وليس الى الشيعة بذاتهم وقدراتهم , والا لو كان الامر قد اوكل لهم لبقوا ملايين السنين على هذا الحال من الاجترار والجدل والبكاء والشكوى والانين . ان السؤال الذي يطرح نفسه : من عزز الروحية المتوثبة لشيعة لبنان حتى حرروا اراضيهم من اسرائيل ؟ - اقوى قوة عسكرية واقتصادية في الشرق الاوسط - بعد ان عجزت جميع الدول العربية والاسلامية ان تفعل مثل ذلك . ومن عزز الثورية الجامحة لشيعة اليمن الحوثيين الذين اذلوا السعودية – اكبر قوة اقتصادية وسياسية في العالم العربي - ووجهوا لها الصفعات والاهانات ؟ . ومن عزز الشجاعة النادرة لشيعة العراق في مواجهة اعتى ديكتاتورية بعثية اجرامية في التاريخ قبل 2003 والقضاء على الارهاب وداعش اشرس تنظيم اجرامي في التاريخ ؟ ان هذه الصور والمقاومة والرفض والمواجهة لم تكن لتحصل لولا الروحية والانبعاث الذي شكلته ودعمته وحفزته ايران , ويبدو ان هذا مصداق نبوءة الدكتور علي الوردي الذي اكد في في كتابه (وعاظ السلاطين) (ان التشيّعَ في وضعه الراهن مثل "البركان الخامد. فيما كان في يومٍ من الأيّام بركانًا ثائرًا، ثمَّ خمد على مرور الأيّام ..... والبركان الخامد لا يخلو من خطر رغم هدوئه الظاهر، إلّا أنّه يمتاز عن الجبل الأصمّ بكونه يحتوي في باطنه نارًا متأجّجةً، ولا يدري أحدٌ متى تنفجر هذه النارُ مرّةً أخرى) . وفعلا انفجر البركان الشيعي ولكن ليس من خلال التحريض والنهضة في النجف وكربلاء , وانما من خلال الثورة في ايران عام 1979 .
كما يتخذ الماء شكل الاناء الذي يوضع يتخذ الدين شكل المجتمع الذي يعيش فيه , فاذا كان متحضرا ومدنيا واخلاقيا ومتنورا يحمل الدين هذه السمات ويتفاعل معها ويعززها , والعكس اذا كان المجتمع بدويا ومتخلفا , فان الدين يحمل هذه الصفات ويعززها . وكذا الامر مع الهوية والمذهب فانه يحمل شكل المجتمع وسماته وثقافته الذي يعيش فيه من حيث الفاعلية والخمول والاعتزاز . والتشيع اتخذ صورة المجتمع العراقي من حيث هيمنة القيم العشائرية والتخلف والتباهي والتهنبل والتسيب , لذا وجدنا الانغماس بالطقوس والمظاهر والطبخ والبكاء والهوسات وغيرها , على حساب الوعي السياسي والرفض والمقاومة والاعتزاز , وبما ان اغلبية المجتمع العراقي هم اما ريفيون او متريفون يعيشون في المدينة , فهم بالتالي اكثر الناس انغماسا بتلك السلوكيات البدائية . فيما لم نجد عندهم تلك السمات التي تكون رديفة التمدن والتحضر كالثورية والعقيدة والاعتزاز بالمذهب والوعي السياسي التي هى سائدة في المجتمع الايراني . وكما قال ماركس (ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم انما وجودهم الاجتماعي من يحدد وعيهم) . ويقال ان البداوة والهضاب التي تحيط بالسهل الرسوبي في العراق ترفد المدن بموجات متلاحقة من الهجرات , وان محور الثقافة البدوية - او طابعها العام - يمكن اجماله بحسب الدكتور علي الوردي بكلمة واحدة هي (التغالب ) وهذه الثقافة تحتوي على ثلاث مركبات هي (العصبية القبلية والغزو والمروءة) . وهى ثقافة لاتتلائم او تنسجم مع التشيع لانها قائمة على الاستحواذ ورابطة الدم والتعاضد القرابي . فيما ان المدن هى من تحيط بالصحراء في ايران , لذا يكون تاثير القيم البدوية والعشائرية ضعيف او محدود , وهو مايجعل الايراني ينتسب في لقبه الى المدينة وليس القبيلة مثل الاصفهاني والقمي والخرساني , فيما ينتسب العراقي في لقبه الى العشيرة مثل الساعدي والركابي والجبوري والربيعي وغيرها . واهم تداعيات هيمنة نمط البداوة هو غياب الهوية الشيعية وهيمنة الرابطة العشائرية في العراق حتى يمكن القول ان التشيع يشكل نوعا من البنية اللاشعورية عندهم , واما الوعي بالهوية والشعور بالمذهب فهو نمط ياتي لشيعة العراق من ايران , يولد عندهم - في غالب الاحيان - نوعا من القوة والاعتزاز والشجاعة والمواجهة , والعكس اذا افتقد الشيعة الهوية المذهبية , فانهم سيتحولون الى خانعين ومستكينين وجبناء (كما وجدنا ذلك عند الشيوعيين الشيعة الذين افتقدوا الهوية) , لان الهوية انعكاس الشجاعة واحدى تجلياتها (اي ان الشيعي يكون اشجع الناس اذا تقمص الهوية واجبن الناس اذا افتقدها) , وهو الامر الذي وجدناه عند شيعة العراق ولبنان واليمن والبحرين وباكستان وغيرهم , وكيف انهم واجهوا الاستبداد والاقصاء والاحتلال بعد شعورهم بالهوية بعد الثورة الايرانية عام 1979 فيما كانت العبودية والغيبوبة والتهميش تجتاحهم عند فقدانها , لذا وجدنا ان الحكام المستبدين والطائفيين يحاولون قدر الامكان عزل الشيعة عن هويتهم وتشويه سمعتها والنيل منها وتخوينها , حتى يمكن تدجين الشيعي واخصائه وترويضه , ومن ثم سهولة السيطرة عليه والتحكم به .
وقد يطرح البعض اشكالية اخرى ان الانبعاث الشيعي والثوري الذي حصل بعد الثورة الايرانية قد نتج عنه الملايين من الضحايا والقتلى الشيعة على ايدي البعثيين والارهابيين الوهابيين والاستهدافات الاسرائيلية والغارات الامريكية والفتن والحروب الاهلية واستعداء العالم العربي والسني . في الواقع ان هذا الكلام فيه جانب كبير من الصحة , وربما لو بقى الشيعة ضمن نطاق عبوديتهم المزمنة وخضوعهم التاريخي في بلدانهم الطائفية والاستبدادية لبقوا مطمئنين فرحين قانعين بهذا الواقع ومستسلمين للقدر الذي فرضته عليهم تلك الحكومات الديكتاتورية دون تذمر او احتجاج , ولكن سنن التاريخ وحركة الجدل (الديالكتيك) الهيغلي طالما اكدت (ان التاريخ هو نمو مفهوم الحرية) وان كل مقموع او مكبوت عبر الزمن لابد ان ينتقم لنفسه في يوم ما , ولابد ان يظهر للوجود ويكون له مكان امام الشمس . وان ضريبة الحرية وانبعاث الهوية لابد ان يكون ثمنها باهضا من التضحيات الجسيمة والخسائر الفادحة (فالتاريخ هو اكثر الالهة شراسة) - كما قال انجلز - وان حركته نحو الحرية والتقدم ستكون على الدوام مصحوبة بالقتل والدماء والضحايا . لان (السفن تكون امنة عندما ترسو في الميناء , ولكن لم تخلق السفن لترسو في الميناء , بل لتبحر باتجاه الافق) – كما قال احد الكتاب ..
لم تساهم الجمهورية الاسلامية الايرانية في السنوات الاولى من الثورة باي تصرف او سلوك يدعم الشيعة في العالم بسبب انشغالها بالفتن الداخلية والصراعات السياسية والايديولوجية والمواجهة مع امريكا بعد ازمة الرهائن , ولكن مع ذلك اعتبرت الدوائر الطائفية والمركزية السنية في العراق والسعودية هذا التحول خطرا محتدما على هيمنتها وسلطتها على رعاياها اولا والشيعة ثانيا , وعرفت ان الثورية الاسلامية والروحية الشيعية سيصيبها الانبعاث بسبب تلك الثورة ,سيما وان السعودية تعلم جيدا ان حقول نفطها الرئيسية وموطن قوتها الاقتصادية تقع تحت اقدام شيعة السعودية في الاحساء والقطيف , وان احتمالية انتفاضهم ضد التمييز والظلم - او حتى انفصالهم - قد يكون رصاصة الرحمة لهذه المملكة , فعملت بالتحالف مع الولايات المتحدة الامريكية التي كانت متورطة بازمة الرهائن المحتجزين داخل ايران على خطوات القصد منها استغلال الاوضاع الداخلية السيئة في ايران وتكليف احدى الدول لشن الحرب عليها بغية تقسيمها او اسقاطها , ولم يجدوا افضل من صدام حسين – الشخصية الموتورة والطائفية والديكتاتورية - لهذه المهمة , لانه قد تربى في احضان خاله الحاج خير الله طلفاح الذي زاوج بين التوجهات الطائفية القومية من جانب والعثمانية التركية من جانب اخر , فعملوا على مساعدته بعزل الرئيس احمد حسن البكر في تموز عام 1979 - اي بعد خمسة اشهر فقط من انتصار الثورة الايرانية في شباط 1979 - وقد تعهدوا له بالاموال والدعم العسكري والاعلامي , وقالوا له تلك العبارة التي يتذكرها العراقيون جيدا (منكم العيال ومنا الاموال) . وقد اعترف صدام حسين في احدى خطبه عام 1999 بان وزيري خارجية الامارات والسعودية قد وفدا الى بغداد وطلبا منه شن الحرب على ايران , وتعهدا له بالصرفيات والفواتير والتكاليف لانهم يعرفون ان تصديره للنفط سينقطع من الخليج وسوريا . وادعى صدام كذبا انه رفض عرضهم بالحرب على ايران , وان الاخيرة هى من شنت الحرب على العراق فيما بعد !!! وقد بلغ الدعم المالي من السعودية و الكويت والامارات والبحرين وقطر الى مايقارب 200 مليار دولار . فيما بلغ عدد ضحايا العراق مئات الالاف من الشهداء والجرحى والمفقودين وخسائر مالية لاتقدر من الديون والتاخر الحضاري والدمار الاقتصادي , ناهيك عن اعادة اعترافه باتفاقية الجزائر المذلة عام 1975 . وقد لخّص مستشار الأمن القومي الامريكي بريجنسكي ذلك بوضوح في رسالته للرئيس جيمي كارتر: (إنّ العراق ألزم نفسه بأمور لا يمكن تحقيقها). الا ان العار الحقيقي الذي وقع به صدام حسين بانه لم يمر عامان على انتهاء الحرب العراقية – الايرانية عام 1988 حتى استدرجه الخليجيون والامريكان الى احتلال الكويت عام 1990 واسست السعودية وباقي دول الخليج تحالفا دوليا ضده بقيادة الولايات المتحدة الامريكية عمل على تدمير العراق وتقسيمه وحصاره , واحتسبوا المساعدات التي قدموها له بالحرب على ايران كديون واجبة الدفع !!
ان الحرب التي شنها صدام حسين على ايران عام 1980 هى التي صنعت ايران المتنفذة الحالية . ولو لم تحصل تلك الحرب لما ظهر المتشددون في ايران وهيمنوا على مقاليد السلطة وازاحوا المعتدلون الذين كانوا يشكلون الاغلبية , ولبقيت التوجهات الثورية والايديولوجية ضمن اطار النظري فقط , ولما تمددت ايران في المنطقة - كما حدث اليوم - للحفاظ على نفسها وامنها والخشية من ظهور صدام حسين اخر يشن عليها الحرب الغادرة , سيما وان اهم دولة في التامر الاعلامي والسياسي والاقتصادي على ايران - وهى السعودية - مازالت قائمة وفاعلة في المنطقة ولها علاقات خاصة مع اقوى دولة في العالم - وهى امريكا - التي هى اصلا في عداء مرير ومحتدم مع ايران طوال اكثر من اربعين عاما .
عندما حدثت الثورة الايرانية عام 1979 لم يتاثر بها عامة الشيعة العراقيين ابدا , ولم تشكل لهم حتى مصدر استلهام او اقتداء . فالنظام البعثي الحاكم كان استبدادي وطائفي والخشية منه هى من تحدد اغلب توجهات العراقيين , والمثقفون كانت تتوزعهم التوجهات العلمانية كالشيوعية والقومية البعثية , والعامة تسيرهم القيم العشائرية والريفية . فضلا عن الانفتاح الاجتماعي الكبير في اوساط الشباب والعوائل بسبب التاثيرات الاعلامية المقصودة من قبل الحكومة والسلطة البعثية . والتاثير المحدود الذي حصل كان عند الشباب المتدين والاسلامي فقط , رغم ان بواكير التاثير كان من خلال تصورات الشهيد محمد باقر الصدر , وهم كانوا يشكلون اقلية عددية وسط هذا السديم الهائل من الكتل الشيعية التي تفتقد الهوية والاعتزاز والشعور بالجماعة . وعندما شن صدام حسين حربه الغادرة على ايران عام 1980 مستغلا انشغالها بالصراع مع امريكا بعد ازمة الرهائن انحاز عامة العراقيين الشيعة من العامة والرعاع واغلبهم من اهل الريف مع النظام ضد ايران , ربما كان بعضهم خوفا ورعبا من النظام البعثي الذي قام قبلها باكبر عملية ارهاب وقمع وتهجير واعدامات للشباب الاسلامي بتهمة الانتماء لحزب الدعوة , الا ان الاغلبية قد تماهت مع الحرب جهلا وانقيادا للاعلام وتزييفا للوعي الشيعي وغسل الادمغة التي دائما يتعرضون لها وفي كل مرحلة من تاريخهم . وقد اكد هذه الظاهرة الكاتب صلاح جواد شبر في كتابه (ثيولوجيا التشيع السياسي) بالقول (الشيء الغريب في تلك الفترة هو ان الجسم الكبير من العراقيين الشيعة - وهم الريفيون - كانوا يقفون مع صدام , ربما بكامل صفوفهم وعشائرهم بعد ان اعتبروا بان العرف العشائري هو المتحكم في علاقتهم بصدام وهو منطق القوة الذي يعلو على منطق التمذهب الشيعي) . فيما اكد احد الكتاب الامريكيين (ان صدام حسين بالغ بولاء الشيعة لايران فشن الحرب خوفا من هذا الولاء المفتعل والتاثير المفترض) . واعتقد ان مبالغة صدام بولاء الشيعة لايران جاءت من تربيته الطائفية وتلقينات خاله الحاج خير الله طلفاح وباقي الدوائر والمؤسسات الطائفية التي طالما تردد ان الشيعة هم ايرانيون , (بل ان خير الله طلفاح وصف شيعة العراق بالكلاب عندما حرض على الحرب بالقول هدوا جلابهم عليهم) , فيما ان الشيعة في العراق هم اصلا ليسوا شيعة – كما بينا سابقا – وانما شيعة في طور التكوين والانتشار بسبب حداثتهم بالتشيع واختراق القيم العشائرية والريفية لهويتهم المازومة , لذا شهد عقد الثمانيات تاثيرا محدودا للنزعة الثورية الاسلامية الايرانية على العراقيين , سواء من ضمن النسق الاسلامي التقليدي واستمرارية السلوكيات العلمانية والانفتاح الاجتماعي , ام ضمن النسق السياسي وضعف التوجهات الشيعية الثورية ومواجهة النظام الديكتاتوري البعثي , وبقى التاثير – كما قلنا – ضمن نطاق ضيق من الشباب الجامعي والمتدين الذي يؤثر بالاخرين من خلال بعض الممارسات البسيطة من قبيل زيارة المراقد المقدسة او الصلاة واطلاق اللحى وغيرها من الافعال التي تعبر عن الرفض السياسي والايديولوجي للنظام البعثي الحاكم . ولم يظهر التاثير بصورة جلية الا بعد احتلال الكويت عام 1990 ومااعقبها من تداعيات الضربة الامريكية - والعربية - للعراق وحصول الانتفاضة الشعبانية في اذار 1991 التي كسرت حاجز الخوف والتردد عند شيعة العراق واصبحوا اكثر وعيا بهويتهم الشيعية من خلال المقاربات الدينية والاسلامية ,حيث برزت مظاهر التدين باجلى صورها من حيث انتشار الكتب المهربة من ايران والتواصل معها والعمليات العسكرية في الاهوار والزيارات المليونية والصلوات الجماعية وانتشار الحجاب الاسلامي عند النساء . وقد زادت تلك المظاهر بقوة بعد حركة السيد محمد الصدر الدينية حيث اصبح التاثير شاملا وواسعا وامتد للعامة من الناس بعد ان كانت تلك التاثيرات ضمن اطار النخبة والشباب الاسلامي والجامعي بخاصة . وحصل نفس التاثير عند السنة ولكن من خلال تداعيات الحملة الايمانية التي اطلقها صدام حسين في بداية التسعينات التي زادت التوجه السلفي عند الشباب كمعادل موضوعي للتوجه الشيعي الثوري .
بعد الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 وسقوط النظام البعثي الديكتاتوري وتاسيس اول نظام سياسي وديمقراطي حقيقي اصبح للشيعة دور كبير واساسي في السلطة والحكم - بصفتهم اغلبية البلد - مع جميع المكونات المذهبية والدينية والاثنية الاخرى . وقد رفضت اغلبية الدول العربية الطائفية هذا النظام السياسي الجديد لسببين : اولهما يتعلق بطبيعة النظام الديمقراطي الحقيقي الذي يشكل خطرا محتدما على انظمتها الاستبدادية والعائلية والحزبية , والخشية من التمدد والتاثير على شعوبها ومجتمعاتها . والثاني يتعلق بطبيعة النظام الذي اصبح فيه للشيعة دور كبير واساسي في الادارة والحكم , الامر الذي حفز الغدد الطائفية عند السعودية وباقي الدول العربية التي اعتبرت النظام الجديد خطرا على هيمنتها وسلطتها على الاقليات الشيعية في بلدانها , واحتمالية مناداتها بالحقوق والمساواة . فعملت تلك الانظمة بكل مابوسعها وجهدها على افشال هذا النظام واسقاطه بكل الطرق الممكنة , ومن خلال ممارسات وسلوكيات لاحصر لها من التشويه والتخوين والتكفير والتحريض الاعلامي , تطور الى مديات خطيرة من تاسيس التنظيمات الارهابية التي قتلت مئات الالاف من العراقيين الشيعة ,ودعمها سياسيا وماليا واعلاميا ,تارة بحجة تعاونهم مع الاحتلال الامريكي وتارة بحجة النفوذ الايراني . فيما على النقيض من ذلك لم يقف مع العراقيين في هذه المحن المتتابعة سوى ايران التي ساهمت بكل جهدها وقوتها واقتدارها ضد الارهاب – وخاصة داعش - واعترفت بالعملية السياسية القائمة في البلاد وشجعت الاحزاب الشيعية على التوحد والتضامن لمواجهة المؤامرات العربية .
وقد اثار الاعلام العربي والطائفي العديد من الاكاذيب على ايران وتاثيرها على العراق بعد 2003 . والمفارقة ان تلك الاكاذيب تذكر في كل مرحلة حول قضية معينة ثم تنسى , وتروج لاشكالية وقضية اخرى ثم تنسى وهكذا , وهذا يدل على كذبها واثارتها في الاعلام من قبل اناس معينين هدفهم اثارة العراقيين ضد ايران , لانها لو كانت تلك الاشكالية او القضية حقيقية لاستمر ذكرى باستمرار مادام تاثيرها قائما , ولكنهم يعرفون جيدا انها من التشويهات والاكاذيب التي هدفها الغرض السياسي والايديولوجي والحقد الطائفي وليس البواعث الوطنية . وسبب تركيزهم على ايران هو معرفتهم ان هذا النظام السياسي الجديد في العراق لم يكن ليبقى لو الحماية الايرانية , فالعراقيون الشيعة هم اضعف من ان يبنوا نظاما سياسيا ,رغم ان تاسيسه قد تبلور من قبل الامريكان - وخاصة نظام التوافق والمحاصصة – ومع هذا الدعم الامريكي والتاييد الايراني , الا ان البلد واجه تحديات خطيرة من الارهاب والتسيب والفساد والفوضى والتامر العربي , كان قاب قوسين او ادنى من السقوط الشامل . وقد يذكر البعض من الطوبائيين : ان القول ان هذا النظام محمي ايرانيا هو اساءة لها , وليس مدحا , لانه نظام فاسد ومتسيب ولايشرف احدا الانتماء اليه . في الواقع ان هذا القول يحيلنا الى طبيعة النظام المعرفي العراقي , فهو نظام مثالي وليس واقعي , لانه يفترض مقدما انه بسقوط هذا النظام القائم في العراق سياتي نظام يوتوبي ونزيه وعادل وافضل منه بكثير , ولايتخيل - ولو بنسبة قليلة من الاحتمالات - ان البديل هو الاسوء من الخيارات المتعددة كالحرب الاهلية واعادة الديكتاتورية والعبودية او الفوضى الشاملة وسيطرت العشائر وغيرها .لانه لم ياخذ الواقع الاجتماعي والسياسي والطائفي والاثني العراقي بالحسبان وصعوبة – ان لم تكن استحالة – بلورة مفهوم الدولة الديمقراطية في بلد اعتاد الاف السنين ان يحكمه المستبدين والمحتلين .
ويمكن حصر الاتهامات الاعلامية التي وجهت لايران من قبل الاعلام العربي الطائفي وبعض الشيعة المخصيين حول بعض ممارساتها وسلوكياتها في العراق بعد السقوط عام 2003 في خمس نقاط هى :
1 . النفوذ الايراني : اول من طرح قضية النفوذ الايراني واسطرته في العراق هو وزير خارجية السعودية (سعود الفيصل). والمفارقة انه طرحها في زمن السيطرة الامريكية المباشرة على البلاد سياسيا وامنيا واقتصاديا , وكالعادة تلقف الكتاب الطائفيون والشيعة المخصيون هذه الاطروحة - التي كان القصد الاول منها طائفيا - من خلال استحضار المقولة التاريخية ان الشيعة هم ايرانيون , وبالتالي فان اعطاء دور كبير للشيعة يعني دور كبير لايران . فيما ان الواقع ان اغلب دول المنطقة لها نفوذ في العراق مثل تركيا والسعودية وبالطبع حتى ايران . ان السبب الاساس لوجود نفوذ او تاثير لتلك الدول هو ضعف وتلاشي مفهوم الدولة بعد 2003 بسبب العمليات الارهابية والانقسام الطائفي والاثني اولا ووجود الفئات المذهبية والاثنية التي تبحث عن موطن للقوة من الخارج ثانيا . ولكن الاعلام العربي والطائفي والعنصري روج للنفوذ الايراني فقط وترك الدول الاخرى , ولانريد الدخول بتفاصيل هذا الموضوع الذي يحتاج الى بحثا مستقلا , ولكن نود القول : ان النفوذ الايراني هو مبالغ فيه اعلاميا وسياسيا اولا والسيطرة والقرار والتحكم الاساسي في البلاد هو السفارة الامريكية – اكبر سفارة بالعالم – ثانيا وهو ليس الوحيد في العراق وانما تشاركه فيه السعودية والامارات والاردن والكويت وتركيا ثالثا . كما يجب التاكيد ان النفوذ الايراني هو - على الاغلب والعموم - ايجابي في الدفاع عن العراق ضد الارهاب والفصائل البعثية وداعش والوقوف معه في جميع المحن والمصائب , فضلا عن توحيد الاحزاب الشيعية وعدم انجرارها للصراعات الحزبية والسياسية والشخصية بصورة قد تؤدي بالنظام السياسي .
2 . الميليشيات الشيعية : وظهرت نتيجة الارهاب السني والقتل الطائفي الذي نال من الاغلبية الشيعية في البلاد والذي ادى الى مقتل مئات الالاف من الشباب والنساء والاطفال . فبعد ان برزت مظاهر الضعف والتسيب في المؤسسة العسكرية العراقية نتيجة التراخي الامريكي في بنائها وتشكيلها اولا واختراقها من قبل البعثيين والطائفيين السنة ثانيا , ظهرت الحاجة الملحة لتاسيس هذه الميليشيات التي هى نتيجة وليست سبب . والميليشيات التي انضوت تحت راية الحشد الشعبي هى من واجهت داعش وقضت على الارهاب قضاء مبرما بدعم كبير وتدريب متميز من الايرانيين , عززتها فتوى المرجعية الدينية بالجهاد الكفائي , وان بقائها منوط ببقاء الارهاب والتامر الوهابي السعودي . واما القول ان وجودها يناقض مفهوم الدولة وسيادتها فانه من اغرب الاراء والطروحات التي يرددها الكتاب الطائفيون وبعض الشيعة المخصيون دون وعي او تحقيق , والا فان السؤال الحقيقي هو : من حمى الدولة من الانهيار والسقوط بيد الارهاب غير الميليشيات ؟ ومن حمى وحدة البلاد من التفكيك والتقسيم بعد استفتاء البارزاني غير الميليشيات ؟ ومن اعاد كركوك وباقي المناطق المتنازع عليها الى احضان الدولة غير الميليشيات ؟ ان هذه المكتسبات التي حققها الحشد الشعبي للدولة العراقية هو السبب الاساس في الحملة الشرسة والكبيرة التي يشنها عليه الاعلام العربي والطائفي , وقد انضم - للاسف - في السنوات الاخيرة الاعلام الكوردي والكتاب الشيعة التابعون له في تلك الحملة بسبب افشاله مشاريع البارزاني في السيطرة والهيمنة والتقسيم مقابل اموال ورواتب كبيرة من حكومة اربيل . وكان اخر تلك الحملة اتهام الميليشيات بقتل المتظاهرين في بغداد وجنوب العراق وحددوا بالاسماء تلك الفصائل التي حررت كركوك من سيطرة البارزاني , وكلها طبعا اتهامات كاذبة لاصحة لها ولادليل قاطع عليها . وفي الختام نقول : ان بقاء الميليشيات وحلها منوط بتحدي الارهاب وخطورته , ومتى ما انتهى التامر السعودي والعربي واقتنعوا بالعراق الجديد .
3 . التحكم بالاقتصاد العراقي : ادى تحسن الوضع الاقتصادي في العراق بعد سقوط النظام البعثي عام 2003 الى استحكام النزعة الاستهلاكية في المجتمع العراقي , والقيام باكبر عملية استيراد للبضائع والسلع في تاريخ البلاد تصل الى اكثر من اربعين مليار دولار سنويا . وكان عدد الدول التي يستورد منها العراق قد وصل الى مايقارب الخمسين دولة خليجية وعربية ودولية وغيرها , واكبر تلك الاستيرادات كانت من تركيا التي صدرت مايقارب (12) مليار دولار عام 2013 . ولم تكن تطرح قضية اختلال الاقتصادي من هذه الاستيرادات وضرورة ان يكون البديل بناء المصانع المحلية وتشجيع الصناعة المحلية بدلا عنها . وبعد سيطرة داعش على المحافظات الشمالية السنية وقطع الطرق التجارية بين تركيا والعراق تراجع التبادل التجاري الى صالح ايران , التي اصبحت المورد الاول للبلاد , عندها تحرك الطائفيون الاذكياء بالاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي , واخذوا يطرحون قضية الاستيراد وتوقف المعامل العراقية , وهيمنة ايران على الاقتصاد العراقي وغيرها , ونسوا ان العراق يستورد اكثر من اربعين مليار دولار سنويا والتبادل مع ايران في احسن الاحوال وصل الى عشرة مليار دولار فقط . وكالعادة تلقف المتعلمين والمثقفين الشيعة المخصيين هذا الموضوع واخذوا ينشرونه اكثر من السنة كنتيجة لشعورهم بالدونية والاستلاب . ولم يطرحوا السؤال الاتي : لماذا لم تطرح قضية الاستيراد قبل عام 2014 عندما كانت تركيا هى الاكثر تصديرا للعراق ؟
4 . قطع المياه : وهو من اغرب الاتهامات التي وجهت لايران فجميع المناهج الدراسية العراقية لمادة الجغرافية كانت تذكر - وعلى مدى تاريخها - ان نهري دجلة والفرات ينبعان من الاراضي التركية , وهذا الواقع هو من المسلمات ولايحتاج الى دليل او نقاش . وخلال العقود الثلاث الاخيرة اخذت تركيا بتقليل موارد العراق من المياه بانشاء العشرات من السدود الكبيرة , وتصاعد الامر سوءا في السنوات الاخيرة بسبب تصاعد موجة الجفاف وانعدام سقوط الامطار في وسط وجنوب العراق . وكالعادة تحرك اتباع ومنظري الاعلام العربي والسعودي المتمرس بالخبرة والذكاء لاستغلال هذه الفرصة لغسل الادمغة وتزييف الوعي العراقي – والشيعي تحديدا - ليس من اجل ابعاد التهمة عن تركيا المقدسة في نظامهم المعرفي والسياسي فحسب , بل وربط الموضوع مع ايران والترويج بانها من قطعت المياه على العراق - او في احسن الاحوال اتهام الطرفين - فيما ان الفرق هو ان تركيا قطعت المياه لانها المنبع الاساسي لاكثر من 80% من واردات نهري دجلة والفرات , وان ايران تعاني اصلا من الجفاف في مناطقها المجاورة للعراق , وسارت تلك الاكذوبة كالنار في الهشيم وتلقفها العامة والرعاع , واخذوا يرددونها دون تحقيق او مراجعة حتى علق احد الاخوة قائلا (سبحان الله !! عندما كانت المياه وفيره في السبعينات والثمانينات كانوا يقولون ان منبعها من تركيا , وعندما جفت اخذوا يلقوننا ان ايران قطعتها !!! ونحن الاغبياء نصدق كل مايقولون) .
5 . تهريب المخدرات : تهريب المخدرات هى من اهم التحديات التي تواجه جميع دول العالم - وخاصة المتقدمة في اوربا وامريكا - ويقوم بهذه العمليات عصابات التهريب المنتشرة في جميع دول العالم , ولم نسمع ان دول معينة اتهمت دولة اخرى بتهريب او تصدير المخدرات لها , الا في العراق - بلد الطائفيين الاذكياء والمخصيين الاغبياء - حيث اشاعوا ان ايران هى من تصدر او تهرب المخدرات عمدا للعراق من اجل تدميره !! رغم ان ايران اصلا ليست منتجة للمخدرات , وانما بلد للعبور من الانتاج في افغانستان وباكستان الى اماكن الاستهلاك في السعودية ودول الخليج . وهذا يعني بان العراق هو في الاصل غير مستهلك وانما محطة عبور , لان المخدرات باهظة الثمن , وان التعاطي الشائع عند الشباب هو محدود جدا ومبالغ فيه اعلاميا . كما ان ايران هى من افضل دول العالم - بشهادة المنظمات الاوربية والدولية - في مكافحة المخدرات , وتقدم سنويا العشرات من القتلى في مواجهة العصابات المسلحة . فيما على النقيض من ذلك تعثر الموانىء والمنافذ الحدودية مع الكويت الاردن العشرات من الاطنان من الحبوب المخدرة الوافدة من الامارات وغيرها , وصل عددها في احدى الشحنات الى اكثر من (36) مليون حبة , الا ان الاعلام الطائفي لايذكرها ابدا ويقتصر التركيز على ايران .
بعد استعراضنا لمحطات الانبعاث الشيعي الثلاث لابد ان نشير الى هذه الحقيقة المحزنة وهى بان الانبعاث الشيعي العراقي بعد سقوط وتلاشي كلا من المحطتين : الاولى وهم البويهيين والثانية وهم الصفويين , قد اعقبها حالة من الغيبوبة والعودة للعبودية عند شيعة العراق , وكأن مدار حريتهم وهويتهم ياتي من الشرق الايراني فقط وليس من الداخل , ويبدو ان هذا الامر قد عرفته المركزية السنية الطائفية في العراق بما تمتلكه من الخبرة والذكاء , لذا وجدنا عبر التاريخ هذا التركيز في الهجوم على ايران دون غيرها من اجل اسقاطها تمهيدا لاخضاع شيعة العراق واستعبادهم من جديد . وقد اشار الى هذه الظاهرة الشاعر معروف الرصافي في (الرسالة العراقية) بصفته احد منظري المركزية السنية الطائفية وتلميذ محمود شكري الالوسي بان وجود التشيع حيا مرتبط بوجود ايران . واخشى اني اطلق نبؤة تشاؤمية بان انهيار ايران الشيعية سوف يعيد شيعة العراق لمرحلة الغيبوبة والعبودية والاستبداد من جديد , فايران لاتخسر شيئا اذا تحولت الى علمانية وليبرالية , فهى ستبقى دولة قائمة ذات مدنية راسخة , بل ان تحولها للدولة الليبرالية امر حتمي بحسب حركة التاريخ الهيغلي التي اشار اليها الكاتب الامريكي فوكوياما في كتابه (نهاية التاريخ والانسان الاخير) ولكن هذا التحول لايؤثر على مفهوم الدولة واقتدارها وقوتها وتحضرها , فهى متقدمة باشواط على التشيع الاسلامي والسياسي , والتشيع لم يضف لها شيئا ايجابيا - ان لم يكن العكس - فقد عانت من القيم الاسلامية البالية والتقليدية والمفاهيم المتخلفة والطقوس البدائية والعقوبات والاقتصادية . فيما ان التشيع متقدم جدا على العراقيين , لانهم اصلا بدائيون ومتخلفون ويعيشون وسط مجتمع يعيش العشائرية والتشظي والاحتراب , وبالتالي فان فقدانهم للتشيع سيؤدي حتما الى تلاشي اهم نمط ايجابي من انماط التضامن العضوي والترابط الاخلاقي , ويفرز بالتالي هيمنة كاسحة للقيم العشائرية والبدوية اكثر واكثر . وبهذا الصدد اكد الدكتور فالح عبد الجبار في كتابه (العمامة والافندي) (ان التشيع العراقي كثيرا مايصور على انه بدوي وعربي ازاء التشيع الصوفي الفارسي) . الا ان هذا القول لايفسر باي حال من الاحوال دعوة للتشيع والرابطة الشيعية في المجتمع العراقي , وانما استعراض معرفي بان التشيع متقدم على القيم الريفية والعشائرية التي يرزح تحت ظلها اغلب ابناء المجتمع , ولكن في الاخير ان الرابطة الشيعية هى متاخرة عن القيم العصرية والليبرالية وتحقيق دولة المواطنة وترسيخ الرابطة المدنية والنزعة المساواتية التي من المفترض ان تحققها الانظمة السياسية والحكومات العراقية .
ان هذا المفهوم يحيلنا الى موضوع اخر مقارب له هو اشكالية نظرية ولاية الفقيه التي طرحها الامام الخميني نظريا في كتاب عام 1970 وطبقها عمليا بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران عام 1979 . فكلنا يعلم ان الحكم الثيوقراطي وادراج الدين في السياسة والتوظيف الايديولوجي للدين هو نسق بدائي وافد من العصور الوسطى ونظام تقليدي منبثق من خلف اسوار التاريخ ولايتلائم مطلقا مع الانسان الحديث وقيم الحداثة والتنوير والليبرالية , وان من ينتقد هذا النظام الديني تحت معطيات علمانية ومطارحات معرفية فهو حالة طبيعية لااشكال فيها او تحرج منها , ولكن النيل منه على اسس طائفية ولاغراض سياسية واضفاء بعض الصفات الشيطانية عليه , واعتباره حالة نادرة في التاريخ او شاذة في العصر الحديث , انما هو سلوك غير صحيح وتصرف غير موضوعي , وبالخصوص اذا ظهر هذا الانتقاد من الكتاب الشيعة الذين جلهم يقفزون على الواقع المازوم , لاننا اذا اخذنا الواقع الشيعي فنظام ولاية الفقيه هو نمط متقدم على نسق الغيبوبة والاستسلام والانتظار السائد عند الشيعة منذ عصر الغيبة الكبرى في القرن الرابع الهجري , الذين يعيشون حالة العبودية والركون والاذلال المزمن تحت سطوة الحكومات الطائفية والاجرامية , ولكن من جانب اخر , ان هذا النظام هو متاخر بالقياس الى النظم الديمقراطية والعصرية , اي لايجوز - باي حال من الاحوال - اعتبار النمط الاول وهو الانتظار والابتعاد عن السياسية والحكم هو افضل من نظام ولاية الفقيه , لانه يفرز الاستعباد والغيبوبة للمجتمع الشيعي ويجعله تحت رحمة الطائفيين والحاقدين الذين تكون افضل طموحاتهم ابادة الشيعة والنيل منهم وتكفيرهم وتصفيتهم . ولكن هناك من يقول ان النسق الاول وعدم تدخل الدين بالسياسة وتطبيق نظام ولاية الفقيه قد يشكل فرصة لتطبيق الدولة العلمانية والديمقراطية والليبرالية - وهى حتما افضل من نظام ولاية الفقيه - في الواقع ان هذا الكلام فيه جانب كبير من الصحة والمعقولية (كنظرية) , ولكن السؤال الصحيح : هل من السهولة تاسيس تلك الدولة الديمقراطية والليبرالية في المجتمعات المازومة والتقليدية ؟ ان الجواب على ذلك حتما سيكون النفي , فهذه المجتمعات التي تعيش طفولة التاريخ وتهيمن عليها البنى التقليدية لقوى ماقبل الدولة سيكون من الصعوبة بمكان بلورة مفهوم الدولة , ناهيك عن الدولة الديمقراطية والعلمانية . وهذا الكلام يحيلنا الى الواقع العراقي كنموذج ,فبعد سقوط النظام الديكتاتوري والشمولي البعثي عام 2003 وطرح الامريكان والنخب السياسية دعوى تاسيس نظام ديمقراطي حقيقي , ظهر ان البلد يعاني من اشكالات وانقسامات وصراعات خلخلت مفهوم الدولة , والقت بظلالها القاتمة على هذا النظام السياسي لم يتخلص منها حتى الان رغم مرور مايقارب السبعة عشر عاما , بل ولم تظهر حتى الان بوادر الانفراج والنجاح – ان لم يكن الاسوء – فالسيناريوهات المطروحة هى من الخطورة قد تطيح ليس بالنظام السياسي فحسب , بل وربما بالدولة العراقية نفسها او السير بها نحو افق الانقسام الاهلي والاحتراب الداخلي . وكما قال غرامشي (اذا كان الماضى يحتضر والجديد لم يولد بعد , فانه فى هذا الفاصل الانتقالى سوف تظهر امراض متنوعة ومتعددة) وهى عبارة تجسد واقعنا العراقي بعد السقوط افضل تجسيد , فالنظم القديمة مازالت راسخة , والمفاهيم الحديثة لم تولد بعد , عندها ظهرت عندنا امراض ومكبوتات ولاشعوريات وفدت من خلف اسوار التاريخ , لم يتم اصلاحها او مواجهتها او تقويضها , والسبب الاساس هو عدم وجود عصبة للدولة العراقية تاخذ بها الى مصاف الاستقرار والتقدم والحماية , لان الشيعة - الذين من المفترض ان يكونوا عصبتها - لم يحسموا امرهم معها واضاعوا المشيتين - كما يقال - فلاهم يريدون ترك الدولة والانعزال عنها واهمالها كليا لان ذلك سيعيد اليهم دورة الاستبداد والديكتاتورية , ومن جانب اخر لايستطيعوا الاعلان ان هذه الدولة دولتهم , لان هذا يناقض مفهوم الانتظار الذي يحرم النشاط السياسي بعد الغيبة الكبرى وعقيدة المهدية التي تؤكد ان ( دولتنا في اخر الزمان حيث تعيش الشاة مع الذئب) . وقد اكد هذا الراي الدكتور فالح عبد الجبار في كتابه (العمامة والافندي) (ان المذهب الشيعي في حد ذاته مذهب معاد للدولة الحديثة عداء متطرفا . وهناك ادعاء يقول بان فكرة الامام الغائب التي تنكر شرعية الدولة الدنيوية هى التي كانت ولاتزال مصدر الرفض الثقافي للحداثة) . فيما على النقيض من ذلك وجدنا ان ايران قد حسمت امرها في اندماج المذهب الشيعي مع الدولة تحت سلطة ولاية الفقيه , ولايوجد بالتالي انقسام بين الدولة والمذهب الشيعي – كما حاصل اليوم في العراق - . وقد ذهب البعض الى القول ان الامام الخميني الذي طبق اطروحة الولي الفقيه عمليا واقام الجمهورية الاسلامية في ايران ومزجها بالفكر الدستوري الديمقراطي الجمهوري, ليس عنده مشروع ثورة مثل لينين - او غيره من الثوار - وانما طرح رؤية كيفية انقاذ المستضعفين الشيعة من الذبح والابادة والتصفية الطائفية من خلال تاسيس دولة تعمل على حمايتهم وتشجيعهم على المقاومة والرفض وبعث الهوية والاعتزاز والثورية الشيعية عندهم . فقد اكد الكاتب العراقي صلاح جواد شبر في كتابه (ثيولوجيا التشيع السياسي) بان الامام الخميني استند في نظرية ولاية الفقيه الى (منطق العقل في وجوب حفظ شعب من الشعوب من الابادة والقتل - واعني بهم الشيعة في العالم - بعدما تعرضوا الى مذابح كبرى . هذا بالاضافة الى فعالية النصوص الدينية السابقة والحالية المستمرة التي يصدرها الطرف الاقوى في ضرورة ذبح الشيعة والتخلص منهم , فالتسنن الثقافي لم ينته بزوال الدولة العثمانية عام 1924 , وانما تحول الى لون اخر ولبس ثوب القومية , وتمكن من السيطرة ثانية على البلدان الاسلامية والعربية .. فقد حورب التشيع في كل بلدان العالم الاسلامي بلا استثناء) واضاف شبر (لقد كانت خطة الدولة العثمانية قبيل الحرب العالمية الاولى تهجير شيعة العراق الى ايران من خلال افتعال مذابح كبرى يقودها علماء التسنن الثقافي كما تم ذبح الارمن وتهجيرهم في عام 1915 – 1917 واخلاء المنطقة منهم , والسبب هو كراهية وبغض قديم تاريخي وثقافي مختلط بين الدين والقومية والبداوة والمذهبية والسياسة . بالاضافة الى العوامل النفسية المرضية في ميل العرب الى ابادة الاخر المعارض) وضرب شبر مثلا على ذلك قيام الدولة العثمانية بتشكيل لجنة برئاسة محمود شكري الالوسي والعلامة محمد رشيد رضا من لبنان هدفها اعادة القبائل العربية التي تشيعت قبل مائتي عام تقريبا في الجنوب الى التسنن , وقيام صدام حسين بعمليات ابادة مصغرة للشيعة ابان حكمه وتهجيرة لشريحة واسعة منهم الى ايران وهم الكورد الفيلية . في الواقع ان كتاب (الحكومة الاسلامية وولاية الفقيه) للامام الخميني الذي هو في الاصل عبارة عن (13) محاضرة دينية القاها على طلبة العلوم الدينية في النجف وطبعت في كتاب عام 1970 لم يذكر رؤية الكاتب صلاح شبر حول حماية الشيعة او المستضعفين الا في محاضرة واحدة , ولااعتقد بالتالي ان تاسيس ولاية الفقيه المعاصرة وتطبيقها كان القصد منها فقط هذا السبب , لانه احتوى مباني كثيرة من الافكار والتوجهات .
مانريد ان نذكره ان الثورة الايرانية هى اول ثورة شعبية ذات تاثير عالمي في العالم الثالث . وهى ثورة راديكالية ازاحت حكم اوتوقراطي موال للغرب , ولم يحصل عندها التطرف واقصاء الاخرين من اليساريين والليبراليين والمستقلين , الا بعد اعلان صدام حسين الحرب عليهم واحتلال اراضيهم عام 1980 عندها اخذ المتشددون الاسلاميون بالتمدد على الدولة والسيطرة عليها , وعندنا اكبر دليل على ذلك هو الانبهار والشعبية والاعجاب الذي حصلت عليه الثورة , ليس من قبل العامة من الناس في مختلف دول العالم فحسب , بل ومن الكثير من الفلاسفة والمفكرين والادباء والمثقفين العرب والاجانب , فيكفي ان نعرف ان اعظم فيلسوف في القرن العشرين لمابعد الحداثة والبنيوية - وهو ميشيل فوكو - قد اعجب بالثورة الايرانية وكتب عنها مقالات عدة , وزار الامام الخميني في (نوفل لو شاتو) - مقر اقامته في فرنسا - وزار ايران مرات عدة كصحفي , ووصف الجو الديني هناك بالروحانية السياسية . واكد (انها ثورة ضد الطغيان والاوتوقراطية وحدث نادر في القرن العشرين) كما وصف فوكو المذهب الشيعي بالقول (مذهب لايحتوي على اي تسلسل في الرتب مذهب يؤيد الشعب) . كما امتدحها الفيلسوف الفرنسي الماركسي المعروف روجيه غارودي الذي تطرف كثيرا واعتبر الثورة الايرانية حتى افضل من الثورة الفرنسية والثورة البلشفية الشيوعية في روسيا !! حتى انه اعلن اسلامه وزار ايران والتقى بالرئيس الاصلاحي محمد خاتمي . وكذا الامر مع الفيلسوف الالماني المعروف هابرماس الذي زار ايران عام 2002 واعجب بالنظام التعليمي والثقافي فيها . كما اعحب بالثورة الايرانية فيلسوف الوجودية الكبير جان بول سارتر وصديقته سيمون دي بوفوار الكاتبة المعروفة . وامتدحها ايضا زعيم الحزب الفرنسي الاشتراكي - والرئيس فيما بعد - فرانسوا ميتران . واما نيلسون مانديلا الثائر المعروف ضد الفصل العنصري في جنوب افريقيا - ورئيسها لاحقا - فقد اكد (ان الامام الخميني كان قائدا لجميع حركات التحرر في العالم) وخاطب السيد علي خامئني بكلمة (قائدي) اثناء زيارته له . واما رئيس الاتحاد السوفيتي ليونيد برجينيف فقد وصفها بالثورة المعادية للامبريالية والملكية . وكذا الامر مع البابا يوحنا بولص الثاني وغيرهم . واما في العالم العربي فقد امتدحها رائد الحداثة العربية والشاعر والكاتب السوري / اللبناني ادونيس والشاعر محمد مهدي الجواهري والشاعر المصري احمد فؤاد نجم والشاعر الشعبي مظفر النواب . كما زار ايران الشاعر الرائد عبد الوهاب البياتي والقى محاضرة ادبية وثقافية في مدينة قم عام 1999. والشاعر السوري نزار قباني الذي مدحها بقصيدة مطلعها (زهر اللوز في حدائق شيراز ... وانهى المعذبون الصيام ... هاهم الفرس قد اطاحوا بكسرى ... بعد قهر وزلزلوا الاصنام) .
وبعد ان استعرضنا العقدة الشيعية من ايران وبواعثها النفسية ودوافعها الاجتماعية وتطورها التاريخي في الاقسام السابقة والتي تشكل المرتكز الدلالي في تلك العقدة , نذكر الاسباب الاخرى المتعلقة بها عند المتعلمين والمثقفين والادباء والكتاب وغيرهم والتي يمكن اجمالها بما يلي :
1 . الخصاء التدجين والترويض البعثي على مدى اربعين عاما (1963 – 2003) للمجتمع الشيعي بعامة في العراق والانتلجنسيا من المتعلمين والمثقفين بخاصة , كان له الدور الاساس والابرز في بلورة العقدة النفسية والاجتماعية من ايران .
2 . اتباع الايديولوجيات العلمانية كالشيوعية والقومية البعثية - وكذا الامر مع الليبراليين - من المؤكد ان عندهم رفضا بنيويا للنظام الاسلامي الديني في ايران . ولكن عند العلمانيين الشيعة تتصاعد الى مستوى العقدة , للاسباب التي ذكرناها سابقا حول الاستلاب والخصاء والتدجين البعثي .
3 . البعض من الكتاب الشيعة يهاجمون النظام الايراني وفق دوافع مادية وينشرون بالصحف والمواقع الخليجية , كما في حالة الكاتب رشيد الخيون الذي ينشر في صحيفة الاتحاد الاماراتية وحميد الكفائي في موقع سكاي نيوز الاماراتي وعزيز الحاج في موقع ايلاف السعودي ونوري المرادي في الجزيرة غيرهم . ويبدو ان التحول للمحور السعودي والكتابة على القطعة قد بدا في وقت مبكر عند الشيوعيين حتى ان الشاعر مظفر النواب انتقدهم قائلا (ليس غريبا على سمة العصر ان ترى شيوعيا يصلي خلف اليماني في الحرمين) . او كما قال الشاعر بلند الحيدري (علمي لم يعد احمر) واخشى انه تحول الى اخضر !! وقد حدثني احدهم ان الاغلبية من الكتاب الذين يعيشون في اوربا وامريكا يكتبون للمؤسسات الاعلامية والثقافية الخليجية والغربية على القطعة , ويؤطرونها في دوافع وطنية او علمانية واصلاحية . فضلا عن اخرين يكتبون لمؤسسات اعلامية مقرها في اربيل وتحت رعاية ودعم السيد البارزاني , وذكر لي الكثير من تلك الاسماء ولكن لانستطيع ذكرها بسبب عدم التاكد من صحتها .
4 . الاخوة الشيوعيين الذين عملوا تحت امرة ايران او بالتعاون والتنسيق معها ابان حركة الانصار في عقد الثمانيات - وخلال سنوات الحرب العراقية الايرانية - يحملون عقدة نفسية واجتماعية مضاعفة ضد ايران , وتجدهم يهاجمونها باستمرار من اجل التعمية والتغطية على هذا التاريخ . وسنذكر منهم الكاتب كاظم حبيب من كربلاء ومجيد الامين من الناصرية وغيرهم العشرات. والمفارقة ان هذه العقدة ليست عند الشيوعيين فقط , بل وحتى عند الاسلاميين الذين هاجروا الى اوربا - او عادوا للعراق بعد 2003 تجد عندهم هجوما مضاعفا على ايران في سبيل ابعاد تهمة العمل تحت امرتها او التعاون معها , ولاحاجة لذكرهم جميعا ولكن يبقى اهمهم اياد جمال الدين وسرمد الطائي واحمد الكاتب واحمد عبد الحسين واحمد القبانجي وغيرهم . وهذا الكلام هو ابلغ دليل على هذه العقدة الشيعية في ايران , والا لماذا لاتجد من كان يعمل في سوريا او مصر او باقي الدول ولايهاجمها , رغم ان ايران الدولة الوحيدة التي فتحت لهم الابواب في الثمانينات وانقذتهم من الاعدام والسجن والملاحقة من البعثيين . وللامانة والتاريخ ان المرجع الديني السيد كمال الحيدري سبق ان اشار الى هذه الظاهرة بقوله ان الاخوة العراقيين الذين كانوا في ايران , ما ان يحصلوا على اللجوء في اوربا , حتى ياخذوا بمهاجمتنا . وهذا التصرف الذي يفتقر للاخلاق والرجولة حتما يليق بالكثير من العراقيين . والمفارقة الاخرى ان البعض لايتحرج بالعمل مع الامريكان المحتلين والتعاون معهم سواء اكان متعاقد او مترجم فيما يتهم الاخرين بالعمالة ويطعن بوطنيتهم بمجرد مدحهم لايران او الدفاع عنها .
5 . التعرية التي قامت بها الشخصيات الايرانية في مجال المقاومة والرفض والشجاعة للاستبداد البعثي والامريكان واسرائيل وغيرها , جعلت الكثير من الاخوة الشيوعيين – وبعض العراقيين - يعانون من التازم النفسي والخجل والعار بسبب ظهورهم بمظهر العاجز والمتخاذل والمستلب امام الديكتاتورية , سيما اذا عرفنا ان البعثيين قتلوا اكثر من خمسين الف شيوعي فيما هم لم يقتلوا بعثيا واحدا , (راجع القسم الاول من هذه الدراسة) رغم انهم تبنوا نظريا اكثر الماركسيات ثورية وتطرفا من قبيل اللينينية والماوية والعمالية والتروتسكية والستالينية , فحاولوا جهد امكانهم النيل من الشخصيات الايرانية الشجاعة - او الموالية لهم - واخرهم الجنرال قاسم سليماني وابو مهدي المهندس وقبلهم عماد مغنية وعباس الموسوي ومحمد باقر الحكيم وهادي العامري حسن نصر الله وغيرهم . لذا تجد الكثير منهم اعلنوا مواقف من الشماتة لمقتل الجنرال سليماني والمهندس على ايدي الامريكان عام 2020 وكما قيل (المخصي يحقد على الفحل في حريم السلطان) .
6 . التربية البعثية والقومية ,وتاثيرها الاعلامي والتربوي على المجتمع العراقي واستغلالها مقدرات الدولة طيلة اربعين ساهمت في ترسيخ المفاهيم القومية والطائفية والعنصرية ضد ايران , والنيل منها وتشويه سمعتها وتاريخها .
7 . غسل الادمغة وتزييف الوعي عند الجيل الجديد من الشباب والمراهقين الذين رغم انهم لم يعاصروا فترة حكم البعث , الا ان الفضائيات الخليجية مثل الشرقية والعربية وغيرها من الصفحات الممولة بالفيس بوك من السعودية وامريكا , رسخت الاكاذيب والاساطير والحقد ضد ايران , خاصة وان اغلبية هذا الجيل يفتقر الوعي والثقافة والاطلاع .
8 . ابعاد تهمة الذيلية من قبل الشيوعيين العراقيين عن انفسهم . فمن المعروف ان اول من اتهم بالذيلية والتبعية لدولة اجنبية هو الحزب الشيوعي العراقي , فقد اتهم من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة بالعمالة للاتحاد السوفيتي - بل ان صديقهم المفترض عبد الكريم قاسم وصفهم بالعملاء - كما اتهموا من قبل منافسيهم ومعارضيهم بالذيلية للحكومة البعثية والخنوع لها ابان الجبهة الوطنية بين عامي (1973 – 1979) . ويبدو ان هذا الاتهامات قد شكلت عند الاخوة الشيوعيين جرحا نرجسيا لم يششفوا منه حتى الان , وبما انهم متهمين مسبقا بالعمالة والتبعية للاجنبي من قبل الحكومات الطائفية والبعثية لانهم شيعة , فان الامر اصبح عندهم جرحا مضاعفا , وبقى عندهم ضمن طبقة اللاشعور يتوثب للظهور والتحرر باي وسيلة , فوجدوا افضل وسيلة للدفاع عن انفسهم وابعاد هذه التهمة الفظيعة في منظورهم من خلال الية الدفع الذاتي , واتهام الاخرين بالذيلية والتبعية ,وطبعا لايوجد افضل من يتعاون مع ايران او يتحالف معها , لان الدفاع سيكون امضى وافضل . كما واتهموا الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة بالذيلية مع استثناء شامل للسنة والكورد , لان العميل والذيل - كما رسخت عندهم ذلك السلطات الطائفية والبعثية – هو الشيعي فقط , ومن يريد التاكد فليراجع المقالات اليومية للاخوة الشيوعيين في موقع الحوار المتمدن وصفحاتهم بالفيس بوك .
واما بالنسبة للاخوة الشيوعيين تحديدا فان افضل مثال عن تاصيل العقدة الشيعية من ايران هو انهم وطوال تاريخهم لم تحصل حركة او تقوم دولة ثورية بالعالم تواجهة الدول الاوربية وامريكا لم يؤيدوها او يدعموها ويمدحوها , بل ومدحوا حتى بعض الحركات المتطرفة لانها واجهت الغرب - او الانظمة الرجعية مثل السعودية - ومثال ذلك الشاعر مظفر النواب الذي مدح جهيمان العتيبي الوهابي المتطرف لانه واجه الحكومة السعودية وسيطر على الكعبة والبيت الحرام , الا ان هذه الدولة الثورية الوحيدة التي واجهت اوربا وامريكا ودول الاستبداد العربي والرجعية السعودية وعوائل البترودولار الخليجية ودعمت حركات التحرر العربية وغيرها طوال اربعين عاما , وتعرضت في سبيل ذلك للاحتلال والحروب والحصار والضغط السياسي والاقتصادي والاعلامي ولم يقفوا معها هى ايران , بل وفي حالات معينة وقفوا ضدها وانحازوا للصف المعادي لها , كل ذلك ليس له تفسير موضوعي وعقلاني سوى الرغبة في ابعاد انفسهم عن الربط المذهبي بينهم وبين ايران والخشية من الاتهام بالانحياز الطائفي معها , لذا تجدهم باي وسيلة يسعون لمهاجمتها والنيل منها من جل اثبات وطنيتهم وعروبتهم وعلمانيتهم وحياديتهم امام الاب الميت والسيد الوهمي في نفوسهم المازومة .
وقد يذكر البعض ان الشيوعيين الشيعة ليسوا نسيجا واحدا من الاراء والافكار والخطاب , وانما افرادا متعددين بالرؤية والاهداف والاتجاهات , وبالتالي لايجوز حصرهم في نطاق هذه الاطروحة التي ذكرتها . في الواقع ان هذا الاعتراض يحوي مصداقية كبيرة ومؤكدة من الحقيقية , وهناك الكثير من الاخوة الشيوعيين الشيعة ليست عندهم عقدة الاستلاب من الشجاعة ولايحملون العقدة الشيعية من ايران , ولكنهم في الواقع اقلية ويمارسون التقية , وموضوعنا يشمل العدد الاكبر والخطاب الاعم من تلك الانتلجنسيا الشيوعية . وقد اطلعت على مقالات وكتابات العشرات من الاخوة الشيوعيين في مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك وغيرها طوال اكثر من عامين , وظهرت نتيجة هذه الدراسة تثبت صحتها ومصداقيتها من خلال كتابات واراء الشيوعيين واليساريين الذين يعانون من استلاب الشجاعة والعقدة الشيعية من ايران , وكان المعيار الاساس في التقييم هو الموقف من الارهاب والابادة والتصفية التي تعرضت لها الاغلبية الشيعية في البلاد بعد السقوط عام 2003 وحتى الان , وموقف هذه الاسماء وسكوتها المطبق في عدم نشر اي مقالة خاصة عن الممارسات الاجرامية التي قامت بها الفصائل الارهابية والتكفيرية والبعثية والدوافع السياسية والطائفية والمرجعية الخليجية والتكفيرية السعودية له , والسكوت عنه خشية الاتهام بالطائفية والانحياز للشيعة وغيرها من البواعث النفسية اللاشعورية , بل وربما قام بعضهم بتبريره وخلط الاوراق لتبرئته او القاء تلك التصرفات على جهات اخرى من اجل ابعاد الانظار عنه . واهم تلك الاسماء (عزيز الحاج ورشيد الخيون وكاظم حبيب وسليم مطر وسعدون هليل وعلي ناصر كنانة وزكي رضا وقاسم حسين صالح وسلام ابراهيم كبه وعلي حسين ورياض رمزي وثائر جبار وعبد الحسين شعبان وشاكر الناصري وسمير عادل وعلاء اللامي وطلال الربيعي وكاظم الموسوي وسلام عبود واحمد محمد الموسوي وكريم حنش وفاطمة المحسن وشمخي جبر ومجيد الامين وفخري كريم وبلقيس حميد حسن وعبد الامير الركابي وصباح زنكنة ومفيد الناصح وعبد المنعم الاعسم وفرات المحسن وكريم عبد ونوري المرادي وزهير الجزائري وصادق اطيمش ونزار ماضي وحسن النواب وابراهيم الحريري وفالح مهدي وخزعل الوصال وخضير طاهر وسلام عبود ومحمد حسن الموسوي ومحسن حنيص وصادق اطيمش وفخري كريم ونضال موسى جعفر وشوقي كريم حسن وطالب العواد وحسين مزعل محسن وعامر صالح وعبد الامير الركابي وعلي ثويني وعبد الكاظم الياسري وسليم جواد الفهد وعدي شفيق وطلعت كريم وعبد اللطيف الياسري وعادل الياسري وسعيد جعفر وصافي الياسري وعادل حبه) ...واما الاخوة الذين ذكرت اسمائهم خطا وسبق ان نشروا مقالات او كتابات او دراسات او ندوات خاصة عن الارهاب ومرجعيته التكفيرية ودوافعه السياسية الحقيقية , فارجو منهم ارسالها من خلال صفحتي بالفيس بوك , وساكتب عنه مقالا خاصا واعتذارا صريحا في موقع الحوار المتمدن نفسه .
وقبل ان نختم هذا الموضوع المطول لابد ان نشير الى نقطتين مهمتين :
الاولى : ان اهم من اشار لهذه العقدة السنية والشيعية من ايران الكاتب غسان نعمان ماهر الكنعاني السامرائي في مقالات نشرت بالانترنت بعنوان (عقدة ايران في العراق) جمعت لاحقا في كتاب بعنوان (مشكلتهم مع ايران) وبين فيها اسباب وتطور تلك العقدة ودور الاعلام السلطوي الطائفي في غسل الادمغة وتزييف الوعي في ذلك ولانريد استعراض جميع تلك الاشكالات التي ذكرها ولكن يمكن ذكر اهمها المتعلقة بموضوعنا وهى العقدة الشيعية من ايران بالقول (من اجل الدفاع قبالة العقدة السنية ضد ايران ,والتي تتضمن رمي الشعي بالاعجمية والشك في الولاء للعراق ,فان الحل الوحيد عند الشيعي هو (الناي بالنفس عن ايران) وفي اظهار العداء لها عسى ان يتخلص من هذه التهم التي تضرب اساس ولائه للوطن الذي هو جزء اصيل منه ,والدولة التي ماقامت الا على جماجم شهدائه الابرار - حسب تعبير الشيخ الشبيبي في رسالته الشهيرة الى الرئيس عبد السلانم عارف - ردا على التهجمات الطائفية على الشيعة) .
الثانية : كثيرون عندما يطلعون على هذه الدراسة يعتقدون ان الكاتب من دعاة الهوية المذهبية والانبعاث الشيعي والتماهي في الصراعات الطائفية والاندماج مع السياسية الايرانية والتحالف معها , وغيرها من الامور التي قد يستشف منها خطا من ظاهر الدراسة . واقول ان هذا غير صحيح كليا - وسبق ان بينته في مقالات سابقة - فالدراسة هى معرفية ونقدية وتحقيق تاريخي وتحقيب فكري ومذهبي للجماعة الشيعية في العراق . والكاتب من دعاة الدولة المدنية الليبرالية والعلمانية الحديثة ويعتبر تلك الصراعات الطائفية والاثنية انبعاث مسيطر عليه من كهوف التاريخ اخرجته بعض القوى النفطية خدمة لمشاريعها البغيضة للنيل من الاخرين وارهابهم وتهميشهم , وان التسامي عن تلك الصراعات والهويات الفرعية والدعوة للدولة المدنية والقيم الليبرالية يجب ان يصاحبها تسامي الاخرين عن تلك الهويات والتماهي كليا مع القيم المدنية , فليس من المعقول ان نطالب الشيعة بالارتقاء نحو افق العصرنة والحداثة والتنوير , فيما يتسافل الاخرون نحو الاصولية والهوية - كما حصل في القرن العشرين - عندما انغمس المثقفون والمتعلمون الشيعة بالتوجهات الايديولوجية والتيارات الفكرية , فيما راوح الاخرون من السنة والكورد ضمن مسار الهوية المذهبية والاثنية , ولم يتساموا عن تلك المنطلقات والمطارحات وبقوا واعين للواقع العراقي المعقد والانقسام البنيوي والجوهري الحقيقي الذي يحرك التوجهات من خلف الستار , حتى وصل الحال باولئك المثقفون ان جعلوا هويتهم الشيعية المجال الارحب للهجوم والنقد والتسقيط بصورة يمكن وصفهم معها بالمغفلين - اذا كان تساميهم جهلا - والمخصيين اذا كان هجومهم تعمدا . واما اذا بقى الواقع كما هو ولم يرتق الشركاء في الوطن الى افق الوطنية والايثار والتنوير فاني اعلن صراحة - ودون خجل او تردد - اني مع الهوية المذهبية والانبعاث الشيعي حتى لاتعاد علينا دورة العبودية والديكتاتورية والارهاب مرة اخرى . واما اذا ادعى البعض بان شيعة العراق هم الاغلبية وابناء البلد الاصليين والحقيقيين , وان الواجب عليهم التصدي للتسامي عن الهويات التقليدية والصراعات المذهبية والاثنية والارتقاء نحو افق التحديث والتنوير من اجل تشجيع الاخرين على السمو والتحرر من الانانية والقوى اللاشعورية الوافدة من خلف اسوار التاريخ وادراجهم في عجلة الحرية والتعددية والقيم الليبرالية , فانا مع هذا الراي ولكن ليس ضمن الافق المفتوح او (صك على بياض) – كما يقولون – وانما بشروط محددة وتوقيتات معينة يجب ان يصاحبها تسامي الاخرون وارتقائهم , والا يجب على الشيعة ان يبحثوا عن مصلحتهم ومستقبلهم اولا وليس مصلحة الوطن ومستقبله المازوم على الدوام , ففي العراق – وكما قال توفيق السويدي رئيس الوزراء في العهد الملكي – (لاتوجد احزاب وحركات سياسية او قومية او يسارية وغيرها , وانما يوجد حزبان فقط حزب الشيعة وحزب السنة) ونحن لانريد ترسيخ هذا الواقع الموتور والبناء عليه وتاصيله بقدر مانريد التفكير بالمعالجات الحقيقية لتلك البنى المستعصية والانسدادات التاريخية التي يرزح تحت ظلها المجتمع العراقي .
عندما اكد الدكتور علي الوردي ان الحياة وحركة المجتمع تقوم على التغالب والتناقض والصراع فانه ربما اراد – بصورة غير مباشرة – توعية العراقيين الشيعة الغارقين بالمثل العليا والمبادىء الكونية بضرورة الوعي بقوانين الحياة وشفراتها الحقيقية , فهى لاتسير وفق صورة التباهي والجدل العقيم والقيم المثالية , وانما تحت قوانين الالغاء والتحدي والصراع وموت الاخر , وكما قال هيغل (ان كل وعي ينشد موت الوعي الاخر) . وان السعي الدائم للمثقفين الحقيقيين الذين لايبحثون عن الاضواء والاعجاب يجب ان يكون الى تحرير العراقيين الاصليين من البلاهة والتقوقع والعبودية المستديمة للاخر المختلف بالهوية والثقافة , وان يعلموا ان الحياة لامكان فيها للضعفاء والعاجزين والمغلفين , لان قوانين التطور تحتم عليهم الفهم والقوة والتكيف والوعي بالواقع المعاش , فالمجتمع والغابات تخضع لنفس قوانين الحياة , وكما قال انجلز (ان دارون اكتشف قوانين التطور والبقاء للاقوى والاصلح ليس من الغابات , وانما من مجتمعه الانكليزي) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عقدة المنتسبين للدين الشيعي
عراقي اصيل ( 2022 / 5 / 1 - 09:43 )
كل من يدعي العلمانية في التفكير والمنهج والسلوك وخاصة من الدين الشيعي هم بالحقيقة يتحركون ضمن مروث جيني عقدي منذو الصغر لانهم في الاساس ولدو وتربوا في مجتمعات تنتمي الى الدين الشيعي فمهما حصل لهم من تطور في فكري في تفسير جوانب الحياة فتبقى مناطق مظلمة ومعتمة في عقلهم الباطن ليس بايدهم ان يغيروه لايستطيعون ويظهر ذلك في مقالاتهم عن غير قصد مثلا الكاتب وهو علماني التفكير والمنهج يدعوا الى النهضة الفكرية لايتردد باستخدام مقولات جاء بها المحتل الامريكي لتمييز ابنا العراق وهو الاكثرية ( مصطلح اوجده المحتل الامريكي ومصطلحات ليكسب جهة معينة في صفه كي تخدم اجندته في العراق ) ويعلم علم اليقين ان قبل اكثر من مئة سنة بدات ايران وهم بالاصل كانوا على دين الاسلام لولا تولي عباس الصفوي السلطة في ايران فقام بتغيير ديانة الدولة بالقوة وكذلك فعلوا بمدن جنوب العراق الاغراء بالمال والنساء ( المتعة ) والاغتيال وساعدهم بذلك الجهل والتدجين من قبل عمائم المجوس معلومة لاينكرها الا جاهل وكانت ايران حريصة على تغيير معتقد الناس الى الدين الجديد الذي يتوافق مع موروثهم الوثني والقومي ولكن بغطاء دين الاسلام