الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يهود كردستان ورؤسائهم القبليون دراسة نقدية - القسم الرابع

فرست مرعي
كاتب

(Farsat Marie)

2020 / 3 / 25
القضية الكردية



ثانياً: مكانة بارزان في الميثولوجيا اليهودية
يتركب مصطلح الميثولوجيا (Mythology) ذو الاصل اليوناني من مقطعين هما (Mythos) (حكايات الآلهة والابطال) و (Logos) المنطق، وبمرور الزمن تعددت معاني هذا المصطلح وترجمه العرب المسلمون الى (علم الأساطير). أما في المفهوم المدرسي فبجانب القصص التي تروي ما فعلته الآلهة والأبطال، فإن الميثولوجيا هي في المقام الأول الحكايات القديمة التورانية والاغريقية والرومانية وغيرها من الحكايات الاخرى التي تتحدث عن أشياء معجزة وخارقة. كما ان هناك علاقة جدلية بين الميثولوجيا والدين، الا ان بعض السمات الخاصة فيها تميزهما الواحدة عن الأخرى فما لا يستطيع الدين أن يحققه للبشر من منافذ تشبع نهمهم تحققه الأسطورة. وهكذا الأمر بالنسبة لليهود في قرية بارزان وغيرها من الأصقاع الإسلامية فهم على كل حال كانوا اقلية ولذلك كانوا يحاولون بشتى السبل الالتجاء الى الاسطورة والعلوم الاخرى التي يشتهر بها اليهود كالقبالة (التصوف اليهودي – الحسيديم) وغيرها لسد الفراغ الناتج عن ضعفهم في المجتمع الاسلامي، فضلا عن محاولة رد الاعتبار الى رجال الدين اليهود من الكهنة والأحبار والحاخامات لاستغلال الطبقات الأخرى من المجتمع اليهودي، ولذلك نشأة ميثيولوجيات كهنوتية صاغت مواضعها في دائرة ضيقة ومغلقة من الكهنة، وترسخت هذه بمرور الزمن في عقائد وأذهان الجماهير على انها حقائق مسلم بها ( ).
واليهود ليسوا في هذا المجال بدعة فهم كغيرهم من معتنقي الأديان السماوية وغير السماوية لديهم شعائر وطقوس خاصة بهم أضافوا اليها بعض السمات الميثولوجية لترسيخها في بنية مجتمعهم الصغير الثاوي في أحضان جبال كوردستان. لذلك على هذا المنوال صاغوا قصة شجرة الرمان التي تتعلق بطقوس السبت اليهودي المتسمة بالصرامة الى حد كبير، حيث يحرم على اليهودي العمل في هذا اليوم وإن أي انتهاك لقوانين السبت يعرض اليهودي الى عقوبات شديدة.
ولكن هناك استثناء من هذه القاعدة، يروي الحاخام علوان أفيداني من العمادية يرجع اصله الى قرية نيروة التابعة لمنطقة نيروة وريكان الكائنة شمال شرق العمادية لمحاوره الانثروثولوجي اليهودي الألماني ( إريك براور ) في القدس سنة 1937م حول قصة شجرة الرمان التي جرت أحداثها في قرية بارزان قبل 150 عاماً اعتبارا من سنة 1937م، أي ان وقائعها إن صدقت ترجع الى سنة 1787م تقريبا، وتتعلق بحوار جرى بين الحبر اليهودي الحاخام ناثانيل هاليفى بارزاني وابنه الحبر شموئيل من جهة وبين شيخ بارزان من جهة اخرى.
تتلخص القصة بان الحبر اليهودي وابنه كانا جالسين في كوخ لهما في قرية بارزان وهما غارقان في نقاش مستفيض عن موضوع (المركافا) أي الملكوت أو عالم العرش الإلهي ، وبينما هما مستغرقين في هذا الجو الفكري والفلسفي، اذ لمح شيخ بارزان وكان جالسا فوق سطح داره شعاعاً اخضر قد ظهر فوق كوخ الحبر اليهودي، مما دعاه الى ارسال خادمه لمعرفة ما يجري هناك لأنه كان متعجبا من هذا الشعاع الأخضر الذي كان يرتفع من الكوخ اليهودي الى السماء دون ان يدمر شيئأ أو يحرق شيئاً ( ).
وتمضي الرواية قائلة بأن شيخ بارزان أعتقد جازما بأن هذا النور الذي غطى كوخ الحبر اليهودي ليس الا نورا يخص السادة من نسل الرسول محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم) لذا حاول جاهدا من الحبر اليهودي وأبنه الاعتراف بشجرة نسبهما النبوي، فلما رفض الحبر وابنه ذلك واعلنا للشيخ بأنهما يهوديان وأعلماه بشجرة نسبهما اليهودي تم اعتقالهما في مكان حقير يستعمل للحيوانات تهيئاً لقتلهما إن لم يعتنقا الاسلام.
ومهما يكن من أمر فان ابن الحبر شموئيل استطاع الافلات بمكيدة وقصد العمادية على أمل ان يختبئ هناك عند الجالية اليهودية الكبيرة نوعا ما، ولكن كتابة شيخ بارزان لعدد من المعادلات على الرمل مع ذكر اسم الحبر شموئيل الهارب عليها، قاده ذلك الى معرفة مكان اختباء الحبر شموئيل في الجينيزا (غرفة حفظ نسخ التوراة القديمة) في كنيست يحزقيل في العمادية، وهو مادعاه الى الكتابة الى حاكم العمادية (امير بهدينان انذاك ) بتسليم اليهودي اليه، وبالاخير عندما علم الحبر اليهودي بأن لا امل له في النجاة تضرع الى الله سبحانه وتعالى ليأخذ روحه وكان له ما اراد( ).
ان هذه الرواية في حقيقة الأمر تصطدم وتتعارض مع عدة حقائق دينية وتاريخية تخص منطقة بارزان وشيوخها، ففي الفترة التي ذكرتها الرواية فان شيوخ بارزان لم يكونوا قد استلموا الطريقة النقشبندية من مولانا خالد النقشبندي أو من شيوخ نهري، ولم يكن مولانا خالد النقشبندي قد استلم الطريقة النقشبندية في الهند أصلاً، فضلاً عن ذلك أن أسرة آخرى من الآغوات كانت تحكم المنطقة، ولكنها اختفت بمقتل عدد من رجالها في الصراع الذي نشب بين عشيرة الزيبار المدعومة من أمراء بهدينان وبين عشيرة برواري بالا المدعومة من جيرانها الآثوريين المسيحيين بمختلف قبائلها ، وتحديداً عشيرة التياري( ). أما السحر والتنجيم واللعب بالرمال فهو مما كان يتعاطاه رجال الدين اليهود وخاصة (الحاخامات) منهم الذي ينتهي نسبهم الى سبط لآوي بن يعقوب، حيث ان الكهانة موكولة لهم حسب اشتراط التوراة( ) ، بجانب ان التقليد الشفوي الشائع في منطقة بارزان وأطرافها وكتب الرحالة والمبشرين الأوربيين تشير بدون شك الى سماحة شيوخ بارزان وعطفهم على اليهود والنصارى، مما دعا بأحد هؤلاء وهو المبشر والقس الاسكتلندي ( ويكرام ) الى تسمية الشيخ عبدالسلام الثاني البارزاني بن الشيخ محمد بـ(شيخ النصارى)( )، فلا يعقل ان يجبر شيخ بارزان حبر اليهود الكبير في بارزان على اعتناق الاسلام وهو قد بلغ من العمر عتيا، هذا من جانب ومن جانب آخر فإن المعطيات التاريخية لا أساس لها من الصحة لأن شيوخ بارزان أخذوا الطريقة النقشبندية بعد هذا التاريخ بفترة طويلة كما هو ثابت في المصادر والمراجع التاريخية.
ومن جهة اخرى فان المصادر تشير الى وجود ربية( Rabbi ( بارزانية (عالمة دين يهودي) تدعى (آسيناز بارزاني) ابنة احد كبار رابيي اليهود (شموئيل بارزاني) التي وُلدت سنة ١٥٩٠م وعاشت في الموصل حتى سنة ١٦٧٠م، كانت ابنة الحاخام (صموئيل – شموئيل بارزاني) وتزوجت في وقت لاحق من الحاخام (يعقوب مزراحي) الذي كان رئيساً لمدرسة دينية يهودية في العمادية وكان أستاذاً فيها، كانت أَسْينَاتُ بارزاني مشهورة لمعرفتها شرائع التوراة والتلمود، وبعد وفاة زوجها في وقت مبكر أصبحت رئيسة المدرسة الدينية في العمادية وأستاذة كبيرة فيها لأنها كانت من أكبر العلماء العارفين بشرائع التوراة في كردستان. وَكُنِيَّتْ هذه الأستاذة باسم (أَسْنَاتُ التنائية)التي تعني عالمة وباحثة مثل العلماء في فترة المشنا والتلمود حوالي القرن الأول حتى القرن الثالث الميلادي، وكانت آسيناز شاعرة نظمت القصائد باللغة العبرية التي كانت تجيدها، وكتبت قصيدة طويلة رثائية موزونة بأوزان الشعر العربي. وكانت من أوائل النساء اللواتي كتبن قصائدهن الشعرية باللغة العبرية، وفتحت عدداً من المدارس( ).
وتعتبر آسيناز بارزاني إحدى الرابيات المشهورات في تاريخ اليهود الشرقيين (السيفارديم )، ولعلها ابنة الحاخام شموئيل بن ناثانيل هاليفي بارزاني المذكورانفا، وهذا يدل دون شك على قِدَم قصبة بارزان من الناحية التاريخية والدينية معاً، حيث تعد (آسيناز بارزاني) أول رُبية في التاريخ اليهودي على صعيد العالم، وهذه دِلالة لها قيمتها المعنوية.
كما لا يمكن نسيان عدد من الشخصيات اليهودية من أصول بارزانية تبوأت مناصب مهمة في الحكومة والأحزاب الإسرائيلية، منهم على سبيل المثال لا الحصر (موشي بارزاني)( ) الذي كان احد مساعدي (مناحيم بيغن) رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق وزعيم حزب الليكود الإسرائيلي، وبعد اعدامه على يد سلطات الاستعمار البريطاني دفن في جبل الزيتون في القدس، ودفن بجانبه رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق (مناحيم بيغن) تقديراً له.

المصادر والمراجع والهوامش








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان تنديدا بالحرب الإسرائيلية


.. الأمم المتحدة تحذر من التصعيد في مدينة الفاشر في شمال دارفور




.. تكدس خيام النازحين غرب دير البلح وسط قطاع غزة


.. ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟ •




.. نتنياهو: أحكام المحكمة الجنائية الدولية لن تؤثر على تصرفات إ