الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات الحجر (1) وجها لوجه

حكيمة لعلا
دكتورة باحثة في علم الاجتماع جامعة الحسن الثاني الدار البضاء المغرب

(Hakima Laala)

2020 / 3 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عشنا زمنا في احتراز اختياري، كل في حيه، كل خائف على التواجد أمام الآخر، ذلك الآخر الذي يمثل النقيض، المخالف لنا. رفض أصحاب الأحياء الغنية أصحاب الأحياء الجانبية والمهمشة، وكذلك فعل سكان أصحاب الأحياء الشعبية والمهمشة، وبقيت الطبقة المتوسطة معلقة بينهما. رسمنا حدودا باللغة واللباس والفعل، حتى أنك إن زرت بعض الأحياء في المغرب تعتقد أنك في حي أوروبي، وإن زرت حيا فقيرا تعتقد أنك غادرت التاريخ الإنساني المعاصر لتحل في حقبة تاريخية متوسطية. كان سيظل الأمر عادي جدا، فالأغنياء لايعرفون من العالم المغربي الفقير إلا خادمة البيت أو السائق الخاص للسيارة، وظلت الطبقات الدونية اقتصاديا وتعليما تشاهد عالم الأغنياء في التلفاز وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. هكذا تعايش السلم الاجتماعي بالتباعد والانطواء والرفض. حتى حلت جائحة الكورونا، ليجد هؤلاء، الذين يملكون كل شيء، أو بعضا منه وجها لوجه مع أولئك الذين لايملكون شيئا، اجتمعوا ولكن في ظروف مهتزة، كورونا خلقت خوفا ودفعت بالكثير من الأوائل إلى اكتساح المتاجر لضمان قوتهم وبذلك وجودهم، وبقي الآخرون خارج دائرة التسويق ليس لأنه رافضون للفعل، بل لأنهم لا يملكون حيلة لفعل ذلك. ووقفوا متفرجين على آمالهم وحياتهم، كما وقف سكان الشارع، من أطفال وشيوخ وعجائز ومهاجرين ومعاقين، فهم على كل حال كانوا يقتاتون من الصدقات ويؤمنون لأنفسهم مكانا في المحطة أو جانب جامع ليناموا. الآن الأمر اختلف، هؤلاء أصبحوا واضحين وضوح القهر، صاروا عائقا لحماية أنفسهم، عائقا لأولئك الذين لهم المنازل الواسعة للقبوع فيها. المشكل أن أهل الهامش لا يدركون خطورة المرض، أو ربما الهشاشة والجوع هما أقبح من المرض. أو ربما حياتهم في حد ذاتها لا تساوي شيئا. هذا الجهل أو العجز على الفهم أغضب الكثير واستفز الكثير، ولم يدركوا جيدا أن الفوارق هي أعمق بين فئات المجتمع المغربي. وأن الفرق بين الذين يسايرون مرض الكورونا بكل جدته وجديده وبين العازفين عليه، لا يدخل في إطار الصراع الطبقي الكلاسيكي، إنه صراع بين واجهتين من المجتمع المغربي، واجهة تعيش تقريبا عصرها، وأخرى تعيش على آثار الحاجات البدائية، همها الأول هو محاربة الجوع، أهلها غير قادرين على إدراك الغير المرئي. هذه الواجهة، تكرس فكرها، ليس كرها في الواجهة الأولى ولكن لأنها لم يكن لها حظ الولوج لمعارف تخول لها ذلك.
في هذا الصراع يحتد الواقع في الشبكات الاجتماعية للتخلص من الغائبين، القابعين بعيدا عن الإدراك المعرفي الذي تتسلط به الواجهة الأولى عليهم، إنهم خائفون ولكن أمام عجزهم، أمام الفقر والجوع ورداءة العيش يتيهون عبثا، ولا يفهمون غضب الآخرين عليهم. حتما لقد سمحت لهم الكورونا بأن يتعرفوا على بعضهم البعض، ويتباعدون عن بعضهم البعض أكثر، الأوائل يبحثون عن الاحتماء، والكثير من الآخرين يبحثون عن لقمة خبز وإن تطلب ذلك مواجهة الكورونا بوجه عار وجسد منهوك من التعب. كانوا يقفون ظهرا لظهر والآن يقفون وجها لوجه......








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يكثف غاراته على مدينة رفح


.. مظاهرات في القدس وتل أبيب وحيفا عقب إعلان حركة حماس الموافقة




.. مراسل الجزيرة: شهداء ومصابون في قصف إسرائيلي على منازل لعدد


.. اجتياح رفح.. هل هي عملية محدودة؟




.. اعتراض القبة الحديدية صواريخ فوق سديروت بغلاف غزة