الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عزيزي الله!

شفيق عنوري

2020 / 3 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عزيزي الله،
أعي جيداً أنكَ تعرفنِي، وتعلمُ أنِي أكتبُ هذهِ الرسالةَ لكَ حتَى قبلَ أن أكتبهَا، ولكن لأنكَ استأثرتَ بعلمِ الغيبِ عندكَ، فسأتعاملُ معكَ سيدي وكأنكَ لا تدري، ولهذَا دعنِي في البدايةِ أقدمُ لكَ نفسي، أُدعى ماجد، وكنيتي الهواري، سَمانِي أبوايَ بهذَا الاسمِ حينَ أَنجبانِي منذُ ما يزيدُ عن ربعِ قرنٍ. وُلدتُ سيدِي في قريةٍ صغيرةٍ نواحي مدينة زايو بإقليم الناظور شرقيَّ المغربِ، الذي يَقع بدورهِ شمالَ القارةِ الإفريقيةِ، في كوكبِ الأرضِ، القابعِ في مجرةِ دربِ التبانةِ، المتواجدةِ في هذا الكونِ الفسيحِ، الذي لا نعرفُ عنهُ سوى القليلِ، وطبعاً أعلمُ أنك تعرفهُ بتفاصيلهِ، فهو من صنعكَ. اعذرني سيدي على جرأتِي، ولكن لطالما تمنيت محادثتك بشكل مباشر، وقد سنحت لي الفرصة لذلك، لهذا فأنا أطلعك على ما في خاطري، دون أن أدعي أنك لا تعلم ما يجول به.


لقد عرفتكَ عزيزي الله منذُ سنوات عمري الأولى، فقد كان والداي يحدثانني عنكَ، قالوا إنكَ تحبُّ أن لا نرتكبَ بعضَ الأفعالِ، وأن نقومَ بالبعضِ الآخرِ، من أجل أن تجازينَا بعد الموتِ، وتنجينَا من دخولِ جهنمَ، كما عرفتُ من خلالهمَا أنكَ أنتَ من خلقنَا جميعاً، بدايةً من آدم، الذي كان في جنتكِ وطردتهُ بعد أن عصى أمركَ وأكلَ من الشجرةِ المحرمةِ بعدما أزلهُ الشيطانُ، وقد أوجدتنا بهدفِ أن نعمرَ هذه الأرضَ، ونكونَ خلفاءَ لكَ فيهَا، ولهذا قررتُ مراسلتكَ لإطلاعكَ على بعض الأمورِ المهمةِ، والتي قد تساعدنَا في تحقيقِ الأهدافِ التي سطرتهَا أنتَ في وقتٍ سابقٍ، عزيزي الله، اعذرني فلا أقصدُ أن أملي عليكَ، ولكنكَ منحتني هذا العقلَ، وهو يسعى لإخباركَ بما يجري لكي تتدخلَ.

عزيزي الله،
لا شك أنكَ لا تعلم معنى أن تعيشِ في الفقر المدقعِ، ليس جهلاً منكَ ولكن لأن هذه الأمورَ تُعرفُ بالتجربةِ، فمن لم يجربهَا لم يعرفهَا، وأنتَ سيدي غنيٌّ، ولم تكنْ ولن تكونَ فقيراً، ولم تعشْ ولن تعيشَ فقيراً، لقد كنتُ يا عزيزي تلميذاً من الصف الأخيرِ في المدرسةِ، لا أقصدُ صفوفَ الطاولاتِ، بل الفوارقَ الاجتماعيةَ، فبعدَ أبناءِ التجارِ والموظفينَ والفلاحينَ، آتي أنَا، ابنُ المياومِ، الذي يعملُ يوماً، ويجلسُ ثلاثاً، ولاشكَّ أنكَ لم تجربِ أيضاً أن تبيتَ ليالٍ من دون عشاءٍ، عذراً سيدي فأنا لا أقصدُ الاستنقاصَ منكَ، ولكنكَ لا تحتاجُ للطعامِ كي يبقى جسمكَ في صحةٍ جيدةٍ وتستمرَّ على قيدِ الحياةِ، لأنكَ سرمدي يا ألله، أتعلمُ معنى أن تسمعَ عصافيرَ بطنِ أطفالكَ تزقزقُ وأنتَ لا تملكُ أي شيءٍ لتُسكتهَا؟ هكذا كانَ شعورُ والدايَ. لقد دعوناكَ كثيراً لكنكَ لم تكنْ تجيبُ، كنتُ أسألُ عنكَ؛ لماذا لا تتدخلُ، لماذا نسيتنَا، فكانَ يقولُ لي أبي إنكَ أنتَ وحدكَ من يعلمُ متى وكيفَ يجيبُ الدعاءَ، كانَ جواباً كافياً لهُ، ولكنهُ لم يكن شافياً لي.

الآن، وعمري يزيدُ عن الـ 27 سنة، وصلتُ لمرحلةِ النضجِ لكي أتمكنَ من كتابةِ هذهِ الرسالةِ، أعلمُ أنها ستجرُّ عليَّ وابلاً من الانتقاداتِ والشتائمِ والاتهاماتَ، فممثلوكَ في الأرضِ يا سيدي يُكفِّرونَ المرءَ فقط إن انتقدَ شيخاً من شيوخهمُ، ولاشكَّ أن ما أقوله هنا سيجلبُ لي الكثيرَ منَ القيلِ والقالِ، ولكني مؤمنٌ بأنكَ لستَ مثلهم، فأنت تتقبلُ أن يحدثكَ مخلوقكَ ويناقشكَ، كأستاذٍ يفرحُ إن ناقشهُ تلميذهُ في موضوعٍ مَا، رغمَ أن المِثالَ لا يليقُ بكَ، فأنتَ أعظمُ، ولكن لتقريبِ المعنى فقط.

عزيزي الله،
لقد قلتَ أنك قريبُ منا، وحقيقةً أنا أشعرُ أنكَ فعلاً قريبُ في داخلي، ولكن، وللأسفِ، لم ألحظْ أي شيءٍ في الواقعِ، فقد دعوتكَ لسنواتٍ طويلةٍ من أجلِ أن ترزقني، بدون أي نتيجةٍ، صحيحٌ تمكنتُ من الدراسةِ رغمِ ظروفِ عائلتي الصعبةِ، ووصلتُ للجامعةِ، ونلتُ فيها شهادةَ الإجازةَ في الدراساتِ العربيةِ، ولكن هذا يا عزيزي لاشيءَ في الواقعِ الماديِّ، ففي مقابلِ ذلكَ، فشلتُ في النجاحِ في عددٍ كبيرٍ من المبارياتِ، رغم أني كنتُ أستعدُ جيداً، وأدعوكَ، غير أن الأمرَ لم يفلحْ. حتما أنتَ لا تدري معنى أن تكونَ عاطلاً عنِ العملِ، تحاولُ أن تحصلَ على دراهمَ معدودةٍ من بعضِ الأعمالِ المؤقتةِ، من أجل توفيرِ ثمنِ خبزةِ تأكلها أو قهوةٍ تشربها أو سجارةٍ تدخنهَا، هذا طبعاً ليسَ استنقاصاً منكَ، ولكن يا سيدي أنتَ لستَ في حاجةٍ للعملِ أصلاً. لقد كنتُ يا حضرةَ اللهِ محتاجاً للعملِ من أجلِ أن يستريحَ والدايَ، لأنَّ الزمنَ قد أنهكهمَا، وأرغبُ في أن أعوضهمَا ما فاتَ، لينزلا عنهمَا ثقلَ الحياةِ، أنتَ لا تعلمُ يا سيدي معنى أن ترى والديكَ بعد أن تكبرَ يعانيانِ ويلاتِ الفقرِ وأنتَ لا تملكُ أي حولٍ ولا قوةٍ لمساعدتهماَ، ليسَ تقليلاً منكَ ولكنْ لأنكَ لمْ تلد ولم تولدْ، لذلكَ فأنتَ لم تجرب يا ألله ألم الأبناءِ على آبائهمُ الضعفاءُ!

عزيزي الله،
لقد رأيتُ أناساً لم يكونوا مقربينَ منكَ مثلي، نالوا ما أرادوا في الدنيا، لا أحسدهم طبعاً، كمَا لا أزكي نفسي، ولكن يا سيدي كنتُ أطبق تعاليمكَ في الإسلامِ بحذافيرهَا، لقد كنتُ أصلي الصلواتِ الخمسَ في المسجدِ، بالإضافةِ للنوافلِ، كما أصومُ الاثنينَ والخميسَ والأيامَ البيضَ من كل شهرٍ، وأقومُ بجلساتِ الذكرِ، وقد ناضلتُ في الجامعةِ دفاعاً عن اسمكَ ودينكَ، ولكن في المقابلِ لم تمنحني شيئاً، اعذرني على جرأتي، ولكن حسبَ قوانيننَا في الأرضِ سيدي، يتمُّ ربط المسؤوليةِ بالمحاسبةِ، والرزقُ مسؤوليةٌ، فإن لم يتمَّ توزيعهَا بشكل عادلٍ، فلابدَّ من التساؤلِ أينَ ذَهبتْ؟ ورزقناَ سيدي عليكَ كما قلتَ، إذا يا ألله عقلي يسائل خالقهُ فافهمني.

عزيزي الله،
لاشكَّ أنكَ لا تعرفُ معنى فراقِ الأحبابِ، خاصةً بالموتِ، لأنكَ يا سيدي أنتَ من يحيِ ويميتُ، ولم تتخذْ صاحبةً ولا ولدَا، كما لا تعرفُ ألم الاحتضارِ، تمامًا كما لا أعرفهُ أنا حاليًا، ولكن اختلافي معكَ أني سأجربهُ وسأعرفهُ، لكنكَ لن تعرفهُ، وفي كل يومٍ يمرُّ أقتربُ أكثرَ منهُ، وأخشى أن أغادرَ أو يغادرَ والدايَ من دونِ أن أَعملَ وأعوضهمَا، كما لا أرغبُ في الرحيلِ قبل أن أتزوجَ؛ لأجربَ الجنسَ وبعدهُ الأبوة، وأبني منزلاً، وأشتري سيارةً، وأسافرَ لأرى جمالَ بلادي والعالم، يا سيدي، تدخل من فضلكَ، وأخرسْ صديقي الذي لا يؤمنُ بجدوى الدعاءِ، ويقولُ لي إنكَ لا تتدخلُ أبداً !

سيدي، إن كان حبكَ لي مرهونًا بالابتلاءِ، فأنا لم أعدْ أرغبُ في أن تحبني من فضلكَ، أرجوكَ، اكرهني وامنحني ملذاتِ الحياةِ، عزيزي الله، أنا حقاً لا أرغبُ في أن تحبني، أريدُ الكثيرَ من المالِ في الدنيا، أما الحبُ فلنتركهُ لوقت لاحقٍ، أنا أرغبُ في أن أعيشَ حياةّ كريمةً، نعم الدولةُ تتحملُ جزءا من المسؤوليةِ، ولكن قبلهَا يا ألله، أنتَ من يتحملُ المسؤوليةَ، لأنكَ من أوجدتني في هذا الوطنِ الفقيرِ، فلو كنتُ في إحدى الدول الغنيةِ، لكانَ الأمرُ أفضلَ بكثيرٍ، ولكن للأسفِ يا سيدي، هذا ما قررتهُ أنتَ وقدْ كانَ، لذا أرسلُ لكَ رسالتي هذهِ، وكلي أملٌ في أن تجيبني في أقربِ وقتٍ.

عزيزي الله،
لقد كدتُ أنسى أن أخبركَ بأمرٍ مهمٍ، وقد تذكرتهُ في آخر لحظات كتابتي وبه سأختم هذه الرسالة، سيدي إن كل ممثليكَ في الأرضِ لا يليقونَ بكَ، فهم يشوهونَ اسمكَ؛ يقتلونَ الناس بدعوى أنكَ أمرتهمْ بذلكَ، يغتصبونَ أموالهمْ ويسبونَ نساءهمْ وأطفالهمْ، يبيعونَ وثائقَ للمغفرةِ، يتاجرونَ باسمكَ، يصرخونَ للسماءِ وكأنكَ أصمٌ يا ألله، إنهم حقاً لا يليقونَ بكَ، عليكَ يا عزيزي أن تسحبَ منهم الاعتمادَ، فقد باتوا يتحدثونَ بلسانكَ، سيدي اعذرني حقاً، وافهمني من فضلكَ، فأنا لا آمركَ، ولكني أترجاكَ أن تجدَ حلاً وتلغي اعتمادَ مثلَ هؤلاءِ الأوغاد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتي استاذتي الحقيقة مُرة
أودين الآب ( 2020 / 3 / 26 - 20:21 )
قد اسمعت لو ناديت حيا لكن لا حياة لمن تنادي


2 - عمرك تجاوز 50 عاما
شعاع نور ( 2020 / 3 / 26 - 21:42 )
لن تقنعني أن عمرك 27 سنة
هذا الأسلوب والخبرة والبلاغة إنما حصاد عقود
لماذا تريد أن تظهر بعمر أقل من واقعك ؟


3 - الرب قريب يا صباح ومش مشكلته سوء الفهم
شعاع نور ( 2020 / 3 / 26 - 21:48 )
رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي 4: 5
لِيَكُنْ حِلْمُكُمْ مَعْرُوفًا عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ. اَلرَّبُّ قَرِيبٌ.
سفر إشعياء 55: 6
اُطْلُبُوا الرَّبَّ مَا دَامَ يُوجَدُ. ادْعُوهُ وَهُوَ قَرِيبٌ.
قَرِيبٌ هُوَ الرَّبُّ مِنَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، وَيُخَلِّصُ الْمُنْسَحِقِي الرُّوحِ.
سفر المزامير 145: 18
الرَّبُّ قَرِيبٌ لِكُلِّ الَّذِينَ يَدْعُونَهُ، الَّذِينَ يَدْعُونَهُ بِالْحَقِّ.


4 - الرب بصير قريب ومو مشكلته عدم فهمه
شعاع نور ( 2020 / 3 / 26 - 21:59 )
44 مرة ذكر السميع
46 مرة ذكر البصير في الكتاب المقدس

تتمة سفر دانيال 2: 42
فَصَرَخَتْ سُوسَنَّةُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: «أَيُّهَا الإِلهُ الأَزَلِيُّ الْبَصِيرُ بِالْخَفَايَا، الْعَالِمُ بِكُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ.


5 - مقابلة صحفية مع الله
سعود سالم ( 2020 / 3 / 27 - 11:24 )
هذا الرابط لقراءة -مقابلة صحفية مع الله- يجيب فيها على بعض تساؤلاتك
https://www.4shared.com/web/preview/pdf/JMWkkhUwfi?

اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي