الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


افتح يا سمسم أبوابك : ما زلنا نحرج السماء.

زيدان الدين محمد

2020 / 3 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"جميعنا نملك عين ثالثة هي أيضًا عرضة للخداع "
-ندئ عادل.

حين تنقطعُ بالإنسان السُبل يجثمُ عليه العجز الذي هو بدوره وسيلة تُلقي بالإنسان في غياهب الماورائيات والاستنجاد بالقوى الفوقية "سَمِّها الله أو الطبيعة أو الكون أو الأرواح أو السِّحر أو ما يحلو لك" و هذا ما يحدث في موطن العربان _في الغالب _ حين تحلّ الأزمات المُرتبطة بهاجس "نهاية العالم أو المصيبة المُحرجة" الذي أصبح يلازم الإنسان المُعاصر بسبب ما يشهده من مآسي طبيعية وبشرية تتمثّل في الأوبئة والكوارث الطبيعية والإرهاب البشري والحروب.

كما رأينا في طَنجة وبعض مناطق مصر _خلال أزمتنا الحالية المُتعلّقة بڤايروس كورونا أو كوفيد ١٩_ قد خرج الناس في (مسيرات) لأداء تكبيرات وابتهالات تستنجدُ الله، مطلقةً فيض هائل من الدَّعوات ضدّ ڤايروس كورونا لعلّه يهتدي ويكفّ عنهم مثلاً! في طوابيرٍ ساخرة لا مكان لها تحت الشّمس في سُبل مُكافحة الوباء سوى بنداء حدوث معجزة. وهُنا يتجلّى فيهم توقهم الملهوف لتحقّق مفهوم المُعجزة المُخالف والمُخترق لدليل النظام... و رأينا في مِصر أيضًا انتشار مقطع لأحدهم يدّعي أنّهُ "المهتدي المُنتظر" وأُخرى تدّعي أنها "دابّة الأرض" وجماعات في إيطاليا تدّعي دخول الإسلام كمواجهة للڤايروس، و فئات هُنا وهُناك من العالم تتبرّك بالبقر والجمال والمزارات طلبًا للحماية من الوباء، ومظاهر "دينية" أُخرى عديدة مُدّعاة في رجاء حدوث توسّط فاعل غيبي خفي ينتجُ عنه حدوث "مُعجزة صعبة غير قابلة للتكرار ولا ترتبط بظروف نفسية أو طبيعية وإنّما لها ارتباط بالنظام الدِّيني" كنوع من مواجهة الأزمات. وحاجة الإنسان للإيمان بحدوث "معجزة صعبة" في هذا السّياق لا مناص منها حين يتعاظم في أمشاجه وحواسه شعور بثنائية العجز واليأس، فكما يقول الأديب الألماني "إريك ماريّا ريمارك" في ليلة لشبونة:
"الإيمان بحدوث الأعاجيب هو إحساس مُلازم لهؤلاء الذين يعيشون حالة الفرار واليأس والخوف، ولولا هذا الإيمان لفقد الإنسان قُدرته على الاستمرار".

يوضّح اسبينوزا أنّ المُعجزة _ أو رجاء حدوث المُعجزة إن صحّ لي تعديل المفهوم في سياقنا_ وسيلة هروب من الجهل وتغطية على العجز في فهم وتفسير ما يحدث في العالم. كما أنّها مسار يكشف لنا مدى رغبة الإنسان بإنسلاخه من وجوده الفعلي في مواجهة ما يواجهه دون مواربة. و ما يحدث اليوم على مسرح العالم من تراجيديا "الصرع والتوق للنجدة من الماوراء" بما تتضمّنه من ابتهالاتٍ ولجوء كارثي للمُعجزة ضمن إطار العقل الدِّيني _أيًا كانت الملّة _ يؤمن بالقدرة الإلهية وتدخّلها في مُحاربة الڤايروس، يُعيد لنا من جديد أزمة "المُقدّس في مواجهة العلم والمنطق" بعد كدّ وشقاء الإنسان على مرّ ثلاثة قرون من الثورة الصناعية المُنتجة بوتيرة متسارعة هائلة للمعرفة التقنية والمنهجية العلمية، ساعين مرّة أُخرى لاغتيال العقل العلمي مُقابل "توليد طمأنينة ذاتية" في ملمحٍ تخديري كان قد حذّر منه نيتشه مُسبقًا في صرخاته ضدّ الآيات الدّينية التي تهب الإنسان سكينة مزيّفة تثنيه عن التسلّح الفعلي والمنطقي لمواجهة شدائد واقعه، فالتحلّي بالواقعية هي عمودنا الذي نحتاج إليه اليوم وهي حسب روبن ويليامز "العكّاز التي يستند اليها أولئك الذين يخشون مواجهة المخدرات" . كما أنّ تنامي مشهد "المُقدس في مواجهة العلم والمنطق" يضع مرةً أخرى أمامنا تصوّر وجود نظامين :
١ / نظام شكلي "ظاهري" سببي : قوانين الطبيعة ودلائل مظاهرها وتجلّياتها.
٢ / نظام قدسي "غيبي" : يد عُليا إرادية لديها القدرة على تعطيل النظام الطبيعي والقُدرة الحُرة عن طريق تعويذات وترانيم وطقوس شعائرية.
وهُنا يستيقظُ سُؤال يُوجَّه للإنسان المقهور _السَّادر في نداء المُعجزة كنجدة من الواقع _ علّه يستيقظ:
"هل للطبيعة قُدرة دون قُدرة الله؟ أمَا تتجلَّى قُدرة الله في الطبيعة كُلها؟ إذن : كيف يكون الحدث الخارق الطبيعة دليلاً على قُدرته؟ وعليه: أيخرق الله قدرته ليدلّ على قدرته؟".

إن أساس المشكلة التي نواجهها من الإنسان الباحث عن المعجزة واسمحوا لي أن أسمّيه إنسان "افتح يا سمسم أبوابك" تتمثّل في "قهره واستسلامه وخموله"، فلو أتاح لِنفسه خلع رداء العجز والتملّص من الوهم المُتهافت عليه، لأفلحَ ولو جهدًا يسيرًا في عقلنة الواقع وأنسنة النظام وفكّ شفرات الوجود العظيم. ولا أحد يقول أن يكفّ الإنسان عن الدُعاء والإبتهال، بل أن لكُل امرئٍ حقّ فيما يُؤمن به؛ لِما في ذلك من استعانة وجودية، إنمّا لا نحيل هذا الأمر إلى سيفٍ ليس هو بالخشبي ولا المعدني وإنّما سيف لا وجود له في مواجهة واقع راسخ الوجود.
صورة السقوط في جُبّ الوهن والغيبوبة المريعة التي نَشهدها في بعض بقاعنا اليوم بسبب أزمة كورونا ينفينا عن مواجهة المصائر بما يتحتّم علينا مواجهتها ويضعنا على تساوٍ من تلك السذاجة التي تتفرّد بها قرية "أم الطنافس الفُوقا". وأخيرًا وقبل أن نصل للمرحلة التي نفغر فيها أفواهنا صارخين "يا شحميطي لوين وصلنا"، أن نستذكر ما قاله فرج فودة في أنّ أقصر السُبل إلى حل المشاكل هو المواجهة والوضوح وقد تكون المواجهة قاسية لكنّها أرحم من الهروب وقد يكون الوضوح مؤلمًا لكنه أقل ضررًا من التجاهل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم


.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا




.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت